الرئيسيةملف الأسبوع

ملوك المغرب ومدربو المنتخب

هذا ما دار في لقاءات ملكية مع مدربي الفريق الوطني

علاقة الملوك المغاربة بالرياضة، وكرة القدم خصوصا، لا يمكن اختزالها في لقاءات جمعتهم بمدربي المنتخبات الوطنية، أو أبطال ساهموا في رفع العلم المغربي خفاقا في المحافل الرياضية، بل إن هذه العلاقة تتجاوز هذه الحدود إلى توشيح المتألقين وبعث رسائل إلى من يهمه الأمر في المناظرات والتجمعات الرياضية.
حين هنأ الملك محمد السادس، في اتصال هاتفي، مدرب المنتخب الوطني واللاعبين المحليين إثر ظفر المغرب ببطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين التي أقيمت أخيرا في الكاميرون، فإن هذه المبادرة تعطي للرأي العام الرياضي وللشعب المغربي عامة، إشارات حول أهمية الكرة ودورها في تكريس الدبلوماسية الموازية وإشعاع البلد، ووضعه في مصاف الدول الرائدة في مجال الرياضة.
لم يكتف الملك بتهنئة المدرب الحسين عموتة، فور انتهاء مباراة النهائي، بل طلب منه إبلاغ تهانئه لكافة اللاعبين، ولأعضاء الطاقمين التقني والإداري للفريق الوطني، معربا عن اعتزازه بهذا الإنجاز الرائع للرياضة المغربية.
لقد كان الملك محمد الخامس أول من سن ثقافة الاعتراف بالأبطال المغاربة، وحرص على تكريمهم خلال نهائيات كأس العرش، كما ظل يعطي للمنتخبات الوطنية آخر وصاياه قبل الإقلاع صوب بؤر المنافسات، وهو الذي جعل من كأس العرش عرسا كرويا للاحتفاء بالرياضة المغربية، ومكن العديد من الأبطال من امتيازات لا حصر لها.
أما الملك الحسن الثاني فقد كان قريبا من الهم الكروي، حيث يسجل التاريخ إصراره على الإنصات إلى نبض جماهير الكرة، كما كان يختار المدربين ورؤساء الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ويمد أياديه البيضاء لانتشال لاعبين من بركة الخصاص، بل إن شهادات كثير من مدربي المنتخب الوطني تذهب إلى حد التأكيد على دوره في وضع التشكيلة وانتقاء اللاعب المناسب للمباراة المناسبة، وفي نهائيات كأس العالم كانت تعليماته قبل المباريات وبعدها أشبه بحصص إضافية في فن الكرة.
في هذا الملف تسلط «الأخبار» الضوء على علاقة الملوك الثلاثة بمحيط المنتخب المغربي، ومشاركتهم في صنع الكثير من القرارات ورسم معالم الطريق أمام الفريق الوطني.

محمد الخامس يحضر مراسيم اعتناق زوجة العربي بن مبارك الإسلام
تعددت لقاءات اللاعب والمدرب العربي بن مبارك بالملك محمد الخامس، الذي كان شغوفا بثلاثة أنواع رياضية، وهي كرة القدم التي لطالما حضر مبارياتها في ملعب مارسيل سيردان قبل أن يحمل اسم الملعب الشرفي، والسباحة، ثم كرة المضرب.
تردد العربي كثيرا على القصر الملكي بالدار البيضاء، هناك مارس لعبة كرة السلة مع ولي العهد آنذاك الحسن الثاني، بمشاركة اللاعب المغربي طاطوم، وكان العربي لاعبا للوداد فرع كرة السلة ولليسام فرع كرة القدم، كما كان يتابع مباريات التنس في ملعب القصر الذي شهد زيارة المندوب العام الفرنسي للرياضة والتعليم جون بورترا، إلى جانب المقيم العام الفرنسي شارل نوغيس، في لقاء كان العربي أحد ضيوفه الشرفيين، بحكم انتمائه حينها للمنتخب الفرنسي الذي عاش آنذاك فترة عطالة بسبب الحرب العالمية، كما أورد منصف اليازغي، الباحث في الرياضة المغربية.
تلقى العربي دعوات للحضور إلى القصر الملكي في عهد الملك محمد الخامس، بل إنه حضر مرفوقا بزوجته الفرنسية «لويزات» التي ارتبط بها بعد وفاة زوجته المغربية، وكانت «لويزات» ابنة رئيس نادي الملعب الفرنسي لويس سان لوران، وهو من نبلاء فرنسا، وقد أعلنت في ما بعد إسلامها على يد جلالة الملك محمد الخامس.
بعد استشارة مع ديوان الملك، تم الاتفاق على أن تشهر «لويزات» إسلامها في حضرة محمد الخامس، بعد صلاة يوم الجمعة، حيث بارك السلطان اعتناق المرأة المسيحية الديانة الإسلامية، وتحدث معها عن مزايا الدين الحنيف وأكدت له دور العربي في هذا الانتقال، لما لمست فيه من أخلاق سمحة، وقبل أن تنتهي المراسيم الدينية أطلق الملك على «لويزات» اسم مليكة، وحين أنجبت ابنا تلقى بن مبارك مكالمة هاتفية من محمد الخامس تحمل التهاني، قبل أن يطرق بابه موفد من القصر وهو يحمل هدايا السلطان.
بعد الحصول على الاستقلال أصر الملك محمد الخامس على تعيين العربي بن مبارك مدربا للمنتخب المغربي، الذي تلقى دعوة للمشاركة في أول بطولة عربية سنة 1959، وجه دعوة إلى العربي المشرف حينها على تدريب الفتح الرباطي، وطلب منه انتقاء اللاعبين القادرين على المشاركة في هذا الحدث الكروي العربي الأول من نوعه. وحين انتهى الرجل من إعداد الفريق الذي سيمثل المغرب، طلب من لاعبيه المثول بين يدي محمد الخامس للتزود بآخر نصائحه قبل السفر إلى لبنان، في هذا اللقاء قال الملك للاعبين: «أنا سعيد لأن مدربكم هو بمثابة أب وصديق».
ونظرا للعلاقة الوطيدة التي كانت تربط الملك محمد الخامس بالعربي بن مبارك، فقد كان يسأل عن أحواله، بل إن المدرب قرر بعد اعتزاله استثمار ما ادخره من أموال في المغرب، وبتوصية من مستشاري الملك اقتنى بقعة أرضية تبلغ مساحتها حوالي 7.5 هكتارات بالمحمدية، لكنه لم يحصل عليها بالرغم من أن كل الوثائق التي كانت بحوزته تؤكد ملكيته لها، وحين حاول بيعها استولت «ليراك» على الأرض وأقامت عليها مشروعا سكنيا لإعادة إيواء قاطني مدن الصفيح.

غضبة محمد الخامس من الأب جيكو حين رفض منصب وزير للرياضة
غضب القصر من محمد بلحسن التونسي، الشهير بلقب الأب جيكو، والذي كان عضوا في المكتب المسير للوداد الرياضي ومدربا للفريق الأحمر. سبب الغضبة الملكية، عدم استجابة هذا الأخير لدعوة من الملك الراحل محمد الخامس ولبعض أعضاء المكتب المسير للوداد، من أجل رأب الصدع الذي عرفه النادي والخلاف الدائر بين مسيرين استقلاليين وآخرين ينتمون إلى حزب الشورى والاستقلال. وكان الأب جيكو شوريا متشددا رفض في أكثر من مناسبة التنسيق مع الاستقلاليين، وتعرض لمحاولة اغتيال خلال فترة الصراع الدامي بين الاستقلاليين والشوريين، مباشرة بعد الحصول على الاستقلال.
تلقى المدرب عرضا من ولي العهد آنذاك الأمير مولاي الحسن بالانضمام إلى حكومة سنة 1956، أو ما يعرف بالنسخة الثانية لحكومة البكاي، إذ تم التفاوض في شأن تأسيس المجلس الحكومي برئاسة البكاي بن مبارك لهبيل، وباقتراح من الملك وضع اسم محمد بلحسن العفاني كمسؤول عن حقيبة الشبيبة والرياضة، إلا أن الرجل رفض الاشتغال مع الاستقلاليين، سيما وأن الحكومة عرفت تقليصا واضحا للحقائب الشورية من ست إلى أربع، كما رفض عرضا بتعيينه مديرا للشبيبة والرياضة، وهو المنصب الذي أسند إلى عمر مزور من 27 أكتوبر 1956 إلى 23 يونيو 1961، وكان تابعا لوزير التربية الوطنية المرحوم عبد الكريم بنجلون. ورغم ذلك جدد محمد الخامس الرغبة بإشارة عابرة، حين وشح الأب جيكو بوسام شرفي سنة 1957، قبيل انطلاق نهائي كأس العرش بالملعب الشرفي، حين قال له: «تمنيت لو كنت إلى جانبي في المنصة الرسمية».
لكن وعلى الرغم من القلق السلطاني على الأب جيكو الرافض لمنصب حكومي، فإن محمد الخامس لم يرفض توشيح الأب جيكو بوسام شرفي، باقتراح من محمد بن جلون، بالرغم من الفيتو الذي أعلنه مولاي عبد الحفيظ العلوي، وزير التشريفات والقصور والأوسمة، بدعم ومساندة من الاستقلاليين الذين كانوا يرفضون توشيح أسماء شورية.

هليكوبتر تحمل كليزو إلى القصر للتشاور قبل مباراة الجزائر
بين تاسع دجنبر من سنة 1979 و20 فبراير 2007، مسافة زمنية تقارب ثلاثة عقود، قضاها المدرب الفرنسي غي كليزو في جحيم المعاناة، فمنذ أن انهزم المنتخب المغربي لكرة القدم أمام نظيره الجزائري يوم تاسع دجنبر سنة 1979، بحصة خمسة أهداف لهدف واحد، بدأ العد العكسي لنهاية المدرب الأكثر ارتباطا بالمنتخب الوطني والجيش الملكي. فقد كانت صدمة الأحد الأسود قوية على جسد وقلب كليزو، إذ حولته إلى رجل معاق بجسد نصف مشلول وفكر شارد.
في زوال التاسع من دجنبر وقبل انطلاق المباراة بساعتين تقريبا، حطت طائرة مروحية على مقربة من فندق سامير بالمحمدية، حيث كان المنتخب يقيم معسكره الإعدادي تأهبا لملاقاة الجزائر، وعلى الفور نزل الجنرال حسني بنسليمان وأمر المدرب بمرافقته على متن الطائرة نفسها إلى القصر تلبية لدعوة الملك الراحل الحسن الثاني، هناك تلقى كليزو آخر التعليمات وقدم مبررات وضع التشكيلة النهائية التي ستواجه الجزائر.
سأل الملك مدرب المنتخب الوطني عن مدى جاهزية بعض اللاعبين، بعد أن اطلع على التشكيلة التي تعرف عليها من قبل، وقال لكليزو: «لا تشحن لاعبيك أكثر من اللازم»، قبل أن يرد عليه هذا الأخير، إن مواجهة الجزائر تكفي للشحن الذاتي. اعترض الحسن الثاني على وجود مدافعين أشداء، وتساءل عن سر تغيير التشكيلة التي أبهرت العالم في سبليت، قبل ثلاثة أشهر.
قال منصف اليازغي في كتابه «مخزنة كرة القدم»، إن هاتفا خاصا قد وضع بإحدى قاعات الملعب الشرفي من أجل استقبال مكالمات الحسن الثاني، كما تواجد كل من الوزير الأول ووزير العدل المعطي بوعبيد، رفقة إدريس البصري، وزير الداخلية، وعبد الحفيظ القادري، وزير الشبيبة والرياضة، جنبا إلى جنب مع المدرب في مستودع الملابس.
لم يرافق المدرب كليزو لاعبيه في ما بين الشوطين، حيث تلقى مكالمة من الملك الراحل كلها لوم وعتاب، خاصة حول بعض مكونات تشكيلته. أما اللاعبون فعاشوا حالة ذهول قصوى، وظلوا يبحثون عن مدرب يقدم توجيهات اللحظة الأخيرة دون جدوى، ومع صافرة الحكم عاد كليزو سريعا إلى مستودع الملابس ليرافق اللاعبين نحو رقعة الملعب كجزء من أثاث المباراة. لكن الحسن الثاني صب غضبه على المدرب، الذي أصيب بنوبة قلبية حادة. ودعا الملك الراحل الحكومة إلى اجتماع طارئ، تبين من خلاله أن الوزراء يلقون باللائمة على المدرب الفرنسي، فيما قال الحسن الثاني بغضب شديد إن المسؤولية مشتركة بين الجميع، وأمر على الفور بحل المكتب الجامعي وتكوين لجنة مؤقتة لتسيير شؤون الكرة، ومنذ ذلك الحين لازم المدرب غي كليزو منزله بملعب البريد بالرباط.

الحسن الثاني يوشح هنري ميشيل بوسام ويمنحه صفة «مواطن مغربي»
ارتبط المدرب الفرنسي هنري ميشيل طويلا بالمغرب، ونسج علاقات راسخة مع المحيط الكروي، بل وأصبح يتردد عليه حتى وهو مرتبط بتدريب أندية ومنتخبات أخرى، لكن نادرا ما استقبل الملك مدربي المنتخبات الوطنية وتحدث إليهم بمثل الوقت الذي خصصه لهنري، الذي عرض عليه الحسن الثاني الجنسية المغربية.
لم يكن أحد يعتقد، حتى أكثر المتفائلين، أن الملك الحسن الثاني سيمنح مدرب المنتخب المغربي هنري ميشيل صفة مواطن، في استقبال ملكي فور عودة الفريق الوطني من فرنسا، مباشرة بعد خروج الأخير بشرف من الدور الأول من نهائيات كأس العالم 1998.
صافح الملك كل أعضاء الوفد المغربي من لاعبين وتقنيين وإداريين، ووشح صدورهم بأوسمة الاستحقاق، لكنه توقف طويلا عند المدرب الفرنسي هنري ميشيل وهنأه على الإنجاز، رغم أن المغرب كان من أول المغادرين للمنافسات، وأبلغه بتجديد عقده مع جامعة كرة القدم، اعترافا من ملك البلاد بـ«الخدمات التي أسداها» هنري للكرة المغربية. شكر المدرب بلطف كبير العاهل المغربي وأكد له حبه للمغرب، واستعداده للاستمرار على رأس الإدارة التقنية، واضعا نصب عينيه نهائيات كأس أمم إفريقيا 2000، أي بعد عامين من المونديال.
مات الملك الذي كان وراء انتداب هنري للمغرب سنة 1995، قبل موعد النهائيات، ولم يتمكن المدرب الفرنسي من الوفاء بالوعد الذي قطعه أمام الراحل، حيث خرج المنتخب المغربي من نهائيات كأس أمم إفريقيا 2000 التي نظمت مناصفة بين غانا ونيجيريا.

الحسن الثاني يعين مدربا للمنتخب هاربا من بطش تشاوتشيسكو
«حين اشتد بطش الديكتاتور الروماني تشاوتشيسكو، ازدهرت الرياضة الرومانية»، هكذا يقول الرومانيون الذين برزوا في مجالات رياضية عديدة وتسيدوا الدورات الأولمبية من الكرة إلى الجمباز، الذي أنجب أصغر بطلة للعالم وهي نادية كومانتشي التي هربت بجلدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
في سنة 1974، تعاقدت جامعة كرة القدم الوطنية مع مدرب روماني كان طالبا للجوء السياسي في واشنطن، انتقل الرجل إلى المغرب وفي قلبه خوف لا يقاوم، كان يعقد المواعد مع أعضاء الجامعة ثم يغير مكانها في آخر لحظة، وكأن شبح الحاكم لا يفارقه، قبل أن يطمئنه الملك الحسن الثاني ويعين عساكر لحراسة مقر سكناه، ومديرا تقنيا بدرجة كومندار اسمه المهدي بلمجدوب.
التقى الملك الراحل الحسن الثاني المدرب جورج مارداريسكو مرتين، لأنه غالبا ما يجد صعوبة في التواصل معه، وكان يصدر ملاحظاته لبلمجدوب الذي يرافقه كظله، في المرة الأولى قبل سفر المنتخب المغربي إلى إثيوبيا لخوض نهائيات كأس أمم إفريقيا عام 1976، والثانية أثناء العودة من «بلاد الحبشة».
قبل الإقلاع صوب إثيوبيا للمشاركة في دورة 1976، عين الملك الحسن الثاني طبيبه الدكتور السرايري، ووضعه رهن إشارة الفريق الوطني، وهو مختص في طب القلب والشرايين، علل الملك هذا الاختيار بوجود المنتخب في مدينة ديرداوة التي ترتفع عن سطح البحر بكثير، مما يزيد من ضغط الدم، إلا أن أغلب اللاعبين الذين عاشوا ملحمة إثيوبيا لا يتذكرون من الجهاز الطبي سوى المعالج أنفلوس.
قال حميد الهزاز، حارس المنتخب الوطني الأسبق، في مذكراته، إن «التدبير الملكي لأمور المنتخب آنذاك كان عاملا أساسيا في شحذ همم مكونات «الأسود» لحصد الكأس القارية. فالإمكانيات المادية حينها لم تكن متوفرة، الأمر الذي كان ينعكس على معسكراتنا وحتى تنقلاتنا، لكن متابعة الملك الراحل، الحسن الثاني، لشؤون المنتخب وتدخله حتى في أموره التقنية كان يفرضان علينا ممارسة الرقابة الذاتية على مردودنا، وحفزنا لتقديم أفضل ما نملك لنيل الكأس القارية حينها».
وأضاف الهزاز الذي حرس مرمى المنتخب المغربي في هذا الحدث: «أمر الحسن الثاني آنذاك بإلغاء جميع أنشطتنا وتوجهنا إلى مقر عمالة مدينة الدار البيضاء، حيث خصص لنا استقبالا رفيعا بوجود ولي العهد آنذاك، الأمير سيدي محمد، كما أصدر أوامره بإعلان ذلك اليوم يوم عطلة في المدارس الوطنية احتفالا بإنجاز المنتخب».
بقرار من الملك تسلم المدرب واللاعبون منحة الفوز باللقب القاري وحددت في مليون سنتيم لكل فرد، وطلب من إحدى شركات تركيب السيارات منح كل لاعب سيارة، قال عنها الهزاز: «علمنا ونحن في الطائرة بأننا سنتوصل بسيارة لكل لاعب، أخبرنا المسؤولون عن المنتخب أننا سنتسلمها فور هبوطنا بمطار النواصر، لكننا لم نستلم شيئا إلى يومنا هذا».
أشرف مارداريسكو على تدريب المنتخب المغربي لأربع سنوات، قبل أن يغادره بدمع ساخن، إثر إقالته من منصبه عقب خسارة المغرب وخروجه من الدور الأول لنهائيات كأس أمم إفريقيا بغانا سنة 1978.

قصة البحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي بمواصفات الحسن الثاني
بعد حادثة السير التي تعرض لها جيست فونتين، مدرب المنتخب الوطني الأسبق، أعلن الملك الحسن الثاني حالة استنفار قصوى في محيط الكرة المغربية، وقرر في اجتماع طارئ مع الوزير الأول المعطي بوعبيد، ووزير الشباب والرياضة عبد اللطيف السملالي، البحث عن مدرب برازيلي لقيادة المنتخب المغربي في الاستحقاقات القادمة.
في قصر الصخيرات عقد الاجتماع الذي بدا فيه الملك حريصا على نسيان كبوات الفريق الوطني، وصنع منتخب قادر على زرع بذور الاطمئنان لدى الشعب المغربي، مطالبا بإشراك السفارة البرازيلية في عميلة التنقيب عن مدرب كبير، بل إن الملك كلف إدريس الكتاني، السفير والمستشار الاقتصادي بالبرازيل في أوائل الثمانينات، بالمساعدة في البحث عن مدرب برازيلي للمنتخب المغربي.
طلب الملك من الوزيرين والمستشار العمل في أقرب وقت ممكن على وضع لائحة المدربين البرازيليين المرشحين للمنصب الشاغر، الذي أسند مؤقتا إلى المدرب المغربي محمد العماري، الذي كان بدوره ضابطا في الدرك الملكي.
أعد المستشار الكتاني لائحة من ثلاثة أسماء تضم: ماریو ترافالينسيه، باولو الميديا وإنفالدو ميتو، والذي درب كذلك مجموعة من الفرق المشهورة في البرازيل، «هؤلاء هم الثلاثة الذين ركزت عليهم كل اهتمامي، لأنهم يدخلون في الإطار المحدد من لدن الملك، أي «مدرب جديد جدا»»، يقول الكتاني في حوار صحافي.
وجد المستشار صعوبة في إقناع السملالي باختياراته، خاصة على المستوى المالي، حيث كان سقف الراتب الشهري يصل إلى عشرة آلاف دولار. كما أن الصعوبة كانت تكمن في النزاع الخفي بين الوزيرين والمستشار، الذي حاول بوسائله الخاصة إبلاغ الديوان الملكي بمقترحاته، بعد أن تنصلت وزارة الخارجية والسفارة منها، واعتبرتا البحث عن مدرب بعيدا عن اختصاصاتهما.

الحسن الثاني يعرض على اللاعبين خطة لهزم منتخب تركيا
قبل المباراة النهائية التي جمعت المنتخب المغربي لكرة القدم ونظيره التركي، على أرضية المركب الرياضي محمد الخامس بالدار البيضاء، وفي الوقت الذي كان موعد المواجهة يزحف نحو آخر يوم من أيام دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 1983، توصلت إدارة فندق بالمحمدية، حيث كان يقيم فيه المنتخب الوطني، بمكالمة هاتفية تحمل إشعارا عاجلا بضرورة تنقل كل أعضاء المنتخب إلى قصر الصخيرات، حيث كان الملك الحسن الثاني يريد الاجتماع بالعناصر الوطنية، لشحنها بآخر وصاياه وهو العارف بالشأن الكروي.
بعد زوال يوم السبت 16 شتنبر 1983، أي قبل يوم واحد عن موعد المباراة، توجه اللاعبون رفقة أفراد الطاقم التقني والإداري والطبي صوب الصخيرات، فتح باب القصر وتحلق اللاعبون حول الملك الحسن الثاني في جلسة حميمية، تبادل فيها الرأي حول مشوار المنتخب المغربي في المنافسات المتوسطية، وأكد للجميع أنه وبالرغم من انشغالاته اليومية، يحرص على متابعة المباريات.
تحدث الملك مع المدرب فالانتي البرازيلي الجنسية، واستفسر عن سر الانطلاقة المحتشمة أمام اليونان، والتي انتهت بالتعادل السلبي، ونبه من الخصم التركي، وذكره بتاريخ العثمانيين.
قال الحسن الثاني: «لا تعتقدوا أن المنتخب التركي خصم مجهول، فهو لم يصل إلى المباراة النهائية بالصدفة، لقد تمكن من إزاحة منتخبات وازنة شاركت بمنتخباتها الأولى، ويعتمد على اللياقة البدنية العالية في نزالاته». قبل أن يشرع في وضع الخطة الملائمة لمواجهة الأتراك، والجميع متحلق حوله، حيث كان يستعين بأشكال هندسية من الورق المقوى لشرح «التكتيك» الملائم للمباراة النهائية، وبين الفينة والأخرى كان يلتفت إلى المدرب ليأخذ رأيه. وحين انتهى من رسم الخطة على المائدة، طالب اللاعبين بتنفيذها على رقعة الملعب، مرددا عبارة: «الكرة الآن في معسكركم»، مضيفا أن أهم عمل قام به المدرب البرازيلي فالانتي هو الجانب السيكولوجي، باعتبار أن المنتخب كان يلعب أمام جمهوره وبالتالي كان الضغط على عناصره.

حوار في الكرة بين الحسن الثاني والمدرب فاريا على ملاعب الغولف
بصم المدرب البرازيلي فاريا بقوة في سجل كرة القدم المغربية، فمنذ أن وطأت قدماه المغرب سنة 1983، تحول الرجل إلى أسطورة من أساطير التدريب، بعد أن تمكن من قيادة الكرة المغربية للظفر بأول لقب في تاريخها، حين ظفر فريق الجيش الملكي بلقب كأس إفريقيا للأندية البطلة سنة 1985، كأول إنجاز قاري في تاريخ النوادي المغربية، وبعد سنة قاد المنتخب المغربي إلى عبور تاريخي نحو الدور الثاني من نهائيات كأس العالم بالمكسيك.
حينما كان الحسن الثاني يستدعي فاريا للتشاور حول المنتخب في لقاءات غالبا ما تتم في مسالك الغولف الملكي في دار السلام بالرباط، كان السؤال الكلاسيكي للملك: «هل اندمجت في المجتمع المغربي بشكل نهائي؟»، في إشارة إلى اعتناقه الديانةَ الإسلامية وزواجه من مغربية، واستبدل اسمه من جوزي إلى المهدي. لكن دوام الحال من المحال.
كان لا بد للتاريخ أن ينصف الرجل، الذي خصص له الراحل الحسن الثاني استقبال الأبطال إثر العودة من المكسيك، وأهدى بعدها معطفه إلى المدرب الذي سكن اسمه بفخر أرشيف الكرة المغربية. وما بين لقاء تاريخي مع الجيش الملكي وحضور دائم للمنتخب المغربي في كل المحافل الدولية، أكمل فاريا لحظات التألق كلها، وأصبح اسمه تأشيرة عبور إلى قلوب المغاربة.
أصر فاريا أن يعيش أيامه الأخيرة في المغرب، بين القنيطرة والرباط، رغم أن إدارة الجيش خلعت عنه ثوب العزة، وتركته يعيش ذليلا، غريبا في بلده الثاني. أوصى فاريا اللاعب الدولي المغربي السابق نور الدين البويحياوي بدفنه في تربة المغرب، والتعهد بإقامة حفل تأبين يعيد له شيئا من الكرامة.

محمد السادس يستقبل الفريق الوطني وصيف بطل إفريقيا ويسلم أفراده منحا متساوية
مباشرة بعد فوز المنتخب المغربي على نظيره المالي، برباعية نظيفة، على أرضية الملعب الأولمبي بمدينة سوسة بتونس يوم 11 فبراير 2004، في إطار نصف نهائي كأس أمم إفريقيا، وفي غمرة أفراح اللاعبين ومكونات المنتخب بالفوز الذي أهل المغرب إلى النهائي التاريخي، تقدم الجنرال المختار مصمم وكان حينها برتبة كولونيل نحو بادو الزاكي، مدرب «الأسود»، وطلب منه الانزواء في ركن من الملعب وانتظار مكالمة هاتفية من ملك البلاد محمد السادس، وهو ما تم فعلا، حيث هنأ العاهل المغربي كافة عناصر المنتخب الوطني على انتصارها المستحق على المنتخب المالي.
وجدد الملك اتصاله ببعثة المنتخب، إذ أجرى اتصالا هاتفيا عقب المباراة النهائية ضد تونس، حيث ربط الاتصال بالجنرال دوكور دارمي حسني بنسليمان، رئيس اللجنة الأولمبية المغربية والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، الذي التحق بتونس العاصمة لمتابعة المباراة النهائية من ملعب «رادس»، وهنأ بادو الزاكي، مدرب المنتخب المغربي، وأعضاء الفريق.
في اليوم نفسه بعث الملك محمد السادس ببرقية تهنئة إلى الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، بمناسبة فوز المنتخب التونسي بكأس أمم إفريقيا، في مبادرة تنم عن درجة عالية من الروح الرياضية، كما أرسل طائرة خاصة لنقل المنتخب الوطني من تونس إلى أكادير التي كان يوجد بها الملك، هناك سيكون للبعثة موعد مع العاهل المغربي في قصر أكادير.
وفي منتصف شهر فبراير، استقبل ملك البلاد بقاعة العرش بالقصر الملكي بأكادير أعضاء المنتخب المغربي لكرة القدم، بعد العرض الجيد الذي قدموه في الأدوار النهائية لكأس أمم إفريقيا دورة 2004، ووشح خلال هذا الحفل أعضاء المنتخب الوطني وكذا الطاقم التقني والإداري والطبي بأوسمة ملكية. ومن الأمور التي استأثرت بانتباه عناصر المنتخب المغربي حرص الملك على المساواة في العطاء بين جميع مكونات الفريق، حيث سلم منحة لكل عنصر قيمتها 100 مليون سنتيم، لا فرق بين المدرب والمكلف بالأمتعة، واعتبر جلالته كل أفراد البعثة سواسية في الشكر والعطايا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى