شوف تشوف

شوف تشوف

غفل طارت عينك

الذين قالوا، في محاولة للعثور على تبرير لما حصل، أن الذين سرقوا أكباش العيد في رحبة الحي الحسني بالدار البيضاء هم فقراء جوعى ليسوا مسؤولين عما قاموا به، عليهم أن يعيدوا مشاهدة الشريط لكي يتأكدوا من أن هؤلاء الأشخاص لا يعانون من سوء التغذية والدليل أنهم قادرون على خطف كبش يزن خمسين كيلو من الأرض والركض به بخفة كما لو كانوا يحملون أرنبًا. ثم إن الفقر شيء والنهب والسرقة شيء آخر. ما وقع يدخل في باب الاعتداء وسلب ممتلكات الغير بالقوة.
عمليًا فجهة درعة تافيلالت حسب المندوبية السامية للتخطيط هي أفقر جهة في المغرب، هناك تموت النساء الحوامل فوق المحفات التي يحملها الرجال فوق أكتافهم بحثا عن مستوصف، يموت الأطفال بسبب غياب حقنة أو حبة أسبرين، ومع ذلك يستحيل أن تسمع أو ترى مشهدًا مماثلًا لما رأيناه وسمعناه في رحبة الحي الحسني بالدار البيضاء.
ومن الواضح أن هناك أفرادًا جاؤوا إلى الرحبة بنوايا سيئة مسبقة وهيئوا الجو للفوضى بشعارات تدعو لمقاطعة جماعية لعملية الشراء بحجة غلاء الأسعار، بعدها بدأت الفوضى تدب إلى أن انتشرت مثل شرارة وبالتالي تم توفير الغطاء لعملية السلب والنهب التي شاهدها الجميع والتي انخرط فيها بعض الحاضرين في الرحبة من باب الاستفادة من “حاجة فابور”.
البعض علق مستغربًا كيف يأتي البعض فعل السرقة وهو فعل محرم دينيا من أجل تأدية سنة مؤكدة غير مفروضة شرعا. والحال أن الذين سرقوا الأكباش لم يفعلوا ذلك لكي يضحوا بها بل لكي يعيدوا بيعها، تمامًا كما يصنع لصوص الهواتف.
ولعل السرعة التي تم بها التعرف عليهم وضبطهم وتوقيفهم من طرف الأمن أعادت الاطمئنان إلى نفوس كل من شاهد الشريط، والكرة الآن في ملعب القضاء الذي يجب أن تكون يده ثقيلة مع أمثال هؤلاء الذين أعطوا عن المغرب صورة سيئة للعالم في هذه الظروف الصعبة التي يحفر فيها البلد مكانه بأظافره فوق الصخر، وحيث ألوان العلم المغربي تضاء في معالم سياحية عالمية بمناسبة عيد العرش من برج خليفة في دبي مرورًا ببرج كولباتريا بكولومبيا ووصولا بإضاءة شلالات نياجرا وبرج “سي إن” بكندا بألوان العلم المغربي.
وأيضا لأن التساهل مع مثل هذه السلوكيات الإجرامية وتبريرها بالفقر والحاجة قد يشجع البعض على القيام بمثلها في أماكن أخرى.
وقد رأينا كيف أن القضاء عندما حكم بثلاث سنوات في حق مخربي زجاج حافلات ألزا الجديدة بالرباط لم يعد أحد يجرؤ على لمس زجاج الحافلات بسوء.
إن ما رأيناه في شريط الرحبة سلوك مرضي نراه حتى في الطرقات عندما يحدث أن تنقلب شاحنة وتتفرق بضاعتها على جنبات الطريق، فيأتي سكان أقرب نقطة للمكان من أجل جمع البضاعة سواء كانت دلاحا أو صناديق عصير أو يوغورت، وأحيانا نرى كيف يوقف بعض مستعملي الطريق سياراتهم وينزلون لكي يشاركوا في اقتسام الغنيمة، فهل هؤلاء أيضا فقراء وجائعون؟
وقد رأينا السلوك ذاته عند توزيع المساعدات بالنسبة للأسر المعوزة التي تأثرت بسبب الجائحة وكيف أن أسرا غير محتاجة استفادت فيما أخرى فقيرة تم حرمانها. وعندما تسأل هؤلاء الذين ليسوا محتاجين ومع ذلك اصطفوا لأخذ القفة يقولون لك إنها قفة المخزن ومن حقهم الاستفادة منها طالما أنها مجانية.
إن الأمر يتعلق بسلوك اجتماعي مبني على عقلية استغلال الفرصة المواتية لنهب ما يمكن نهبه في إطار ثقافة “غفل طارت عينك”، وهو سلوك لا يسري فقط على المواطن العادي بل أيضا على رجل السياسة الذي يدخل هذا المجال لكي يحسن وضعه الاجتماعي ويترقى طبقيا. ولسنا نعدم الأمثلة في هذا الباب.
وتغريدة الدكتور نوفل هواري طبيب التخدير والإنعاش بالمستشفى الجامعي الحسن الثاني والتي تتحدث عن لغز اختفاء بعض الصنابير والأغطية ورشاشات الدوشات من المستشفى العسكري الميداني بابن سليمان وهو اللغز الذي تم فكه عند تفتيش أمتعة بعض المرضى الذين كانوا على أهبة مغادرة المستشفى بعد علاجهم، يكشف لنا مدى الانحطاط الأخلاقي لدى البعض.
الدولة تعالجك مجانًا وتتكفل بتغذيتك وجميع مستلزمات حياتك اليومية طيلة فترة العلاج وفي الأخير عندما تغادر مستشفاها الذي شيدته بأموال المتبرعين تأخذ معك الأغطية والصنابير ورشاشات الدوشات وكأن الأمر يتعلق بغزوة عدت منها بغنائم.
ومن يرتاد بعض الأندية الرياضية الخاصة بالرباط مثلًا لا بد أنه سمع بسرقات للشراشف وأغراض المرتادين من طرف مرتادين آخرين ينتمون لطبقة مرفهة ليست بحاجة للسرقة للحصول على هذه الأغراض التافهة، ولكنها البلية التي تجعل البعض يشعر بالامتلاء والانتشاء عندما يحرم شخصا من شيء يخصه.
وهؤلاء الذين يريدون تصوير مثل هذه الحوادث والسلوكيات، كواقعة الرحبة وغيرها، كما لو كانت تعبيرا عن فكر ثوري مبني على نظرية الانتقام من الدولة ومؤسساتها، يقترفون جريمة إبستيمولوجية متكاملة الأركان، إذ إن الأمر في النهاية يتعلق بأشخاص منحرفين يمكنهم أن يسرقوا فلاحًا فقيرًا مثلما يمكنهم أن يسرقوا مناضلًا تقدميًا في زقاق مظلم ويقطعوا عصب قدميه بسيف.
ما من شك في أن فئات واسعة من الشعب المغربي أفزعها ما رأته من مشاهد في رحبة الحوالى، وأن أول شيء قام به كل من شاهد الفيديو هو تفقد ساقطة باب بيته. وهذا درس لكل الذين يبخسون مجهودات الدولة وينتقدون حضورها القوي في كل شيء. فالدولة ومؤسساتها هي الضامن لاستقرار البلد والمحافظة على الممتلكات والأرواح.
ولذلك فلا يسعنا سوى أن نشكر الأمن الذي ضبط واعتقل الجناة بسرعة قياسية، معيدا بذلك الثقة والسكينة لنفوس المواطنين الذين أرعبهم ما رأوا من مشاهد تذكر بعهود السيبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى