شوف تشوف

مدن

مطالب بسيطة تدفع مواطنين بأوريكا إلى الاعتصام مدة شهر كامل

مراكش: عزيز باطراح

شكل المنتجع السياحي «أوريكا» بضواحي مراكش، على امتداد عقود، أهم متنفس لسكان المدينة الحمراء، وعشرات الآلاف من السياح الأجانب والمغاربة. وتضاعف عدد زوار هذا المنتج السياحي خلال العشر سنوات الأخيرة بشكل لافت للانتباه، بفضل سحر الطبيعة وجمالها، وامتداد الخضرة، في عز الصيف، في هذا الجزء من جبال الأطلس الكبير، وعلى طول ضفتي وادي أوريكا.
وراء سحر وجمال الطبيعية هذا، تختفي معاناة عشرات الآلاف من سكان المنطقة الذين يعتصمون بحبل الصبر ويكدحون من أجل سد الرمق، ويعيشون على أمل مواصلة أبنائهم للدراسة من أجل الإعتاق من هذا القهر. غير أن تأخر صرف المنح الدراسية، هذا الموسم، بعد مرور قرابة أربعة أشهر من الموسم الدراسي، جعل الآباء ينتفضون في وجه السلطات الإقليمية ويعتصمون رفقة أبنائهم مستنجدين بالملك محمد السادس.
«لا عامل لا مسؤول، الملك هو المعقول»، شعار ردده المعتصمون مئات المرات، وجعلوا منه شعارا مركزيا لمعركتهم ضد العزلة والتهميش، كما أنه يلخص علاقة الطلاق بينهم ومنتخبيهم والسلطات الإقليمية: «إنهم يكتفون بتوزيع الوعود، وساعة الجد يتركوننا نواجه مصائرنا لوحدنا»، يقول مسؤول بإحدى الجمعيات المدنية ضمن أزيد من 70 جمعية تشارك في هذا الاعتصام الممتد لقرابة شهر، (يقول) في تصريحه للجريدة.
هذا ولم تكن مطالب سكان المنطقة تتجاوز حدود تمكين حوالي 150 تلميذا وتلميذة من المنح الدراسية، بالإضافة إلى النقل المدرسي، وهم التلاميذ الذين التحقوا خلال هذا الموسم الدراسي بالإعدادية التي يحتضنها المركب التربوي «أغبالو»، إلا أن تأخر السلطات الإقليمية في تحديد قائمة المستفيدين، جعل الآباء يقلقون على مستقبل أبنائهم، خاصة وأن حوالي 165 تلميذة وتلميذا غادروا مقاعدهم الدراسية السنة الماضية بسبب عدم تمكينهم من المنح الدراسية.
وسبق لممثلي السكان بالجماعة القروية «ستي فاضمة» أن أخبروا جمعية «توبقال» المشرفة على المركب التربوي «أغبالو»، ان عامل الإقليم وعد بصرف المنح الدراسية وتوفير النقل المدرسي بمناسبة عيد المسيرة الخضراء، إلا أن التلاميذ لم يتوصلوا بأي شيء، ما جعل الآباء يحتجون: «وأمام الصمت الذي تمت به مواجهة مطالبنا، جرى رفع سقف المطالب، حيث حج إلى المعتصم ما لا يقل عن 5000 مواطن قادمين على متن الشاحنات وسيارات النقل المزدوج من مختلف قرى ومداشر المنطقة» يقول أحد منظمي الاعتصام في تصريحه للجريدة، قبل أن يضيف أن السلطات المحلية، وبدل الدخول في حوار جدي مع المحتجين: «عمدت إلى إطلاق العنان لمخيلتها وشرعت في إلصاق التهم بالمعتصمين، حيث اتهمتنا بالإرهاب والسرقة»، يقول المصدر ذاته.
وبحسب المحتجين، فإن مجموعة من عناصر الدرك الملكي حلت بالمعتصم في الساعات الأولى من صباح أحد أيام الأسبوع ما قبل الماضي، وأخبروا المعتصمين أنهم توصلوا بمعلومات عن وجود متفجرات بالمعتصم، وأن هذه المتفجرات تم وضعها بصناديق كارطونية وإيداعها أحد المكاتب داخل المركب التربوي، وبعد فتح الصناديق فوجئ رجال الدرك بمجموعة من الأكواب التي قدمها أحد المحسنين للمعتصمين، ضمن عشرات العلب والأكياس التي جلبها آخرون تحتوي على مواد غذائية لفائدة المعتصمين، وهي المواد التي تعمل التلميذة «خديجة» ذات الأربعة عشر عاما على توثيقها في أحد السجلات.
إلى ذلك، لم تكتف السلطات الإقليمية باتهام المعتصمين بحيازة متفجرات، يقول أحد المشرفين على الاعتصام في تصريحه للجريدة، بل إنها أوفدت مجموعة من لجان التفتيش: «وقد رحبنا بها، رغم أنها لم تختر الظرف المناسب، وفتحنا لها جميع أروقة المركب التربوي، وفتشت مستودعات الأغذية ودققت في مدة صلاحيتها دون أن تعثر على أي شيء»، يقول المصدر، قبل أن يعقب آخر، بأنه رغم أن المواد الغذائية «نتوصل بها من نيابة التعليم، إذ هي التي تقوم باقتنائها ونكتفي نحن بتخزينها قبل طهيها وتقديمها للتلاميذ»، بحسب المصدر المذكور والمسؤول بجمعية «توبقال» المشرفة على إدارة المركب التربوي «أغبالو» في تصريحه للجريدة.
هذا، ولأن السلطات الإقليمية تأخرت في صرف المنح الدراسية وتوفير النقل المدرسي للعشرات من التلاميذ القادمين من دواوير بمنطقتي «ستي فاضمة» و«أوكايمدن»، فإن المحتجين رفعوا سقف مطالبهم لتتجاوز الشأن الدراسي، وتتعداه إلى معاناتهم اليومية بسبب انعدام الطرق وصعوبة المسالك وغيابها، إضافة إلى معاناة عشرات الآلاف من ساكنة المنطقة من المشاكل الصحية، خاصة في ظل إغلاق مجموعة من المستوصفات بسبب عدم وجود أطباء أو ممرضين.
وفي محاولة للرد على اتهامات المعتصمين للسلطات الإقليمية، جرى الاتصال بمسؤول بعمالة إقليم الحوز الذي أكد للجريدة أنه سيرد على جميع القضايا التي يطرحها المحتجون مباشرة بعد انتهائه من أحد الاجتماعات الطارئة، لكنه لم يفعل، وبعد اتصال ثان وثالث، ظل هاتفه يرد دون رد.
هذا، وفي ظل الصمت الذي ووجهت به مطالب المعتصمين، لجأت أزيد من 70 جمعية مدنية بالمنطقة إلى الديوان الملكي، حيث رفعوا شكاية مطالبين بتدخل ملكي من أجل إنصاف ساكنة المنطقة، وإنقاذ حوالي 150 تلميذة وتلميذا من شبح الهدر المدرسي، وهو ما يفسر الشعار المركزي الذي رفعه المحتجون: «لا عامل لا سمؤول، الملك هو المعقول».
يذكر أنه سبق للملك محمد السادس أن تدخل شخصيا واشترى من ماله الخاص أحد الفنادق المهجورة بالمنقطة، والذي تم تحويله إلى المركب التربوي «أغبالو»، وأصبح يضم مؤسسة إعدادية وقسما داخليا وعددا من المرافق، وهو المركب الذي تشرف عليه جمعية «توبقال المستقل»، «ونطمع في ملكنا مرة أخرى ليتدخل وينقذ عشرات التلاميذ من الضياع والحرمان من متابعة دراستهم»، يقول رئيس جمعية «توبقال» في تصريحه للجريدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى