الافتتاحيةالرئيسيةسياسيةوطنية

لا قانون مالي بدون ماء

يمكن أن تتحسن آفاق الاقتصاد المغربي بشكل ملحوظ على خلفية الانتعاش الذي ربما ستشهده أسواق النفط العالمية. وبإمكان بلدنا ربح نقاط إضافية في نسبة النمو إذا ما تم التعجيل بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الكبرى، وقد تستطيع الحكومة تحقيق معظم أهداف ورش الحماية الاجتماعية مع انتهاء ولايتها في 2026، وقد تتوفق الحكومة في إخراج قطاعي الصحة والتعليم من الترهل الذي يعيشان فيه منذ سنوات. إن التعامل مع كل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مقدور عليها، لكن تبقى أم المعارك وأكبر التحديات هي مواجهة المخاطر الناجمة عن ندرة المياه وتدهور جودة المياه الجارية في أنهار المغرب ومياهه الجوفية، وهو أهم وأصعب خطر تواجهه المملكة بشكل حاد ومستعجل بعدما كانت بلدنا منذ قرون عنوانا للماء والخضرة.

لهذا فمشروع القانون المالي المقبل وتوجهاته الاستراتيجية التي ستعرض على الملك محمد السادس، ينبغي أن تفرد لهذا الخطر المحدق حيزا خاصا واستثنائيا يضع الخطط والاستراتيجيات العملية والتدابير المستعجلة ويحدد الفاتورة المالية للتغلب على ندرة المياه والآثار الناجمة عن تغير المناخ، ويرسم خريطة الإصلاحات الواسعة على المدى القريب والمتوسط والطويل التي يتطلبها الاستغلال الأمثل لقطاع المياه، ويضمن حكامة وحسن إدارة ما يرتبط بها من مخاطر.

لقد أضعنا ما يكفي من الوقت في الوعود الكاذبة، وتأخرنا كثيرا في إيجاد أجوبة لمعضلة المياه التي لا تهم فقط الأجيال الحاضرة، بل الأجيال المقبلة، وآن الأوان أن نضع نقطة نهاية لسياسة البريكولاج ومنهج الترقيع التي رافقت السياسات العمومية المائية في عهد الحكومتين السابقتين. فلا يمكن أن تبنى رؤية دولة للمستقبل على انتظار قدر السماء التي قد تجود سنة وتشح سنوات. والمعضلة الكبرى حتى مع وجود إرادة حكومية لبناء محطات التحلية فسنحتاج إلى خمس  سنوات حتى يشرب أول كأس ماء من المشاريع التي يمكن أن تطلق خلال السنة المقبلة، وخير مثال على ذلك محطة تحلية المياه بالسعيدية التي تأخر إنجازها عن موعدها المحدد بخمس سنوات، ومحطة الدار البيضاء التي مرت حتى اليوم ثلاث سنوات دون أن توضع ولو حجرة واحدة لتشييدها.

إن أكبر مشكل حقيقي تواجهه السياسة المائية في بلادنا ليس هو توفير الموارد المالية أو توفر الإرادة السياسية فهذا أمر في المتناول، الخطر هو هدر الزمن التدبيري في قضية مصيرية لا تحتمل بيروقراطية إداراتنا وتعقيدات مساطرنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى