
يونس جنوحي
رحيل البابا فرانسيس عن عُمر ناهز 88 سنة ذكّر الجميع بالصرخة الأخيرة التي أطلقها الرجل في قمة الصخب حول الأحداث الدامية التي عرفها العالم.
البابا فرانسيس زار المغرب سنة 2019 وحظي الاستقبال الذي خصصه له الملك باهتمام كل وسائل الإعلام حول العالم.
وقبل فرانسيس، زار البابا يوحنا بولس الثاني المغرب واستقبله الملك الراحل الحسن الثاني. وعندما فتح المغرب سفارته لدى الفاتيكان، وهي خطوة ببعد روحي وليس سياسي دبلوماسي، استقبل البابا يوحنا الملك محمد السادس وكان اللقاء تاريخيا.
حسب دراسات المؤرخين فإن علاقات المغرب مع الفاتيكان تعود إلى العهد الموحدي حيث توجد مخطوطات تؤرخ لمراسلات بين سلاطين المغرب والكرسي الرسولي.
الملك الراحل محمد الخامس سبق أن بعث عبد الله إبراهيم، الذي كان وزيرا أول سنة 1956، في زيارة رسمية إلى الفاتيكان.
وقبل هذه المهمة، سبق للملك الراحل محمد الخامس أن استقبل أهم شخصيتين فرنسيتين تحظيان بتقدير الكنيسة في فرنسا وأوروبا عموما.
الأب مارتان أحد الشخصيتين، وهو راهب فرنسي تتلمذ على يد البابا في الفاتيكان وينتمي إلى طائفة مسيحية تحظى بشهرة وشعبية واسعتين في الجنوب الفرنسي.
استقبال الملك الراحل محمد الخامس للأب مارتن جاء في سياق محموم، في عز الحرب التي تخوضها ضده الإدارة الفرنسية.
الأب مارتن جاء إلى المغرب سنة 1953 بتوجيه مباشر من البابا الذي أعانه في مهمته وشجعه على الاستقرار نواحي منطقة أزرو، حيث لا يزال دير تومليلين موجودا إلى اليوم.
جاء الأب مارتن إلى المغرب وسرعان ما اندمج هو ورهبانه الذين جاؤوا معه في هذه المهمة، مع سكان المنطقة.
يقول مارتن في كتاب Bendictine and Moor، أي طائفة البينديكتين والمغاربة، إن البابا اشترط عليه شخصيا ألا يمارس أي أنشطة تبشير بين المغاربة لكي يسمح له بالرحيل صوب المغرب.
وحسب هذا الكتاب الذي أنجزه باحثان أمريكيان سنة 1967 بعد زيارتهما إلى الأب مارتان، فإن رهبان تومليلين كانوا ضد الحماية الفرنسية، بل توترت علاقتهم مع المقيم العام بسبب إيوائهم للمقاومين، وتقديمهم الشاي لعدد من السجناء المغاربة المحكومين بالأشغال الشاقة في الأطلس.
استُدعي الأب مارتان إلى الرباط لكي يوبخه العسكري ممثل المقيم العام، وكتب إلى البابا يحكي له كيف أن الفرنسيين يضيقون عليه في خلوته الروحية.
كما أن الأب مارتان كان صديقا حميما للشخصيات الوطنية المغربية مثل الوزير الأول البكاي، إذا كانا صديقين منذ كان الأخير باشا مدينة صفرو قبل الاستقلال، ثم المحجوبي أحرضان بحكم الانتماء إلى نواحي المنطقة، وإدريس المْحمدي الذي كان قطبا استقلاليا مهما وتسببت علاقته مع الأب مارتان في مشاكل للدير والرهبان مع المقيم العام. ثم المهدي بن بركة الذي كان يحضر في الدير أثناء اجتماعات يعقدها الأب مارتان أسبوعيا لتقريب وجهات النظر بين الوطنيين المغاربة ورجال أعمال فرنسيين وتبادل الآراء حول القضية المغربية وتصور استقلال المغرب عن فرنسا.
وفي إحدى المرات عندما كان فرنسيون بصدد مغادرة الاجتماع في تومليلين، وهم غاضبون بسبب صلابة موقف بن بركة ورفضه وجهة نظرهم، التفت أحدهم إلى الأب مارتان وقال له بالحرف: “كان الله في عون المغاربة إذا كان سوف يحكمهم مثل هؤلاء”. لقد كان الفرنسيون لا يتصورون مغربا بدون فرنسا. لكن الأب مارتان، مبعوث البابا، كان يرى المغرب من منظور مغاير عبر نافذة الدير ولباس الرهبان. واختار أن يقضي ما تبقى من حياته بين المغاربة.
رحلت فرنسا وبقي الأب مارتان.
علاقة شخص البابا مع المغرب يمكن اعتبارها أقدم قناة تواصل بين الفاتيكان وبلد مسلم. وأنظار العالم كله الآن سوف تتابع فوهة المدخنة أثناء طقوس اختيار بابا جديد، وسوف يصفقون للبابا الذي سوف يصيح بدوره رافضا للدم والقتل، علّ أحدا ما يسمعه هذه المرة.. من يدري.





