شوف تشوف

الرأي

مجتمع فضائحي

مع زينب

مقالات ذات صلة

مثل جميع الامتيازات التي قاتل الثوار وخسروا أرواحهم في أنحاء العالم كله من أجل انتزاعها، ثم أوصلها الحظ السيئ إلى هذه البقعة الأرضية لي سميتها المغرب باش نتكرفصو عليها، تحتل حرية التعبير اليوم المكان الأول في لائحة المعتدى عليهم.
فبدل أن يعبر الإنسان المغربي عن مشاكله، وواقعه المعيش ورغباته واحتياجاته، وينتفض بسبب الحالة السيئة التي يعاني منها، أصبح التعبير عنده ينصب في اتجاه واحد فقط: البحث عن «الفضيحة»، أو صنعها!
الكل يتسابق من أجل كتابة تدوينة فيسبوكية مضحكة عن فضيحة ما كي يحصد بها ما تيسر من «الجيمات»، وترفعه إلى مصاف «المؤثرين الفيسبوكيين»، ينقب عنها بجد وكأنها البترول المفقود في الصحراء، أو حبل الأمل الذي سينقذه من الأمية و«الشوماج»، وضنك العيش، و«الكونيكسيون» السيئة التي تحد من «حرية تعبيره»، ويتجنب ما أمكن أن ينخرط في تكذيبها أو المساهمة في تصحيحها.
المجتمع المغربي الذي كان إلى وقت قريب مبنيا على ستر ما ستر الله، أصبح فجأة مناصرا لمقولة الكاتب المصري أنيس منصور «لولا فضيحتك أنت شخصيا لكانت حياة جارك مملة.. فأنت متعته التي لا تنتهي»، وأصبح البحث عن عورات الناس وتتبعها من الهوايات المفضلة لديه، ولو على حساب أذية الإنسان «المفضوح» لي غالبا ما كايعرف راسو باش تبلا !
فالمغربي ككائن مقهور، يبحث دائما عن وسيلة تمكنه من قهر شخص آخر يشبهه أو أقل قهرا منه نوعا ما.
بالدارجة كايحكر عليه، كي يتجاوز إحساس النقص المسيطر عليه في حياته اليومية، ويرضي ما تبقى من الأنا المتمرغ في الوحل داخله.
لهذا تجد فضائح الريع والفساد ونهب المال العام، وباقي القضايا التي تهم الرأي العام مباشرة، وتضر بمصالح الفرد تمر مرور الكرام، لكن ما إن تقترن القصة بموضوع جنسي حتى تصبح الجنازة كبيرة والميت فأرا، وتستحوذ على أنظار الجميع.
ما لا أستطيع استيعابه هو كيفاش بنادم ما لاقي ما ياكل ما يشرب، عايش ميت، لا زين لا مجي بكري كما نقول، هو نفسه خصو لي يسترو، ورغم ذلك عشرة الدراهم لي كايجمعها فنهارو كايشارجيها أنترنت باش يبارطاجي رابط: شاهد فضيحة بنت طاهور، شاهد فضيحة الدب القطبي، إلى آخره من العناوين التي تدغدغ منطقة الكبت لدى العامة…
ألهذه الدرجة أصبح جمهور «الفضيحة» مغيبا، أو مبرمجا بهذا الشكل المفزع؟ حتى التكذيبات صارت قليلة التصديق، إلى متجاهلة في الآونة الأخيرة.
الأمر في البداية قد يبدو نوعا من العنف المعنوي المجاني، أو ضربا من التخلف، بما أن مجتمعات العالم الثالث هي الأكثر تعاطفا مع هذه الممارسات، لكن الأمر لا يتجاوز في الحقيقة محاولة مستميتة للتهرب من مواجهة الذات (بغض النظر عن المستوى الثقافي)، واعتبار الآخر تسلية غير باش بنادم فاش يجي ينعس فالليل يقول الحمد لله حالتي أحسن من حالة فلان رغم أن حالته وحالة فلان تختلفان فقط في مسألة التوقيت، فالآخر عراه المجتمع بينما هو ينتظر دوره، دون أن يدري أن هذا المجتمع مستعد لأن يرفضه هو أيضا إذا قرر أن يصبح عاقا.
أنا نفسي التي أكتب الآن لا أدري ماذا كنت سأكتب لولا فضيحة هؤلاء المفضوحين لي تابعين فضايح الناس!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى