الافتتاحية

قضية فوق المزايدات

لا أحد يمكن أن يزايد على الدولة المغربية بخصوص القضية الفلسطينية، كما أنه لا أحد لديه الحق لإعطاء المغرب والمغاربة دروسا في الدفاع عن القدس، فمنذ عهد الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني إلى اليوم مع خلفهما محمد السادس، تقدم بلادنا دعما لامشروطا لفلسطين وتجسد في كل أزمة معنى الوقوف إلى جانب القدس والمقدسيين، منذ اتفاقية كامب ديفيد، مرورا باتفاقية أوسلو ولجنة القدس ووكالة بيت المال… وفي ظل هذا الموقف التاريخي الثابت للدولة المغربية تجاه القضية الفلسطينية، ما فتئ رموز الدولة المغربية، سيما الملك محمد السادس يقوم بكل الجهود الممكنة لإيجاد حل عادل ودائم يحفظ لأشقائنا الفلسطينيين حقهم المشروع في إقامة دولة مستقلة.
وحتى حينما وافق المغرب على توقيع اتفاق إعادة العلاقات مع إسرائيل باحتضان أمريكي، فإن بلاغ الديوان الملكي كان واضحا لا لبس فيه، مشددا على أن التدابير التي تقوم على استئناف الاتصالات والعلاقات الدبلوماسية والرسمية مع إسرائيل يجب أن تكون على المستوى المناسب، بمعنى أن الاتفاق ليس شيكا على بياض، ويمكن في أي لحظة إعادة النظر فيه، حسب إيقاع الأطراف الأخرى ومدى احترام التزاماتها.
ولذلك أصرت البلاغات الملكية على الأقل في مناسبتين، إحداهما موجهة إلى القيادة الفلسطينية وأخرى إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، التأكيد للإسرائيليين والفلسطينيين على السواء على موقفنا الثابت الذي يساند الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والدفاع عن الوضع الخاص لمدينة القدس الشريف، وحماية طابعها الإسلامي وحرمة المسجد الأقـصى، والتشبث بالحل السياسي لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس مفاوضات السلام المباشرة بين الطرفين، وعلى قاعدة قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي وحل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والمستدامة وذات السيادة، وعاصمتها القدس الشريف.
وحينما كان يوقع المغرب على اتفاق عودة العلاقات، كان يعلم أن السير في علاقة دبلوماسية مع إسرائيل يشبه السير على خط رفيع أو التحرك وسط صحراء مليئة بالألغام، حيث يصبح السير بدون سقوط أو حدوث انفجار في طريق العلاقة معجزة في حد نفسها، لكنه مطلب في الآن معا. ومع ذلك أصر المغرب على المضي قدما في سعيه ليس فقط لإنهاء صراع طويل لقضية وحدتنا الوطنية، بل للبقاء في قلب القضية الفلسطينية، بما يملكه المغرب من أواصر دينية وتاريخية ولغوية وعرقية مع جزء كبير من شعب الدولة العبرية.
ومن المؤسف أن البعض قد حاول استغلال عودة العلاقات المغربية بإسرائيل، للترويج لشائعات تحاول النيل من هذا الموقف المغربي الصلب الداعم للقضية الفلسطينية، والإيحاء بأن المغرب ومن خلال هذا الاتفاق قايض فلسطين بوحدته الوطنية، وهذا تدليس واضح يصدر عن جهات داخلية وخارجية لها أجندات سياسية لا تعبأ بمآسي الفلسطينيين، طبعا المغرب ليس في حاجة إلى دحض مثل هذه الترهات، فتاريخ المغرب لا يدع مجالا للشك أن الدولة المغربية ملكا وشعبا ستظل كعهدها داعما رئيسيا للأشقاء الفلسطينيين، وأن اتفاق عودة العلاقات لن يكون بأي حال من الأحوال على حساب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف من المغرب أو غيره. وكما قال الملك محمد السادس إن موقف المغرب حيال فلسطين لم يتغير، وإنه يضع مسألة أراضيه والقضية الفلسطينية على المستوى ذاته.
والذين يزايدون على بلدنا جماعات في الداخل أو أولياء نعمتهم في الخارج، لم يتخذوا أي إجراءات صارمة، باستثناء تصريحات صوتية تتبخر في الهواء، فتركيا التي نصبت نفسها لم تغلق سفارتها وقنصلياتها بإسرائيل، ولم تستدع سفيرها للتشاور، ولم تطرد السفير الإسرائيلي من بلدها، لكي تنسجم مع عنف خطابها، والجزائر التي دفعتها عقيدة العداء ضد المغرب إلى التحول فجأة إلى دولة مقاومة، فقط لأن المغرب عقد اتفاقا لعودة العلاقات مع إسرائيل، لم تتجاوز مواقفها الإنشاء والشفوي في قنوات إعلام عسكر المرادية.
وكنا سنشعر بالخجل والحرج حقا لو سمعنا أن الجزائر أو تركيا أو إيران التي تزايد علينا في كل شيء أرسلت فيلقا عسكريا، أو طائرة عسكرية مليئة بالأسلحة لغزة لرد العدوان الإسرائيلي. لكن لاشيء حدث، ما حدث حقا أن الملك محمد السادس منذ انفجار الأزمة، قبل يومين، أعطى تعليماته لوزارة الخارجية بتذكير إسرائيل بمواقف المغرب الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، وأمر بإرسال مساعدات طبية وغذائية إلى المقدسيين وسكان غزة، ويخوض في الكواليس صراعا مريرا مع الوقت لإسكات صوت المدافع والدمار، الذي يخدم فقط تجار القضية والمتلاعبين بها دوليا وداخل أوطانهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى