الرأيالرئيسية

عالم قائم بذاته

يزن القلب الذي ينبض في صدورنا حوالي 312 غراما، وحجمه في قبضة اليد. وتبلغ ضربات قلب الرجل حوالي 60-80/ د، وينبض في العام حوالي 40 مليون مرة، وفي كل نبضة يدخل القلب حوالي ربع رطل من الدم (الرطل = 453 غراما)، ويضخ في يوم واحد 2200 جالون من الدم (الجالون 4 لترات في المتوسط)، أي 8800 لتر وحوالي 56 مليون جالون على مدى حياة بأكملها (حوالي 2240 مليون لتر). ترى هل يستطيع محرك آخر القيام بمثل هذا العمل الشاق لمثل تلك الفترة الطويلة، دون أن يحتاج إلى إصلاح؟ ويستطيع القلب إذا استعمل كآلة محركة أن يرفع ثقلا مقداره رطلين إلى ارتفاع قدمين بالجهد نفسه الذي يبذله في نبضة واحدة.

مقالات ذات صلة

ويبلغ مقدار الدم الذي يدفعه قلب رجل صحيح، أثناء القيام بتمارين قاسية حوالي 20 لترا في الدقيقة، ويستغرق مرور دفعة واحدة من الدم خلال القلب حوالي 1.5 ثانية، والطريق من القلب إلى الرئة، ثم إلى القلب مرة أخرى (الدورة الصغرى) ست ثوان. والدم الذاهب إلى الدماغ يعود إلى القلب في 8 ثوان، بينما يعود الدم الذاهب إلى أصابع القدم في 18 ثانية. وإذا افترضنا أن القلب لم يضطر إلى زيادة سرعة ضرباته عن الطبيعي، فإن الكرية الحمراء تمر في الدورة 1500 مرة في المتوسط على مدى يوم كامل (حمال يحمل يوميا 1500 مرة بدون تعب)! وفي الدم 5 ملايين كرية حمراء في كل مليمتر مكعب واحد من الدم وبقطر ثابت هو وسطيا 7 ميكرونا (واحد من مليون من المتر)، وبحجم محدد هو وسطيا 87 ميكرونا مكعبا، والخضاب الذي يعتبر أساس الكرية الحمراء له مقدار محدد هو وسطيا 12 ـ 16 غراما في كل 100سم3 من الدم، وبهذا القدر وهذا التقدير والتحديد تنسجم الوظائف، ويعم السلام البدن. وبذلك تبلغ في مجموع الدم العام حوالي 25 مليون مليون كرية حمراء، وتفرش سطحا مقدار 3450 مترا مربعا، وإذا صُفَّت كريات حمراء بدن واحد بجانب بعضها البعض، فإن مجموع أقطار الكريات (قطر الكرية الواحدة في المتوسط 7 ميكرونا)، ينشئ طولا يصل إلى 175000 كلم. فإذا عرفنا أن محيط الأرض هو 40 ألف كيلومتر، فإن شريط الكريات الحمراء سوف يغلف الكرة الأرضية حوالي خمس مرات (175000 كلم تقسيم 40000 كلم = 4.375)، مع العلم أن طاقة النقي في صناعة الكريات الحمراء يمكن أن تتضاعف إلى 5- 6 مرات، وتعيش الكرية وسطيا 120 يوما، ويمكن أنه ينقص عمر الكرية حتى 20 يوما، بدون ظهور دلائل فقر الدم. وتمشي الكرية الحمراء في رحلتها لنقل الأكسجين 1150 كلم في عروق البدن، وفي الكرية الواحدة يكمن مركب الخضاب المعقد الذي يحتوي على 574 حمضا أمينيا، بالإضافة إلى الشحم والسكاكر والخمائر والفيتامينات. وفي نقص الأكسجين يرتفع عدد الكريات الحمراء إلى 7- 8 ملايين ملم مكعب، خاصة في الارتفاعات وفي الأجنة، باعتبار أن الرئة لا تعمل، مما دعا إلى القول إن الجنين الإنساني يجلس على قمة إفرست. وفي الدم الكامل 25 مليون مليون كرية حمراء لنقل الأكسجين، و25 مليار كرية بيضاء لمقاومة الجراثيم ومناعة البدن، وهي بخمسة أشكال، ومليون مليون صفيحة دموية لحفظ الدم ضد النزف وإيجاد التخثر في أي عرق نازف، وتتكون هذه الخلايا بصورة أساسية من مخ العظام الذي يصب في الدم بمعدل 2.5 مليون كرية حمراء في الثانية، و5 ملايين صفيحة و120 ألف كرية بيضاء. وجدير بالذكر أن الكريات الحمراء تقوم بنقل 600 لتر من الأكسجين لخلايا الجسم كل 24 ساعة. والمصنع الرئيسي لإنتاج الكريات الحمراء عند الكهل هو نقي العظام، وهناك مصانع احتياطية تستنفر للعمل أثناء الأزمات، مثل الكبد والطحال والعقد اللمفاوية. وجدير بالذكر أن مصنع الدم الرئيسي عند الجنين، هو الكبد ويتحول بعد الولادة إلى نقي العظام، كما لوحظ أن أكثر المناطق إنتاجا للدم هي فقرات الظهر وتليها أضلاع الصدر، ثم عظم القص، وأضعف العظام في الإنتاج عند الكهل هي الظنبوب، أي عظم الساق. وحتى يمكن تصنيع الكرية الحمراء بما يلائم، فإن المواد الأولية كثيرة للغاية، فهي الشحوم والسكاكر والخمائر والبروتينات والماء والفيتامينات والأحماض العادية والأحماض الأمينية، فكيف يتسنى جمع كل هذه الأخلاط ومزجها وتركيبها بما يلائم؟ والجواب: (ولتصنع على عيني). وهكذا تبدأ عملية هندسة وتركيب شاقة لمئات من الأحماض الأمينية (574) حمضا، وبشكل منظم منسق لا يشذ حمض عن حمض، ولا يبدل مكانه من موضع لآخر، حتى تنجز أربع سلاسل، كل سلسلتين تتشابهان في البناء، وهي ما يرمز إليها بالسلسلة A والسلسلة B، وهذا هو الخضاب العادي، وبذلك يكون الخضاب محتويا على سلسلتين من نموذج ألفا A، كل سلسلة فيها 141 حمضا أمينيا والوزن الذري فيها 15128 (الوزن الذري هو عدد البروتونات والنترونات في قلب الذرة)، وسلسلتين من نموذج بيتا B، كل سلسلة فيها 146 حمضا أمينيا وذات وزن ذري 15870. وبذلك يكون مجموع الأحماض الأمينية 574 حمضا، وذات وزن كلي يساوي 64450 وزنا ذريا، وهناك في أعماق النقي يبدأ التفاعل ما بين الكوبالت والسيانور والفيتامين «بـ12» والنحاس والحديد والفيتامين «بـ6» وحمض الفوليك، ليخرج هذا الجنين الصغير المسمى بالكرية الحمراء! وهناك شيء مثير يلاحظ أثناء تطور الكرية الحمراء، ألا وهو فقد المركز القيادي، أي النواة، فمن المعروف كقانون لا يشذ في العضوية، أن الخلية حتى تستطيع القيام بالنشاط العادي والاستمرار في الحياة، فلا بد لها من مركز قيادي يسيطر على التفاعلات ويوجه السير، ويخطط للمستقبل، ويقوم بالحسابات الدقيقة، والحماية للخلية، ولكن القاعدة هنا تشذ، فالكرية الحمراء لا تقوم بنشاطها حتى تفقد نواتها، في حين أن الكرية البيضاء تختلف عن هذا، فهي لا تقوم بنشاطها إلا بعد أن تتعدد النويات كما في كثيرات النوى، أو تتضخم على الأقل كما في اللمفاويات. وهكذا نرى إرادة الله الطليقة تنشئ الحياة ما بين فقد النواة أو تعدد النواة، وكلها سنة الله في خلقه. (ولن تجد لسنة الله تبديلا).

 خالص جلبي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى