الرئيسيةخاص

صابون حلب وكحول الرازي.. هكذا تعامل الطب العربي الإسلامي مع الأوبئة عبر التاريخ

محمد ظهيــري (*)
منذ الأسابيع الأولى لشهر مارس الماضي، حيث صنفت منظمة الصحة العالمية الفيروس الجديد -الذي تم اكتشافه في الصين أواخر سنة 2019- كجائحة عالمية تحت اسم «كوفيد-19»، والبشرية، في كل بقاع العام، تعيش حالة غير مسبوقة من الخوف والهلع. فقد تضرر قطاع المال والأعمال ومعه تراجعت الأسواق والمصانع والتنقلات البرية والبحرية والرحلات الجوية. كما تعطلت المدارس والجامعات ودور الثقافة والمكتبات والمسارح وأُغلقت دور العبادة. وقد كان لكل هذا انعكاسات كارثية على كل القطاعات. وأصبح بذلك «كوفيد 19» يهدد أمن العالم بأسره حيث تسبب في خلق أزمة صحية غير مسبوقة، منذ الحرب العالمية الثانية.

مقالات ذات صلة

رافق كل الأجواء والتدابير الوقائية المتخذة من قبل منظمة الصحة العالمية وحكومات أغلب دول العالم المتضررة من آثار «كوفيد-19»، نقاش حاد في وسائل الإعلام ومختلف وسائط التواصل الاجتماعي. فمنذ الأسبوع الثاني من شهر مارس تركز الاهتمام حول كيفية التوصل إلى لقاح مضاد لـ«كوفيد-19». وما يثير الانتباه أنه بينما حرصت بعض الجرائد الأجنبية وكتاب الرأي على التذكير بدور العرب والمسلمين في التوصل إلى نتائج طبية استفادت منها البشرية على امتداد قرون واعتمدتها الصين الشعبية لمواجهة كورونا والتقليل من أضرارها (جريدة «كلارين» بالأرجنتين، وأسبوعية «نيوزويك» بالولايات المتحدة الأمريكية ويومية «أ.ب.س» بإسبانيا) نجد، في المقابل، بعض الأكاديميين العرب يعبرون عن إشادتهم بانكباب علماء وأطباء من خمس دول «معظمهم من قوم عيسى وموسى وبوذا» لتطوير لقاح ضد «كوفيد-19» مما سيدخل «الفرحة على الكون»..

وكأن هذه التغريدات والتعليقات تدعونا إلى اليأس من «قوم محمد» لأنهم مجرد مستهلكين لما ينتجه باقي الأقوام. أي أن هؤلاء يعتبرون «قوم محمد»، الذين يقدرون بما يقارب ألفي مليون نسمة، أي ما يفوق ربع سكان العالم، غير قادرين على إنتاج معارف طبية وعلمية تعود بالنفع على البشرية.

إبداع عربي إسلامي

لا يمكنني الاتفاق مع هذا التقسيم بين الأقوام لأسباب عرقية أو دينية لإيماني وقناعتي الراسخين بأن «قوم محمد» و«قوم عيسى» و«قوم موسى» و«قوم بوذا» سواسية في الكرامة والضمير والحقوق ولو فرقت بينهم، بسبب مكان ولادتهم أو مكان ولادة آبائهم، الألسن التي يتواصلون بها أو الديانات التي يتبعونها أو العادات والتقاليد التي يمارسونها. ومن باب المسؤولية العلمية وكذا من باب قناعتي المبدئية، أجدني مضطرا للرد على هذه التصريحات الباطلة والتي أريد بها باطل.

يمكن أن نتفق مع هؤلاء حول الوضع الحالي للعطاء والإنتاج في كل مجالات المعرفة والعلوم بالمنطقة العربية الإسلامية، لكن هذا موضوع آخر وأسبابه ليست لها أية علاقة مباشرة بـ«قوم» دون آخرين. على الأقل إلى حدود كتابة هذه السطور لا توجد أية دراسة علمية قادرة على إثبات ذلك وإقران التخلف بقوم معينين. كما أنه يمكننا نعت «قوم محمد» بالتأخر العلمي وعجزهم عن مسايرة «أقوام عيسى وموسى وبوذا»، في تطوير العلوم لمجابهة الآفات التي تعانيها البشرية. خصوصا وأن كلمة «علم» بكل مشتقاتها وردت في الكتاب الذي يتبعه «قوم محمد» (القرآن الكريم) 779 مرة، أي بمعدل سبع مرات في كل سورة. وكذلك لأن العلوم والأدوية التي تستعملها «أقوام عيسى وموسى وبوذا» وباقي الأقوام لمجابهة «كوفيد-19» هي من إبداع عربي إسلامي محض. أقصد: «الصابون» و«الكحول» ثم «الحجر الصحي».

فمنذ اكتشاف المرض، وتصنيف منظمة الصحة العالمية له، كجائحة عالمية تحت اسم «كوفيد-19»، نصح الخبراء الطبيون للمنظمة بالحفاظ على مستوى جيد من النظافة الصحية، مثل «غسل اليدين بالصابون بشكل منتظم» و«عدم لمس الفم أو الأنف أو العين باليدين»، و«ارتداء أقنعة وقائية أو أقنعة جراحية» و«استعمال مطهرات اليد (خليط صابون وكحول)»، لتقرر بعدها الحكومة المركزية الصينية «إغلاق مدينة ووهان»، أي أنها فرضت على مدينة بأكملها يبلغ عدد ساكنتها 12 مليونا الحجر الصحي. وهو الإجراء نفسه الذي اتخذته في ما بعد كل من إيطاليا والمغرب وإسبانيا لتحذو حذوها دول عدة في كل بقاع العالم.

وإضافة إلى كل هذا، كل الدول المعنية بـ«كوفيد-19» «منعت تجمعات الناس» كما «منعت أداء الصلاة الجماعية وأغلقت دور العبادة ومنعت الاحتفالات الدينية»..

هذه الإجراءات الوقائية والاحترازية ليست اجتهادا من منظمة الصحة العالمية أو بدعة من الدول التي سجل فيها أكبر عدد من حالات المصابين بـ«كوفيد-19»، بل هي تطبيق شبه حرفي لإجراءات وقائية من إبداع عربي إسلامي بامتياز منذ ما يزيد عن 14 قرنا.

صابون حلب وكحول الرازي

إن تركيبة الصابون المستعمل إلى الآن في كل بقاع العالم تم العثور عليها في لوحات عراقية تعود إلى سنة 2800 قبل الميلاد، وهي التركيبة نفسها المستعملة في حلب منذ 4000 سنة لإنتاج صابونها الطبيعي المعروف، والذي يعتمد أساسا على زيت الزيتون ومواد أخرى طبيعية تنتجها أراضي الشام. وعبر بلاد الشام سيصل الصابون الحلبي-العربي، ذو الأصول العراقية، إلى شبه الجزيرة الإيبيرية خلال القرن 11 للميلاد، إبان تألق الحضارة العربية الإسلامية بالأندلس، ومنها إلى مملكة قشتالة ابتداء من 1230م، ليتحول بذلك إلى أحد أهم منتوجاتها وأهم صادراتها إلى أمريكا وأوروبا. وعبر مملكة قشتالة سيصل إلى فرنسا في حدود سنة 1370م، وهو الصابون المعروف فيها تحت اسم «صابون مرسيليا»-” Savon de Marseille”، ومن فرنسا سينتقل إلى كل دول العالم ليتحول إلى المادة الأساسية الأولى للنظافة في كل البيوت وفي كل الحمامات العمومية والخاصة.

وأما «الكحول»- “Alcohol” فهو مصطلح انتقل إلى باقي اللغات بالتسمية العربية نفسها، ويعني المستخلص الذي كان أول من اخترعه هو العالم والطبيب المسلم الرازي (250هـ/ 864م -311هـ/923م) عن طريق تقطير مواد نشوية وسكرية مختمرة. وكان يستعمله في الصيدلة من أجل استنباط الأدوية المتنوعة، ليتم استعماله في ما بعد كمطهر للجروح وكذلك لتطهير موضع العمليات الجراحية في مستشفى بغداد.

أمير الأطباء

قام المسلمون، منذ القرن الثامن للميلاد، بإسهامات عدة في علم الكيمياء لتظهر نتائج تألقهم مع جابر بن حيان (101هـ/721م-195هـ/815م) وأبي بكر الرازي (250 هـ/ م864-311 هـ/923 م) . وهكذا، ففي القرن العاشر للميلاد سيخترع الرازي «آلة الأنبيق»، وهي جهاز لتقطير السوائل. وهي، في اعتقاد كثير من العلماء، الآلة نفسها التي استعملها لاختراع وإنتاج «الكحول» الذي كان يستخدمه الرازي وباقي الأطباء المسلمين كمادة مخدرة ومطهرة لموضع العمليات الجراحية.

ولا تزال الكحول في اللغتين الإسبانية والإنجليزية ولغات أخرى تحمل لفظها العربي الأصلي (Alcohol).

أما الطبيب والفيلسوف ابن سينا (370هـ/980م-427هـ/1037م)، المعروف في العالم العربي الإسلامي باسم “الشيخ الرئيس” وفي الغرب بـ”أمير الأطباء” و”أبو الطب”، فكان أول من وضع دليلا للوقاية من الطاعون تتشابه إلى حد كبير والتوجيهات الموجهة حاليا من قبل المنظمة العالمية للصحة للوقاية من «كوفيد-19»، حيث توصل في كتابه «قانون الطب» إلى أن جميع الأمراض المعدية تنشأ وتنتشر بواسطة مواد صغيرة جدا وغير مرئية بالعين المجردة، أي ما يصطلح عليه اليوم بـ«فيروسات»، وأن أعدادها هائلة وهي تسبب الحمى والموت الأسود (الطاعون). وهذه المواد يمكنها أن تلتصق بالوجه والشعر والملابس، إلخ. وقد قدم وصفة للوقاية من الطاعون تبدأ بـعدم الخوف منه، أي الخوف من المرض، وتجنب أماكن تجمعات الناس لأن الفيروس ينتقل بين الأشخاص عبر الهواء. كما نصح بأداء فريضة الصلاة في المنازل وإغلاق المساجد والأسواق مؤقتا، وتعقيم النقود بالخل، هذا، إضافة إلى تأكيده على كل من يعتني أو يقوم بمعالجة مصاب بالطاعون أن يمضغ أوراق الشيح أو يعقم أنفه بقطن مبلل بالخل. وكأن ابن سينا تنبأ بفيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» منذ عشرة قرون خلت.

وللتذكير، فقد ألّف ابن سينا 200 كتاب، في الطب والفلسفة والعلوم الآلية والعلوم النظرية والعلوم العلمية والعلوم الأصلية والرياضيات والموسيقى. ويعد واحدا من الأوائل الذين ألفوا في الطبّ، وأشهر كتبه «القانون في الطب»، الذي ظل لسبعة قرون المرجع الرئيسي المعتمد لتعليم ولتكوين الأطباء في الجامعات الأوروبية حتى أواسط القرن السابع عشر.

تأسيس الإسلام للحجر الصحي

إن «الحجر الصحي»، الذي لجأت له مجموعة من الدول كواحد من التدابير التي نصحت بها منظمة الصحة العالمية لاحتواء ومنع انتقال الأمراض المعدية، خصوصا بعد تجاوز عدد الوفيات بسبب الإصابة بفيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» الثلاثة آلاف حالة في حوالي مائة دولة في آسيا وأوروبا وأمريكا وإفريقيا، شهر أبريل- الماضي، فهو إجراء طبقه الرسول محمد (ص) منذ أكثر من 1445 سنة. فمصادر السيرة النبوية تخبرنا بعدد من الأحاديث النبوية المؤسسة لمبدأ الحجر الصحي، مثل منع الرسول الناس من الدخول إلى البلدة المصابة بالطاعون وكذلك أهل تلك البلدة من الخروج منها. كما نقرأ في صحيح البخاري قصة عمر بن الخطاب(ض)، حين وصل إلى منطقة «سرغ»، في طريقه إلى الشام، بالقرب من اليرموك، حيث لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه بأن الوباء قد وقع بأرض الشام، فطلب رأي المهاجرين الأولين، فاختلفوا، فاستشار الأنصار، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، ثم استشار «من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح»، فدعاهم فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: «نرى أن ترجع بالناس ولا تُقْدِمَهم على هذا الوباء»، فنادى عمر في الناس «إني مُصَبِّحٌ على ظَهْرٍ فأَصْبِحوا عليه». غير أن أبا عبيدة بن الجراح اعترض معتبرا ذلك «فراراً من قدر الله»، إلى أن جاء عبد الرحمن بن عوف، وكان متغيبا في بعض حاجته، فقال: «إن عندي في هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه قال: فحمد الله عمر ثم انصرف».

ولعل هذا ما دفع بصحيفة «نيوزويك» الأمريكية إلى نشر تقرير في عددها الصادر يوم 17 مارس الماضي يقر بـ«تأسيس الإسلام لمفهوم الحجر الصحي». التقرير الموقع من قبل الدكتور كريغ كونسيدين، الأستاذ الباحث بقسم علم الاجتماع في جامعة رايس الأمريكية، ألح على كل ما سبق وأشرنا له، مثل الدعوات المتصاعدة من قبل الأطباء والمنظمات الصحية للبقاء في المنازل والحجر الصحي لمواجهة «كوفيد-19»، وتأكيده على أن «خبراء المناعة مثل الطبيب أنتوني فوتشي والمراسلين الطبيين مثل سانجي غوبتا يؤكدون أن نظافة شخصية جيدة وحجرا صحيا هما أفضل الوسائل لتطويق «كوفيد-19». كما ذكّر الدكتور كونسيدين بأن النبي محمد كان سباقا إلى كل ذلك، حيث «شجع بقوة الناس على الالتزام بالنظافة الشخصية التي تبقيهم في مأمن من العدوى، والدليل أحاديثه النبوية الحاثة على النظافة لأن «النظافة من الإيمان»، وأحاديثه الناصحة بغسل اليدين بعد الاستيقاظ من النوم «لأنك لا تعلم أين وضعت يديك خلال نومك»، أو أن «بركة الطعام تكمن في غسل اليدين قبل وبعد الأكل».

تقرير صحيفة «أ.ب.س» الإسبانية المنشور بعددها الصادر يوم 3 أبريل، تحت عنوان «نصائح الرسول لعلاج الجائحة»، أكد بدوره «سبق المسلمين لعلاج الأوبئة وتأسيسهم لمبدأ الحجر الصحي».

كفاءات عربية إسلامية

في واقع اليوم، وحال العرب والمسلمين ليس كما كان عليه عهد الرازي وابن سينا، فإن العلماء والأطباء العرب المسلمين ما زالوا، كلما وُفِّرت لهم الإمكانيات واحترمت كرامتهم واعْتُرِف بقدراتهم، يساهمون في تطور الطب وباقي العلوم لإنقاذ البشرية من الأوبئة والأمراض الفتاكة وتسهيل حياتها. فمثلا العالم المغربي، الخبير في علم المناعة، الدكتور منصف محمد السلاوي، مستشار «غلاكسو سميث كلاين» في علم المناعة ورئيس مجلس إدارة اللقاحات بالشركة نفسها، ساهم في تطوير 24 لقاحا كما أشرف منذ سنوات على بحوث حول لقاح ضد مرض «الإيدز». وقد تتبعنا عبر وسائل الإعلام المختلفة كيف استنجد به الرئيس الأمريكي ترامب للبحث عن لقاح ضد فيروس كورونا المستجد، حيث عيَّنه رسميا على رأس فريق خبراء وعلماء من دول مختلفة لتطوير لقاح مضاد لـ«كوفيد-19» وأسند له مُهمَّة الإشراف العلمي على اللجنة العلمية المعينة. كذلك، الدكتور حنين مصعب، السوري الأصل، والذي شغل لمدة سنوات منصب رئيس قسم الأوبئة في جامعة ميتشغان، يعود له الفضل في تطوير لقاح الأنفلوانزا الذي تم الترخيص باستعماله سنة 2003.

وهنا أريد التذكير، لعلاقتها بالموضوع، بالمفاجأة التي كانت تنتظر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال زيارته يوم 9 أبريل 2020 للمعهد الاستشفائي الجامعي (إي إتش أو ميديتيراني) بمدينة مرسيليا الساحلية، جنوب فرنسا، بهدف الاطلاع على أبحاث الطبيب والباحث ديديي راوولت، المثير للجدل في الأوساط الطبية في فرنسا بسبب دفاعه عن استخدام مادة «الهيدروكسي كلوروكين» لمعالجة مرضى فيروس كورونا المستجد، وكذا للتعرف على فريق عمله. وقد فاجأته إجابات فريق البحث العامل بالمختبر حين سألهم عن جنسياتهم. فمعظمهم ينحدرون من بلدان عربية إسلامية (المغرب، الجزائر، تونس، لبنان، مالي ثم السينغال).

ومنذ أن بدأت أولى حالات فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» في الظهور، كان الأطباء العرب أو من أصول عربية من أول المتجندين لإنقاذ حياة الضحايا. الكثير منهم طلبوا الالتحاق بعد إحالتهم منذ سنوات على تقاعد مُستحق. آخرون، بعد سنوات من انتظار معادلة شواهدهم الجامعية كأطباء وممرضين لاجئين في أوروبا وأمريكا، تقدموا كمتطوعين. كثير من هؤلاء أدوا حياتهم ثمنا لإنقاذ مرضاهم في إسبانيا وإيطاليا وبريطانيا ودول أخرى. نذكر على سبيل المثال لا الحصر الممرضين والأطباء الذين فقدوا حياتهم بينما كانوا يؤدون مهمتهم النبيلة لإنقاذ حياة آخرين ضحايا «كوفيد-19». نذكر منهم في إسبانيا، الطبيب الفلسطيني هشام يوسف؛ وفي إيطاليا الطبيب الفلسطيني نبيل خير؛ وفي بريطانيا الممرضة من أصول عربية أريما نسرين، والطبيبين السودانيين عادل الطيار وأمجد الحوراني، والطبيب النيجيري ألفا سعادو، والطبيب العراقي حبيب زيدي ثم الطبيب المصري سامي شوشة، وغير هؤلاء كثيرون في أغلب دول العالم.

إن الرازي وابن سينا، ومنصف محمد السلاوي وحنين مصعب ليسوا من «أقوام عيسى وموسى وبوذا»، بل هم من «قوم محمد»، (أي عرب أو/و مسلمون)، لكن انتماءهم لـ«قوم محمد» لم يمنعهم من التنبؤ بفيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» واقتراح حلول للوقاية منه وعلاجه، وفي الآن نفسه، ابتكار أدويته (الرازي، ابن سينا، منصف السلاوي) التي بفضلها أنقذ الطب حياة ملايين البشر في كل بقاع الكرة الأرضية منذ قرون. كما لم تتردد كل من أريما نسرين وعادل الطيار وأمجد الحوراني وألفا سعادو وحبيب زيدي وسامي شوشة للانخراط في إنقاذ حياة «أقوام عيسى وموسى وبوذا» وباقي الأقوام التي تعيش في البلدان التي كانوا يشتغلون فيها كممرضين وأطباء قبل وفاتهم ضحايا جائحة كورونا.

من المؤسف جدا أن الذين ما زالوا يستعملون مثل هذه المفاهيم من مثل: «قوم محمد»، و«قوم عيسى»، و«قوم موسى» ثم «قوم بوذا»، في القرن 21 يسمّوْن «مثقفين» ولهم إصدارات وكتب وأبحاث ومقالات في مجلات وجرائد ولهم معجبون يتابعونهم على وسائط التواصل الاجتماعي ويتفاعلون مع تغريداتهم وتدويناتهم.

كان من الأحرى بهم بدلا من محاكمتهم للنتائج ووقوفهم عند «وَيْلٌ لِلْمُصَلّين» وجلد الذات والتشفي واستفزاز مشاعر «قوم محمد»، التوجه إلى الحكومات العربية-الإسلامية، باعتبارها المسؤولة عن تسيير الشأن العام في هذه البلدان وعن وضع المخططات الاستراتيجية لكل القطاعات، لحثها على تحمل مسؤوليتها تجاه مواطنيها للرقي بخدمات هذه القطاعات. كما كان عليهم تذكير هذه الحكومات بالاستثمار في الإنسان وفي العلم والتعليم والمعلمين والبحث لدولها عن موقع مشرف في عالم المعرفة البشرية عن طريق تخصيص نسبة محترمة من منتوجها الداخلي الخام للتعليم والبحث العلمي، بدلا من تشجيعها للتفاهة وإفسادها لأذواق شبابها، وقمع روح المبادرة والإبداع في أنفسهم ونشر ثقافة التيئيس في أوساطهم. فكل الذين هم في سن الطفولة أو الشباب اليوم بالبلدان العربية يمكنهم أن يكونوا، مستقبلا، علماء في مستوى الرازي وجابر بن حيان وابن سينا والغفيقي والخوارزمي وابن رشد والسلاوي، لو أتيحت لهم نفس الفرص وتوفرت لهم نفس الشروط والإمكانيات وتبنت دولهم سياسات محفزة للابتكار والإبداع وحرية التفكير والخلق.

(*) أستاذ بجامعة كومبلوتينسي بمدريد (UCM)، وعضو مجلس مدرسة الدكتوراه بالمعهد الوطني للغات والثقافات الشرقية بجامعة السوربون باريس-سيتي (USPC).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى