الرأي

سينما غير حقيقية

يونس جنوحي
من بين أكثر الأسئلة التي يطرحها الأجانب، خلال اليومين الماضيين عن المغرب، ما إن كان المغرب وجهة موصى بها لقضاء العطلة الصيفية في ظل الوباء؟ وما إن كان شرب الكحول مسموحا به هنا؟
نعم هذه هي الحقيقة، وكما تعرفون، الذكاء الصناعي لا يكذب في هذه الحالات، لأنه لا يقوم بأي شيء سوى تصنيف الأسئلة وتقسيمها. ليس هناك أي مجال للتزوير.
وطبعا، جاء المغرب في رتبة متقدمة لأن حكومات أوربية أوصت مواطنيها بالتوجه إلى المغرب هذه السنة، بدل التوجه إلى آسيا أو أمريكا اللاتينية، على اعتبار أن وتيرة انتشار الوباء هنا منخفضة جدا، مقارنة مع الوجهات الأكثر شعبية في العالم.
والحقيقة أن المغرب يستحق فعلا أن يُزار، ليس لأن شرب الكحوليات مسموح به، ولكن لأن أغلب سكان العالم يعتقدون أن المغرب ليس إلا صحاري قاحلة وأراض جرداء يحصرها المحيط الأطلسي، الذي يفصلنا عن الولايات المتحدة. والسبب في هذه النظرة المغلوطة بطبيعة الحال هو السينما. جيمس بوند صورنا على أننا بلد من الرعاع الملثمين، الذين يغتصبون النساء ويشهرون السيوف في وجه بعضهم البعض. بينما سلسلة «المهمة المستحيلة» التي شاهدها العالم أجمع، تصور المغرب بطريقة مغرية للسياح، لكن مخرجها جعلنا نبدو بلدا متزمتا ومجهولا.
ما يجعل الكثيرين يجهلون الحقيقة عن المغرب، هو تطاول بعض الأعمال العالمية على الإرث التاريخي والجغرافي للبلد وينسبونه إلى الشرق.
ورغم أننا في القرن الحادي والعشرين، إلا أن هناك سياحا توجهوا إلى مصر بحثا عن البنايات والمعمار الذي ظهر في مشاهد فيلم «الملاك»، الذي صوره البريطانيون مع مخرج إسرائيلي، وتناولوا فيه قصة الدبلوماسي المصري أشرف مروان، الذي تضاربت الروايات بشأن تجسسه المزدوج بين المصريين والإسرائيليين، خلال الحرب التي شنها أنور السادات ردا على هزيمة 1967.
الذين شاهدوا الفيلم في بريطانيا أو في أي مكان آخر من العالم، سوف يعتقدون أن المعمار في مصر بتلك الطريقة الفخمة، التي بدا بها القصر الرئاسي لأنور السادات، أو قاعة اجتماعات جمال عبد الناصر، لكن الأمر يتعلق بالمعمار المغربي، وجل مشاهد الفيلم صورت في مدينة الدار البيضاء.
المشكل نفسه تكرر في أفلام أخرى، مثل الفيلم التوثيقي الذي كان من إنتاج إسكندنافي، كان عنوانه هو الآخر «البحث عن أم كلثوم»، لكنه صور في المغرب وفي فيلات وإقامات مغربية. حتى مناظر البحر كانت في كورنيش الدار البيضاء. والكارثة أن مشاهد طفولة أم كلثوم، كانت كلها مغربية مائة بالمائة. والمشكل أن دعاية سياحية كبيرة لدول أخرى يقوم بها المغرب، دون أن يكون الأمر في علم وزارة السياحة ولا وزارة الاتصال سابقا. فالترخيص الذي منحته السلطات لمنتجي هذه الأعمال السينمائية، التي تقوم بسرقة الهوية البصرية للمغرب وترويجها لبلد آخر، لا يمت نهائيا بصلة لتلك الأجواء، دون الإشارة إلى أماكن التصوير في نهاية العمل، يعد سرقة فكرية وسطوا على المؤهلات السياحية المغربية ونسبها إلى الآخرين بكل وقاحة.
الطريف أن جولة واحدة في «تويتر»، ستجعلكم تتأكدون من هذا الأمر. هناك أمريكيون يسألون عندما خرج فيلم توم هانكس الذي تناول قصة بيع تكنولوجيا «الهولوغرام» للاتصال للملك السعودي، عن موقع السوق الجميل الذي تناول فيه الممثل الأمريكي الشهير وجبة السمك في مدينة «الرياض» السعودية. لأن هؤلاء السياح أسرتهم مشاهد السوق ومنظر الفندق.. وإذا توجهوا إلى الرياض وجدة لن يجدوا أي شيء، فقد كان الأمر يتعلق بمنطقة «المعاريف» بالدار البيضاء.. ولا أحد أشار إلى ذلك. يا للهول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى