حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرخاصوطنية

مستشفى الرازي بسلا يختنق تحت وطأة الأشغال ونقص الموارد البشرية

مرضى نفسيون في أوضاع مزرية وأطر صحية تنتقد ظروف العمل

يشهد مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعقلية بمدينة سلا، أحد أعرق المؤسسات الصحية المتخصصة بالمملكة، واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا واختناقًا في تاريخه. فعلى امتداد أسواره المتهالكة، لا تخطئ العين مشهدًا مثقلًا بالتناقضات؛ أوراش مفتوحة منذ شهور دون أفق واضح لإنهاء الأشغال، ممرات تغرق في الغبار، أسرّة ممتلئة تتقاسمها أجساد مرهقة، وأطر طبية شبه غائبة تنهكها قلة العدد وكثرة الحالات المرضية.

 

وسط هذه الفوضى متعددة الأوجه، يعيش نزلاء المستشفى وضعًا إنسانيًا صعبًا، يتراوح بين الإهمال وغياب الرعاية المتخصصة، وهو ما بات يُهدد ليس فقط حقهم في العلاج، بل كرامتهم كبشر. عدد من المرضى، وفق شهادات حية، يقضون أيامًا طويلة دون أن يعاينهم طبيب، فيما يُجبر آخرون على تقاسم غرفة واحدة تتسع بالكاد لفردين، في مشاهد لا تمت بصلة لأبسط معايير الاستشفاء.

هذا الواقع المؤلم، الذي ترصده جريدة «الأخبار» من خلال روبورتاج ميداني، يعكس حجم الاختلالات البنيوية التي يعيشها قطاع الصحة النفسية في المغرب، ويطرح بإلحاح أسئلة عميقة حول مدى التزام الدولة بتوفير خدمات طبية وإنسانية تليق بكرامة هذه الفئة من المرضى، الذين يجدون أنفسهم اليوم ضحايا الهشاشة، مرتين: مرة بسبب المرض وأخرى بسبب الإهمال.

 

النعمان اليعلاوي

 

رغم إدراج مستشفى الرازي بسلا ضمن المؤسسات التابعة للمركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا بالرباط، يكاد التنسيق بين الإدارتين يكون منعدمًا، ما يُفاقم أزمة التسيير ويُحول مستشفى الأمراض النفسية إلى مؤسسة معزولة عن محيطها المؤسساتي، لا تسيرها خطة واضحة ولا تراقبها آليات المساءلة، وما يزيد الصورة قتامة غياب أي تواصل رسمي مع أسر المرضى، التي تُفاجأ في كثير من الأحيان بتدهور حالة ذويها دون أي إشعار أو تفسير، وسط صمت إداري مُحير.

 

 

أوراش لا تنتهي.. وحياة على وقع الضجيج

 

منذ سنوات يعيش مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعقلية بسلا على إيقاع أوراش مفتوحة لا تنتهي، تحت يافطة مشاريع ترميم وتوسعة يُفترض أنها تهدف إلى تحسين جودة الخدمات الصحية ورفع الطاقة الاستيعابية للمؤسسة. غير أن هذه الأشغال، بدل أن تكون مؤشرًا على التطوير، تحوّلت إلى مصدر إزعاج يومي، بل إلى عبء ثقيل يُضاعف معاناة المرضى والعاملين على حد سواء.

في جولة بسيطة داخل فضاءات المستشفى، يبدو أن ما بدأ قبل أكثر من ثلاث سنوات كمخطط لتأهيل المرافق، انقلب إلى فوضى دائمة. الأسلاك المتدلية من الأسقف وأكوام مواد البناء المتناثرة هنا وهناك كلها مشاهد باتت جزءًا من المشهد اليومي بالمستشفى.

 

تقول إحدى الممرضات، (فضّلت عدم ذكر اسمها)، في تصريح لـ «الأخبار»:

«نحن نعمل وسط الضجيج والغبار. بعض الأقسام تحولت إلى ما يشبه الورشات الصناعية، وهو ما يعرقل حركة المرضى ويؤثر بشكل مباشر على استقرارهم النفسي، خاصة من يعانون حالات ذهانية أو نوبات حادة».

وتضيف الممرضة ذاتها، قائلة بنبرة لا تخلو من الإحباط، أن «هناك حالات تستوجب الهدوء والعزلة والرعاية المتواصلة، لكن في ظل هذه الأشغال العشوائية أصبح توفير بيئة علاجية ملائمة شبه مستحيل».

الزائر للمستشفى لا يحتاج إلى كثير من الوقت ليكتشف عمق الأزمة. فمع خطواته الأولى بمدخل المؤسسة، يواجه اختناقًا في الممرات وتكدسًا واضحًا في قاعات الاستقبال، التي لا تتوفر على تهوية كافية أو أماكن انتظار مريحة. وتغيب تمامًا الفضاءات الآمنة والمهيأة لاحتضان الزوار وأسر المرضى، ما يزيد من حدة التوتر داخل المؤسسة، خصوصًا في أوقات الذروة.

 

وأعرب عدد من المرتفقين، لجريدة «الأخبار»، عن استغرابهم استمرار هذه الأوراش دون وضوح في الجدول الزمني أو في مراحل الإنجاز. أحدهم، وهو والد مريض يتلقى العلاج بالمستشفى منذ سنة، يقول: «نأتي كل أسبوع تقريبًا، ولا نرى أي تقدم حقيقي. فقط حواجز إسمنتية جديدة، وضجيج يربك الجميع، ولا أحد يشرح لنا متى سينتهي هذا العذاب».

في غياب خطة تواصلية واضحة، من إدارة المستشفى أو الجهات المسؤولة عن الأشغال، يظل الغموض سيد الموقف، ويطرح المتابعون أسئلة حارقة حول مدى احترام المعايير الصحية والوقائية داخل مؤسسة يُفترض أن تكون ملاذًا آمنًا للمرضى النفسيين لا بيئة صاخبة تؤجج معاناتهم.

 

 خصاص في الأطر الصحية وعجز عن تلبية الطلب المتزايد

 

كشف مصدر نقابي من داخل المستشفى، في تصريح لـ«الأخبار»، أن عدد الأطباء العاملين بالمؤسسة لا يغطي الحد الأدنى من حاجيات المرضى، مشيرًا إلى أن بعض الأطباء يضطرون إلى متابعة أكثر من 30 حالة يوميًا، ما يُعد، بحسب المصدر ذاته، «وضعًا غير إنساني وغير علمي يؤثر على جودة التشخيص والعلاج، ويُنهك الأطباء نفسيًا وجسديًا».

وأضاف المصدر أن المستشفى، الذي يُفترض أن يُشكل نواة للعلاج النفسي والاجتماعي لفئات واسعة من المواطنين، «يعاني منذ سنوات من غياب رؤية استراتيجية للإصلاح، وسط تجاهل تام من الوزارة الوصية، وتفاقم المشاكل المرتبطة بنقص الأدوية، وتأخر الصيانة وغياب التجهيزات الحديثة».

 

وتشير معطيات إلى أن العديد من الأقسام تعاني من الاكتظاظ، وغياب النظافة وانعدام الأمن في بعض الأجنحة، سيما تلك المخصصة للمدمنين أو المرضى الذين يعانون من اضطرابات سلوكية حادة، حيث غالبًا ما تُسجّل حوادث اعتداء على الأطر الصحية، في غياب حراس أمن متخصصين أو تكوين كافٍ للتعامل مع هذا النوع من الحالات، كما يعرف المستشفى أعطابًا متكررة على مستوى البنية التحتية، منها ما يتعلق بشبكة المياه والصرف الصحي، ما يزيد من معاناة العاملين والمرضى، خاصة في فترات الذروة خلال فصل الصيف.

 

 

 

سرير واحد لعشرات المرضى

 

لا يقتصر الخلل على النقص في الكفاءات الطبية، بل يشمل أيضًا مشكلًا آخر أكثر إلحاحًا يتعلق بنقص الأسرّة. ففي مستشفى الرازي يواجه المرضى، الذين يحتاجون إلى الإيواء القسري أو الطارئ، واقعًا مريرًا يتمثل في عدم توفر أسرّة كافية لاستقبالهم، ما يضطر بعض المرضى إلى الانتظار في قاعات لفترات طويلة أو تأجيل استقبالهم إلى حين وجود سرير فارغ.

يُعبّر أحد أقارب المرضى عن هذه المأساة قائلاً، في تصريح لـ«الأخبار»، «أحضرنا أخي وهو في حالة هيجان شديد، وبعد ساعات من الانتظار أبلغونا أنه لا يوجد مكان… فهل يُعقل أن يُطلب منا العودة به إلى البيت؟».

هذا المشهد يعكس حجم الضغط الكبير على المؤسسة التي تُعتبر الملاذ الأخير للعديد من المرضى النفسيين، ويُبرز الحاجة الملحة لتوسيع الطاقة الاستيعابية للمستشفى بشكل عاجل، كما تتفاقم الأزمة أكثر مع نقص التجهيزات والبنية التحتية، إضافة إلى الاكتظاظ داخل بعض الأجنحة التي تستقبل مرضى يعانون من اضطرابات سلوكية حادة، في غياب الأمن المناسب والتأطير الكافي، ما يهدد سلامة المرضى والعاملين على حد سواء.

 

سوء الحكامة وغياب التنسيق مع مستشفى ابن سينا

 

إلى جانب الإشكالات البنيوية، يضاف عامل سوء الحكامة الذي يؤثر بشكل مباشر على سير العمل بمستشفى الرازي، من أبرز مظاهره غياب التنسيق الفعّال بين إدارة المستشفى ومستشفى ابن سينا الجامعي بالرباط، الذي يُفترض أن يكون داعمًا لوجستيًا وبشريًا للرازي نظرًا لانتمائهما للشبكة الصحية نفسها.

فرغم المحاولات المحدودة لتخفيف الضغط على مستشفى الرازي، إلا أن انعدام التنسيق الجيد بين المؤسستين يؤدي إلى تحميل الرازي أعباء إضافية في معالجة الحالات المعقدة أو نقلها عند الضرورة، ما يزيد من تعقيد الوضع. تقول إحدى الطبيبات المقيمات إن «هناك حالات تحتاج تدخلاً استعجاليًا أو ترويضًا متخصصًا، لكن غياب قناة تنسيق رسمية يجعلنا ننتظر الموافقات لساعات أو نُرفض تمامًا».

وتطالب النقابات والمهنيون الصحيون بوضع خطة استعجالية لإصلاح المستشفى، تشمل توظيف أطباء وممرضين جدد في التخصصات الحيوية، زيادة عدد الأسرّة وتحسين ظروف الإيواء، بالإضافة إلى تحديث التجهيزات الطبية وتطوير البنية التحتية، مع خلق آليات تنسيق فعالة بين مستشفى الرازي ومستشفى ابن سينا وتعزيز الشفافية ومكافحة سوء التدبير.

 

ورغم التحذيرات المتكررة من نقابات العاملين وفعاليات المجتمع المدني، يظل المسؤولون الرسميون صامتين، ما يفاقم من الاحتقان داخل المؤسسة ويهدد مستقبل خدمات الصحة النفسية في المنطقة.

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى