شوف تشوف

الرئيسية

طبيعة الذنوب ومآل العقاب

ستكون نهاية بشار البراميلي جدا دموية، حسب القانون التاريخي (الجزاء من جنس العمل). هكذا جرت الأمثال والمقادير. فرعون كان يقف خطيبا فيقول أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي، ولكن النتيجة كان مأساوية بكل المقاييس لعنة في الدنيا والآخرة. ومنه فقد خلد كل شخص اسمه في التاريخ بطريقة ما، بعاطر الذكرى أو اللعنة وسوء المآل.

وفي سورة (العنكبوت) عرض لأربع نهايات فاجعات؛ لأمم خالفت سنة الله فمحقت؛ فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا، وفي نهاية الآية يأتي القانون الجامع أن الله لا يظلم الناس ولكن الناس أنفسهم يظلمون (وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) الآية رقم 40.

نحن نعرف نهاية (قارون) مع كل الثروة التي جمعها، كما نعرف نهاية (فرعون) في اليم وهو مليم، كما نعرف نهاية قوم لوط فجعلنا عاليها سافلها، وفي قصة نوح عبرة ضخمة حين كان الملأ يمرون به فيتعجبون من رجل يبني سفينته على اليابسة خلافا لعلم البحار وبناء السفن؟ لم يكن يخطر في بالهم قط أن السماء ستفتح أبوابها بماء منهمر وتنفجر الأرض عيونا فيجتمع الماء على أمر قد قدر.

إذا تأملنا هذه الواقعات نرى قانون الله يسري على الجميع ويعاقب كلا حسب ذنبه، والذنب هنا هو مخالفة القانون الكوني. جرب أن تمد يديك إلى النار سيأتيك جواب المخالفة حرقا مريعا؟ جرب أن تلقي نفسك من شاهق لترى حطام العظام وتمزق الحشا ونزف الفؤاد. كلها مخالفات بنتائج فورية، وهناك من النتائج ما تتأخر ولكن الرب يملي للظالمين، إنها السنة التي لن تتبدل أو تنحرف، بل هي سنته التي لا تتغير.

حين تأملت قصة لوط وما ينتشر في الأرض من وباء الأيدز الذي أنهى حياة ثلاثين مليونا من الأنام، ومن يحمله عشرة أضعاف هذا العدد، وكان خلفه ومفجره الأول الانحراف الجنسي الذي قاد إلى اندلاع المرض، وصلت إلى القناعة التي تقول إن الذنب هو الانحراف عن قانون الله. وكتب التاريخ حافلة بمثل هذه المخالفات البيولوجية أو الاجتماعية والنفسية.
ينقل روبرت جرين في كتابه (القوة) تحت القانون 47 نصيحته أن يتوقف الإنسان حين يصل إلى هدفه فلا يتمادى؛ فإن زاد عوقب بموجب هذه المخالفة، مثل من يزيد سرعة السيارة فيفقد السيطرة عليها.

في عام 599 قبل الميلاد كان قورش قد تمدد بمملكته حتى الجزر الأيونية واستولى على فارس وآسيا الصغرى وزحف على بابل فأصبحت في قبضة يده، ولكن جشعه قاده إلى بحر قزوين، حيث كانت شعوب بدائية من قبائل (الماساجيتاي) تعيش هناك فخطط لامتلاكها، وهناك وبخدعة حربية تمكن من هزيمتهم وأسر الأمير (سبارجابيزيس) ابن الملكة (توميرس)، فأرسلت له رسالة تقول فيها: أن ينسحب ويقنع بثلث مناطق الماساجيتاي، وإلا فسوف: أعطيك دما اكثر مما تستطيع شربه رغم كل شراهتك.

تقول الرواية أن ابن الملكة دفعه الإحباط واليأس إلى الانتحار؛ ففقدت الملكة عقلها، وجمعت كل قواتها، وهاجمت قورش فهزم جيشه وقتل في المعركة. حينها قطعت رأسه ووضعته في زق مملوء بالدم وقالت: انظر كيف أنفذ تهديدي ولديك الآن ما يشبعك من الدم.
يقول روبرت جرين تحت القانون 47 من مربعات شطرنج القوة: إن الذهاب إلى أبعد مما ينبغي يخلق أعداء أكثر من الذين يمكن دحرهم.
وهذا القانون التاريخي أصاب العديد من الممالك والحكام فقادهم إلى سوء المصير. ولم يكن قورش سوى نموذج من سلسلة من القيادات التي سقطت في وهم القوة. هتلر مع زحفه في عملية بارباروسا بخمسة ملايين جندي، لينتهي في صقيع روسيا، ونابليون بـ 600 ألف جندي فلا يرجع منهم سوى 25 ألفا.
وبشار البراميلي هو واحد من هذه السلسلة المشؤومة. ونهايته ستكون كما في قصة قورش.

في الحوار الذي دار بين فرعون والحلقة الضيقة من حوله ينقل لنا القرآن خبرا مما كانوا يقولونه فيما دار بينهم، وتأتي عبارة فرعون (ذروني أقتل موسى) هنا يبرز السؤال هل فرعون بحاجة إلى موافقة من حوله ليمرر ويبرر قتل موسى، وهو الذي قال لمن حوله أنا ربكم الأعلى، وما أريكم إلا ما أرى، ومالكم من إله غيري؟ والجواب نعم، وهو في غاية الخبث والدهاء، عن كيفية عمل آلة الطغيان، وكيف تتحول المافيا إلى جسم واحد متماسك. فرعون هو صدر هذا المجلس، ولكن ومن خلال إغراق الآخرين بالقتل يصبح الجميع متورطين في القتل؛ فالطاغية لا يقتل بيده ولكن بمن حوله؟
في سوريا يحصل هذا فالقاتل لم يعد بشار البراميلي لوحده، بل عصابة ضيقة ممن حوله، وكل فرد من هذه العصابة نصف السرية نصف العلنية وغالبا الطائفية، تمتد بأذرع جديدة من الأتباع المتواطئين، فكل واحد تحت أمرته عشرات، وكل من هذه العشرات تحتها مئات من جنود فرعون المطيعين، كما أن آلية القتل عجيبة، فمن لا يقتل يقتل، وهكذا تصبح المؤسسة كلها إجرامية من عصابات من القتلة.

أنا أنصح القارئ بقراءة كتاب (العبودية المختارة) لأتيين دي لابواسييه، الذي صدر في القرن السادس عشر للميلاد (1562) بيد شاب، حاول تفكيك ظاهرة الطغيان وكيف يمكن لفرد أن يضع يده على مقدرات أمة.

كنت أقول لمن حولي مع بدء تساقط القتلى في سوريا أن الأرقام سوف تصعد تدريجيا لتصل إلى حواف المليون، وها قد وصلنا والبراميلي يتابع في تصعيد وتيرة القتل، فلم يبق سلاح إلا واستخدمه، كما أن إيران أخطأت كثيرا بدعم هذا الديكتاتور الدموي، وهي التي بدأت رحلتها من أجل المستضعفين.

أذكر جيدا رحلتي إلى طهران عام 1981 م في الذكرى الثانية للثورة، وكنا متحمسين للثورة الإيرانية السلمية، كما كانت نشرة كيهان تقول: الدم الذي غلب السيف، فكانت المظاهرات تخرج بالصدور العارية في مواجهة قوات الشاه. الآن انقلبت الأدوار وتمضي إيران في بناء الصنم النووي، كما حصل مع بني إسرائيل حين عبروا البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم، قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة.

أذكر جيدا أنني رجعت إلى المانيا في ذلك اليوم الذي نفضت يدي من الثورة الإيرانية وعرفت أن فكر التنوير لـ (علي شريعتي) غير موجود وأن الفكر التيولوجي هو الذي سيقود المرحلة اللاحقة.

نحن الآن أمام مشهد جديد في تحول المنطقة، تركيا تبدأ في رسم خرائط من المناطق العازلة في شمال سوريا، التي ربما تنتهي بحرب أقليمية، أو حرب الثلاثين عاما التي جرت على الأرض الألمانية في حرب مذهبية مجنونة.

لقد دخلت إيران حربا مجنونة مع صدام المجنون أكثر منها، واليوم صدام والخميني عند ربهم يختصمون. حيث طوى الموت صفحة أولئك الناس الذين أشعلوا الأرض نارا وأرسلوا إلى المقابر طوابير لا نهاية لها، كما فعل بشار البراميلي؛ يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود. ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد، وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم، فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب.

مع هذا قد يموت «المسخوط» كما مات ستالين وبول بوت وبومدين في عزة وشقاق فالتاريخ مضحك، بل قد يموت مثل فرانكو الذي بنى له المعتقلون السياسيون أعلى صليب في العالم، يمكن أن يرى من خارج الكرة الأرضية مثل سور الصين، ولكن النهاية أن كل هؤلاء وصمة عار في تاريخ الإنسان، وأين يصل في سقوطه ونذالته.
وكان الإنسان أكثر شيء جدلا. وكما يقول باسكال: الإنسان قديس وبالوعة ضلال فمن يحل لي الإشكال؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى