شوف تشوف

الرئيسية

فاطمة العمري.. أرملة المناضل بوكرين التي قبلت الزواج بـ«خريج سجون»

فاجأت فاطمة العمري والديها حين قبلت الزواج من «خريج سجون» المملكة، المعلم محمد بوكرين الذي كان يكبرها بثمان عشرة سنة، قال والدها إن خطيبها مناضل كبير، وحكى لها عن علاقته بالرجل الذي سيصبح زوجها، بل وذكرها بواقعة اختفائها بعد أن تاهت في أحياء بني ملال وهي طفلة صغيرة قبل أن يتجند والدها وبوكرين للبحث عنها.
حين غادر بوكرين السجن بعد قضاء سبع سنوات رهن الاعتقال، لم يجد من ملاذ سوى صديقه مصطفى العمري، الذي سيصبح صهره، بعد أن تزوج ابنته التي ترعرعت أمام عينيه، قبل أن يغيبه الاعتقال. قبلت فاطمة الارتباط بزوج بدون مهمة ممنوع من شغل الوظائف الحكومية، مطارد على الدوام من قبل المخبرين.
في حفل بسيط صيف سنة 1968 أقيم ببني ملال حفل زفاف بين محمد وفاطمة، بحضور الحد الأدنى من الضيوف، وبأقل صخب ممكن فالزمن كان زمن النكبة الفلسطينية، حرصت العروس على ارتداء لباس محتشم وارتدى العريس بذلة أهداها له صهره مصطفى الذي كان خياطا، فيما اكتفى الحاضرون بقراءة الفاتحة وترديد الأدعية وانصرف كل إلى غايته. منذ تلك اللحظة بدأت معاناة الزوجة صغيرة السن مع زوجها الحقوقي، ففي اليوم الموالي لحفل الزفاف، بعد أن شرع في عمله النضالي أصر على دعم المناضلين المتمردين على النظام، بل إنه حول بيته إلى مأوى للفارين من زمن الرصاص، ولم يكتف بذلك بل باع منزله الصغير للإنفاق على رفاقه دون اكتراث لتحذيرات الزوجة التي كانت مجرد يافعة لا تفهم في شؤون السياسة.
لاحظت فاطمة أن زوجها تحول من مدرس في مدرسة عمومية إلى مدرس للتربية على الثورة، ومن عامل في مصنع السكر إلى صانع للمر والعلقم، بل إلى صاحب وكالة للهجرة السرية نحو الجزائر التي كانت تحتضن الهاربين من جحيم سنوات الرصاص.. لذا كان من الطبيعي أن يكون اسمه حاضرا في جلسات الاستنطاق مباشرة بعد الهجوم على سرية للدرك الملكي في مولاي بوعزة إقليم خنيفرة سنة 1973، حينها هيأت فاطمة نفسها للأصعب، سيما في ظل تعاقب الأزمات حيث تعرض العرش لمحاولتي انقلاب برا وجوا قبل أن تكشف الأيام عن تورط الجزائر التي شكلت منطلقا لهجمات شرسة ضد مغرب يخرج من أزمة ليدخل أخرى.
في حوار سابق مع المجلة النسائية «نجمة»، قالت فاطمة العمري إنها اكتشفت بعد توالي الأحداث أنها تزوجت رجلا «مسجل خطرا»، فالمحققون لا يغادرون بيتها وحين يغادرونه يدعونها للالتحاق لاستكمال التحقيق، «قدري أن يعتقل زوجي يومين فقط بعد فرحتي بمولودي الثالث، كنت في مرحلة نفاس، حين علم الناس باعتقال زوجي امتنعوا عن زيارة بيتي الذي أصبح مطوقا. اعتقل زوجي في الصباح من معامل السكر بسوق السبت من مقر عمله وتلاه اعتقال والدي في المساء، واعتقل أفراد أسرتي أمي، أخي وخالي، اقتحم البوليس بيتي وتركت في مواجهة محنتي ووليدي يصيح دون أن أتمكن من الاستجابة لصراخه، بعد أن أعطيت تعليمات للجيران بعدم الاقتراب من بيت بوكرين».
هنا بدأت المحنة الحقيقية للزوجة، كيف السبيل في ظل اعتقال الزوج والأب وضرب حصار على ما تبقى من أفراد العائلة. لم يكن لفاطمة مورد رزق، لكنها تذكرت أنها ابنة خياط، فشرعت في ممارسة مهنة الخياطة التقليدية وبيع المنتجات وإنفاق المبالغ المحصل عليها لإعالة أسرتين اعتقل معيلاها، بينما توفر جزء من المداخيل لتدبير «القفة» لمعتقلين ممنوعين من التموين.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد توفي وليدها البكر في ظل هذه الأزمة، في حادثة سير مروعة، حين كان الطفل يهم بولوج المدرسة، عاشت النكبة دون أن يتقاسم معها أحد فاجعة انضافت إلى فواجع أخرى، حتى أصبح بيتها عنوانا للمآسي لا يخرج منه مرتادوه إلا في سيارة الإسعاف أو سيارة الشرطة.
تقول فاطمة في بوحها للمصدر الإعلامي نفسه: «بعض نساء الحي كن يأتين لزيارتي محملات بالسكر مهنئات بالإفراج عن زوجي، فيفاجأن بأنه اعتقل من جديد فتتحول التهاني إلى مواساة».
في التاسع من شتنبر سنة 2012، انتقل زوجها بوكرين إلى الرفيق الأعلى بعد أن توقف قلبه فجأة عن النبض، وفي رصيده 16 سنة من الاعتقال في مختلف سجون المملكة. كانت الزوجة تعاني من المرض لكنها تجاوزت محنتها لتكون في استقبال الحشد الذي حضر لتأبينه، قالت إن العوض في أبنائها الذين أصر الراحل على منحهم أسماء غريبة، الابن البكر «هزرمر»، وتعني بالفارسية «ألف رجل»، وحمل الابن الثاني اسم «غاثي»، ويعني بالفارسية «صديقي»، أما «نهاد» فاسمها استلهمه من «فيروز» واسمها الحقيقي «نهاد حداد»، ثم «جويرية» اسم إحدى زوجات الرسول (ص)، فـ«ماهر» و«لبيب» ثم «نصوح». الأغرب أن أغلب التسميات تمت في غياب الزوج، لكن فاطمة تستحق لقب المناضلة لأنها نابت عن سجين في رعاية وتربية أبناء بدون معيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى