الافتتاحيةالرئيسية

صرخة الشعوب

إلى زمن قريب، لم يكن أحد يتصور أن شوارع لندن الفاخرة ومدريد التاريخية يمكن أن تتحول إلى فضاءات للاحتجاج والغضب ضد تدهور الخدمات الصحية، ومطالب بتحسين الصحة العامة. كان يمكن للمرء أن يتوقع أي شيء، إلا أن يشتكي البريطانيون والإسبان على وجه التحديد، من تقويض الخدمة الصحية وسوء المعاملة في المستشفيات العمومية، وهي الدول التي كانت مضرب المثل في دولة الرعاية.

والدرس البليغ مما يجري في العالم، من امتعاض تجاه الخدمات العمومية، يوضح أن الشعوب أصبحت لها أولويات قطاعية ذات طابع اجتماعي لن تقبل بتراجعها مهما كانت المبررات، فأن يخرج 200 ألف في مدريد ومثلهم في لندن في أسبوع واحد، فهذا بمثابة ناقوس الخطر بالنسبة لبلدنا، فالمشاكل أصبحت معولمة وحلها يكمن في جزء منه في أخذ الدروس مما يقع في بلاد الآخرين «قبل أن تقع الفأس في الرأس».

صحيح أن اجتماع مخلفات الوباء والحروب والجفاف، والذي لم تشهد البشرية اجتماعا مثله لهذا الثالوث المدمر، منذ أكثر من مئة عام على الأقل، وضع نظم الخدمة الصحية في مختلف دول العالم على شفا الانهيار، وأدى إلى خسارة جزء مما تم إنجازه، خلال العقدين الماضيين، على صعيد تحقيق هدف الرعاية الصحية الشاملة لجميع أفراد المجتمع، لكن هذا ليس مبررا كافيا للشعوب لكي تختبئ الحكومات وراء تلك المشاكل لضرب مكسب الرعاية الصحية.

والأمر نفسه ينطبق على بلادنا، التي تعاني أصلا من ضعف الإمكانيات والقدرات لنظم الرعاية الصحية وفشل السياسات قبل ومع وبعد الأزمة، والتي تبحث منذ عقود دون جدوى عن ضرورة إعادة بناء المنظومة الصحية وهندستها وتنظيمها بشكل يجعلها قادرة على تحقيق هدف التغطية الصحية الشاملة، وبلوغ حالة من الأمن الصحي بوجه عام.

صحيح أن بلدنا، بتعليمات ملكية، مقبل على أكبر ورش للتغطية الصحية لـ22 مليون مغربي، مع دخول السنة المقبلة، لكن المهم ليس هو تسجيل المستفيدين ومنحهم البطائق بل الأهم هو توفير البنية التحتية اللازمة والموارد البشرية المطلوبة والكلفة المالية الضرورية لتغطية وتأمين نجاح هذا المشروع الاجتماعي الضخم، قبل أن تصلنا صرخة الشعوب المطالبة بالصحة والعلاج.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى