شوف تشوف

الافتتاحية

طاقات معطلة

توصل آخر تقرير للمندوبية السامية للتخطيط إلى أن مليونا و685 ألف شاب على المستوى الوطني تتراوح أعمارهم ما بين 18 و24 سنة، لا يعملون ولا يدرسون ولا يتابعون أي تكوين، وإذا أضفنا رقما آخر للمؤسسة نفسها يقول إن مليونا و207 آلاف شخص في حالة شغل ناقص أو بطالة مقنعة، فسنكون بصدق أمام جيل كامل لا حاضر له ولا مستقبل له، وتكفي هاته الأرقام المخيفة لوحدها للحكم بالفشل الذريع للسياسات العمومية في مجال التعليم والتشغيل والإدماج الاجتماعي.
حينما تصل الدولة إلى بروز مثل هاته المؤشرات داخل الفئة العمرية النشيطة لكنها معطلة عن العمل، فإن ذلك ينعكس على كل شيء داخل الدولة، فيكون النمو الاقتصادي باهتا، وتتسع دائرة القلق الاجتماعي الذي ينمي مشاعر الاغتراب عن الوطن وثوابته، ويدفع الشباب إلى التفكير في ركوب أمواج البحر أو الارتماء في أحضان الإرهاب لإقامة أحلام الدولة الإسلامية، أو السقوط ضحية عالم المخدرات والجريمة وكلها مآلات تعتبر ذات إغراء ومرتعا للضائعين والمحبطين من الشباب.
وبدل أن تجد الحكومة حلولا جذرية لهذا المرض العضال الذي يخترق الجسم الاجتماعي، تطلع علينا بين حين وآخر بأرقام حكومية مشكوك في مصداقيتها تتحدث عن هبوط معدلات البطالة باطِّراد، وتتسابق وزارة التشغيل والناطق الرسمي لمحاولة تجيير هذا الهبوط لصالح الحكومة على أساس أن مشاريعها وسياساتها تقف وراء هذا الإنجاز الوهمي، لكن سرعان ما تهدم تقارير المؤسسات الدستورية الصورة الوردية التي تحاول الحكومة تسويقها وتؤكد حقيقة الوضع الاجتماعي المزري.
لم تفهم الحكومة أن الوقت يداهم الجميع ولم يعد يسعفها لكي تنزع فتيل هاته القنبلة الاجتماعية التي تهدد بالانفجار في أي مكان وفي أي لحظة، لتسبب الكثير من الخسائر والمخاطر الاجتماعية والسياسية والأمنية، ومازالت حكومة «البيجيدي» تعتبر بطالة الشباب قضية ثانوية على أجندتها وأن وجود مليون ونصف مليون شاب بالشوارع دون أمل ليس من قضايا عصرنا التي تحتاج إلى علاج سريع قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة.
فالمطلوب من حكومة العثماني الكف عن ترديد الشعارات الوردية والوعود الكاذبة والتبجح ببعض المسكنات الوقتية التي لا تبلغ عمق المشكل، وأن تضع استراتيجية جذرية لهذه المعضلة الفتاكة قبل أن نصل إلى مرحلة اللاصبر التي تعقبها منطقيا مظاهر الانفجار والدخول في دوامة النفق المسدود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى