شوف تشوف

الرأي

مستقبل الاتحاد الأوروبي

ماريا معلوف

طفت على السطح أخيرا أزمة العلاقات الفرنسية الألمانية، على خلفية أزمة الطاقة التي تقدمت كافة الأزمات في ظل استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها. الأمر الذي يشير إلى إمكانية انهيار جدار الاتحاد الأوروبي وتفككه، خاصة وأن برلين وباريس تملكان أكبر اقتصادين بالاتحاد وتعتبران قطبين للاتحاد، ومع استمرار التناقضات بين باريس وبرلين تبرز أسئلة حقيقية بشأن مستقبل الاتحاد الأوروبي، كتكتل سياسي واقتصادي وازن في إطار العلاقات الدولية.

يلحظ المتابع السياسي أن العلاقات الألمانية الفرنسية تمر بأزمة حادة، في وقت تزداد فيه الحاجة إلى التعاون والتماسك بين البلدين، لاستمرار الاتحاد الأوروبي بقطبيه برلين وباريس، ورغم أن مثل هذه الأزمات ليس بالغريبة، لكن التوقيت هذه المرة سيئ للغاية والخلافات بين الدولتين تبدو جوهرية، على خلفية أزمة الطاقة التي وصلت تداعياتها بقوة إلى دول الاتحاد.

واللافت أنه غالبا ما يكون اجتماع حكومتي ألمانيا وفرنسا غير مثمر وغير ذي أهمية خاصة، حيث يجتمع رئيسا حكومتي البلدين ورئيس الدولة مع أعضاء حكومتي أكبر اقتصادين في الاتحاد الأوروبي، ويصدرون بيانا مشتركا ويتخذون قرارات مشتركة غير ذات أهمية، مع التأكيد على تعاضد البلدين، وصحيح أن الأمر رمزي بالدرجة الأولى، ولكنه مهم بالنسبة إلى عمل ونشاط الاتحاد الأوروبي على صعد مختلفة سياسية واقتصادية وثقافية.

ويؤكد تأجيل اجتماع القمة الأوروبية هذا العام إلى بداية العام المقبل 2023، على وجود خلافات عميقة بين باريس وبرلين، ولا تخفي الزيارة السريعة للمستشار الألماني، أولاف شولتز، في 26 أكتوبر الماضي ولقائه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وجود أزمة ثقة بين البلدين قد تكون بداية انفراط عقد الاتحاد الأوروبي، والعودة إلى بناء علاقات فردية للدول الأوروبية مع دول العالم.

كل المؤشرات تؤكد استمرار الأزمة بين برلين وباريس، وعزز ذلك الخلاف العميق بين فرنسا وألمانيا في قضايا الدفاع أيضا، وغيرت ألمانيا سياستها التقليدية وزادت نفقاتها العسكرية، ولكنها تعول على الشراء المباشر بدل المشاريع الأوروبية المشتركة، كما ترفض ألمانيا التي تعتمد على الغاز في صناعاتها بشدة المقترح الفرنسي، لوضع سقف لأسعار الغاز والكهرباء على الصعيد الأوروبي.

الموقف الألماني تدعمه دول شمالية عدة، من بينها الدانمارك وهولندا. هذا التكتل يتحفظ على تدخل السلطات بالأسواق، وترى برلين أن تخفيض الأسعار اصطناعيا يضر بهدف الاقتصاد في استخدام الطاقة ويدفع إلى مزيد من الاستهلاك.

ألمانيا أيضا تقول إن وضع سقف الأسعار قد يدفع المنتجين إلى بيع غازهم في مكان آخر، ما سيؤثر سلبا على الإنتاج الأوروبي، وكل ذلك سيضعف خيارات الاتحاد الأوروبي، وقد يسقطه أرضا في نهاية المطاف.

لا مفاوض قوي في إطار العلاقات الدولية دون تكتل قوي اقتصاديا كالاتحاد الأوروبي حتى اللحظة الراهنة، لكنه بات على كف عفريت في ظل الخلاف المتواتر بين ألمانيا وفرنسا، بسبب أزمة الطاقة العالمية.

ويبدو جليا أن كلا من ألمانيا وفرنسا يفضلان السير في طريق منفرد، حيث أقرت برلين أخيرا حزمة مساعدات قيمتها 200 مليار أورو لمواجهة ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء، دون إخطار فرنسا بهذه الخطوة الألمانية، الأمر الذي أثار حفيظة باريس، على أنها قد تشوه وتؤثر على المنافسة في السوق، فضلا عن ذلك وقعت ألمانيا على هامش مؤتمر حلف الناتو الأخير مع 14 دولة أوروبية أخرى، من دون فرنسا، على مشروع مشترك للدفاع الجوي أطلق عليه اسم «مبادرة درع السماء»، وذلك رغم أن فرنسا تعمل مع إيطاليا على تطوير مشروع مظلة مضادة للصواريخ باسم «مامبا».

وقد اكتسب الدفاع العسكري أهمية جديدة وكبيرة بعد اجتياح روسيا لأوكرانيا، وأبعد من ذلك قال ماكرون: «ليس جيدا لألمانيا ولا لأوروبا أن تعزل ألمانيا نفسها، وأنه ينتظر من ألمانيا المزيد من الاندماج الأوروبي».

يبدو أن الأزمة بين ألمانيا وفرنسا أعمق من أي خلافات سابقة بين البلدين، اللذين نادرا ما يتفقان حول قضايا الطاقة، ففرنسا مثلا وعلى عكس ألمانيا تطالب بالطاقة النووية، ولهذا تبدو الخلافات صعبة للغاية ومتجذرة بين أكبر اقتصادين بالاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من استمرار المفاوضات بين باريس وبرلين، لكنها صعبة جدا، خصوصا في ما يتعلق بالطاقة وبطريقة إدارة الأزمة.

وليس هذا فقط، فهناك أيضا خلافات أخرى، وتبعا لذلك باتت دول ليست ذات وزن سياسي واقتصادي كبولندا ودول البلطيق تشكك بالدور القيادي للقطبين الفرنسي والألماني في إطار الاتحاد الأوروبي، وفي مقابل ذلك يرى بعض المحللين أن هناك وميض أمل يلوح في الأفق، لإدراك القادة الفرنسيين والألمان في النهاية أنه لا يمكن الاستغناء عن الآخر، والوصول إلى حل وسط يبقي على تعاضد البلدين واستمرارهما قطبين للاتحاد الذي يعتبر إنجازا أوروبيا يضم 27 دولة أوروبية، وتأسس بناء على اتفاقية ماستريخت الموقعة عام 1991، رغم أن الأفكار موجودة من خمسينيات القرن الماضي.

هل ستكون الخلافات بين ألمانيا وفرنسا مقدمات لسقوط الاتحاد الأوروبي وتفككه، أم أن هناك قدرات كامنة لدى قادة فرنسا وألمانيا والدول الأوروبية باستطاعتهم تجاوزها، والأيام القادمة قد تجيب عن ذلك.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى