الافتتاحية

ليس دفاعا عن رجال الأعمال

مع اقتراب موعد الانتخابات يتحول شعار فصل السلطة عن الثروة إلى فزاعة شيطنة بعض السياسيين ومحاولة إقصائهم من الشأن العام خارج قواعد المنافسة السياسية الشريفة. بكل تأكيد لا يمكن لأي عاقل أن يكون مع الجمع بين السلطة والمال إذا كان الغرض منها تحويل السلطة إلى استثمار اقتصادي ومالي، لا يمكن الانحياز لاستغلال المناصب السياسية في مراكمة الثروة بشكل غير مشروع، وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، لكن أن يتحول هذا الشعار المستورد من البيئة المصرية والتونسية في سياقات مختلفة لترهيب رجال الأعمال وإغلاق باب المشاركة أمامهم في الشأن العمومي فهذا الشعار يتحول إلى حق أريد به باطل.
منذ حركة 20 فبراير استوردنا شعار فصل الثروة عن السلطة ولا شك أنه كان شعارا مغريا، وكان الجواب الدستوري واضحا في ضمان المساواة بين المواطنين مهما كانت ثرواتهم في تولي المناصب الانتدابية ورسخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، كما كرس القانون التنظيمي لأشغال الحكومة منذ 2013 شروط مشاركة رجال الأعمال في مناصب المسؤولية الوزارية كما هو معمول به في أعرق الديمقراطيات التي فتحت الباب على مصراعيه أمام رجال أعمال لحكم دول كبرى دون مركب نقص.
لذلك لم يعد مجديا ولا مغريا استذكار شعار فصل المال عن السلطة كلما اقتربت محطة انتخابية لمحاصرة فصيل سياسي أو منع بعض المسؤولين العموميين من الانخراط في المعترك السياسي، لأنه لا يعقل أن يتحول الثراء والنجاح في تدبير الأعمال إلى عقوبة الحرمان من المشاركة السياسية كحق أصيل، وبدل أن يغرق السياسيون في مستنقع تصفية الحسابات مع رجال أعمال ناجحين لأنهم يشكلون بروفايلات مثالية ومنافسة لمحترفي السياسة، الذين نصبوا أنفسهم في موقع المدافع عن القلاع التي لم تسقط بعد أمام تقدم رجال الأعمال بسبب عزوف الشعوب عن السياسة وفقدانها للثقة في الطبقة السياسية التقليدية، كان الأولى الرجوع إلى القانون وإغلاق كل المنافذ التي قد تؤدي إلى علاقة غير شرعية بين المال والسلطة.
ومع كل التحولات المتسارعة التي يعيشها بلدنا لم يعد مسموحا أن تروج الطبقة السياسية التقليدية الديماغوجية لفوبيا رجال الأعمال وكأنهم مجرد مصاصي دماء، هدفهم الوحيد سرقة الثروة والاستيلاء على مقدرات الدولة وتضخيم أرصدتهم البنكية على حساب المواطن، بينما أظهر الكثير منهم عن حس تضامني وطني رفيع خلال الظروف الاستثنائية التي تمر منها بلادنا. ومن تنبغي محاربتهم وشيطنتهم حقا هم أولئك السياسيون الحفاة العراة الذين يتحولون بعد مرورهم من البرلمان أو الوزارة إلى رجال أعمال وأثرياء يتطاولون في البنيان ويتسابقون على المشاريع، هذه العينة من السياسيين هي من تنبغي محاربتها بكل الوسائل، وللأسف هاته العينة التي تحكم قبضتها على العمل السياسي هي من ترفض انتقال رجال الأعمال إلى عالم الريادة السياسية والحزبية، خوفا من فقدان دورها ووجودها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى