حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأي

مشاريع ربط القارات (1)

بقلم: خالص جلبي
المشاريع العملاقة تحتاج أفكارا كبيرة، والأفكار الكبيرة تحتاج الرجال الجريئين بنظرات اختراقية، وحاليا يجري التفكير في بناء جسر عملاق بطول 29 كيلومترا، بين جيبوتي واليمن، يقوم على تسعة أعمدة هائلة مغروسة بعمق 300 متر في قاع البحر، وتشهق في السماء بارتفاع 400 متر. ويمتد هذا المشروع حتى عام 2025م، حيث سيربط القارتين آسيا بإفريقيا، وتبنى مدن عصرية على الجانبين، تتسع في اليمن لوحدها إلى 4.5 ملايين نسمة. وسيكون كلفة هذا الجسر وتوابعه من البنى التحتية والمصانع والمرافئ والمطارات ومئات الآلاف من المنازل وتأمين وظائف العمل لـ60 ألفا كوجبة أولى، ولاحقا لـ850 ألفا من عامل ومهندس وتاجر ومقاول، ما يحيل المنطقة إلى جنات تحيي ذكرى جنة عدن، وبكلفة مبدئية تبدأ بـ25 مليار دولار لتصعد إلى 175 مليار دولار، وسيفتح الطريق للمساهمين من كل العالم.
لقد شحن الرجل الأبيض على مدى قرنين أكثر من 200 مليون نسمة من إفريقيا، مات منهم أكثرهم ولم يبق إلا أقلهم وأقواهم، وهم من زرعوا الأرض في أمريكا وحصدوا القطن، حملوا البلد على أكتافهم، والآن جاء دور العبيد ليأخذوا مكان الأسياد، كما يقول فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ»، إن التاريخ والمستقبل لمن يعمل. ولقد صور فيلم «سفينة الأستاذ» مأساة حمل العبيد واسترقاقهم، وكيف حررهم القضاء الأمريكي وأعادهم إلى الجذور. والآن وعند هذه الزاوية بالذات سيقوم مشروع القرن الحادي والعشرين، فيسير الإنسان من حيث سار أجداده ليس على رجليه وبأدوات بدائية، بل بشروع الماموت من بناء جسر بين جيبوتي واليمن بطول 29 كيلومترا، فيه طريق عريضة بست مرات للسيارات والناقلات وأنبوب نفط وسكة حديد جنبا إلى جنب، وبذلك يعود التاريخ فيقفل دورته من حيث بدأ، وكما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين.

قصة انتشار الإنسان أنثروبولوجيا:
ليس نوعنا الوحيد الذي انبثق للحياة، وليس نوعنا من ساد وانتشر في البسيطة قبل ملايين السنين، بل أنواع شتى زادت عن درزن، وكلها انقرضت، وآخر نوع انقرض هو إنسان نياندرتال، انقرض قبل 35 ألف سنة، ونوعنا العاقل ما يسميه الأنثروبولوجيون الهومو سابينز بدأ رحلته من شرق إفريقيا قبل 200 ألف سنة، ومشى في رحلته شرقا إلى اليمن، حيث مشروع ربط القارات الحالي قيد الدراسة بين جيبوتي واليمن، وعثر على آثاره في الشرق الأوسط قبل ثلاثين ألف عام، وبقي هذا الإنسان العاقل الطموح يعبر القارات على أقدامه بدون مشاريع طموحة، إلا رغبته في الاكتشاف وبحثه عن الغذاء، حتى وصل إلى أمريكا الجنوبية وبلاد النار قبل 12 ألف سنة. وهكذا فمشروع دمج ووصل القارات هو نفس مشاريع الإنسان القديم بفارق التكنولوجيا.

دمج العالم بثلاث طرق:
تم وصل العالم بثلاث طرق؛ الوصول إلى الشواطئ عن طريق السفن عابرة المحيطات، ثم اكتشاف عنق المضائق، وأخيرا الطيران والإنترنت..
ولكن مشاريع ربط القارات أخذت أبعادا جديدة، فهناك من فكر في ربط أوربا بإفريقيا عن طريق ممر جبل طارق، ولكن عثر على أرضية غير مستوية في قاع البحر، فبرز تحد جديد يجمع بين العمق واختلاف التضاريس في قاع البحر، فضلا عن الجو المتقلب وغدر البحر في ذلك المكان. كما برزت أفكار في ربط أمريكا بآسيا عن طريق ممر بهرنج، وهو مشروع درس بجدية يعتمد أيضا على بناء جسر خاص في هذه المدرعة الجليدية هناك، وطبعا فلكل مشروع مخاطره ومشروع جيبوتي اليمن الذي سيربط إفريقيا بآسيا يقع في مكان مضطرب سياسيا، من هجمات قراصنة البحر، والحرب الأهلية في الصومال، وعدم استتباب الأمن هناك.. ولكن كانت دوما المشاريع الكبرى محفوفة بالمخاطر مثل كل الأحلام الكبرى.

مشروع جسر جيبوتي – اليمن للربط بين إفريقيا وآسيا:
يفكر مهندسو المشروع ببناء جسر بطول 29 كيلومترا يحوي ستة ممرات للناقلات، بالإضافة إلى خط أنابيب بترولي وخط سكة حديد. ولعمق البحر والوصول إلى القاع، فيجب غرس دعامات قوية تغرس في عمق 300 متر، بحيث تعتمد كل أسطوانة عملاقة من هذا النوع بفارق 3 كيلومترات عن رفيقتها، وهو ما سيكون في مجموعه تسع أسطوانات هائلة يعتمد جذع الجسر عليها. لقد تم الاتفاق مع كل من حكومتي جيبوتي واليمن على تخصيص الأراضي اللازمة للمشروع في كل جنب، بحيث ينشأ في كل طرف ميناء حر ومدينة عصرية حديثة، والذي سيكون بركة اقتصادية لكلا القطرين. وهو خير من النزاع، فالمشاركة بركة والخصومة مقتلة. وحاليا خصصت كل من جيبوتي واليمن كل واحدة من طرفها منطقة بمساحة ألف كيلومتر مربع للميناء الحر. وفي المرحلة الأولى سيخرج إلى الوجود ميناء حر للتبادل التجاري، ومن ثم سوف تقوم مدينتان تجاريتان في كل جانب. وبعد خمس سنوات سوف يكون هناك وفي الطرفين ميناء عميق هائل للتفريغ والتحميل ومطار ومحطات طاقة جنبا إلى جنب، مع توفير فرص عمل للعمال والمهندسين والمقاولين من كل أنحاء العالم. بعد عشر سنوات سوف تقام مراكز بحث علمي، وجامعات ومئات الآلاف من بيوت السكن للعاملين. وخلال 15 سنة لن يكون الجسر واقفا لوحده، بل يطمع المهندسون في بناء مدينتين عصريتين ملائمتين للطبيعة خاليتين من التلوث، ومن ستتولى مشاريع رائعة من هذا النوع لن تكون الحكومات، بل الشركات الخاصة، فهذه هي فلسفة المشروع الجديد..
في فترة الانطلاق سيترتب أن يعمل 60 ألف عامل كوجبة أولى، يلحقها في ما بعد 850 ألف وظيفة عمل حتى عام 2025م. وسيكون من يعمل في هذا المشروع من كل فج عميق من الصين والشرق الأوسط، من أوربا وأمريكا، من هايتي والدومينيكان والفلبين وتركستان…
إنها كما نرى أفكار رأئعة ثم تأتي الثورات فتعطي فلسفة جديدة للإنسان، وتبقى هذه الأفكار الرائدة تنظر دورها للولادة على أرض الواقع.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى