
يونس جنوحي
بحكم الكواليس التي عاشها إلى جانب الملك الراحل، في محطات متفرقة، كان السفير محمد التازي «محظوظا» لأنه عاش عن قرب كواليس إعداد الحسن الثاني لاتفاقات توطين الحدود الشرقية مع الجزائريين، سواء في عهد هواري بومدين، خصوصا اتفاق 1972 ثم 1977، أو في عهد الشاذلي بن جديد، وحتى في عهد صديقه الحميم علي كافي الذي تزامن وصوله إلى الرئاسة وانتهاء ولايته القصيرة نسبيا، مع تقاعد محمد التازي من مهامه الدبلوماسية سنة 1994.
من بين أهم الكواليس التي عاشها التازي بالقرب من الملك الحسن الثاني، تلك التي تتعلق باستشارة الملك للأحزاب، سنة 1989، أثناء الإعداد للاتفاق. يقول:
«ولعل جلالته قرر أن يغلق ملف الحدود مع الجزائر نهائيا حتى لا يبقى لغما مدفونا قد ينفجر في أي ظرف، ورغم يقين جلالته بأن في الاتفاقية ما لا يُرضي فريقا هاما من الرأي العام المغربي، فإن طموحه لتجاوز حساسية الحدود لبناء مغرب عربي موحد، متكامل قوي، قد يجعل من الحدود مجرد خطوط جغرافية وهمية.
استدعى رؤساء الأحزاب، وناقش معهم موضوع المصادقة على الاتفاقية، فتحفظ على المصادقة المرحوم عبد الرحيم بوعبيد الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، وأحمد عصمان رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار. أما المؤيدون فامتدحوا الاتفاقية وأيدوا المصادقة عليها، وهم المرحوم على يعتة والسيد عبد اللطيف السملالي، أما السيد امحمد بوستة، فكان موقف حزب الاستقلال واضحا لجلالته فلم يكن في حاجة لتوضيح أو تبرير أو تفسير، لذلك سكت السيد امحمد بوستة.
لم يكتف يرحمه الله بهذه الاستشارة السياسية، فاستدعى خبراء قانونيين، واستطلع رأيهم القانوني في إمكانية الاكتفاء بموافقته على الاتفاقية دون عرضها على البرلمان، باعتبار أن الدستور ينص على أن الملك يصادق على الاتفاقات والمعاهدات، وأيدوا في فتواهم هذا التفسير. ومع ذلك بقيت بعض الهيئات السياسية على رأيها في أن تعرض الاتفاقية على البرلمان وتناقش بحرية وشفافية، وأن النتيجة ستكون الموافقة عليها، ولكنَّ في سراديب تفكيره أكرم الله مثواه، مخزونا من الاحتمالات والأفكار، يصعب استكشافه، وسبر أغواره ودائما أستذكر قول المتنبي بعد كل مقابلة مع جلالته :
«يعز على الأذهان ما هو فاعل… فيؤخذ ما يبدو، ويترك ما خفي».
فقد صادق جلالته على الاتفاقية، وحملها الدكتور عبد اللطيف الفيلالي، وزير الخارجية والتعاون، إلى الجزائر، واجتمع مع وزير الخارجية الجزائري السيد بلسايح، وتبادلا وثائق التصديق على الاتفاقية يوم 14 مايو عام 1989 بعد سبع عشرة سنة من توقيعها من مدينة إفران، وقبل عشرة أيام من انعقاد القمة العربية الطارئة في الدار البيضاء».
لم يكن لهذا الحدث التاريخي الهام صدى في وسائل الإعلام، لأنها لا تعرف خفايا الاتفاقية ولا فلسفتها، وفي مثل هذه المفاجآت تنتظر هذه الوسائل الإشارات الضوئية من خطاب لجلالته، حتى تسرع إلى تفسير ما هو مفسر، وتوضيح ما هو واضح، وبكل أمانة في ما أكتب، فقد كنت أشعر بضيق جلالته، من قصور الإعلام الرسمي، والموالي، وكثيرا ما كان يقول لمن حوله:
-هل قرأتم ما نشرته جريدة…؟
ويذكر اسم جريدة عربية أو أجنبية، ثم يعقب:
-.. قليلا ما أقرأ في صحف مغربية ما يشفي الغليل، باستثناء بعض ما ينشر في صحف المعارضة، وحتى هذه لا يخلو بعض ما تكتب من عدم إلمام كامل بالموضوع الذي تكتبه».
وبحكم انتماء السفير محمد التازي إلى عالم الصحافة، واشتغاله في الصحف المصرية أثناء بداياته، ثم في الراديو، قبل أن يترأس تحرير صحيفة العلم بعد الاستقلال، فإنه كان على دراية بكثير من الكواليس التي كان موضوعها رأي الملك الراحل الحسن الثاني بما كان يُنشر في الصحف بخصوص الاتفاقيات، والسياسة الخارجية، خصوصا مع الجزائر.





