الرئيسية

مليكة الفاسي.. المرأة الوحيدة الموقعة على وثيقة الاستقلال.. زوجة الوزير وأمّ الوزراء

من منهما جر الآخر إلى الشهرة؟ هي كانت المرأة الوحيدة التي وقعت على عريضة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944، وهو كان أول من يصل إلى كرسي وزارة التعليم بمغرب ما بعد الاستقلال.
لم يكن محمد الفاسي ليخرج عن تقليد مشاريع الزواج الفاسية في وقت مبكر من شبابه، لذلك اختار، أو اختارت له العائلة على الأصح، أن يرتبط بمليكة الفاسي التي يتشارك معها في «الجد» عبد الواحد الفاسي.
المعروف أن عائلة الفاسي متشعبة ومرتبطة، وبفعل تقدم السنوات أصبح من الصعب الحسم في شعاب العائلة التي تربط مصاهرات في ما بينها وتنجب أبناء وأحفاد بأسماء الأجداد نفسها.
تزوجت مليكة الفاسي في ريعان شبابها بمحمد الفاسي. الزوج كان واعدا وتنبأت له العائلة بتبوئ المناصب لأنه كان يعد سلفا لهذا الأمر. أما زوجته مليكة الفاسي فقد كان محكوما عليها أن تقف عند زوجة الوزير، رغم أنها كانت تنشط سياسيا. فقبل أن يكون اسمها كامرأة وحيدة من بين الأسماء التي طالبت باستقلال المغرب في وثيقة 11 يناير 1944 الشهيرة، وعمرها لم يكن يتجاوز 25 سنة.. كانت لها ميولات سابقة نحو التعاطف مع حزب الاستقلال الذي كان ينتمي إليه أغلب أفراد العائلة إن لم نقل كلهم.
التوقيع على الوثيقة لم يكن ليمر مرور الكرام، فقد تم تداول اسم مليكة الفاسي في أكثر الجلسات أهمية بالمغرب، ليس فقط لأنها المرأة الوحيدة التي قامت بالتوقيع ولكن أيضا لأنها تتحدر من أسرة «الفاسي» التي كان بعض أفرادها من الموقعين، ولم يكن متوقعا أن يسمحوا لابنتهم بالتوقيع أيضا.
لم يكن سهلا أن يكون اسم امرأة مدرجا في لائحة من الأسماء الرجالية، خصوصا أن من بينهم علماء دين محافظين وآخرين كانوا طلبة في جامعة «القرويين».. لكن رغبة مليكة كانت أكبر من أن تُرد، ولم يسجل من طرف الذين كانوا سباقين إلى التوقيع أي اعتراض على وجود امرأة بينهم. فمليكة الفاسي كانت من القلة المتعلمة من بنات العائلة، في وقت لم يكن مسموحا فيه للفتيات بالتمدرس.
مليكة الفاسي، أو «لالة مليكة»، النداء الأحب إلى قلبها قيد حياتها، كانت تقف خلف زوجها عندما وصل إلى الوزارة أول مرة سنة 1956 عند تعيين أول حكومة مغربية. كان الجو العام وقتها محتقنا، خصوصا داخل منازل آل الفاسي لأنهم كانوا يريدون تمثيلية أكبر في أول حكومة مغربية. وبما أن مليكة الفاسية لم تكن بعيدة عن السياسة ولم تحصر نفسها في المطبخ شأن أغلب النساء المغربيات، فقد كانت مرتاحة نسبيا لأن زوجها اختير ليكون أول وزير للتعليم في تاريخ المغرب، على الرغم من أن أبناء عمومتها وإخوانها لم يظفروا جميعا بوزارات، وهو ما كان مخيبا لآمال الأسرة في البداية. لكن وصول محمد الفاسي إلى وزارة التعليم وبعدها إلى وزارة الثقافة، شكل انتعاشة حقيقية للوسط العائلي القريب، وسط العائلة المتشعبة. ولم يُرفع هذا الواقع إلا بعدما تمكن آل الفاسي من السيطرة الكاملة على حكومات مغربية في نسخ أخرى وعلى مؤسسات كبرى أيضا.
أنجبت مليكة الفاسي أربعة أبناء، أولهم سعيد الفاسي، الذي سيصبح في ما بعد وزيرا للسكنى، ومعه ستنال مليكة الفاسي لقب «زوجة الوزير وأم الوزير»، وهو ما سيجعل الأضواء العائلية مسلطة عليها، خصوصا أمام لعبة المصاهرات التي يتقنها الفاسيون أكثر من غيرهم. سيأتي ابنها الثاني، عبد الواحد على اسم جده، وسيصبح عضوا في الديوان الملكي، وهكذا سيكتمل نفوذ الأم مليكة الفاسي وسط العائلة لأن ابنها صار عضوا داخل الديوان الملكي. ستنجب ملكية الفاسي ابنتين أيضا، إحداهما أمينة الفاسي، التي ستصبح أستاذة جامعية، ستفاخر بها ملكية لأنها أنجبت ابنة متعلمة واصلت دراستها الجامعية وتمكنت من الوصول إلى رتبة التدريس الجامعي.
لم تكن اهتمامات مليكة الفاسي لتخرج عن اهتمامات نساء جيلها اللواتي عشن معها تجارب مماثلة، لكن ما تميزت به مليكة يبقى توقيعها على وثيقة المطالبة بالاستقلال خلال الأربعينات، وهو وقت مغربي مبكر جدا للخوض في أحقية المرأة المغربية بالمشاركة في أمر مماثل.
لم تكن مليكة الفاسي متمردة عن نساء جيلها كما قد يظن البعض، إلا أنها كانت تملك من الحداثة ما جعلها تعيش حدث توقيع المطالبة بالاستقلال بشكل مختلف، فقد كانت نساء كثيرات ليتمكنّ من تسجيل أسمائهن في الوثيقة التاريخية وهو ما لم يتم. وهكذا يكون قد اجتمع لمليكة الفاسي ما لم يجتمع لغيرها، فهي زوجة وزير التعليم ثم الثقافة، ثم مشرف على جامعة «القرويين» بفاس ثم محمد الخامس بالرباط، وبعدها مدير لـ«اليونسكو». ومن جهة أخرى، فقد كانت أما لوزير وعضو في الديوان الملكي. أُسدل الستار على حياة مليكة الفاسي يوم 13 ماي 2007 لتكون المرأة الوحيدة الموقعة على وثيقة المطالبة بالاستقلال قد غادرت الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى