حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف التاريخ

عجائب منسية عاشها المغرب أيام المولى سليمان

حكم وعمره 26 سنة وقارع «بونابارت» وأطلق ثورة علمية

يونس جنوحي

 

«عندما كان المولى سليمان يحتضر، وهو في السادسة والخمسين من عمره، فوق فراشه بإقامته بمراكش خريف سنة 1822.. كان فريق العلماء المحيطين به يسجلون كل ما يمليه عليهم من التعليمات الأخيرة..

ورغم أن وفاته ومرضه كانا مفاجئين، إلا أنه تفرغ في سنواته الأخيرة من الحكم للتأليف، وترك بعد وفاته سجلا مهما من المخطوطات في الفقه والعلوم الشرعية والاجتهادات القضائية، التي تفوق فيها على قُضاته المقربين.

بين فاس ومراكش، حكم المولى سليمان المغرب وجلس على العرش وهو ابن السادسة والعشرين، وحيّر قادة أوروبا وأقنع أمريكا بالهدنة، وجنب دول البحر المتوسط حربا ضروسا ضد الولايات المتحدة.. ومرغ بكرامة نابليون بونابارت الوحل، وجنب السويد مجاعة بعد نقص حاد في القمح».

 

 

++++++++++++++++++++++++

 

قصة إمدادات القمح من فاس إلى ستوكهولم

عندما وصل المولى سليمان إلى الحكم سنة 1792، لم يتوقع له أحد أن يُخرج البلاد من عنق الزجاجة.. فقد كانت الأزمات التي عاشها المغرب، طيلة عقود، بعد وفاة السلطان مولاي إسماعيل سنة 1727، قد تسببت في تعميق الأزمات السياسية والاقتصادية، وإضعاف حظوظ المغرب دبلوماسيا.

الإرث الذي تسلمه المولى سليمان فور جلوسه على العرش، لم يُحبط من عزيمة السلطان الشاب، وجعله يدخل في إصلاحات لم تتوقف إلا برحيله في مدينة مراكش، عاصمته المفضلة وغير المُعلنة أيضا، سنة 1822.

خلال شباب المولى سليمان، خصوصا في عهد والده المولى محمد بن عبد الله، توصل المغرب برسائل من مملكة السويد، كان الهدف منها ربط علاقات دبلوماسية في عهده بين البلدين. فقد كان محرك المبادرة، تخوف السويديين من أن تنفرد بريطانيا بصداقة المغرب، في وقت أعلنت فيه إسبانيا الحرب ضد الثغور المغربية.

وهكذا فقد بادر مبعوث السويد، وكان اسمه Stromfelt، وكان عسكريا، إلى تقديم هدايا قيمة من مملكة السويد إلى السلطان محمد بن عبد الله، اعترافا بجميل السلطان عند قبوله استقبال مبعوث السويد.. حدث هذا في يوم 10 شتنبر 1777، حيث أبرم المغرب والسويد اتفاقية تتكون من خمسة فصول رئيسية، تهدف بالأساس إلى فتح باب التجارة بين البلدين. والغريب أن هناك اتفاقية بين المغرب وهولندا أبرمت في اليوم نفسه! لقد كان الأمر يتعلق بسباق أجنبي للفوز بحظوة لدى المغرب.

وقد كان المولى سليمان نائبا لوالده، وراكم تجربة في التعامل مع الأجانب، عندما عاش هذه التفاصيل إلى جانب والده في قصر فاس.

عادت السويد لتستميل صداقة المولى محمد بن عبد الله، وبعثت إليه سنة 1785 هدايا قيمة، عبارة عن أثواب وآلات حاسبة وأدوات للمختبرات، كتب السويديون أنه وزع منها على وزرائه وعدد من العلماء.

وقد كان المولى سليمان وقتها أميرا شابا يتلقى تعليمه على يد علماء مقربين من والده، ويتنقل من فاس إلى مراكش، التي قضى بها جزءا مهما من حياته القصيرة -المولى سليمان توفي عن سن تناهز 56 سنة، وكان رحيله مفاجئا-.

عندما أصبح المولى سليمان سلطانا للمغرب، لم يربط أي اتصال مع السويد إلا في سنة 1798، أي بعد ست سنوات على وصوله إلى الحكم.. وكان الاتصال بمبادرة من السويد. والهدف من الاتصال، كان يرمي إلى تمكين السويد من اتفاق يخول لها استيراد القمح المغربي.. ووافق السلطان من باب مد يد المساعدة للسويد، لما كان قد رآه من حسن العلاقات بينها وبين المغرب، خلال فترة حكم والده الراحل.

وهكذا فقد كانت إمدادات القمح المغربي، في عهد المولى سليمان، من فاس إلى ستوكهولم، خلال السنة نفسها التي أبرم فيها الاتفاق، قد أيقظ غيرة دول أوروبية، خاصة فرنسا وبريطانيا، حيث أيقنتا وقتها أن المولى سليمان ليس متحمسا لإعادة العلاقات معهما، في ظل التطورات التي عرفتها شمال إفريقيا من تسابق استعماري للظفر بقبائل المنطقة، بعد إضعاف سلطة العثمانيين.

 

 

غرائبيات مولاي سليمان.. سخر من مطالبة بونابرت بألف حصان

من الغريب أن يرحلا عن الدنيا تباعا. بونابارت رحل في ماي سنة 1821، بينما المولى سليمان رحل في نونبر 1822.

كتب الفرنسيون كثيرا عن تجنب بونابارت إغضاب المولى سليمان، الذي قرر إطلاق ثورة علمية حقيقية في المغرب، وإغلاق كل اتصال مع فرنسا، بسبب سياستها في شمال إفريقيا.

المولى سليمان امتنع عن التواصل مع الفرنسيين، لأنه كان يؤمن بقيمة «الجهاد»، وضرورة مواجهة فرنسا حتى لا تحتل المغرب.

إلا أن بونابارت الذي كان منشغلا باحتلال مصر، عندما تولى المولى سليمان الحكم، قرر أن يسلك طريقا مغايرا في التعامل مع المولى سليمان. وبدل أن يعلن حربا مع المغرب، اختار أن يبتعد عن نفوذ المولى سليمان، ويبادر إلى إعلان «حسن نية»، لم يستجب لها المولى سليمان في حينها.

وقد كتبت الصحف الفرنسية الكثير عن المولى سليمان، رغم أنها لم تكن تتوفر عن معلومات كافية حول طريقته في الحكم ولا سياساته، اللهم انفراده بسياسة إغلاق الباب أمام فرنسا وإسبانيا والبرتغال، وعدم استقبال أي مبعوث عنها.

لكن بونابارت، قرر بعد احتلاله إسبانيا سنة 1808، أن يكسر الطوق الذي ضربه المولى سليمان، وأن يبعث إليه رسالة يطلب منه فيها المساعدة.

المؤرخ المغربي محمد الضعيف الرباطي، انفرد بالاطلاع على مخطوط رسالة بونابارت إلى المولى سليمان، وذكر في مؤلفه «تاريخ الضعيف»، أن نابليون بونابارت طلب من المولى سليمان أن يبعث إليه ألفا من الخيول المسرجة والجاهزة للركوب.

لكن المولى سليمان الذي وصف نابليون بـ«النصراني»، قرر أن يرد عليه بطريقته الخاصة. وبدل أن يبعث إليه بالألف حصان التي اقترح نابليون أن يدفع ثمنها نقدا، أرسل السلطان إلى عماله في الأقاليم وطلب منهم أن يبعث إليه كل واحد منهم بفرس، ولم يرسل إلى نابليون سوى 15 حصانا فقط!

لم يكن نابليون قائدا عاديا، فقد فهم سريعا مغزى تصرف المولى سليمان، وفضل أن يبتعد عن أي مواجهة معه. فالجفاء الذي عامل به المولى سليمان رسالة نابليون، لم يكن سوى امتدادا لسياسة الانغلاق التي سنها مع فرنسا منذ اعتلائه العرش.

كانت أخبار المولى سليمان تصل إلى نابليون، خصوصا ما تعلق منها بتقديمه المساعدة إلى مجاهدي قبائل الشرق وصولا إلى طرابلس.. ورغم أن نابليون لوح مرارا بالرد عسكريا على أي اعتداء على قواته التي وصلت إلى مصر، إلا أن المولى سليمان لم يكن يتردد في إعلان موقفه صراحة، من خلال الرسائل التي وجهها إلى زعماء القبائل من الجزائر وصولا إلى طرابلس، والتي وعد فيها بإعانتهم، وإقراره باعتبار فرنسا عدوا للإسلام وليس لتلك القبائل فقط، وكان يرى أن من واجبه عدم التعامل مع فرنسا، باعتبارها أمة معتدية.

لقد كتب المولى سليمان سيرة غريبة، عندما نهج سياسة إغلاق الأبواب في وجه نابليون بونابارت الأسطوري.. واعتبره المؤرخون المغاربة سلطانا فريدا «قلما جاد الزمان بمثله».

++++++++++++++++++++++

 

المؤرخ الناصري: المولى سليمان أحدث ثورة جبائية وألغى ضرائب الدخان

لم يكن المؤرخ المغربي الشهير أحمد بن خالد الناصري، الذي توفي سنة 1897 – لم يعش فترة حكم المولى سليمان، لكنه تفوق في التوثيق لها- وهو يجمع سيرة المولى سليمان وما عاشه المغرب خلال عهده، ليذخر جهدا في الإحاطة بالسياق الذي وصل فيه المولى سليمان إلى الحكم، خلال فترة عصيبة في تاريخ المغرب.

فقد كانت سنة 1792 عصيبة، وعاش خلالها المغرب أزمة سياسية واقتصادية خانقة.

وقد علق الناصري في مؤلفه الشهير «الاستقصا» على السياق الذي وصل فيه المولى سليمان إلى الحكم، وأولى الإصلاحات التي باشرها. يقول:

«لما بويع أمير المؤمنين المولى سليمان رحمه الله رد الفروع إلى أصولها، وأجرى الخلافة على قوانينها، بإقامة العدل والرفق بالرعية والضعفاء والمساكين، ومن وفور عقله وعدله «إسقاط المكوس»، التي كانت موظفة على حواضر المغرب في الأبواب والأسواق، وعلى السلع والغلل، وعلى الجلد وعشبة الدخان. فقد كان يقبض في أيام والده رحمه الله خمسمائة ألف مثقال معلومة مثبتة في الدفاتر مبيعة في زمم عمال البلدان، وقواد القبائل كل مدينة وما عليها، ومن ذلك المكس كان صيار العسكر، في الكسوة والسروج والسلاح والعدة والإقامة والخياطة و«التنافيذ» لوفود القبائل والعفاة والمؤونة للعسكر ولدور السلطان وسائر تعلقاته.
فكان ذلك المكس كافيا لصوائر الدولة كلها، ولا يدخل بيت المال إلا مال المراسي وأعشار القبائل، فزهد فيه هذا السلطان العادل. فعوضه الله أكثر منه في الزكوات والأعشار، من القبائل وزكوات أموال التجار، والعشر المأخوذ من بحار النصارى وأهل الذمة بالمراسي، وأما المسلمون فقد منعهم من التجارة في أرض العدو، لئلا يؤدي ذلك إلى تعشير ما بأيديهم أو المشاجرة مع الأجناس، هكذا بلغنا والله أعلم.

(..) واتفق له في أواسط دولته من السعادة والأمن والرفاهية ورخاء الأسعار، وابتهاج الزمان، وتبلج أنوار السعادة والإقبال، ما جعله الناس تاريخا، وتحدثوا به دهرا طويلا، حتى صارت أيام السلطان المولى سليمان مثلا في السنة العامة، ولقد أدركنا الجم الغفير ممن أدرك أواسط دولته، فكلهم ينبني عليها بملء فيه، ويذهب في إطرائها كل مذهب.

وكانت القبائل في دولته قد تمولت ونمت مواشيها وكثرت الخيرات لديها من عدله وحسن سيرته، فصارت القبيلة التي كانت تعطي عشرة آلاف مثقال مضاربة أيام والده، يستخرج منها على النصاب الشرعي عشرون أو ثلاثون ألف مثقال، وذلك من توفيق الله له وتمسكه بالعدل والحلم والجود والحياء وجميل الصبر، وحسن السياسة، والتأني في الأمور، واجتنابه لما هو بصدد ذلك».

 

 

السلطان الذي أخّرت سياسته احتلال المغرب قرابة قرن كامل

عندما قرر السلطان مولاي سليمان، بعد وصوله إلى الحكم سنة 1792، أن يقطع كل اتصال مع دول أوروبا، ويجمد العلاقات الدبلوماسية، فقد جعل قادة الدول الأوروبية يقفون شبه عاجزين أمام اختراق المغرب، في وقت كانوا يعدون فيه الدراسات عن الجزائر وتونس وطرابلس، ويتقاسمون المنطقة في ما بينهم.

وما جعل قادة أوروبا يكنون ضغينة للمولى سليمان، أنه عرض علانية على حاكم طرابلس أن يساعده على مقاومة الاحتلال، كما أنه أرسل قوات لمساندة قبائل الجزائر، وأغلق كل المنافذ البحرية في وجه أوروبا، وألغى عقود شركات ومضامين اتفاقيات جمعت المغرب وفرنسا وبريطانيا، خلال فترة حكم جده المولى إسماعيل، الذي توفي سنة 1727.

وما زاد من حيرة الأوروبيين الذين كانوا يخوضون حربا في إفريقيا الشمالية لإخضاع القبائل، بعد هزيمة العثمانيين ونهاية حكمهم في المنطقة، أن المولى سليمان قد فتح باب الاتصال مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومنح الأمريكيين الحماية عند عبورهم المياه المغربية، سواء عبر المتوسط أو المحيط الأطلسي.

هذه الخطوة تؤكد تاريخيا أن المولى سليمان لم يكن ليغامر بما راكمه والده وجده، المولى محمد الثالث والمولى عبد الله.. فقد اعترف المغرب باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1777، والمولى سليمان لا يزال أميرا وجرب أن يشتغل خليفة لوالده السلطان، ورأى كيف أن والده، في خطوة ذكية جدا، تجنب شر الوقوع في حرب مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبدل أن يدخل في مواجهة مع الأسطول الأمريكي، أبرم اتفاقا مع الأمريكيين، ووفر لهم الحماية عند عبور المياه المغربية، وأقنع بحارة طرابلس بالالتزام ببنود الاتفاق.

والنتيجة كانت أن فتح الأمريكيون أول قنصلية لهم في العالم، في طنجة سنة 1821، قبل وفاة السلطان مولاي سليمان بسنة واحدة فقط.. فقد قرر المولى سليمان أن يظهر للأمريكيين استمرار العهد بينهم وبين المغرب، حتى بعد رحيل والده المولى محمد الثالث، وأهدى إلى الأمريكيين البناية التي احتضنت المفوضية الأمريكية، باعتبارها أول إدارة دبلوماسية أمريكية في العالم. ودخل المولى سليمان التاريخ، بعد إعلان إهدائه البناية إلى الأمريكيين.

لم تكن للأمريكيين أي مساع لاحتلال المغرب، وهو ما جعل الأوروبيين يؤخرون خطة احتلال المغرب، أو اقتسامه لتسعين سنة أخرى، أي ما يقارب قرنا من الزمن.

وإذا كان هناك فضل في هذا التأخير، فإنه يُنسب للمولى سليمان، الذي أحدث ثورة ثقافية داخلية في المغرب، في عز سن سياسة الانغلاق عن أوروبا. فقد كان عالما ومؤلفا، واستثمر ما حققه والده المولى محمد الثالث، من اتفاقيات مع الولايات المتحدة الأمريكية، لصالحه. واشتهر عهد المولى سليمان بازدهار العِلم والعلماء وانتعاش نسخ الكتب والمخطوطات.. فقد انكب السلطان سليمان بنفسه على التأليف، وعزز الخزانة المغربية بعدد من المراجع الفقهية والأدبية المهمة، والتي ما زالت تحمل توقيعه الشخصي وخاتمه السلطاني..

شخصية المولى سليمان شغلت الفرنسيين عندما كانوا يشتغلون على إخضاع بلاد الجزائر – وهو ما تحقق رسميا باحتلال الجزائر، بعد وفاة السلطان مولاي سليمان سنة 1822- ورغم أنهم لم يحتلوا الجزائر رسميا إلا سنة 1830، إلا أن كبار العسكريين الفرنسيين كانوا متأكدين أن احتلال المغرب يتطلب مجهودات أكبر من تلك التي بذلوها لإخضاع الجزائر وتونس، واتضح لهم أن سياسة الصد التي بادر إليها المولى سليمان كانت فعالة جدا، حتى بعد وفاته.

 

عندما أنقذت البرتغال سفينة عائلة المولى سليمان

رغم أن المؤرخين أجمعوا على أن عهد المولى سليمان تميز بانغلاق في العلاقات المغربية الأوروبية، إلا أن بداية عهده كانت مزدهرة دبلوماسيا، قبل أن يسن سياسة الانغلاق التام عن أوروبا والاكتفاء بعلاقات متينة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

اللافت أيضا أن المولى سليمان حافظ على علاقات متينة مع دولة السويد، في حين ابتعد تدريجيا عن فرنسا وإسبانيا وبريطانيا، على اعتبار أن الدول الثلاث كانت الأكثر تربصا بالمغرب..

عندما اشتغل المؤرخ عبد الهادي التازي في السلك الدبلوماسي، فتحت أمامه أبواب مكتبات أوروبا، وقد كانت زيارته إلى لشبونة في البرتغال مثمرة، ووقف فيها على عدد من الوثائق والمراسلات التي تعود إلى عهد المولى سليمان.

وقد ذكر في مؤلفه الفريد، والجامع، التاريخ الدبلوماسي للمغرب من أقدم العصور إلى اليوم، في الجزء التاسع تحديدا، عددا من الأحداث والحقائق التاريخية المثيرة التي وقعت في عهد المولى سليمان، وسجلت سواء في رسائل مباشرة بينه وبين القصر الملكي في البرتغال، أو بين إخوته الأمراء – بأمر منه- والوزراء والدبلوماسيين البرتغاليين:

«ومن المهم أن نشير هنا، اعتمادا على ما نشره الأستاذ أريباس بالاو، إلى الرسالة التي بعث بها السلطان مولاي سليمان إلى الملكة دونا مارية، سلطانة البرتغال، والغرب والبرازيل وباقي البلاد وتوابعها»… لقد عبرت هذه الرسالة عن أواصر المحبة الفائقة التي تجمع بين البلدين، والتي لا تزيدها الأيام إلا رسوخا…

والرسالة تحمل تاريخ 8 صفر 25 = 1207 شتنبر 1792، وهي أول رسالة تتحدث عن علاقاتنا أيضا مع البرازيل، ولو أنها كانت ما زالت تابعة للبرتغال.

وقد وجدنا في المصدر نفسه رسالة باللغة العربية من القنصل البرتغالي جورج بيدرو كولاصو (G.P. Collago) إلى  محمد بن عثمان، وزير خارجية المغرب، ووالي السلطان مولاي سليمان على تطوان، وتحمل تاريخ ربيع الثاني 1207، يهنئه على منصبه ويستبشر بالعلاقات في المستقبل..

كما نجد من جهة أخرى رسالة من محمد بن عثمان إلى  القنصل البرتغالي المذكور، يخبره بوصول رسالته ويطمئنه على مستقبل العلاقات المغربية البرتغالية، ويغتنم هذه الفرصة ليثني على محرر رسالة القنصل المذكور الذي أبان عن تمكنه من اللغة الغربية! والرسالة بتاريخ 15 ربيع الثاني عام 1207.

ومن المهم أن نجد رسالة بتاريخ 25 ذي الحجة 1207 -يوافق سنة 1793- تتعلق بموضوع طريف ويتعلق الأمر بثلاثة مراكب كانت تحمل بعض أفراد العائلة الملكية المغربية أدت بهم العاصفة إلى جزيرة بالبرتغال، حيث نرى أن هذه الدولة هيأت لأعضاء الأسرة الملكية أسباب الراحة، حتى عادوا إلى المغرب في أمن وأمان..

وفي رسالة من الأمير مولاي عبد السلام إلى القنصل البرتغالي المذكور، بتاريخ 11 محرم 1208، وجدناه يشكر القنصل على ما أبلغه من أخبار عن أفراد العائلة الملكية التي وجدت نفسها في البرتغال… والرسالة تفيض شكرا وعواطف على التفاتته الكريمة. ولا بد أن نعرف بهذه المناسبة أن الخليفة السلطاني بأكادير هو بالصدفة ابن الأمير مولاي عبد السلام….

ونجد بعد هذا ظهيرا من السلطان مولاي سليمان إلى وزيره محمد بن عثمان، وإلى الخديمين القائد أحمد الدليمي والقائد عبد الله بركاش وإلى القائد حماد الصريدي في التوصية بكل القواد البحريين الذين يردون من البرتغال والاهتمام بها، وهذه الرسالة تحمل تاريخ 18 محرم 1208.

ونسجل هنا وثيقة تحمل تاريخ 11 محرم 19 – 1208 غشت 1793 عبارة عن رسالة للسلطان… إلى السلطانة مارية تؤكد أواصر المحبة والود الذي يوجد بين البلدين، وقد كتبت بالعربية وإلى جانبها ترجمة بالبرتغالية.

ولم يكن غريبا عنا أن نجد خطابا لاحقا يحمل تاريخ 18 محرم

1208 – من وزير السلطان مولاي سليمان إلى القنصل البرتغالي كولاص(Collago) ، في شأن مركب برتغالي حرث بين سبتة وتطوان، إن الوزير المغربي يعرب عن أسفه العميق لما حدث وقد فتح بحثا مريعا حول الموضوع.. وإن العاهل المغربي لمهتم بنفسه بالأمر.. فلتطيبوا نفسا».

 

المولى سليمان ضغط على لندن بمنع إمدادات جبل طارق

من الحقائق المغربية المثيرة، ما حدث سنة 1803، بين المغرب والدبلوماسيين البريطانيين، والمولى سليمان وقتها في عز قوته..

انتقل المولى سليمان إلى فاس، قادما إليها من مراكش سنة 1801، حيث التقى مبعوثا بريطانيا وهو القنصل «ماترا»..

وكان اللقاء المشحون – كما وصفه القنصل نفسه- يرمي إلى  إقناع المولى سليمان بفك الحصار عن الأسطول البريطاني في البحر المتوسط.

كانت العلاقات المغربية البريطانية وقتها مجمدة، وتخوف البريطانيون من أن يعود القنصل خالي الوفاض، وأن يرفض السلطان استقباله، رغم التطمينات بقدوم السلطان المولى سليمان إلى فاس..

وفعلا، تم يوم 14 يونيو 1801 إبرام اتفاق بين المولى سليمان وبريطانيا، وكتبت عنه الصحف البريطانية محتفلة بما أسمته «انتهاء الأزمة، وعودة الحظوة في المغرب».

لكن الحقيقة أن البريطانيين لم يستفيدوا شيئا من الاتفاقية، باستثناء حل ملف الأسطول البريطاني العالق في البحر المتوسط.. وكان عليهم أن ينتظروا سنتين كاملتين، لكي يتسنى لهم جني ثمار اتفاق فاس.

فقد علم البريطانيون أن المولى سليمان سوف يزور طنجة، لكنهم لم يكونوا يتوفرون على تاريخ الزيارة. وكل المعلومات التي سجلها القنصل لم تتعد توصله بأخبار مفادها أن المولى سليمان سوف يزور طنجة – وهو ما حدث فعلا في أكتوبر 1803- لكي يلتقي الوفد الأمريكي، ويطوي صفحة الأزمة الأمريكية مع قراصنة طرابلس.

جاء المولى سليمان إلى طنجة، وطلب القنصل «جيمس كرين»، وهو أحد أمهر وأشهر الدبلوماسيين البريطانيين، الذين اشتغلوا في الخارجية البريطانية خلال القرن 19، موعدا للقاء السلطان.

وعندما أعلم السيد «كرين» بأن السلطان سوف يجتمع به في قصر طنجة لدقائق، أعد نفسه جيدا للقاء، وأرسل إلى لندن يخبرهم أن ملف أزمة جبل طارق في طريقه ليستقر بين يدي المولى سليمان.

لكن اللقاء لم يتم في طنجة، فقد عاد المولى سليمان إلى فاس، وكان على القنصل البريطاني الجديد أن يتبع السلطان إلى  قصر فاس، حيث عُقد اللقاء أخيرا.

تلقى المبعوث «كرين» وعدا من المولى سليمان، بتقديم المساعدة إلى البريطانيين في جبل طارق، وفك الحصار المفروض عليهم، بسبب الأزمة بين بريطانيا وإسبانيا.

وفعلا نفذ المولى سليمان وعده واستمرت المساعدات المغربية لجبل طارق لسنوات، استفادت فيها الخزينة المغربية من الانفراد بتموين جبل طارق حصريا. بل إن البريطانيين طلبوا سنة 1807 من المولى سليمان أن يزيد من وتيرة التموين، وهو ما استجاب له السلطان.

اليد الممدودة التي سنها المولى سليمان تجاه الإنجليز، اتضح لاحقا أنها كانت خطوة استباقية، فقد أرسل السلطان مولاي سليمان إلى الإنجليز، يقترح عليهم أن يساعدوه على استعادة سبتة من قبضة الإسبان، ليس بالقتال، وإنما بتطويق المدينة بحرا، في حين كان المولى سليمان يخطط لتطويقها برا من الناحية الجنوبية للمدينة.

لكن المولى سليمان فوجئ بأن الإنجليز قد أنزلوا قواتهم في سبتة، ولم ينفذوا ما طلبه المولى سليمان. وأمر المولى سليمان وزيره عبد السلام السلاوي، بأن يكتب إلى  القنصل «كرين» رسالة يعود تاريخها إلى يوم 20 ماي 1810، جاء فيها على لسان الوزير ما تلقاه من أوامر من المولى سليمان:

«أي فرصة مثل هذه نجدها لاسترجاع سبتة وهي في حكمنا وفي بلدنا؟ إن عليكم أن تُجلوا الإسبان عن المدينة بالقوة، أو تتوسطوا لنا معهم ليرحلوا عنها، وكل ما يريدونه منا نعطيه لهم، فإذا لم تستطيعوا القيام بإجلائهم ولا بإقناعهم، فارحلوا أنتم عن سبتة واتركونا نحن وهم!».

كانت هذه الواقعة واحدة من أسباب عودة المولى سليمان إلى  سن الانغلاق، وبقوة هذه المرة، في وجه الإنجليز. حتى أن بريطانيا ارتبكت في التعامل مع الأزمة، وسحب المولى سليمان كل تعاملاته معهم وبقيت معلقة لسنوات، ولم تعد إلى  عهدها إلا بعد رحيله.

 

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى