
ســامــي بــنــيــحــي محام متمرن بهيئة المحامين بالدار البيضاء طالب باحث بسلك الماستر تخصص الأعمال
لقد أدى فيروس كورونا المستجد «كوفيد- 19»، الذي ظهر في مدينة ووهان بالصين واجتاح باقي بلدان العالم، إلى إعلان السلطات المعنية عن
حالة الطوارئ وفرض الحجر الصحي كإجراء وقائي، وهو ما أفضى إلى عدة آثار في مختلف المجالات، من بينها مجال عقود الكراء. فمن المعلوم أن آثار هذه الجائحة قد انصبت على العلاقة التي تجمع المكري بالمكتري في عقد الكراء بنوعيه، وأفرزت عنها مجموعة من الإشكالات، خصوصا وأن عددا كبيرا من المكترين قد توقفوا عن أداء المستحقات، بسبب توقف نشاطهم المهني، أو بسبب توقفهم عن استعمال المحلات المكتراة بسبب إغلاقها، وهذا ما سيجعل القضاء المغربي أمام إشكال حالة الطوارئ والحجر الصحي، الذي يفرض على الأشخاص المكوث في بيوتهم إلى حين الحد من مخاطر هذا الفيروس القاتل، وكذا إشكال حق المكري في طلب إفراغ المكتري من المحل، كلما ثبت أنه في حالة مطل بسبب عدم أداء هذا الأخير للمستحقات الكرائية، فإلى أي حد أثرت جائحة كورونا على قواعد المطل مثلما هي منظمة في القانون؟
لقد عرف المشرع المغربي مطل المدين في الفصل 254 من قانون الالتزامات والعقود بأنه: «يكون المدين في حالة مطـل، إذا تأخر عن تنفيذ التزامه، كليا أو جزئيا، من غير سبب مقبول»، أي يكون المدين في حالة مطل في حال إذا تأخر عن أداء التزامه أو امتنع عن تنفيذه بدون مبرر مشروع أو مقبول، وفي حال وجود المدين في حالة مطل جاز للدائن أو المكري، حسب الفصل 259 من قانون الالتزامات والعقود إجباره على تنفيذ التزامه، مادام تنفيذه ممكنا، أما إذا لم يكن ممكنا جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد، وله الحق في التعويض في الحالتين. لكن إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن إلا في جزء منه، جاز للدائن أن يطلب إما تنفيذ العقد بالنسبة إلى الجزء الذي ما زال ممكنا، وإما فسخه وذلك مع التعويض في الحالتين.
إذن يمكن للدائن في حالة كان المدين قد توقف عن أداء التزاماته التعاقدية، أن يطلب أداء المبالغ المالية إذا كان التنفيذ ما زال ممكنا، أو أن يطلب فسخ العقد مع التعويض. وبربط هذه القواعد مع عقد الكراء فإن قواعد المطل تظهر بشكل أفضل، حيث يمكن للمكري، حسب الفصل 692 من قانون الالتزامات والعقود في فقرته الثالثة، في حال عدم أدائه لمبلغ الكراء في الوقت المحدد أن يقوم بفسخ العقد، مع حفظ حقه في التعويض إن اقتضى الحال.
إلا أن الكراء رغم أنه يتماشى وقواعد المطل في قانون الالتزامات والعقود، فإنه يعرف مسطرة خاصة وجب على المكري أن يتبعها حتى يستفي حقه من المكتري المتماطل، وهي المسطرة المصادقة على الإنذار التي يسبقها إجراء إنذار المكتري بمبلغ الكراء غير المؤدى، مع احترام مقتضيات القانون 67.12، إذا تعلق الأمر بكراء مدني، أو القانون 49.16 إذا تعلق الأمر بكراء تجاري. ذلك أن القضاء قد أكد في عديد من قراراته على مبدأ أن الكراء يطلب ولا يعرض، بمعنى أن المكري يجب أن يتوجه إلى مكان وجود العين المكتراة لاستلام الوجيبة الكرائية، فإن لم يقم بهذا الإجراء فلا يجوز له الاحتجاج ضد المكتري بكونه أخل بالتزام الأداء، مما يتطلب ضرورة إنذار المكتري بالوفاء كي يعتبر في حالة مطل ويتم إثباتها عليه، وهو ما أكدته محكمة الاستئناف بالرباط في قرار لها جاء فيه: «الفصل 12 من ظهير 25/1980 كما وقع تعديله بالقانون رقم 63.99 إن أعفى المكري من توجيه الإنذار إلى المكتري، طبقا للشكليات المنصوص عليها بالفصل 8 و9 من القانون نفسه في الحالات المنصوص عليها بالفصل 692 من قانون الالتزامات والعقود، فإن ذلك لا يعفيه من توجيه الإنذار، ذلك أن عنصر التماطل المؤدي إلى الفسخ لا يثبت بمجرد عدم أداء واجبات الكراء التي حل أجلها، بل لابد من توجيه إنذار بالأداء إلى المعني بالأمر وتوصله به، وتحديد أجل لهذا الأداء، حتى يمكن للمحكمة ترتيب الآثار عن التماطل في حال ثبوته».
كما أكدته كذلك المحكمة الابتدائية المدنية بالدار البيضاء في حكم لها يحمل رقم 558، في ملف مدني عدد 89/3842 بتاريخ 01 فبراير 1993، جاء فيه أن: «لما كان الكراء يؤدى في مكان وجود
العين المكتراة، فإنه مطلوب لا محمول، وبالتالي لا يثبت مطل المكتري إلا إذا وجه إليه إنذار بالأداء، وأمهل أجلا معقولا طبقا لمقتضيات الفصل 255 من قانون الالتزامات والعقود…».
لذلك فإن التماطل في أداء الوجيبة الكرائية يحتاج إلى إثبات بواسطة إنذار من المكري، ليخول له القانون بعد اتباع هذا الإجراء من استيفاء دينه من المكتري، أو المصادقة على الإنذار في حالة عدم الأداء، مع إمكانية التعويض وإفراغه من المحل المكترى.





