شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

قضاء بلا شوائب

أثارت القرارات القضائية الأخيرة بمتابعة قضاة ومسؤولين قضائيين وعاملين بمختلف المهن القضائية بعدد من المحاكم استحسان الرأي العام المغربي الذي يراهن على قضائه لتحقيق العدالة والتنمية والإنصاف. فالإجراءات الخاصة بتطهير القضاء المغربي من الممارسات الفاسدة التي تسيء إلى صورته والتي لم يألفها جسمنا القضائي تأتي في توقيت غاية بالأهمية وتتسق اتساقا وثيقا مع المبادئ العامة لخريطة إصلاح منظومة العدالة الشاملة في البلاد.

كما أن خيار تطهير القضاء ممن يسيء إليه لا يتم بإملاءات خارجية أو تعليمات من تقارير دولية أو تدخل لسلط أخرى، بل بقرارات إرادية وذاتية وسيادية فيها انسجام كامل مع أحكام الدستور الذي جعل من القضاء سلطة دستورية مستقلة وأسند للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وحده صلاحية إدارة المسار المهني للقضاة وإعطاء الأمر بالنبش والبحث في تصرفاتهم المخلة بالمهنية والشرف والاستقامة.

لذلك فإن حملة تطهير القضاء المغربي، إذا جاز استعمال هذا اللفظ، هي علامة صحية لدولة ترنو إلى استكمال الأسس الديمقراطية السليمة وبناء دولة القانون والمؤسسات، ولا ينبغي أن ننسى أن تنقية القضاء من كل الشوائب هي، قبل كل شيء، خيار ملكي واضح ومطلب شعبي وليست مجرد شعارات عابرة تطلق للاستهلاك الإعلامي، فهي محطة ضرورية ضمن مسار التصحيح الذي نادى به الملك محمد السادس وأسست لها مخرجات الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة.

بطبيعة الحال هناك من يريد أن يستغل هذا التطهير الذاتي للمنظومة القضائية، لترويج خطاب شيطنة القضاء والقضاة وإفقاد السلطة القضائية هيبتها والثقة المشروعة فيها، وهو خطاب يتم بأجندة سياسية وحقوقية مفترى عليهما، لكن ما هو ملاحظ أن عملية محاربة الفساد تتم في إطار مؤسساتي وفي احترام تام لكل الضمانات الدستورية والقانونية، وهو ما يجعلها محصنة من أن تتحول إلى سلاح في يد البعض لتصفية الحسابات داخل المحاكم.

والمؤكد جدا أنه لا طريق إلى تطهير البلاد من بعض مظاهر الفساد والاختلالات إلا بقضاء عادل وفوق كل الشبهات. لذلك فأحد أهم التحديات المطروحة على الدولة المغربية بالأمس واليوم وغدا، هو ضرورة التحيين المستمر لآليات تخليق منظومة العدالة وتكريس مبدأ الشفافية، وذلك من أجل استرجاع الثقة المشروعة للمواطنين في قضائهم وإرضاء انتظارات الرأي العام حول نجاعة القضاء في ضمان الأمن القضائي وانخراطه في ورش الإصلاحات الكبرى للمجتمع المغربي، ولا ريب أن بلادنا تمكنت، بفضل إرادة مؤسساتها السيادية، من قطع أشواط أساسية في مسار استكمال الإطار المؤسسي لحكامة منظومة العدالة، لكن لا زلنا نحتاج إلى الكثير من المجهود لكي نصل إلى قضاء بلا شوائب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى