شوف تشوف

شوف تشوف

في الحاجة إلى الاتحاد 2.1

 

لا بد أن المتابعين النبهاء للتعيينات الأخيرة في مواقع المسؤولية أثار انتباههم حجم الحصة التي حصلت عليها أُطر وكفاءات تنحدر من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وسرت التساؤلات والهمهمات في الصالونات المخملية، حيث يتسامر أولئك الذين يلبسون الأقنعة في الرباط عندما يتم إطلاق الغازات المسيلة للدموع في باريس، مستغربة كيف لحزب لم يعد بالبريق الذي كان عليه قبل عشرين سنة أن يناله كل هذا الحظ الوفير، متمنين من إدريس لشكر أن يضربهم بجلايلو لعل وعسى يصيبهم حظ مما أصابه.
لكن النبهاء المستغربين لم ينتبهوا إلى أن جميع الاتحاديين الذين تم تعيينهم في مواقع المسؤولية على رأس مؤسسات دستورية ينحدرون من الجيل السابق من الاتحاديين الذين عايشوا مرحلة حكومة التناوب والمخاضات العسيرة التي سبقتها، وليسوا منتوجا لفترة لشكر أو حتى الراضي، مما يصبح معه التساؤل حول مآل الاتحاد الاشتراكي اليوم ومدى قدرته على الاستمرار مشتلا لإنتاج النخب كما كان دائما سؤالا آنيا وحيويا.
واضح إذن أن الاتحاديين الذين تم تعيينهم ينتمون جميعهم إلى المرحلة الذهبية للحزب، عندما كان مدرسة تضج بالأساتذة الجامعيين والمثقفين والأدباء والباحثين في مختلف المجالات الإنسانية والعلمية والذين كانوا يرفدون الحزب ووزراءه بالدراسات والأبحاث كمستشارين، هؤلاء الباحثون أنفسهم الذين غادروا سفينة الاتحاد عندما خرقها أحدهم ليغرق أهلها، وأسسوا شركات للدراسات وأصبحوا مليونيرات بفضل المشاريع التي يفوزون بها مع الوزارات والمؤسسات العمومية.
وفِي الوقت الذي كانت هذه النخب تشتغل مع وزراء ومسؤولي الاتحاد الاشتراكي في إنتاج الدراسات والبرامج والمشاريع كمستشارين، أصبح أغلبهم بعد حملة “هجرة الأدمغة” التي ضربت المادة الرمادية للحزب يشتغلون عبر مكاتب دراساتهم في إنتاج أبحاث وبرامج لأحزاب تختلف جذريا عن حزبهم من حيث القناعات الأيدولوجية، فرأينا مثلا اتحاديا عريقا مثل خالد عليوة يؤسس مكتب دراسات تحت اسم Alco Alternatives ويفوز بصفقات مع وزارات يسيرها وزراء من العدالة والتنمية، منها صفقة لإنجاز دراسة فاز بها مكتبه مع وزارة الاتصال على عهد مصطفى الخلفي قدرها 225 مليونا.
والواقع أن الأسماء وحدها تقول كل شيء حول التعيينات الأخيرة، وتؤكد أن “الاتحاد” كان مشتلا لصناعة النخب التي ما زالت الدولة ومؤسساتها تستفيد من خدماتها إلى اليوم.
فأحمد رضا الشامي الذي تم تعيينه رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي السفير السابق بالاتحاد الأوربي ووزير التجارة والصناعة الأسبق، منتوج اتحادي خالص ورث الانتماء للحزب من والده الدكتور محمد الشامي الذي كان من أبرز القياديين التاريخيين محليا بمدينة فاس والذي ساهم في تسيير الشأن المحلي بالمدينة في الولاية ما بين 1998 و2003، كنائب لرئيس المجلس الجماعي للمدينة، وذلك في عهد الرئيس الاتحادي الفيلالي باب.
ونظرًا لكاريزما رضا الشامي فقد بدأت الألسن في الصالونات إياها تلوك أنه المرشح الأفضل لشغل مكان لشكر ككاتب أول للاتحاد الاشتراكي، لولا أن ألسنة أخرى، أكثر حلاوة، تلهج باسم الحبيب المالكي، وكيفما يكون الحال فإذا كان هناك من إجماع حول شخص ما حول موضوع الزعامة في الاتحاد فهو الإجماع حول اسم إدريس لشكر الذي يتفق الأصدقاء قبل الأعداء على عدم صلاحيته وتناسبه لا شكلا ولا جوهرا مع حزب كالاتحاد، والدليل على أن الرجل لا يملأ مقعده هو الاستعانة بخدمات رجل مسن ومتعب ومريض كعبد الرحمان اليوسفي لحضور مهرجان وطني للحزب بوجدة تحت شعار «المغرب والجزائر قاطرة مستقبل البناء المغاربي»، مما يفيد أن شرعية وحضور اسم كاليوسفي ما زالا ضروريين لحزب لم يستطع قائده الجديد أن يعطيه الزخم الذي يتناسب وتاريخه ووزنه، وزن الحزب أقصد.
ومن ضمن الأسماء الاتحادية التي عادت بقوة إلى الواجهة نجد أمينة بوعياش التي تم تعيينها على رأس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وطبعا فتعيينها لم يهبط عليها من السماء، فالسيدة كانت رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان لسنوات وعضوة اللجنة الاستشارية لوضع الدستور وسفيرة للمملكة بالسويد، وهي أيضا ابنة شرعية للاتحاد عكس بعض بناته بالتبني، شكلت إلى جانب يونس مجاهد ثنائيا جمعهما الحب في السبعينيات مع حركة “إلى الأمام” التي انتهت بمجاهد محكوما في ما عرف آنذاك بقضية السرفاتي ومن معه، حيث حكم عليه بعشر سنوات نافذة، قبل أن يجمع بينهما الحزب والحياة الزوجية قبل أن تفرق بينهما سبل الحياة، وها هو يونس مجاهد يتوج مساره رئيسا للمجلس الوطني للصحافة، فيما تتوج أمينة بوعياش مسارها رئيسة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان مكان الحسني الخمار، المعروف أكثر بلقب إدريس اليزمي، الذي كان يتحدث عن المغرب داخل البلد بلسان رطب لكنه عندما يكون خارج المغرب يسلقه هو ورفاقه بألسنة حداد أمام المنظمات الحقوقية مفتخرا بجنسيته الفرنسية التي حصل عليها خلال فترة هروبه سرا من المغرب متنكرا في ثياب نسائية.
وفِي لوائح التعيينات الأخيرة نعثر أيضا على اسم الأستاذ إدريس الكراوي الذي أخذ مكان اتحادي آخر على رأس مجلس المنافسة، عبد العالي بنعمور أحد مؤسسي جريدة الأحداث المغربية زمن تيار اليازغي والبريني ضد اليوسفي، وصاحب معهد HEM الذي باع أغلبية أسهمه للكنديين، وهو أيضا منتوج اتحادي خالص، فقد اشتغل إلى جانب عبد الرحمان اليوسفي مستشارا عندما كان هذا الأخير يقود سفينة حكومة التناوب وسط بحر متلاطم تسبح تحتها حيتان المصالح التيكنوقراطية الضخمة.
والمكتب الذي اتخذه مصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان مقرا لوزارته بالمشور السعيد ليس سوى المكتب الذي كان يجلس فيه مستشار لعبد الرحمان اليوسفي اسمه إدريس الكراوي، فالرميد من شدة اعتكافه على تعلم أصول “تامخزانيت” أصر على أن يتواجد مقر وزارته داخل المشور حتى ولو كانت مجرد مكتب بسيط لمستشار وزير أول سابق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى