
كشفت تقارير وزارة الداخلية أن عدد المتابعات القضائية، في حق أعضاء مجالس الجماعات الترابية، بلغ 302 منتخب، ضمنهم رؤساء جماعات ونواب للرئيس ومستشارون جماعيون ورؤساء سابقون، وذلك بسبب ارتكابهم لأفعال مخالفة للقانون، وهو الشيء الذي يؤكد استفحال ظاهرة الفساد بين بعض المنتخبين ويشكل عقبة كبرى في طريق التنمية المحلية بالمملكة.
ففي الوقت الذي تنتظر فئات واسعة من المواطنين أن يكون المنتخبون صوتهم داخل المجالس والمؤسسات، تحول بعضهم إلى مصدر خيبة واحتقان اجتماعي، منتخبون تورطوا في خروقات خطيرة، وجرائم الأموال، واستغلال للنفوذ والابتعاد الكلي عن روح المسؤولية وربطها بالمحاسبة.
ومن أبرز مظاهر فساد المنتخبين استغلالهم للمناصب لتحقيق مكاسب شخصية ومصالح ضيقة، متجاهلين بذلك الواجبات والمسؤوليات التي يتحملونها وعلى أساسها تم التصويت عليهم، فضلا عن إهمالهم تفعيل دور الجماعات الترابية ما يتسبب بشكل مباشر في تعثر مشاريع التنمية وتدهور جودة الخدمات العمومية.
وطبعا هناك من يريد التغطية والتخفيف من تأثير فساد المنتخبين على الشأن العام، وتمرير مغالطات محدودية الاختصاصات لدى رؤساء المجالس، في حين عندما نعود للممارسة وسلطة التوقيع، نجد أن الفاسدين هم أول من يعرقل الاستثمار ويبتز المستثمرين، وهم من يقف خلف كواليس القرارات التعميرية، وتوزيع الامتيازات والإكراميات لجمع الأغلبيات الهجينة، وربط علاقات مع رجال الأعمال والشركات نائلة الصفقات العمومية والتدبير المفوض، واستغلال ملف الضرائب والمستحقات في أجندات انتخابية، واستغلال المال العام والتحكم في الجماعات وكأنها ملك خاص، واتخاذ قرارات في حق كل معارض من الموظفين والمنتخبين.
وتسبب انتشار الفساد داخل المجالس في نشوب صراعات داخلية بين أحزاب التحالفات المحلية، وتحويل دورات رسمية إلى حلبات لتبادل اللكمات وتوزيع الاتهامات الثقيلة، ما يضعف من دور المؤسسات المنتخبة وينعكس سلباً على الثقة بين المواطنين والمنتخبين، كما أن غياب المحاسبة الحقيقية يكرس حالة الإفلات من العقاب ويشجع على استمرار هذه الممارسات المشينة.
إن ما يطمح إليه المغرب من تقدم وازدهار، على المديين القريب والمتوسط، يتعارض وغرق المجالس في الفساد، وسط صمت الأحزاب السياسية ومحاولتها أحيانا الدفاع عن ماكينات انتخابية فاسدة جريا خلف الأصوات وتحقيق الأرقام الانتخابية، وهو الشيء الذي يستدعي تحمل المسؤولية من قبل الجميع في تفعيل آليات الرقابة والمحاسبة بصرامة، وتعزيز مؤشرات الشفافية والنزاهة كسبيل وحيد لاستعادة الثقة وبناء مؤسسات قادرة على خدمة المواطن وتحقيق التنمية المنشودة.
يجب أن تتوفر الإرادة السياسية الحقيقية لدى جميع المتدخلين، من أجل مجالس ترابية بنفس متجدد، قوامه الحكامة والشفافية، وسياسة القرب من المواطن، والقدرة على تنفيذ مشاريع تنموية ومواكبة استراتيجية الدولة في الإصلاح، وهذا لن يمر إلا عبر طريق تخليق الحياة السياسية وتقديم الأحزاب لمرشحين بمعايير الكفاءة والنزاهة والقدرة على تقديم قيمة مضافة للشأن العام، وفوق هذا كله التحلي بالوطنية وتقدير المرحلة وصحوة الضمير.





