
حين نقرأ سيرة مجموعة من الأغنياء سنكتشف أنهم عبروا عبر نفق الخصاص، قبل أن يدخلوا دائرة الثراء، وتتغير أحوالهم وتظهر عليهم أعراض الوجاهة. من الجيد أن يتم أخذ هؤلاء الأشخاص كقدوة حسنة في بناء المستقبل، وأن نقرأ مساراتهم كما نقرأ قصص نجاح عن دروس في مواجهة التحديات ومصاعب الحياة، لكن أن تنتقل من الفصل الدراسي وتعلن التمرد على مهنة التدريس وتصر على أن يكون للازمة «قف للمعلم» معنى آخر، فهنا يجب أن يقف الناس احتراما لرجل خرج من القسم ودخل البورصة.
تختلف مسارات المدرسين الذين انضموا لعالم الأثرياء، إذ لا يمكن تصنيفهم في خانة قصص نجاح رجال أعمال بدؤوا من الصفر، لأنهم اختاروا مهنة التدريس وخططوا لركوب صهوة الجاه بهدوء، مستندين إلى «بيداغوجيا» تمكنهم من السير نحو الثراء بخطوات مدروسة.
يعتقد الكثيرون أن مهنة مدرس لا تفضي إلى الوجاهة، لكن تاريخ المغرب حافل بالنماذج التي تفند هذا الادعاء، فكثير من علية القوم في عوالم السياسة والرياضة والفكر والفن هم معلمون سابقون، مارسوا مهنة بناء رجال المستقبل، قبل أن ينتبهوا إلى أن البناء يبدأ منهم أولا.
يمكن أن نصنف هذه الفئة في خانة العصاميين، الذين يملكون طموحات لا حدود لها، فالمدرس عندهم ليس مجرد موظف ينتظر راتبه الشهري ويحصي نبض الترقيات ويعلن بين الفينة والأخرى عن وقفات واعتصامات، بل هو كائن يتطلع إلى الأفضل والأعلى ولا يجد حرجا في منافسة العائلات الراسخة في الثراء في الحق في الانضمام إلى عالم الأثرياء.
منهم من تحدى العقبات واستطاع العمل على تثقيف نفسه والمشاركة في دورات تسهل عبوره إلى عالم المال والأعمال، فأصبح يجني من صفقة واحدة ما كان يجنيه على امتداد مساره المهني، إنها المغادرة الطوعية من الفصل الدراسي إلى منتدى المال.
في الملف الأسبوعي لـ «الأخبار» وقفة مع نماذج من رجال ونساء كانوا بالأمس مدرسين وأصبحت اليوم سيرهم تستحق أن تدرس.
جلال السعيد.. مدرس أكل يوم أكل الثور الأبيض
يقضي جلال السعيد ما تبقى من حياته في ضيعته بقبيلة السماعلة بضواحي وادي زم، هناك ينعم الرجل بحياته الهادئة رتيبة الإيقاع، بعيدا عن رنين هاتف لا يتوقف عن نقل أخبار عاجلة. خرج جلال من وادي زم تلميذا ومدرسا وعاد إليها متقاعدا من التعليم والسياسة، وبين الفترتين درس القانون الخاص في فرنسا وتحول إلى أستاذ جامعي قبل أن يتم استوزاره ووضعه على هرم مؤسسة تشريعية. اختار الرجل المغادرة الطوعية للحياة السياسية، وعاد من حيث أتى ليعيش في ضيعته الانفرادية وهو يقلب ما تبقى من أوراق وألبومات صور برفقة ملوك ورؤساء وشخصيات منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وحين يختلي بنفسه ينقح مذكراته باعتباره شاهدا على العصر.
ظل يحل مشاكل أبناء قبيلته ويتدخل لدى الإدارة في كل صغيرة وكبيرة. فقد كان مدرسا يساعد الطلبة في الحصول على مبيت جامعي، ونائبا برلمانيا يصغي إلى أبناء دائرته كما يصغي إليه طلبته في رحاب الجامعة، ولم يكن يتردد في طرق كل الأبواب لإرضاء طلباتهم الموزعة بين البحث عن الشغل أو زيارة المستشفيات أو الحصول على وثائق إدارية.
في أبريل 1974، تم تعيين محمد جلال السعيد كاتبا للدولة في السياحة والسكن، قبل أن يدخل المعترك السياسي كنائب في البرلمان عن دائرة وادي زم ممثلا لحزب الأحرار، لكن حين أصبح رئيسا لمجلس المستشارين، اكتشف المفهوم الحقيقي لديمقراطية القرعة، التي أسقطته من المجلس ليتأكد أنه أكل يوم أكل الثور الأبيض، أي صديقه إدريس البصري.
استقر الرجل في قبيلته بين أصدقاء الأمس، وهو الخارج من تجربة سياسية فاشلة حين أسقطته قرعة بغيضة. في ضيعته بأولاد فنان، حيث يصر الرجل على نزع لباس المدرس والسياسي وارتداء بذلة الفلاح حين يزرع الأرض ويحصد خيراتها، مثل أي فلاح بسيط يجد نفسه وسط الحقول وفي السوق الأسبوعي للمدينة.. وقد تزوج جلال بالسياسة ثلاث مرات وانضم إلى حزب التجمع الوطني للأحرار وشقيقه الحزب الديمقراطي ثم الاتحاد الدستوري.
الراضي.. بين السياسة والفلاحة والتعليم
ولد عبد الواحد الراضي في مدينة سلا سنة 1935، لكن أصوله تعود إلى منطقة بني احسن التابعة لتراب عمالة سيدي سليمان، هناك تملك عائلة الرجل الاشتراكي مئات الهكتارات الصالحة للزراعة، في ما يشبه المفارقة الغريبة بين تعايش الفكر الاشتراكي مع الغنى والثراء. ورغم أن عبد الواحد تمرد على البادية الغرباوية واختار دراسة علم النفس الاجتماعي في جامعة السوربون في فرنسا، إلا أنه عشق الكراسي إلى حد الهوس ودخل مبكرا الميدان السياسي عضوا في تنظيم طلابي قبل أن يركب صهوة الانتخابات ولا ينزل منها إلا ليتسلم تعيينا جديدا، حتى أصبح واحدا من صقور الحزب.
شغل عبد الواحد خلال فترة دراسته الثانوية في داخلية ثانوية مولاي يوسف بالرباط مهمة حارس عام للداخلية، لكنه وبحكم جاه وثراء أسرته كان يتميز عن بقية الطلبة بامتلاكه لسيارة، وهو ما جعله يقضي العطل الصيفية في أوروبا، وحين نال شهادة الباكلوريا انتقل إلى جامعة السوربون حيث اختار شعبة علم النفس الاجتماعي، وبعدما أنهى دراسته هيأ أطروحة حول «التنشئة الاجتماعية للطفل» لكنها ظلت جزءا من التاريخ، لأن الرجل لم يتحول على غرار أقرانه إلى مدرس لهذه المادة ولم يقتسم خلاصة دراسته الأكاديمية مع الطلبة في المغرب بعد أن جرفته السياسة بعيدا عن الصبورة والطباشير. وحين اشتغل مدرسا في فترات قصيرة كأستاذ مساعد في كلية الآداب بالرباط، كان يخجل من راتبه أمام ما تملكه العائلة من عائدات مالية يصعب جردها.
تقدم عبد الواحد للانتخابات في سنة 1962 تحت لون الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بدعم من المهدي بن بركة، وترشح الشاب الغرباوي في دائرة سيدي سليمان التي كانت تضم سيدي سليمان وأربع جماعات قروية، وراهن على اسم والده وعمال الضيعات وشغيلة مصانع تلفيف الحوامض في حملته وهو البالغ من العمر 25 سنة. أعلن عن هزيمة الراضي في هذا الاستحقاق الانتخابي وتحولت سيدي سليمان إلى بؤرة توتر، فدخل الحزب على الخط وشرع في تنظيم وقفات احتجاجية انتهت بتراجع السلطة المحلية وإعلان الراضي فائزا في الانتخابات، بعدما منح الكرسي لممثل الفديك في فترة سابقة. تحول مقر حزب الاتحاد الاشتراكي في سيدي سليمان إلى عرس، ومنذ ذلك الحين قرر عبد الواحد قضاء ما تبقى من حياته في المناصب السياسية.
تعرض عبد الواحد الراضي للاعتقال عقب أحداث 13 يوليوز 1963، وكان حينها برلمانيا لكن الحصانة لم تتح له فرصة نيل السراح المؤقت، وقضى فترة في ضيافة السي قدور في معتقل درب مولاي الشريف، بتهمة التآمر على النظام، كما قضى حوالي شهر في كوميسارية المعاريف.
بايتاس.. معلم أصبح ناطقا باسم الحكومة
قالت عنه مجلة «جون أفريك» حين تم تعيينه وزيرا منتدبا لدى رئيس الحكومة، مكلفا بالعلاقات مع البرلمان، وناطقا رسميا باسم الحكومة، إن مصطفى بايتاس وبالرغم من «انحداره من أسرة متواضعة بالأقاليم الجنوبية، وتحديدا من مدينة سيدي إفني، فقد استطاع أن يشق طريقه بثبات ليتقلد اليوم منصبا يضعه في الواجهة».
يجر مصطفى خلفه مسارا مهنيا غنيا بدأه سنة 1997 مدرسا في التعليم الابتدائي بعد نيله لشهادة الباكلوريا، قبل أن يحصل على شهادة الإجازة في القانون العام والعلوم السياسية من المدرسة الوطنية للإدارة بالرباط. ولأن شهيته مفتوحة للشواهد فقد «عزز رصيده بشهادة الأهلية لممارسة مهنة المحاماة سنة 2019، مما سيمكنه بعد انتهاء مهامه الحكومية من ارتداء البذلة السوداء مرة أخرى»، كما أن مصطفى بايتاس يحظى بثقة رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، حيث يعتبر بمثابة ذراعه الأيمن، رغم أنه لا ينتمي إلى عائلة مغربية توارثت المناصب الحساسة أبا عن جد كما هو شأن عدد من الوزراء والمسؤولين في المغرب.
بعد أن دخل وزارة الفلاحة، كمستشار بالديوان، خبر العالم القروي وقرر الاستثمار في مجال يفهم تفاصيله، وأصبح واحدا من المستثمرين في أكثر من قطاع، متمسكا بخيط السياسية المتين، إذ ترشح خلال انتخابات 8 شتنبر بمدينته وفاز بمقعد في مجلس النواب، ليعود إلى قبة البرلمان من جديد بعدما ولجها من لائحة الشباب في الانتخابات الماضية.
ظل الرجل يشجع على الاستثمار في المناطق الجنوبية، وأكد أن الشخص الذي يرغب بالاستثمار في مدينة طنجة يجب أن لا يأخذ الدعم مثله مثل باقي المستثمرين الراغبين في الاستثمار بالمدن الجنوبية، لضمان تكافؤ الفرص.
العلالي.. مدرس الرياضيات يعثر على معادلة النجاح
بدأ محمد العلالي مساره من الدار البيضاء، حيث عرف أثناء دراسته بتفوقه الدراسي وشغفه بكرة القدم، قبل أن يدخل المدرسة العليا للأساتذة ويصبح مدرسا لمادة الرياضيات بثانوية محمد الشيخ بدرب الكبير التابعة لنيابة الفداء مرس السلطان، وقبلها في ثانوية العيون بنفس النيابة.
يقول أحد تلاميذه إنه كان يجعلك تعشق هذه المادة بالرغم من النفور الذي يميز العلاقة بين التلميذ ومادة لا تقبل الإبداع.
سيغادر العلالي مجال التدريس، ويدخل عالم المقاولات بعد أن شعر باختناق مهني، وفي سنة 1989 أسس مجموعة العلالي، التي أضحت اليوم رائدة في مجال العقار بكافة أشكاله، وفي نفس المقاولة اشتغل أفراد عائلته ضمانا لمبدأ الثقة.
حين سطع نجمه في عالم المال والأعمال وتلمس طريق النجاح، دعي لتقلد زمام فريق شباب المحمدية حين يلف عنق الفريق حبل الأزمات، كما عرف بانخراطه في جمعية صداقة ورياضة وبعض الجمعيات الرياضية على سبيل الدعم والرعاية.
تمتلك المجموعة رصيدا غنيا من المشاريع العقارية بمختلف أصنافها، والتي تتوزع في عديد بقاع المملكة، وخصوصا بمدينة المحمدية. إذ تحظى المجموعة اليوم بمكانة مميزة بين كبار الفاعلين ممن صنعوا تاريخ الصناعة العقارية بالمغرب.
ولأنه وزاني الأصول فقد حرص الرجل على الاستثمار في «دار الضمانة» وساهم في تنظيم مجموعة من الملتقيات الرياضية في وزان. كما حرص على بناء مشاريع سياحية مندمجة، على غرار أول منتزه مائي «أكوا بارك» بمدينة وزان، من أجل جعل إقليم وزان وجهة سياحية وطنية بامتياز، لما تتوفر عليه من تراث عريق ومدينة قديمة.
مرجان.. قصة معلمة صنعت مجد أكبر إمبراطورية للتموين الغذائي
مرجان حليمة امرأة استثنائية في حياة رجل استثنائي، تعلمت دروس المواطنة المبكرة في حزب الاستقلال، لكنها لم تتخرج مناضلة حزبية، بل زوجة لرحال السولامي أشهر ممون حفلات في تاريخ المغرب، رافقته في مسيرة الألف ميل التي بدأت بكوب حليب وقطعة حلوى وفاتحة، قبل أن تنتهي بإمبراطورية تموين عايشت ثلاثة ملوك.
لم يخطر ببال حليمة مرجان وهي تؤطر القطاع النسائي لحزب الاستقلال، مع مطلع فجر الاستقلال، أن مسيرتها النضالية ستتوقف قبل أن تبلغ عقدها الثاني. ولم تصدق زميلاتها في حزب علال الفاسي أن الفتاة التي أشرفت على تأطير الشبيبة الاستقلالية في مهدها وجعلت مئات أرامل المقاومين، الذين ماتوا ليحيا الوطن في طليعة مستقبلي الملك محمد الخامس أثناء عودته من المنفى الاضطراري، ستعلن استقالة غير مكتوبة من الحياة السياسية.
قالت في حوار سابق مع «الأخبار»: «نلت شهادة معلمة وأنا صغيرة السن فقررت من موقعي في حزب الاستقلال النهوض بالقطاع النسائي والبداية بمكافحة كل أشكال الجهل والأمية، بموازاة مع ذلك كنت مشرفة على كل الأنشطة النسائية في الدار البيضاء، سايرت المعركة بحماس جارف، وضعت إلى جانب رفيقاتي برنامجا للاحتفال برجوع محمد الخامس».
والدها هو الفقيه العلامة سيدي إبراهيم مرجان إمام مسجد ولد الحمرا بالمدينة العتيقة بالدار البيضاء، لكنه ظل مؤازرا لابنته حين اختارت مهنة التدريس والتحقت بالجبهة الأمامية لفيلق محاربة الجهل والأمية في صفوف النساء. كان والدها يقدم الموعظة في المسجد العتيق ويحاول قدر المستطاع اجتثاث الجهل، فيما حولت هي فصلا في مدرسة بدرب لخويمة إلى فانوس يضيء طريق نساء تلك الحقبة وينهي العتمة الناتجة عن جهالة كرسها المستعمر.
تزوجت حليمة من شاب يدعى رحال السولامي، كان يفيض طموحا، وكان أول اختبار لفتاة حديثة العهد بالزواج، هو القدرة على القطع مع السياسة والتعليم والنضال بكل أشكاله والانخراط في حياة جديدة.
حين تزوجت برحال كان لا يتوقف عن الكد والعمل «فقد شمرنا سويا على ساعد العمل وكان يقبل على تجارة موسمية وأخرى دائمة، لا يقتصر على بيع المأكولات والمشروبات، كان له استعداد فطري لخوض مبادرات جديدة كل يوم». بعد سنوات من الكفاح ستصبح شريكة أكبر ممون حفلات في العالم العربي.
التوزاني.. مدرس بخيرية بياضة يدخل عالم الثراء من الميناء
ارتبطت دار التوزاني وجدانيا ومجاليا بشخصية محمد التوزاني طنجاوي الأصول والنشأة بيضاوي المقام. ولد التوزاني في مدينة طنجة أثناء خضوعها للحماية الدولية ودرس في ثانوية رينيو، واشتغل ترجمانا في عهد الجنرال داماد، قبل أن ينتقل إلى الدار البيضاء حيث أسندت له مهمة عضو في لجنة تنظيم الموانئ التي غيرت اسمها وتحولت إلى مصلحة الشحن والإفراغ بالدار البيضاء. لم يكن الرجل الطنجاوي في حاجة لفترة استئناس بالوظيفة الجديدة.
بموازاة مع عمله في الميناء كان عضوا في الجمعية الخيرية الإسلامية للدار البيضاء، وكان مقرها في المشور غير بعيد عن درب «بياضة»، هناك كان يعمل بشكل تطوعي في تعليم الأطفال الذين كانت تجمعهم السلطات الاستعمارية في ميتم برعاية متطوعين مغاربة وأجانب، وكان الفتى الطنجاوي واحدا منهم، قبل أن يعين عضوا في مكتب الجمعية الخيرية بقرار من المارشال ليوطي، لتتم ترقيته إلى رئيس قسم العمالة المغربية بالميناء ويشغل منصب مستشار في محكمة الجنايات.
عرف التوزاني بسلطاته الواسعة في ميناء الدار البيضاء، رغم أنه كان مجرد رئيس قسم للموارد البشرية في ميناء الدار البيضاء، إلا أن الصحف الصادرة في الأربعينات والخمسينات، خاصة صحف حزب الاستقلال والحزب الشيوعي وصوت النقابات، كانت تطلق عليه ألقابا تجمع على مكانته، فهو حسب الصحف ذاتها «ملك المرسى» و»ديكتاتور البور» والحاكم العام لفئة «الدوكير والحمالة».
منذ تأسيس الشركة الفرنسية «لامانيطانسيون ماروكان» سنة 1915 وتحديد مهمتها في شحن وإفراغ وتخزين البضائع، أوكلت للتوزاني مهمة انتداب اليد العاملة للميناء وتدبير فائض «الحمالة» بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية والهجرة القروية إلى الدار البيضاء.
مارس التوزاني «هواية» امتلاك الأراضي، إذ امتلك بقعا أرضية أخرى في الدار البيضاء وضواحيها، وفي المدينة القديمة وفي مديونة وله قطع أرضية كبيرة في الهراويين، وكانت دار التوزاني فسيحة الأطراف، هي حي في دار شاسعة.
وصف امحمد الطاهر دار التوزاني بأنها قصر «يضاهي قصور الملوك»، وتساءل عن مصادر هذه الثروة الفاحشة التي امتلكها «سيد المرسى» مذكرا ببداياته كمدرس وموظف بسيط في الميناء.
ورد اسم التوزاني في لائحة المطلوبين للتصفية الجسدية من طرف خلية المقاومة، وقال ألبير عياش في كتابه «الحركة النقابية بالمغرب» إن الاستغناء عن خدمات «ديكتاتور» المرسى قد وقع سنة 1954، حينها اختفى عن الأنظار، وقيل إنه سافر إلى فرنسا.
زحفت المقاومة على دار التوزاني، لكن الحكومة حولتها إلى ملحقة لخيرية الدار البيضاء خصصت لإيواء مئات الشباب من المناطق الصحراوية التي كان المغرب يطالب بها إسبانيا «أولاد شنقيط» رغم أنف ورثة التوزاني، الذين لجؤوا للديوان الملكي قصد استرجاع هذه المعلمة فتم إنصافهم.
جودار.. أستاذ للحساب مفرد بصيغة الجمع
ولد محمد جودار في أبريل 1956 بحي سباتة بالدار البيضاء، وعين أستاذا لمادة الرياضيات بإحدى المؤسسات التعليمية بعمالة ابن امسيك سيدي عثمان، وكان حينها لاعبا لكرة القدم في فرق للأحياء قبل أن يدخل غمار السياسة ويعلن مغادرته للفصل الدراسي.
دخل غمار السياسة حين انضم إلى حزب الاتحاد الدستوري، وعبره خاض الانتخابات الجماعية فأصبح رئيسا لمقاطعة ابن مسيك بعد إعادة التقطيع الانتخابي للمنطقة. كانت هذه التجربة كافية ليعلن جودار القطيعة مع التعليم، ويتفرغ للسياسة التي ستفتح شهيته لمناصب أخرى، حين وضع نصب عينيه المقعد البرلماني، وتأتى له ذلك بعد أن أصبح من صقور الاتحاد الدستوري منذ زمن محمد ابيض، لينتهي به المطاف نائبا للأمين العام لحزب الحصان، ونائبا لرئيس مجلس النواب، فضلا عن مهام أخرى على مستوى مجلس مدينة الدار البيضاء الذي دخله بالرغم من عدم اصطفاف حزبه ضمن الثالوث الحزبي الحاكم.
لا يجد الرجل حرجا في جمع المناصب، إذ أصبح رئيسا لفتح سباتة لكرة القدم وعبر هذا المنصب أصبح رئيسا لعصبة الدار البيضاء لكرة القدم، ونائبا لرئيس الجامعة الملكية المغربية، ومسؤوليات أخرى أبرزها رئاسة لجنة البنيات التحتية في الجامعة، ومنخرطا في الرجاء البيضاوي لفترة قصيرة، ظل خلالها أقرب إلى رئيس الوداد منه إلى رئيس الرجاء.
يقول المقربون من جودار إن الرياضة أسدت له خدمات كثيرة حيث ساعدته على اختراق مجموعة من المناصب، ويضيفون بأن الرجل ظل يطارد منصبين دون أن يحكم قبضته عليهما، وهما: الأمانة العامة لحزب الاتحاد الدستوري وحقيبة وزارة الرياضة التي لطالما راودته في حلمه ويقظته.
لعب جودار دورا كبيرا في إنتاج النخب السياسية بعد أن طال مقامه في مجلس مدينة الدار البيضاء، بل ساهم إلى جانب رئيس الوداد في ترتيب الأوراق السياسية ووضع الرجل المناسب للمرحلة في المكان الذي يرتضيه المتمسكون بخيوط اللعبة السياسية في المنطقة.
راكم جودار ثروة هائلة وأصبح واحدا من أغنياء المنطقة، التي يتساءل أبناؤها كيف يمكن لشخص أن يراكم كل هذه المناصب دون أن تتمكن مذكرة وزير الداخلية حول “تنازع المصالح” من دفعه للاستقالة من بعض المهام أو تفويتها، إذ ظل حريصا على الجمع بين الكرة والسياسة والمال وأن يكون يوزع وقته بين مقر المقاطعة ومقر الحزب ومقر البرلمان ومقر العصبة ومقر الجامعة ومقر فتح سباتة إذا كان له مقر.












