الافتتاحية

ثورة الملك والشعب

بينما تعرف الوضعية الوبائية بالمغرب تطورا مقلقا للغاية بسبب تزايد عدد الإصابات والوفيات، فإن الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، كان صريحا وواضحا، عندما شدد على ضرورة احترام الإجراءات الوقائية، لأننا لم نكسب بعد المعركة ضد هذا الوباء، رغم الجهود المبذولة، مشيرا إلى أنها فترة صعبة وغير مسبوقة بالنسبة إلى الجميع، لذلك اعتبر الملك أن الأمر يتعلق بسلوك غير وطني ولا تضامني، كما أن هذا السلوك يسير ضد جهود الدولة، ولم يستبعد العودة لفرض حجر صحي شامل إذا ساء الوضع.
لقد كان خطابا جريئا خاطب فيه الملك المغاربة مثل أبنائه، لأنه في حالة استمرار تطور الوضع الوبائي نحو الأسوأ، فإن الخيار الوحيد الذي سيكون أمام الدولة هو فرض حجر صحي شامل للحفاظ على صحة المغاربة، رغم أن هذا القرار صعب وستكون له تداعيات اقتصادية واجتماعية وخيمة، لأن الدولة قامت بمجهودات جبارة طيلة مدة ثلاثة أشهر من الحجر الصحي، وتمكنت من توفير الدعم لأزيد من ستة ملايين أسرة فقدت مصدر رزقها بسبب الجائحة، إلا أن هذا الدعم لا يمكن أن يدوم إلى ما لا نهاية، لأن الدولة أعطت أكثر مما لديها من وسائل وإمكانات، لأن الاقتصاد الوطني تكبد خسائر جسيمة جراء تداعيات الأزمة الصحية، إذ تكبد مليار درهم عن كل يوم طيلة فترة الحجر الصحي، حيث تراجعت مداخيل الميزانية العامة للدولة بـ40 مليار درهم، لذلك من المتوقع أن يعرف معدل النمو، خلال هذه السنة، تراجعا بـنسبة ناقص 5 في المائة مقابل 3.7 في المائة المتوقع في قانون المالية للسنة الحالية، وارتفاع عجز الميزانية إلى  7.5 في المائة عوض 3.5 في المائة المتوقع في قانون المالية. ويهدف مشروع قانون المالية لعام 2021 إلى تحقيق نمو اقتصادي بنسبة زائد 5.4 في المائة، وفي الشهر الماضي، أعلنت المندوبية السامية للتخطيط عن توقعات بتحقيق معدل نمو بنسبة 4.4 في المائة، خلال السنة المقبلة.
وهذا يعني أن هناك العديد من التحديات التي تواجه القطاع العام، لذلك رسم الملك في خطاب العرش خارطة الطريق لمرحلة ما بعد كورونا، معلنا عن ثلاثة أوراش رئيسية، وهي إنعاش الاقتصاد الوطني، وتوفير التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، ثم إصلاح القطاع العام، ويعني ذلك أنه لتجاوز التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة يلزم بالضرورة إعادة النظر في الأزمة البنيوية التي يعرفها القطاع العام، الذي يحتاج إلى تحديث وتجديد لجعله أكثر فعالية وكفاءة، لتصحيح الاختلالات البنيوية التي تعرفها الإدارة المغربية.
هناك تذمر وسخط عارم للمواطنين على الإدارة، وهو ما نبه إليه الملك محمد السادس في عدة خطابات، قبل أن يكشف وسيط المملكة عن وجود مؤشرات مقلقة حول تراجع ثقة المواطنين في الإدارة، وحمل المسؤولية للحكومة في تجاهل التظلمات والشكايات حول تدهور جودة الخدمات العمومية، لأن الإدارة مدخل أساسي لتنزيل الإصلاحات الأخرى وخلق التنمية والاستثمار، لذلك شدد الملك في أكثر من مناسبة على أن الإصلاح الشامل والمندمج للإدارة العمومية يكتسي طابعا استعجاليا، داعيا إلى وضع مفهوم الخدمة العمومية في صلب النموذج التنموي الجديد، لذلك يجب تطوير ثقافة النتائج داخل الإدارة العمومية من أجل تلبية حاجيات وانتظارات المواطنين، إذا كان الهدف هو رؤية البلد يرتقي إلى مرتبة البلدان الناشئة، ما يتطلب تعزيز الحكامة داخل المرافق العمومية عبر تكريس مبدأ المساءلة والتقييم المنتظم للسياسات العامة.
إذن المغرب يواجه معركة شاملة على كافة المستويات، وهذا ليس مسؤولية السلطات العمومية وحدها، لأنها مهما بذلت من مجهود فإنها لن تربح المعركة بدون مشاركة الجميع فيها، من خلال وضع استراتيجية شاملة ينخرط فيها الجميع، لذلك دعا الملك كل القوى الوطنية إلى التعبئة واليقظة، والانخراط في المجهود الوطني، في مجال التوعية والتحسيس وتأطير المجتمع، للتصدي لهذا الوباء.
ونبه الملك إلى أنه بدون سلوك وطني مثالي ومسؤول، من طرف الجميع، لا يمكن الخروج من هذا الوضع، ولا رفع تحدي محاربة هذا الوباء، لذلك حذر الملك كل المغاربة، وذكرهم جميعا دون استثناء بمسؤوليتهم، عندما قال: «إن خطابي لك اليوم، لا يعني المؤاخذة أو العتاب وإنما هي طريقة مباشرة، للتعبير لك عن تخوفي، من استمرار ارتفاع عدد الإصابات والوفيات».
إنه تخوف ملكي مشروع طالما أن الأرقام السلبية تسير في منحى تصاعدي، فمسؤولية الملك هي ضمان أمن واستقرار الوطن والمواطنين، لذلك فالمعول على الجميع، مواطنين وأحزابا ومؤسسات ومجتمع مدني، التقاط الرسالة والعمل على تطبيقها حرفيا وبصرامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى