الرئيسيةملف التاريخ

منسيو التاريخ.. مغاربة الحرب العالمية الأولى

الأخبار

 

«12 ألف مغربي ماتوا في سبيل أن تتمكن فرنسا من استرجاع أراضيها من التوغل الألماني خلال الحرب العالمية الأولى. والمثير أنه لا توجد أية معطيات دقيقة بشأن هوية هؤلاء الذين قدموا حياتهم لفرنسا، حتى أن عائلاتهم في المغرب لم يتم إخبارهم بمصير أبنائهم. ولم تفطن فرنسا للأمر إلا بعد نهاية الحرب لكي تُدخل اللوائح المتعلقة بالمنخرطين الأوائل، والتي كتبت بخط الموظفين الذين تولوا تسجيل المجندين في المغرب قبل ترحيلهم إلى الجبهة، ويتم إلحاق اللوائح بقسم الأرشيف، رغم أن فرنسا لم تكن تعرف عن أغلبهم أي شيء إلا معلومات اللوائح.

بقي آخرون إذن في عداد المفقودين خصوصا في معارك «شامبان» و«آرتوا» التي سقط فيها مغاربة كثر بحكم أنهم كانوا في الصفوف الأمامية».

 

++++++++++++++++++++++++++++++++

 

12 ألف مجهول من البيضاء دُفنوا في فرنسا

توجد آلاف المقالات والدراسات والوثائق التي تتعلق بالحرب العالمية الأولى. أوراق قليلة فقط منها تتعلق بالمغاربة الذين شاركوا إلى جانب الجيش الفرنسي. أوراق قليلة بالكاد تضم لوائح الأسماء المشاركة، والتي تم تدوينها بطرق غريبة إن لم نقل «سوريالية». كانت فرنسا غير مهتمة، للتاريخ، بالتفاصيل الدقيقة لأسماء المجندين المغاربة خصوصا أن الأمر كله جاء عن طريق «صدفة» غير مدروسة سلفا.

فقد كانت فرنسا بالكاد تترنح لكي تحكم قبضتها على المغرب عسكريا، ولم يكن ورادا الاستعانة بمجندين مغاربة لصالحها في الحرب العالمية الأولى، بعكس الجزائر التي كانت مستعمرة فرنسية رسميا، أو دول جنوب الصحراء التي كانت فرنسا تحكم قبضتها عليها بشكل مطلق. في المغرب كان الوضع مختلفا بحكم السياق الاستعماري والثورات التي كانت ترفض الوجود الفرنسي في المغرب. فمنذ توقيع معاهدة الحماية، قبل عامين من تاريخ بداية الحرب، لم تهنأ فرنسا بأي يوم يمضي على المعاهدة. إلى درجة أن أشد المقاتلين ضراوة، والذين طمعت فرنسا في ضمهم إلى صفوف جيشها، كانوا في الحقيقة يحملون البنادق والسيوف في وجه الجيش الفرنسي ويكبدون وزارة الدفاع الفرنسية خسائر فادحة في عمق جبال الأطلس المنسية.

لم يكن هؤلاء بطبيعة الحال من ذهبوا إلى فرنسا للقتال بصدور عارية في سبيل العلم الفرنسي للجمهورية الثالثة. ولم يكن وزير الدفاع الفرنسي نفسه يتوقع أن يضمن أزيد من 45 ألف مغربي لكي يقاتلوا لصالح بلاده. وحتى عندما تحقق الأمر، بضم مجندين كانوا في الأصل مواطنين مغاربة عاديين بدون أية خبرات عسكرية مسبقة، فإن المسألة كلها كانت «مكيدة» حربية الهدف منها تقليص الخسائر في صفوف الجيش الفرنسي وصدها بدروع بشرية من جنسيات أخرى، خصوصا من إفريقيا التي كانت جل دولها الكبرى مستعمرات فرنسية.

بما أن المغرب كان وقتها حديث عهد بالحماية فإن الأمر اقتصر في البداية على رقم ضئيل جدا مقارنة مع أعداد المتطوعين من جنسيات أخرى، ولكن بمجرد ما تم الاحتكاك بالمجندين المغاربة في الميدان، حتى لجأت فرنسا إلى جلب 45 ألف مواطن مغربي لكي يقاتلوا لصالحها.

كانت وزارة الدفاع الفرنسية وقتها تعلم جيدا أن المغاربة الذين ترشحهم من المغرب لم يكونوا عسكريين ولم يسبق لهم القتال في حرب بتلك الضراوة والبأس. توفي 12 ألف مغربي ممكن وجدت جثامينهم في عداد الموتى في الميدان. بالإضافة إلى آلاف المفقودين الذين بقي مصيرهم مجهولا. مع فرضية وفاة فئة أخرى لم يراقب أحد إن عادوا أصلا إلى المغرب. فكل ما كانت تقوم به الإدارة الفرنسية هو تسليمهم تعويضات عن المشاركة، وإعادة شحنهم في السفن الفرنسية المتجهة نحو الدار البيضاء أو طنجة، دون التدقيق أو المقارنة مع اللوائح الأولية للمرشحين.

الرقم الرسمي إذن تجمد في 12 ألف مواطن مغربي قدموا أرواحهم خدمة لفرنسا وإنقاذا لها من فظاعات الحرب التي كبدتها خسائر بملايين الفرنكات. لكن السؤال الذي بقي مطروحا، هو مصير الباقين. فقد حدث بعد خمس سنوات على نهاية الحرب العالمية الأولى، أي في عشرينات القرن الماضي، أن وجهت فرنسا دعوة لموظفيها في الإقامة العامة الفرنسية لكي يقوموا بدراسة عن إمكانية مشاركة مغاربة في إعادة بناء المنشآت الفرنسية التي تدمرت خلال الحرب، وهكذا بعد ذلك التاريخ ترشح مغاربة كثر للعمل في المصانع الفرنسية خصوصا في صناعة السيارات والصناعات الثقيلة. لكن مسار هذا الجيل انتهى خلال نهاية أربعينات القرن الماضي وعاد جلهم إلى المغرب للتقاعد، في عز الحماية الفرنسية ومنهم من كانوا يملون المقاومة المسلحة ضد الحماية الفرنسية.

لقد اختلط كل شيء في هذا الموضوع بالذات. وإلى اليوم، لم يفلح الباحثون في التاريخ في تحديد خيط ناظم لقضية هذا الجيل من المغاربة الذين شاركوا في الحرب. كل ما يعرفونه أن هناك رقما رسميا تطأطئ له فرنسا رأسها في ذكرى المعارك الشهيرة التي سقط فيها مغاربة مضرجين بدمائهم، دون أن يتوقعوا يوما خلال حياتهم القصيرة جدا، أن يموتوا في الحرب، وحاملين للسلاح فوق أرض تبعد عن موطنهم الأصلي بآلاف الكيلومترات.

 

تاريخ كامل دُفن مع قتلى معارك لم تدون فظاعاتها

توجد في الحقيقة إشارة إلى إرسال المواطنين المغاربة إلى جحيم الحرب، دونها باحث أمريكي كان يرافق الجيش الفرنسي، باعتباره صديقا لملحق عسكري فرنسي كان يقود عمليات عسكرية في منطقة سوس سنة 1914.

الباحث الأمريكي «سور هاندروس» كان يعد دراسة عن المجتمع المغربي وتنوعه، لكنه كان أيضا شاهدا على جلب فرنسا للمغاربة لكي ترسلهم إلى حربها ضد الألمان والنمسا. كتب هذا الباحث الأمريكي قائلا إنه كان يتابع أخبار الحرب العالمية الأولى عن طريق الصحف التي يحفظها له أصدقاؤه إلى حين عودته إلى الدار البيضاء بحكم أن الصحف لم تكن تصل إلى حيث يتنقل رفقة الملحق العسكري الفرنسي لإخضاع ثورات جبال الأطلس ضد الحماية الفرنسية. لكنه كان يطالع بشغف، كما يقول، التقارير العسكرية التي تصل إلى الثكنات العسكرية، لكنها لم تكن تقول كل شيء عن أجواء الحرب العالمية الأولى «ربما حفاظا على معنويات العسكريين الفرنسيين لكي يحققوا نتائج عسكرية إيجابية في الجنوب المغربي».

عندما عاد أندروس إلى الدار البيضاء في أوائل شهر يوليوز 1914، كان قد سمع أخبارا عن جلب فرنسا لعدد من المجندين الأفارقة السود من دول جنوب الصحراء لكي تشارك بهم في الحرب العالمية الأولى. وقد شهدت الدار البيضاء عمليات نقلهم في السفن، حيث كانوا يستريحون ليوم واحد في المدينة ويتزود طاقم السفينة العسكرية بالمؤونة من الدار البيضاء لمواصلة الرحلة. لكنه لم يتوقع أن يشمل الأمر المغاربة أيضا لأنه، كباحث، كان يستقي الرفض الكبير للوجود الفرنسي في المغرب، على عكس الجزائر التي كانت خاضعة تماما للاستعمار الفرنسي بحكم تقادم سنوات هيمنة فرنسا على التراب الجزائري.

لكن المفاجأة تحققت، يقول هاندروس، واستطاعت الإقامة العامة الفرنسية أن تجمع لائحة، على مراحل، للمجندين المغاربة الذين لم تكن لهم نهائيا أية خبرة عسكرية ورمتهم في قلب الزوبعة!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى