شوف تشوف

قناطر الموت

دعونا من سخرية رئيس الحكومة كل يوم من الصحافيين والمدن المغربية وسكانها. فبالأمس وصف أهل تطوان بالكسل وبعده وصف فاس بتحولها من عاصمة العلم إلى عاصمة الإجرام، ويعلم الله أي مدينة قد «يزف» عليها غدا. ودعونا نطرح سؤالا جوهريا هو «ماذا لو كانت الحكومة تعرض حياة المواطنين للخطر»؟
هذا سؤال أصبح يطرح نفسه بجدة بعد تكاثر الوفيات على الطرقات بسبب رمي مستعمليها بالحجارة من القناطر التي توجد فوقها.
قبل شهر ونصف تعرضت فريدة برادة، سبعون سنة، زوجة رئيس مجلس مراقبة مختبرات الأدوية «بوتي»، لسقوط حجر ضخم رماه أحدهم في الثالثة صباحا من فوق قنطرة بمدخل سيدي معروف بالدار البيضاء، أدى إلى وفاتها بعدما أصابها الحجر في القلب.
وقد تعودت السيدة على الجلوس في الكرسي الخلفي للسيارة، لكنها تلك الليلة جلست في الكرسي الأمامي جنب السائق، ولذلك كانت الضربة مميتة.
قبل شهر نشرنا خبر العصابة التي قتلت رجلا يبلغ أربعين سنة من العمر داخل سيارته بطوب إسمنتي يزن 20 كيلو عندما كان مسافرا في الطريق السيار بين مراكش وأكادير.
«الياجورة» التي «هبطت» على الرجل لم تنزل من السماء وإنما من قنطرة تقع على بعد ثمانية كيلومترات من شيشاوة.
في وجدة، وقبل ثلاثة أسابيع، قفز مختل عقليا من أعلى قنطرة بالحي المحمدي في وجدة، فسقط فوق سيارة مصلحة تابعة للشرطة، فتسبب لنفسه في جروح وحطم سيارة المصلحة.
كل هذه الحوادث نتج عنها اعتقال المتورطين فيها وتم اقتيادهم أمام العدالة، وفي حالة المختل عقليا، مستشفى الأمراض العقلية.
ما علاقة الحكومة إذن بهذه الحوادث؟
الحكومة، في شخص وزير التجهيز والنقل عزيز الرباح المشغول بالخطب والشطيح في التجمعات، ووزيره المنتدب بوليف المشغول بإلقاء المواعظ في الفيسبوك، تتحمل مسؤولية وفاة هؤلاء المواطنين الذين يدفعون من جيوبهم واجب استعمال الطريق السيار ثم يجدون أنفسهم مجبرين على المرور تحت قناطر غير مغطاة يتنافى تصميمها تماما مع معايير السلامة الدولية للقناطر التي المبنية فوق الطرق.
في كل الدول التي تحترم حق مواطنيها في السلامة الطرقية تكون القناطر المبنية فوق الطرق مغطاة بالكامل بحواجز مشبكة، تفاديا لسقوط المختلين عقليا من فوقها، أو تحويلها من طرف اليائسين إلى منصات للانتحار، أو رمي المجرمين وقطاع الطرق مستعملي الطريق بالحجارة قصد التسبب للسيارة في حادثة لإجبارها على التوقف.
في المغرب، نسمع بين الفينة والأخرى عن تعرض سائق سيارة للرشق بالحجارة من فوق إحدى قناطر الطرق السيارة، وكثيرا ما تؤدي هذه الحوادث إلى وفاة هؤلاء السائقين. لكننا لم نسمع إلى حدود اليوم بجمعية من جمعيات حماية المستهلك تتنصب طرفا في قضية ضد شركة الطرق السيارة ووزارة التجهيز والنقل لإجبارها على دفع تعويضات لهؤلاء الضحايا وإخضاع قناطرها لإجراءات السلامة المنصوص عليها قانونيا.
كل ما نسمعه هو أخبار في الصحف حول الحادث ما يلبث الجميع أن ينساها إلى أن يستفيقوا على خبر تعرض سائق جديد للرشق بالحجارة من إحدى قناطر الطريق السيار.
ولو كانت مشاكل الطرق السيارة في المغرب تقتصر على هذه القناطر القاتلة لهان الأمر، ولكن المأساة هي أن الطرق السيارة عندنا تفتقر إلى معايير السلامة، سواء في الأشطر التابعة للشركة أو في الأشطر التابعة لمجالس المدن.
ففي مدخل الرباط مثلا تفتقر الطريق الرئيسية إلى الحواجز التي يجب أن تكون على هوامش الطريق، بحيث يمكن لأي سائق غير منتبه أن يجد نفسه مرميا في «الفوسي».
ولعل الطرق السيارة في المغرب هي الوحيدة في العالم التي تدخلها الحيوانات والبشر من أجل قطع الطريق نحو الضفة الأخرى. والسبب هو عدم وجود أسوار أو أسلاك شائكة لمنع الدخول إلى الطريق السيار. وكثيرا ما تجد حافلات نقل متوقفة في الطريق السيار تلتقط المسافرين الذين يجلسون على هامش الطريق بانتظار وصولها.
واليوم كل من يغادر الدار البيضاء باتجاه المحمدية يلاحظ أن مستعملي هذه الطريق يتحركون وسط الأشغال التي بدأت قبل سنوات ولا أحد يعرف متى ستنتهي. وعلى طول هذه الطريق يمكن أن تلاحظ افتقارها إلى شروط السلامة الأساسية.
نحن إذن أمام وزارة للنقل والتجهيز تعرض يوميا حياة المواطنين للخطر، دون أن تتدخل لكي تضع حدا لهذا الخطر الذي يرفع من معدلات ضحايا حوادث السير.
وهنا نرجع إلى ما قاله بوليف من أن مستعملي الطريق يتحملون المسؤولية الكبرى في حوادث السير التي تقع لهم، لكي نقول له إن وزارته هي من تتحمل المسؤولية الكاملة في الأرواح التي زهقت بسبب الرشق بالحجارة من فوق قناطر الطرق السيارة. لأن الوزارة بإبقائها على هذه القناطر عارية توفر الشروط المناسبة للصوص وقطاع الطرق والمجانين لكي يقذفوا الناس بالحجارة والياجور ويعرضوا حياتهم للخطر.
وعوض أن تقوم هذه الحكومة بواجبها في حماية سلامة المواطنين، خصوصا في المرافق العمومية التي يدفعون من جيوبهم من أجل استعمالها، نرى كيف يرقص وزير النقل والتجهيز أحيدوس بمناسبة إعادة بناء قنطرة، فيما يستسلم وزراء آخرون للخطابة والتنكيت و»تعمار الشوارج» بحكايات سخيفة وبليدة حول طفولتهم وشبابهم وحبهم الأول.
«واش حنا سوقنا وقتاش تلاقيتي مرتك وكيفاش تعرفتي عليها»؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى