شوف تشوف

الرئيسيةتقاريروطنية

مستشفى الطب النفسي ببرشيد مهدد بتوقيف خدماته

استقالة ثلاث طبيبات وتردي خدمات المؤسسة الصحية

يعرف مستشفى الرازي للطب النفسي ببرشيد، منذ سنوات، وضعا مزريا، نتيجة ما آلت إليه الأوضاع داخل أقدم مستشفى للطب النفسي بالمغرب. ومن تجليات هذا الوضع الصحي القاتم النقص الكبير في الموارد البشرية واللوجيستية وضعف الخدمات المقدمة للنزلاء، وعلى رأسها التغذية التي لا ترقى إلى المستوى المطلوب، فضلا عن تآكل التجهيزات، وهي وضعية جعلت عددا من الممرضين والإداريين يتساءلون عن هذا التراجع الذي أخذت تشهده المؤسسة الصحية منذ سنوات دون أن تبادر الجهات الوصية إلى التحرك لإنقاذها.

مصطفى عفيف

 

لم يعد مستشفى الرازي للطب النفسي، الذي يعتبر أول مركز استشفائي في هذا الاختصاص على المستوى الوطني، يتوفر، اليوم، سوى على طبيب واحد يتكفل بمصلحة المستعجلات والاستشارات الطبية الخارجية وتجديد الوصفات الطبية، إضافة إلى تحمله مسؤولية التدبير الإداري بوصفه مديرا للمستشفى بالنيابة، ويؤمن الخدمات الطبية لأزيد من 150 نزيلا موزعين على ستة أجنحة، ناهيك عن الاستشارات الطبية والخبرات المطلوبة من لدن المحاكم. وهي وضعية تأتي بعد تسجيل أكبر هجرة للأطباء، منهم من قدم استقالته ومنهم من ظل يغرق المستشفى بالشواهد الطبية حتى غادر بقرار وزاري، في وقت لازال مصير خمسة ممرضين متخصصين في الصحة النفسية غير واضح بعد التحاقهم بمصالح أخرى بالمندوبية خلال جائحة فيروس كوفيد 19، وإلى اليوم لم يتم إرجاعهم إلى مكان عملهم الأصلي.

 

خطر توقف الخدمات

 

فجرت زيارة المدير الجهوي لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية بجهة الدار البيضاء –سطات، قبل شهور، إلى مستشفى الرازي للطب النفسي ببرشيد، مجموعة من الاختلالات التي يعرفها المستشفى وتهدده بـ«السكتة القلبية»، ضمنها غياب ظروف العمل بالنسبة لعدد من الأطر الطبية، التي فضلت تقديم استقالتها على خلفية ما وصفتها بالضغوطات النفسية التي تمارس عليها داخل المستشفى بشكل يومي. وهي استقالات فضلت إدارة المستشفى رفضها بحجة رفض الوزارة استقالة الأطباء المتخصصين بحسب السلم الإداري، والتي من شأنها تفريغ الإدارة من كل الأطر الطبية المختصة، الأمر الذي جعل العديد من الأطباء يفضلون وضع شواهد طبية لتبرير غيابهم بسبب ما يعانونه من ضغوطات نفسية وتهديدات وغياب ظروف العمل.

وكانت الأطر الطبية والتمريضية تنتظر الشيء الكثير من زيارة المدير الجهوي لقطاع الصحة إلى مستشفى الطب النفسي، وتأمل أن تكون الفرج للخروج بقرارات لحل المشاكل التي يتخبط فيها مستشفى الطب النفسي وإخراجه من النفق المسدود المتمثل في الفراغ الإداري والنقص الكبير على مستوى الموارد البشرية، مع فتح تحقيق في الغيابات المتكررة للموظفين وإغراق مستشفى الطب النفسي بالموظفين الأشباح والتستر عليهم من طرف بعض المسؤولين ورؤساء المصالح، فضلا عن ترحيل عدد من الممرضين المتخصصين في الصحة النفسية والطبية نحو المستشفى الإقليمي، الأمر الذي تسبب في فراغ كبير على مستوى تدبير الموارد البشرية.

وسجلت الزيارة ذاتها اختلالات على مستوى مصلحة الأرشيف بسبب إتلاف بعض الملفات الخاصة بالمرضى، الأمر الذي يجعل بعض الأطباء يرفضون القيام بفحص المرضى دون التوفر على ملفاتهم الطبية بمصلحة الأرشيف.

 

طبيب واحد لخدمات طبية وإدارية

 

يعيش مستشفى الرازي للطب النفسي ببرشيد أزمة حقيقية بعد وضع ثلاث طبيبات أخصائيات في المجال استقالتهن من مزاولة مهامهن بالمستشفى، وهو ما تسبب في مشاكل بالجملة للمرضى الذين يعانون من علل نفسية، لأن المؤسسة الصحية لم يعد يمارس بها مهنة الطب سوى طبيب واحد، يتحمل في الوقت نفسه مسؤولية التدبير الإداري للمستشفى، وهو ما يعني التكفل بالمستعجلات والاستشارات الخارجية وتجديد الوصفات الطبية وكل ما يهم النزلاء، إضافة إلى التدبير الإداري، الذي يسهر على تأمين الخدمات الطبية لستة أجنة بالمستشفى تؤوي أزيد من 150 نزيلا حاليا موزعين على كل من جناح «أبو جعفر- 30 سريرا» الذي يؤوي المرضي القضائيين، و«أبو السماح رجال- 37 سريرا»، الذي يعرف اكتظاظا مهولا، و«أبو السماح نساء- 42 سريرا» و«أبو الحكم- 45 سريرا» وجناح «الكرامة- 35 سريرا» و«أبو الكرم» الذي سيؤوي المرحلين من «بويا عمر»، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول إلى متى سيبقى جناح «أبو الحكم» أو «باب الخير» وكذا جناح «الكرامة» أو «أبو الكرم» التي تؤوي العينة نفسها من المرضى المتخلى عنهم، تحت وصاية وزارة الصحة، ناهيك عن تحول المستشفى إلى ما يشبه مؤسسة سجنية بالنسبة للمرحلين من مختلف سجون المملكة بناء على أوامر قضائية بترحيل المحكومين بعقوبات سالبة للحرية الذين يعانون من اضطرابات عقلية إلى مستشفى برشيد قصد الوضع تحت العلاج، في غياب أدنى شروط الأمن والسلامة، حيث سجل المستشفى، مرات عديدة، حالات فرار لبعض السجناء أو المعتقلين الذين يوجدون قيد العلاج، مستغلين غياب الحراسة الأمنية.

 

ارتباك السير العادي للمستشفى

تدني الوضع داخل مستشفى الرازي للطب النفسي ببرشيد يطول، أيضا، خدمات مصلحة سيارة الإسعاف بالمستشفى بسبب الأعطاب المتكررة التي أصبحت معها هذه السيارة عبارة عن «خردة» بموقف حظيرة السيارات، عند البوابة الرئيسية، يستقلها الوافدون بعدما صرفت عليها أموال طائلة من دون أن تضع عجلاتها على الطريق، حيث أصبح الممرضون يجدون صعوبة في تدبير نقل أي نزيل إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الإقليمي، ما يضطرهم، في كثير من الأحيان، إلى نقل الحالات المستعجلة بواسطة كراسٍ متحركة عبر البوابة الخلفية للمستشفى.

مشكل التغذية يظل بدوره من المشاكل الكبيرة داخل مستشفى الرازي للطب النفسي ببرشيد، فقد تحدث عدد من الممرضين لـ«الأخبار»، بمرارة كبيرة، عن التغذية المقدمة للنزلاء، وكذا تلك التي تقدم للأطر الطبية، مؤكدين أن المكلفين بصفقة التغذية لا يقدمون للنزلاء وجبات لائقة، إذ تكون عبارة عن عجائن بدون مذاق ومرق بالخضر يستحيل أكله. فيما تتكلف الشركة المشرفة على التغذية، بحسب المتحدثين أنفسهم، بالطبخ فقط، أما الخضر والأغراض الأخرى فيتكلف بجلبها المستشفى، والتي قالوا إنها تفتقد لأبسط المواصفات، حيث يبقى دور المحسنين مهما في تقديم المساعدات للنزلاء، وهو ما يغطي جانبا من دور المسؤولين عن تدبير هذا المرفق.

كل هذه الاختلالات حملتها «الأخبار» إلى المندوب الإقليمي لوزارة الصحة ببرشيد، الذي أوضح أن كل شيء داخل المستشفى يسير وفق تدبير محكم من طرف المسؤولين عن إدارته، وأن جميع المرضي سواسية في الأكل والأفرشة ولا فرق بين النزلاء، لتبقى الصور التي استطاعت «الأخبار» الحصول عليها وحدها تبين مدى الفرق بين نزلاء المستشفى ممن يعيشون شيئا من «الكرامة» ومن يفتقدونها ولا يجدون غير افتراش الأرض قبل الخلود إلى النوم، على أمل أن يستفيقوا وقد التفت إليهم مسؤولو قطاع الصحة بأفرشة تليق بآدميتهم.

 

زيارة لتقصي الحقائق

 

باشر فريق برلماني، بلجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، شهر يونيو 2022، مهامه الاستطلاعية المؤقتة، والتي زار في إطارها مستشفى الرازي للأمراض العقلية والنفسية ببرشيد، وهي الزيارة التي وقف أعضاء اللجنة خلالها، بحسب مصادر «الأخبار»، على مجموعة من الاختلالات التي سردها بعض أطر المستشفى، وهي المعطيات التي قلبت الموازين والترتيبات التي أعد لها مسؤولو القطاع بالإقليم حتى لا يعلم أعضاء اللجنة الاستطلاعية بها، وهي اختلالات لخصها الموظفون، أمام أعضاء اللجنة البرلمانية، في افتقار المستشفى لسيارة إسعاف، وغياب الصيانة لجل المرافق بالمستشفى، وسيارة مصلحة، مع تنقيل 12 موظفا إلى مصالح أخرى خارج المستشفى، وكذا النقص الكبير في الموظفين وطريقة استقبال المرضى من أجل العلاج، حيث تفرض عليهم الإدارة ورقة التوجيه من السلطات المحلية، وهو إجراء غير قانوني.

 

منصة رقمية «للمنع»

 

من بين المشاكل التي يصادفها المرضى وذووهم وكذا السلطات المحلية، قرار رفض إيوائهم بالرغم من أن المستشفى يتوفر على 240 سريرا، لكن يبقى غياب التدبير عائقا كبيرا في إيجاد سرير لهم، إذ إن قرار الرفض محسوم فيه من طرف المسؤولين بإدارة المستشفى، بدعوى التقيد بالضوابط التي وضعتها وزارة الصحة في ما يخص المنصة الرقمية التي فرضت عددا من المرضى بجناح أبو سماح رجال محددا في 25 مريضا (سريرا)، وهو ما كشف النقاب عن واقع المنظومة الصحية وما تعرفه من اختلالات من حيث التنظيم وشروط وكيفيات قبول المرضى المصابين بالأمراض العقلية، بحسب التقسيم الجهوي للصحة، الذي يمنع على مستشفيات الطب النفسي استقبال مرضى من جهات أخرى، في وقت لم يراع القانون بعض الحالات التي قد تكون مصدر خطر على حياة المواطنين وتهدد سلامتهم بتقاسم الأسر المأوى مع المرضى النفسيين، ليكون مصيرهم الاحتجاز داخل منازلهم في غياب أي مساعدة من طرف المستشفى.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى