
من أبرز معيقات التنمية الشاملة والعدالة المجالية، استمرار مشاكل الفوارق المجالية وتعثر تنزيل الجهوية المتقدمة، وإقصاء المناطق القروية النائية من المشاريع الكبرى التي تضمن التشغيل، وتشجع على جلب الاستثمارات في مختلف المجالات، وتوفير البنيات التحتية الملائمة وفك العزلة ودعم الأنشطة الفلاحية وتربية المواشي.
وللحد من تداعيات الهجرة القروية، ومشاكل هوامش المدن والبناء العشوائي وترييف المناطق الحضرية، نحن في أمس الحاجة في الوقت الحاضر لتعزيز البنيات التحتية وتشييد الطرق والقناطر وفك العزلة، والتنمية القروية وفق المعايير المطلوبة وليس البرامج التي تبقى حبرا على ورق ويتم استغلالها للتسويق الإعلامي دون أثر إيجابي على أرض الواقع.
يجب تفعيل المحاسبة بشكل جدي في رصد ميزانيات بالملايير من قبل المؤسسات والمجالس والقطاعات الوزارية المعنية، لتجويد الحياة بالمناطق القروية والأقاليم المهمشة، ودعم تربية المواشي وتنمية المنتوج الوطني، وذلك لأن الدولة لم تقصر يوما في الاهتمام بالعالم القروي تنزيلا للتعليمات الملكية السامية وقامت بتقديم دعم سخي لفائدة سكان القرى يجب أن ينعكس عليهم بشكل إيجابي.
لقد انتهى زمن السياسة الاستعمارية التي قسمت المملكة إلى مغرب نافع وآخر غير نافع، وذلك باعتماد الدولة لسياسة التنمية القروية واهتمام الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش بتزويد المناطق المهمشة بالماء والكهرباء والطرق وفك العزلة، وتقريب الخدمات الصحية وتجويدها، وكذا تقليص الفوارق المجالية، والدعوة للتقسيم العادل للثروات.
إن تسريع المرحلة الانتقالية من فوضى القطاع غير المهيكل، إلى فضاء الهيكلة يمكن أن يساهم في التنمية القروية الحقيقية، ودعم تطوير الأنشطة الفلاحية التقليدية، والتشجيع على الاستثمار في مساحات أرضية ظلت فارغة لسنوات طويلة، وحسن استغلال الثروة المائية، وتحديث وسائل السقي واستغلال مستجدات البحث العلمي في المجال، والقطع مع الفلاحة المعاشية التي لا يمكن التعويل عليها لتعزيز المنتوج الوطني.
وعندما نقول الفوارق المجالية، فإن هناك فوارق أخرى تتعلق بالمدن وتساهم أيضا في تمركز الاقتصاد والتشغيل والاستثمارات والمعاملات المالية، ما يستدعي التوزيع الأمثل للمشاريع والمناطق التجارية والصناعية، والتنزيل الأمثل للجهوية والتشجيع على التوازن في التنمية بالمدن، ما سيمكن من التخفيف من الاكتظاظ ويضمن جودة الخدمات العمومية، وتعميم خلق الثروة ومحاربة البطالة بشكل شامل.
وككل البرامج التنموية، تحتاج مشاريع تقليص الفوارق المجالية إلى مراجعة دقيقة، والتقييم حسب النتائج الميدانية وتحيين المعطيات بناء على المستجدات، وذلك قبل تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، وضمان تكافؤ الفرص في التنمية والتشغيل، والحد من نسبة الفقر والهشاشة والتهميش والهدر المدرسي، وتقليص الهوة بين طبقات المجتمع ليستمر في تماسكه وترابطه، ويواجه كل التحديات المطروحة في ظل الاستقرار.





