الرأي

عادة قديمة لا تزول

يونس جنوحي
هناك من يبكي اليوم على عدم حصول المخترع المغربي رشيد اليزمي على جائزة «نوبل» في شق العلوم، رغم أن الرجل قدّم للبشرية اختراعا يكاد يكون اليوم محور كل اختراعات التكنولوجيا الذكية. فبفضله أصبحت بطاريات الليثيوم مُتاحة وصارت هناك إمكانية توفير الطاقة اللازمة لتشغيل التكنولوجيا المتطورة التي توصلت إليها آلات الاتصال المتنقلة.
بدون رشيد اليزمي لن تكون هناك حواسيب متطورة بسُمك الورقة، ولن تكون هناك هواتف ذكية بقدرات استيعاب وتشغيل خارقة. وربما كانت شركات الإلكترونيات تمنح لزبنائها حقائب لحمل البطاريات أثناء استعمال تلك الهواتف.
ولكي نكون أكثر إنصافا للمخترع المغربي رشيد اليزمي، لا بد أن نذكر أن المغرب لم يقدم له أي خدمات أو تسهيلات تذكر، باستثناء الطباشير والسبورة و«البوماضا» الصفراء في المدارس العمومية، وربما بعض حصص الطعام في المطعم المدرسي. كان تفوقه في التحصيل العلمي هو «الجواز» الذي أتاح له الخروج مبكرا من المغرب لكي يطور قدراته ويجد من يحتضن أبحاثه، ولو بقي اليزمي في المغرب لكان من بين أصحاب الشهادات المعطلين أو المجازين في الكيمياء ممن يطالبون بالالتحاق بزوجاتهم في إقليم بدون ربط بالمياه العادمة. وفي أفضل الحالات لكان ممن خاضوا إضرابات ضد رئاسة الجامعة لكي توفر لهم ما يكفي من الجراد والضفادع لإجراء تجارب الانعكاس العصبي لدروس العلوم الطبيعية.
في فرنسا أكمل رشيد اليزمي أبحاثه المعمقة لكي يصل إلى اختراع بطارية الليثيوم. وهناك معلومات تقول إن أبحاثه لقيت تجاوبا من جامعات أخرى في اليابان على وجه الخصوص. كل شيء وارد ما دام أولئك الناس معروفين أيضا باحتضان المتفوقين في البحث العلمي مهما كانت ديانتهم أو جنسياتهم.
رشيد اليزمي قد يكون مدينا لأسرته الصغيرة في المغرب لأنه ابن أسرة كسائر الأسر التي تقتطع من لحمها لكي يستكمل أبناؤها دراستهم مهما كانت الحالة المادية للآباء ميسورة. وربما كان مدينا لأحد أساتذة التعليم الابتدائي الذين يتركون علامات فارقة في شخصية الناجحين من طينة رشيد اليزمي، لكنه ليس مدينا لأي أحد آخر.
لو كان هذا المخترع متحزبا، لكان اليوم عضوا في شبيبة أحد الأحزاب، أو في إدارة نشر جريدة الحزب يراجع الإعلانات الإدارية ويحصي المرجوعات، وربما عض أصابع الندم على اختيار العمل الحزبي والتخلي عن طموح البحث العلمي، وربما كان في أسوأ الحالات ضيفا على المحاكم لفض النزاعات الناتجة عن صراعات المكاتب الحزبية والانتخابات.
أكبر جائزة حصل عليها رشيد اليزمي حتى الآن هي حب الناس وافتخار المغاربة جميعا بأن واحدا منهم، تحدى الظروف العصيبة والانتكاسة التي نعيشها جميعا، وكرس وقته وشبابه لكي يصل إلى اختراع بطارية الليثيوم التي قلبت بدون مبالغة مستقبل الأجهزة الذكية.
كنا بالتأكيد لنفتخر كثيرا لو حصل اليزمي على جائزة «نوبل» لنضع اسمه في لائحة الكبار الذين خدموا البشرية. لكن أليست «نوبل» في الأخير مجرد جائزة لا يمكن أن تحيط بكل العظماء الذين ساهموا في تطوير البشرية أو رسموا لها مستقبلا في العلوم والتكنولوجيات الحديثة؟ كل شيء نسبي في الأخير. وحده إنجاز اليزمي الملموس لا يمكن أن تغطيه الشمس. أما نحن فعادتنا القديمة تقتضي أن نتخلى عن أبنائنا إلى أن يقطعوا الشط ويصنعوا الفرق، ووقتها فقط ندعي أنهم أبناؤنا، وأننا من ألهمناهم لكي يصلوا إلى ما وصلوا إليه. إنها عادة قديمة، لا يمكن التخلي عنها حتى لو شربنا ماء جميع بطاريات الليثيوم التي اخترعها واحد منا، وألهم بها البشر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى