الرئيسيةملف الأسبوع

عندما تأكل الدولة أبناءها

كنت مديرا فأصبحت سجينا

حسن البصري
عادة ما تمتلئ السجون بمديري المؤسسات الكبرى حين يشتعل الحراك، أو عندما تملأ رائحة الفساد فضاء البلاد، وتتجند لجن الافتحاص البرلمانية وتخرج إلى الوجود تقارير سوداء لمدققي الحسابات، وترتفع الأصوات مطالبة بسل شعرة الفساد من عجين الشأن العام. كثير من الشخصيات العمومية تثير الجدل حين تقف في قفص الاتهام، فقد اعتاد المواطنون على إحالة سارق حافظة النقود على القضاء وصرف النظر عن السرقات الكبرى، وحين يصدر القاضي حكما باعتقال المسؤول الكبير تصل رسالة التغيير إلى من ظل يؤمن بأن السجن للمجرمين الصغار. صحيح أن السجين «الهاي كلاس» يعيش في المعتقل حياة مختلفة عن باقي سجناء الحق العام،
إذ يتمتع بامتيازات كثيرة ويجد خدما من السجناء والموظفين رهن إشارته، إلا أن مجرد حرمانه من الحرية يكفي للاستدلال على أن سيف القانون لا يستثني الرؤوس الكبيرة. بالأمس القريب، أدانت غرفة الجنايات، التابعة للمحكمة الابتدائية لجرائم الأموال في فاس، أنس العلمي لهوير، المدير العام السابق لصندوق الإيداع والتدبير، بالحبس سنة نافذة، على خلفية قضية مشروع باديس في الحسيمة. وقضت الغرفة بنفس الحكم، في حق زميله علي غنام، الذي شغل منصب مدير الشركة العامة العقارية التابعة للصندوق، وعدد من مدراء الشركة. وعلى مر التاريخ ظلت تهمة «اختلاس أموال عامة»
تقض مضاجع كبار المديرين منهم من نجا من المعتقل ومنهم من ينتظر.

مقالات ذات صلة

محمد الخامس يحيل مدير ديوانه اعبابو على القضاء
كان التهامي اعبابو يحتل مكانة كبرى في محيط السلطان المولى يوسف، كان مقربا منه في الحل والترحال، ما مكنه من جمع ثروة كبرى استثمرها في بناء الأحياء السكنية، وأضحى من كبار المقاولين والملاكين.
حسب هاشم المعروفي في كتابه «عبير الزهور»، فإنه بعد وفاة السلطان المولى يوسف تمت مصادرة ثروة حاجبه التهامي اعبابو، في إطار تصفية حسابات «بسبب مواقفه العدائية تجاه الإقامة العامة الفرنسية» وهو مبرر نجد نقيضه في كتابات «كولونيالية» تصر على أن محمد الخامس قد قرر فور تعيينه سلطانا على المغرب، إبعاد الحاجب اعبابو الذي كان المد والجزر يميز علاقتهما، بل إن مصادر أخرى قالت إن الحاجب كان يرفض جلوس المغفور له محمد الخامس على العرش ويساير أطروحة «الخلافة للمولى إدريس».
كانت نقطة التحول الحقيقية في حياة التهامي هي وفاة مولاي يوسف، وما ترتب عنها من مواجع للحاجب السلطاني اعبابو، فحسب «عهد السلطان مولاي يوسف» لزين العابدين العلوي، فإن سنة 1927 قد أجهزت على الحاجب السلطاني وحولته من صاحب صولة إلى شخص مدان.
علم محمد الخامس أن الحاجب الملكي التهامي اعبابو قد منع من حضور اجتماع العلماء لتعيين خليفة للمولى يوسف، وقال المؤرخ عبد الهادي التازي إن التهامي كان من المؤيدين لتنصيب مولاي إدريس خلفا لوالده، «لكن ما حدث، أنه لم يتمكن من حضور الاجتماع، بعدما اعترضته السلطات التي كان المسؤول عنها الحاج المقري، وهو في طريقه إلى فاس».
أمر محمد الخامس بالحجز على ممتلكات الحاجب واتهمه بنهب آثار دار المخزن وخضع بيته لعملية تفتيش، ثم انتهت القضية بتسوية دفع فيها اعبابو 6 ملايين فرنك، وتنازل عن ملكية درب الحاجب بالدار البيضاء وبقي محتجبا في بيت إلى وفاته سنة 1942.
والغريب في هذه النازلة أن المقيم العام الفرنسي الجنرال تيودور ستيغ قد طلب من قدور بن غبريط مستشار الملك محمد الخامس التدخل عاجلا لإطلاق سراح الحاجب الملكي السابق التهامي اعبابو، بل إن الحكومة الفرنسية عينت محاميا للدفاع عنه إلى أن استعاد حريته، ولم يكن هذا المحامي سوى إتيان ميليران المقيم العام السابق.

جنازة والدة عليوة تعتق رقبته من سجن عكاشة
شعر خالد عليوة، الرئيس المدير العام السابق للقرض العقاري والسياحي، بحبل يلف عنقه، حين علم عبر محاميه بقرار إغلاق الحدود في وجهه، رفقة بعض المديرين السابقين الذين وردت أسماؤهم في تقرير المجلس الأعلى للحسابات المرتبط بتبذير أموال عمومية وسوء التسيير. جاء قرار إغلاق الحدود في وجه عليوة ومن معه بناء على المعطيات التي توصلت إليها عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في إطار فتح ملفات الفساد..
لكن قبل حلول عيد الأضحى سارع رفاق خالد عليوة، المدير العام السابق للقرض العقاري والسياحي، والوزير الاتحادي الأسبق، إلى وضع ملتمس يقضي بمنحه السراح المؤقت، في القضية التي كان يتابع فيها إلى جانب عبد الحنين بنعلو، المدير العام السابق للمكتب الوطني للمطارات، في ملف اختلاسات وتبديد أموال المؤسستين.
تلقى خالد تطمينات بقضاء العيد بين أهله ودويه، لكن المحكمة رفضت، رغم أن كل المؤشرات كانت تتحدث عن إفراج قبيل العيد، ليتأجل الحلم الذي راود المتهمين في قضايا فساد مالي. وينتظرا سويا فاجعة وفاة والدته كل منهما لينعم خالد وعبد الحنين بفسحة حرية للضرورة الجنائزية.
بقرار من ملك البلاد ولاعتبارات إنسانية، تمكن المدير العام الأسبق للقرض العقاري والسياحي، من مغادرة عكاشة متوجها إلى مقبرة الشهداء، حيث رخص له بحضور جنازة والدته التي وافتها المنية. توصلت إدارة السجن برسالة تتضمن ترخيصا لخالد بمغادرة المعتقل لمدة أربعة أيام، «كي يحضر دفن والدته، ويقوم بواجب العزاء».
يوم 4 مارس 2013، خرج خالد عليوة من سجنه، ولم يعد إليه. لم يتمتع وقتها الرئيس المدير العام السابق للقرض العقاري والسياحي سوى برخصة من 4 أيام لحضور جنازة والدته، لكن سرعان ما تحولت متابعته في حال اعتقال إلى متابعة في حال سراح، لكن يبدو أن عليوة لا يرى أي فرق بينه وبين أي شخص قضى عقوبته كاملة، أو خرج من زنزانته ولم يعد، وحده قرار المنع من مغادرة الوطن ظل ساري المفعول.
وكان التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات (2009) قد خص خالد عليوة، الرئيس المدير العام الأسبق للقرض السياحي والعقاري، بحصة الأسد (44 صفحة)، ضمن الجزء الخاص بمراقبة التدبير واستعمال الأموال العمومية بالقطاعات الاقتصادية والمالية.

بنعلو في المعتقل بسبب ملايير «طارت» من مكتب المطارات
رغم الضجة التي أحدثها اعتقال عبد الحنين بنعلو، المدير العام الأسبق للمكتب الوطني للمطارات، إلا أن عبوره في السجن لم يتجاوز بضع سنوات قضاها خلف أسوار المركب السجني عكاشة بالبيضاء، على خلفية واحد من أشهر ملفات الفساد ونهب أموال عمومية، إذ قضى الحكم الاستئنافي بأداء المتابعين فيه تعويضات مالية لفائدة الدولة، تجاوزت 2.5 مليار سنتيم.
تحركت مسطرة المساءلة منذ 2013، وجر هذا الملف حملة من الاعتقالات طالت عددا من الأطر السابقة للمكتب الوطني للمطارات، التي أجرتها الفرقة الوطنية المختصة في جرائم الأموال مع مسؤولي شركات ومدراء وممونين استنادا إلى وثائق متعلقة بصفقات عمومية ضخمة تفوح منها رائحة فساد.
أطلقت الصحافة المغربية على الملف اسم «بنعلو غيت» وسارع وزير العدل والحريات، بعد توصله من الوكيل العام للمجلس الأعلى للحسابات، بوثائق تخص الموضوع، إلى تحريك المتابعة، إذ تحدثت التحقيقات عن اختلاسات بالملايين أشار إلى بعضها تقرير المجلس الأعلى للحسابات.
مرت سنتان من المساءلة، خلصت إلى أن المدير لم يكن يعير اهتماما للمساطر في صفقات سمينة، فحكم عليه ومدير ديوانه بخمس سنوات سجنا وبأداء بنعلو مبلغ مليار و800 مليون سنتيم، و72 مليون سنتيم أخرى مناصفة مع مدير ديوانه، الذي ألزم بأداء مبلغ آخر قدره 14 مليون سنتيم، فيما تقرر إرجاع باقي المتهمين لمبالغ مالية تراوحت بين 7500 درهم و20 ألف درهم.
وفجر رئيس قسم الشؤون القانونية والممتلكات سابقا بالمكتب نفسه، فضيحة أخرى، متحدثا عن استيلاء بنعلو على 10 بقع أرضية بإفران كانت مخصصة لبناء منتجعات يستفيد منها أطر ومستخدمو المكتب في إطار الأعمال الاجتماعية.

وشاية المذبوح ترسل ربع وزراء الحكومة وعدة مدراء إلى سجن لعلو
في مارس من سنة 1971 تلقى الملك الراحل الحسن الثاني تقريرا مفصلا من مساعده الجنرال المذبوح، يتضمن حقائق تؤكد تورط عدد من وزراء الحكومة في قضايا فساد مالي، واقترح على الملك فتح تحقيق في القضية، التي أحيلت على أحمد الدليمي الذي كان حينها مديرا عاما للأمن الوطني. وبعد طول انتظار وترقب أعلن عن اعتقال خمسة وزراء، هم مامون الطاهري وزير المالية، عبد الحميد كريم وزير السياحة، وعبد الكريم الأزرق وزير الأشغال العمومية، ومحمد الجعيدي وزير التجارة والصناعة، ووزير الداخلية السابق محمد العيماني، فضلا عن يحيى شفشاوني الوزير السابق للأشغال العمومية ومدير مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية، ورجل الأعمال عمر بن مسعود وموظفين ساميين. أصل صك الاتهام الذي شغل الرأي العام في تلك الحقبة الزمنية العصيبة، سفر الجنرال المذبوح إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لتهيئ زيارة للحسن الثاني لهذا البلد، وما ترتب عنها من تقرير يدين وزراء الحكومة بالفساد، بعد أن طلبوا عمولات من شركة «بنام أميريكان» كي يسمح لها بإنجاز مشروع استثماري في الدار البيضاء عبارة عن فندق فخم. تقرير المذبوح كشف عن وجود شبكة لتهريب المعادن، وأخرى لتهريب الأموال إلى الخارج.
فوجئ الوزراء باستدعائهم إلى قصر إيفران في مارس 1971، ليعرب لهم الملك عن خيبة أمله، قبل أن يضيف «سأسامحكم كأنكم قد ولدتكم أمهاتكم اليوم». استبشر الوزراء المدانون والتمسوا الصفح من الملك، لكن الحسن الثاني فاجأ الجميع بعد شهر فقط بإجراء تعديل حكومي أسقط الوزراء الخمسة، وتبين أن الرجل يريد دفن القضية التي أغضبت الولايات المتحدة الأمريكية ووضعت مصداقية الحكومة في مهب الريح. لكن الانقلاب العسكري لعاشر يوليوز، أي بعد ثلاثة أشهر عن العفو الملكي، أغضب الملك لأن قائد المحاولة لم يكن سوى الجنرال المذبوح الذي كان إلى عهد قريب يتأبط تقرير الأمريكيين. وفي سادس غشت عين الحسن الثاني حكومة جديدة يرأسها كريم العمراني، دون أن يطوى ملف الوزراء والمدراء المدانين.
في شهر نونبر من السنة نفسها، استقبل السجن المركزي لعلو بالرباط ضيوفا من العيار الثقيل، لأول مرة في تاريخ المغرب بعد الاستقلال يعتقل وزراء ومدراء وكبار المسؤولين ورجال الأعمال، لتبدأ أطوار محاكمات شغلت الرأي العام الوطني والدولي، وأول حكم نطقت به محكمة العدل الخاصة هو تمتيع العيماني بالسراح المؤقت، وتقليب أوراق قديمة لوزراء حكموا البلاد قبل تشكيلة العراقي. ورغم الضجة التي أحدثتها المحاكمة إلا أن الأحكام كانت رحيمة بالمدانين الذين قضوا فترات حبس قليلة، ومنهم من لم يستأنف الحكم الابتدائي لإيمانه بأن المحاكمة كانت صورية، وأنهم مجرد أثاث لتزيين البيت المغربي الخارج للتو من حالة انقلاب، وكان المذبوح أحد المخططين له.

خالد وية.. كمين يسقط أغنى مدير وكالة حضرية في قبضة العدالة
أن تشغل منصب مدير الوكالة الحضرية، فهذا المنصب يكفيك للاصطفاف في طابور الوجهاء، أما أن يكون التعيين في مراكش التي تعرف توسعا عمرانيا فهذا وحده كفيل بارتماء المدير في حضن الثراء. لكن حين سقط المدير خالد وية في كمين تبين أن المنصب يقطر مالا.
كانت شكاية مباشرة إلى رئيس النيابة العامة كافية للشروع في التنسيق مع عناصر الشرطة القضائية بمراكش، التي نصبت كمينا، بإشراف الوكيل العام للملك، أسقط مدير الوكالة وكشف عن ثراء موظف دولة مهمته صيانة المشهد العمراني ضد العبث. في يوم الثلاثاء 12 نونبر 2019 أحيل خالد على الغرفة الجنائية الابتدائية للمدينة، بعدما ضبط متلبسا بتلقي شيك بقيمة 886 مليون سنتيم، إضافة إلى مبلغ نقدي قدره 50 مليون سنتيم.
وضع منعش عقاري خطة الكمين بتنسيق مع السلطات الأمنية والقضائية، في يوم حارق من صيف يوليوز، حيث امتد التحقيق ليشمل ممتلكاته في مراكش وخارجها، وحين طوقته الاتهامات كشف المدير للمحققين عن كونه مغربيا بجنسية فرنسية، لكنه لم يقدم إثبات هذه الصفة.
خالد من مواليد القصر الكبير عرف عنه هوسه بالجاه منذ أن كان طالبا في المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية في الرباط والتي تخرج منها عام 1995، بميزة «يقظ جدا». ورغم أنه ينتمي لأسرة ميسورة إلا أن حبه للمال لا حدود له، خاصة بعدما ارتبط بزوجة وسيدة أعمال.
بعد بحث دقيق أدانت محكمة الاستئناف بمراكش مدير الوكالة الحضرية بـ10 سنوات سجنا، و5 سنوات حبسا لكل واحد من شريكيه، زوجته وصديقه المهندس. صدر الحكم عن غرفة جرائم الأموال مساء الأربعاء 5 فبراير 2020، في ثامن جلسة ضمن هذا الملف، الذي حظي بمتابعة للرأي العام المحلي والوطني، بالنظر لمنصب المتهم ومبلغ الرشوة التي توبع على إثرها.

البصري يجر مدراء للسجن تحت مسمى «حملة التطهير»
لم يكن الملك الراحل خارج النص، وهو يتحدث من على منصة البرلمان وأمام ممثلي الأمة، عن السكتة القلبية التي تهدد المغرب. لذلك لم يكن متحمسا، وهو يحلم بتناوب جديد، وحكومة على شاكلة تلك التي تم وأدها في بداية الستينات والتي سماها المتتبعون بحكومة الوطنيين، والتي قادها الراحل عبد الله ابراهيم، بأن يعود لسدة الحكم حزب الاستقلال أكثر من رغبته أن يقود هذه التجربة الجديدة وجه من خصوم الأمس، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. لذلك سينتظر الحسن الثاني 1998 ليعلن عن ميلاد تناوب عبد الرحمان اليوسفي، وليس تناوب امحمد بوستة الذي كان مقررا في 1996.
كان المغرب لا يزال تحت السلطة شبه المباشرة لرجل الشاوية ادريس البصري، وزير الداخلية الأقوى في كل حكومات المغرب الحديث. وكان لا بد أن يستثمر هذا الرجل تلك الثقة التي وضعها فيه الحسن الثاني ليصفي مرة حساباته، ولينتقم مرات أخرى ممن يعتبرهم خارج الصف. اجتاحت المغرب في نفس سنة 1996 موجة التطهير، كان لا بد أن تأتي على الكثير من الأخضر واليابس، وجرت في طريقها الكثير من الأبرياء، الذين ضاعت رؤوس أموالهم، وأضحوا مفلسين.
سيتولى وزير المالية وقتها محمد القباج الملف الذي سيخبر الحسن الثاني، وهو برفقة مدير الجمارك، بوجود تجاوزات يقوم بها بعض الأشخاص في مجال الاستيراد المؤقت، قبل أن يسلماه لائحة من 30 اسما، ويقترحا عليه تحذير أولئك المستوردين عن طريق إنذارات كتابية أو بواسطة عناصر الأمن، مع منحهم مهلة سنة ليقوموا بحل المشاكل المتعلقة بنشاطهم الاقتصادي. لكن الملك رفض. وقال إن المعنيين بالأمر لن يردوا على الإنذارات الكتابية ولن يولوها أي اعتبار. ولذلك يبدو من الأحسن أن تستعين وزارة المالية وإدارة الجمارك بالسلطة. ليتحول الملف إلى يد إدريس البصري، الذي وجد الفرصة لتصفية الحسابات مع مدراء كبار.
أحدثت الحملة التطهيرية ضجة واسعة، خاصة على المستوى الحقوقي، بعدما دخلت العديد من الجمعيات على الخط، وانتقدت طريقة تدبير هذا الملف، ما دفع بالوزير المنتدب المكلف بحقوق الإنسان، محمد زيان، للإعلان عن استقالته على المباشر في برنامج تلفزي، احتجاجا على الطريقة التي سير بها وزير الداخلية ملف القضاء على التهريب.
وبعد مجموعة من الاجتماعات بين الملك ووزير الداخلية ووزراء من الحكومة، انتهت العملية بإعلان الحسن الثاني صدور عفو لصالح جميع المدراء المعتقلين على خلفية هذا الملف في 16 أكتوبر من سنة 1997.

بلخويا.. أحكام غريبة في حق مدير «كيا»
قضت المحكمة الزجرية بعين السبع بالدار البيضاء بتبرئة أمين بلخويا، المدير العام السابق لشركة «كيا موتورز»، من أجل التهم التي كان متابعا من أجلها، فيما تمت إدانته بسنة ونصف في قضية القرض الفلاحي، ولأنه قضى سنتين في السجن ضمن التحقيق معه، فقد تم الإفراج عنه.
حين قضت المحكمة الزجرية الابتدائية بالدار البيضاء، بالبراءة لأمين بلخويا، أعاد الصحافيون ترتيب حكم وصف بالسريالي، فبعد تورطه في قضايا تتعلق بالاحتيال وخيانة الأمانة وتبديد المحجوزات، غادر بلخويا، الذي كان في حالة اعتقال منذ أبريل 2014، سجن عكاشة بالبيضاء، بعدما نطق القاضي في ملفه، حيث كان متابعا من طرف «التجاري وفا بنك» و«البنك الشعبي» و«القرض الفلاحي»، كما توبع بسبب دعوى شريكه الأمير مولاي إسماعيل الذي تنازل عن الدعوى.
ويأتي قرار المحكمة بالبراءة بعدما تمت إدانته في ملف «التجاري وفا بنك» بسنة ونصف السنة سجنا نافذا، وهي الفترة التي قضاها في فترة التحقيق معه، إضافة إلى غرامة مالية تقدر ب300 ألف درهم.
يذكر أن بلخويا، كان متهما بخيانة الأمانة وتبديد رهون تعادل قيمة 2164 سيارة من نوع «كيا» لصالح القرض الفلاحي، أي ما يعادل 84 مليون درهم، إلى جانب 1388 سيارة لصالح «التجاري وفا بنك»، أي ما يفوق 51 مليون درهم. وما أن نسي الناس القضية حتى انفجرت فضيحة الفرع الجهوي لنفس الشركة جرت مديرها للسجن.

لعنة باديس تنهي مسار العلمي وغنام خلف القضبان
بعد خمس سنوات من التداول في الملف، أدانت غرفة جرائم الأموال الابتدائية التابعة لمحكمة الاستئناف بفاس، المدير العام السابق لصندوق الإيداع والتدبير، أنس الهوير العلمي، والمدير العام السابق للشركة العامة العقارية، محمد علي غنام، بسنة حبسا نافذا و5000 درهم غرامة لكل منهما، لتورطهما في قضية المجمع العقاري (مدينة باديس) بالحسيمة، كما قضت المحكمة ببراءة الـ25 شخصا المتابعين في القضية بتهم تبديد ممتلكات عامة والنصب وتزوير محررات رسمية واستعمالها، وتكوين عصابة إجرامية.
تحريك الدعوى جاء إثر العديد من الشكاوى التي أشارت إلى وجود اختلافات كبيرة بين التزامات الشركة العامة العقارية، الذراع العقاري لصندوق الايداع والتدبير، والممتلكات المسلمة للزبناء في إطار هذا المجمع الذي يمتد على خمسين هكتارا.
وتعود تفاصيل الواقعة، كما أوردتها «الأخبار» في حينها، إلى شهر غشت سنة 2014، عندما رفع مواطنون مغاربة تظلماً إلى الملك، محمد السادس، حول مخالفات في بناء مساكن اشتروها من الشركة العقارية العامة، التابعة لصندوق الإيداع والتدبير، الذي يعتبر أهم مؤسسة مملوكة للدولة والذراع المالي التي تساهم في تنفيذ العديد من المشاريع الاستراتيجية. وبناء عليه، أمر الملك بفتح تحقيق في شكاوى المواطنين الذين ادّعوا تعرضهم للغش والتدليس من قبل الشركة العقارية العامة. وشمل التحقيق، الذي أشرفت عليه الفرقة الوطنية للشرطة القضائية المكلفة بالجرائم المالية والاقتصادية، أيضا، المشاريع التي أنجزتها الشركة بمدينتي الحسيمة والناظور.
وتوزع المتهمون إلى ثلاث مجموعات، الأولى تضم المتهمين الرئيسيين في هذا الملف، وهم المدير العام السابق لصندوق الإيداع والتدبير، أنس العلمي، وعلي غنام، المدير العام السابق للشركة العامة العقارية التابعة للصندوق، وأيضا عثمان الحناوي، المدير السابق للمشاريع بجهة الشمال. أما المجوعة الثانية، المكونة من 18 متهما، فأغلبهم من أطر الصندوق وممثلي الشركات الكبرى ومكاتب الدراسات التي تدخلت في المشروع، فيما همت المجموعة الثالثة والأخيرة 6 متهمين يديرون شركات مختصة في الصيانة.
ونفى غنام والعلمي، أثناء محاكمتهما بجنايات اختلاس وتبديد أموال عامة، والتزوير في محررات رسمية واستعمالها والتصرف في أموال غير قابلة للتفويت، التهم الموجهة لهما. ونفى العلمي أن تكون لها علاقة مباشرة بالمشروع وتنفيذه وتتبعه، مؤكدا أن رئاسته لمجلس الإدارة بالشركة العامة العقارية، يجعلها بعيدة عن التتبع الميداني. وبدوره برر غنام عملية بيع بقع أرضية بالمشروع للوفاء بحاجيات الشركة لبناء دور للسكن الاجتماعي، بوجود ضغط من والي جهة تازة الحسيمة تاونات آنئذ، لإطلاق المشروع، قبل مفاجأة المشترين بعدم التوصل بتراخيص للبناء من قبل المجلس البلدي المحلي.

رفيق الحداوي: مفتش في الضمان الاجتماعي مطرود يترأس لجنة الافتحاص
في صيف عام 2002، انفجر ملف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إثر صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق التي تشكلت لهذا الغرض بمجلس المستشارين. وعرفت القضية متابعة من قبل الرأي العام الوطني الذي فوجئ، في ذاك الوقت، بحجم الاختلالات والتجاوزات التي كان موضوعها اشتراكات منخرطين وودائعهم، خاصة وأن الخسائر فاقت 115 مليار درهم.
تبين أن صندوق التضامن يتضامن فعلا مع كبار المسؤولين ويمنحهم فرصة الاغتناء السريع، ومن بين الاختلالات التي سجلها أعضاء اللجنة «سيادة الرشوة والمحسوبية في عملية تحصيل واجبات الاشتراك، وتزوير الوثائق وتحري المعطيات قبل منح التعويضات، وتوظيف أكثر من 5000 مستخدم خارج أي إطار قانوني، وعدم تغطية المراقبة المالية لمجالات نشاط الصندوق. وحمل التقرير مسؤولية ما تعرضت له مالية الصندوق وممتلكاته من اختلالات واختلاسات لمجموعة من الأجهزة على رأسها المجلس الإداري الذي اتخذ قرارات ضدا على مصالح المؤسسة وأساء تسييرها وتوجيهها ثم الإدارة العامة (المدير العام) التي يخولها القانون تنظيم إدارة الصندوق وهيكلتها والتنسيق بين مصالحها والإشراف على المراقبة المالية على الخصوص، بالإضافة إلى مسؤولية الوصاية التقنية والوصاية المالية»، كما جاء في التقرير.
عاش رفيق الحداوي المدير العام السابق للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الرعب هو وأسرته، في ما بين 1995 و 2001، وقال المدير العام «إن التقرير المقدم ضده و25 شخصا بتهمة المساهمة في تبديد أموال عمومية لا يشرف لا المجلس ولا اللجنة البرلمانية، لأنه كان على اللجنة الاستماع لعشرات الشهود ومراجعة آلاف التقارير قبل أن تبت فيه، ثم أضاف أن إخراج الملف للإعلام، وفي هذا الوقت، أعطى للشعب المغربي الانطباع على أن الشغل الشاغل لمدراء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هو تبدير الأموال. وأضاف أنه كان أول من قام بتعيين مفتش عام بالصندوق وأرسله للخارج ليكمل تكوينه لكنه طرد بعد أن تم اتهامه بالقيام باختلاسات «هذا الشخص نفسه كان على رأس لجنة تقصي الحقائق التي قدمت التقرير».

رفض مناصب سامية وأصر على منصبه في الولاية وانتهى بسجن الأوداية
داهمت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، رئيس قسم الشؤون الاقتصادية والتنسيق بولاية مراكش وجرته إلى قسم جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بمراكش، حيث تم عرضه على الوكيل العام الذي قرر إيداعه سجن الأوداية في انتظار إحالته على قاضي التحقيق المكلف بالتحقيق في قضايا جرائم الأموال والهيئة القضائية التي ستتكلف باستكمال أطوار المحاكمة.
رئيس القسم الاقتصادي والرجل النافذ بولاية مراكش (ع.ع) الذي قضى أكثر من عقدين على رأس أهم الأقسام بولاية مراكش، وجايل أكثر من سبعة ولاة، قبل أن يستفيد من فترتي تمديد جعلتاه يتحكم في زمام الأمور الاقتصادية بمراكش لأربع سنوات إضافية، خضع لمدة ثلاثة أيام بمقر الفرقة الوطنية بالدار البيضاء، لتحقيقات تمهيدية حول التهم الخطيرة المنسوبة إليه، قبل نقله إلى مراكش، حيث مثل أمام نائب الوكيل العام المكلف بقضايا جرائم الأموال، الذي استنطقه لمدة ثلاث ساعات قبل الزج به بسجن الأوداية بتهم غليظة تتعلق بالارتشاء واستغلال النفوذ وخيانة الأمانة.
وكانت شكاية رسمية تقدم بها مستثمر فرنسي لرئاسة النيابة العامة عبر الرقم الأخضر، قد أطاحت برئيس قسم الشؤون الاقتصادية والتنسيق بالولاية، حيث تم اعتقاله من داخل مكتبه بمقر ولاية مراكش آسفي متلبسا بتسلم مبلغ مالي يناهز 12 مليون سنتيم، تبين أنه حصل عليه من المشتكي، وداهمت عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية مقر ولاية مراكش، حيث توجهت مباشرة إلى مكتب المتهم، من أجل إتمام تفاصيل كمين محكم تم ترتيبه بين المشتكي ورئاسة النيابة العامة والوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش ومصالح الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، وهو ما تم بالفعل بعد أن جر المشتكي رئيس القسم إلى دردشة أولية حول طلب الترخيص الذي تقدم به، والمبلغ المالي المتفق عليه، قبل أن تتدخل عناصر الأمن لضبط المسؤول الولائي في وضع تلبس بتسلم الرشوة، بحضور ممثل النيابة العامة.
وشهدت محاكمة رئيس قسم الشؤون الاقتصادية نفس المسار الذي خضعت له قضية مدير الوكالة الحضرية بمراكش التي تقترب محكمة جرائم الأموال من حسمها خلال الأسابيع القادمة، حيث ينتظر أن تتجاوز التحقيقات نازلة الرشوة، إلى ملاحقة كل الشبهات المفترضة المرتبطة باتهامات يتم تداولها بشكل كبير بالمدينة الحمراء تتعلق بثروة الرجل وممتلكاته وغنائمه المحتملة من سنوات التدبير والسلطة، كما حصل مع مدير الوكالة الحضرية، الذي تنتظره محاكمة أخرى بالرباط تتعلق بتهمة غسل الأموال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى