شوف تشوف

الرئيسيةملف الأسبوع

نجوم نقشوا أسماءهم فوق الذهب

يونس جنوحي
من بن عبد السلام (1960) إلى البقالي في طوكيو (2021)
عندما نرى البطل المغربي سفيان البقالي وهو ينحني لينال الميدالية الذهبية أمام أنظار نوال المتوكل، البطلة الأولمبية المغربية السابقة، التي بدت سعيدة بتتويج ابن بلدها في أجواء طوكيو التي احتضنت دورة الألعاب الأولمبية لهذه السنة، فإنه من الضروري استعادة شريط حافل من اللحظات التي شارك فيها المغرب في دورات الألعاب الأولمبية السابقة.

كان الشاب البقالي يبدو نسخة طبق الأصل عن أبطال مغاربة سابقين أهدوا ميداليات إلى الخزانة المغربية، ويجمع بينهم العمل الفردي والعصامية ورعاية مدربين محليين أثبتوا أن التألق الرياضي المغربي كان دائما، ولا يزال على ما يبدو، تحديا شخصيا أولا للرياضيين المغاربة لكي يقولوا كلمتهم في المحافل الدولية منذ سنة 1960 إلى اليوم.

منسيون من جيل «الذهب»
كان أكبر إنجاز حققه هشام الكروج عندما حطم الرقم القياسي العالمي في دورة أثينا سنة 2004، حينما توج بطلا أولمبيا لسباقي 1500 و5000 متر على التوالي، وهو ما اعتبر وقتها إنجازا كبيرا ليس فقط بالنسبة إلى المغرب وإنما على مستوى العالم.

إذ سبق للمغاربة التعرف على هشام الكروج عندما سقط في دورة أطلانطا سنة 1996، ليتأجل حلمه في معانقة الذهب الأولمبي، وتعاطف معه المغاربة كثيرا وقتها، خصوصا وأن المنافسة كانت كبيرة جدا بينه وبين العداء الجزائري «نور الدين مرسلي». لذلك فقد كان تألقه الكبير في دورة أثينا موعدا مع «الثأر»، وحقق المغاربة حلمهم مع «الكروج».

أما نزهة بيدوان، التي كانت متخصصة في المسافات القصيرة حواجز، فقد أعادت الاعتبار إلى المشاركة المغربية الأولى للمغربيات في هذا التخصص سنة 1972، وأعادت إلى الأذهان وهي تعانق الميدالية الذهبية في بطولة العالم لألعاب القوى بأثينا سنة 1997، مشهد تتويج نوال المتوكل في أولمبياد لوس أنجلوس 1984.

كما أنها أحرزت ذهبية أخرى في بطولة العالم بإدمونتون بكندا سنة 2001، لتكون أول سيدة مغربية تحرز لقب بطولة العالم.

وقبل البطلين معا، الكروج وبيدوان، التي أحرزت الميدالية البرونزية في أولمبياد سيدني سنة 2000، وُجد أبطال آخرون مثل علي الزين الذي أحرز برونزية في سباق 3000 متر خلال الألعاب الأولمبية بسيدني، رفقة إبراهيم الحلافي الذي تخصص هو الآخر في سباق 5000 متر وأحرز برونزية ثانية، بالإضافة إلى الملاكم طاهر التمسماني الذي أهدى المغرب برونزية في وزن 57 كيلوغراما.

البصير وحيسو.. رجال تحت الشمس
كانت المشاركة المغربية في دورة الألعاب الأولمبية في أطلانطا سنة 1996 مثمرة للغاية، وقبلها أيضا في دورة برشلونة سنة 1992.

مع رشيد البصير في بطولة ألعاب القوى العالمية، وصل المغرب إلى نصف نهائي مسافة 1500 متر، وسنة بعدها تأهل إلى الأولمبياد في برشلونة ليحرز الميدالية الفضية، حيث فاجأ الجميع لأن الصحافيين والمحللين لم يرشحوه ليكون بين الأسماء القوية للوصول إلى المنصة النهائية للتتويج، ولهذا شكل انتصاره انتصارين.

كما أنه أحرز بطولات سباقات أخرى في لندن وأوسلو وباريس في مسافات ما بين المايل و2000 متر، في فترة 1993 و1995.

أما صلاح حيسو، الذي عرف عنه شغفه الكبير بالمسافات الطويلة، فقد أحرز بدوره ذهبية 5000 متر في بطولة العالم سنة 1999 بإشبيلية، وقبل ذلك فإنه سجل رقما قياسيا عالميا في مسافة 10 آلاف متر سنة 1996 بملتقى بروكسيل، وعندما ذهب صلاح إلى الألعاب الأولمبية في دورة أطلانطا سنة 1996، أحرز برونزية في التخصص نفسه.

صعوده المتكرر إلى منصة التتويج جعل اسم «حيسو» يصبح على كل لسان في منتصف التسعينيات، إذ رغم هيمنة دولية على الألقاب، إلا أن حيسو استطاع تعزيز مكانة المغرب في هذه المنافسات الدولية ودورة الألعاب الأولمبية، وجعل العلم المغربي يحضر بقوة في منصات التتويج، باعتباره العلم العربي الوحيد الذي حضر في جل النسخ.

بولامي وعشيق… عائلتين وصلتا التتويج
خالد بولامي القادم من آسفي، والذي تردد اسمه في مكبرات الصوت مع حماس كبير خلال التغطية المغربية لدورة الألعاب الأولمبية لسنة 1996 بأطلانطا، شارك أيضا في مرات أخرى في دورات ألعاب القوى، خصوصا في بطولة العالم بأثينا سنة 1997، حيث حصل على الميدالية الفضية في مسافة خمسة آلاف متر، وقبلها في البطولة ذاتها سنة 1995 بـ«غوتيبورغ» بالسويد، حيث ظفر بفضية أخرى في التخصص ذاته.

ثم هناك أيضا العداء إبراهيم بولامي، وهو الأخ الأصغر لخالد بولامي، حيث تخصص في مسافة 3000 متر حواجز، وشارك سنة 1997 في ألعاب البحر الأبيض المتوسط، حيث أحرز الذهبية في مسافة 3000 متر. وهو اليوم أحد الأطر المغربية المشرفة على تكوين مواهب في مسافات سبق له التخصص فيها سابقا، خاصة سباقي 1500 و3000 متر.

أما عبد الحق عشيق، فحسب بعض الإحصائيات في موقع أرشيف الألعاب الأولمبية، فإن اسمه يظهر باعتباره أحد أوائل المغاربة والعرب عموما الذين أحرزوا ميداليات في رياضة الملاكمة، ليس في المنافسات الدولية أو بطولات العالم، ولكن فوق «رينغ» الألعاب الأولمبية. فقد فاز بالميدالية البرونزية في أولمبياد سيول الكورية سنة 1988، وكان أشهر ملاكم مغربي بين المغاربة في تلك الفترة، فقد حظي بمتابعة جيدة لمباراته التي أهلته إلى منصة التتويج.

وبعد ذلك، أي في الألعاب الأولمبية ببرشلونة سنة 1992، ظهر محمد عشيق الذي أهدى المغرب ميدالية أخرى برونزية في الملاكمة في وزن 57 كيلوغراما.

بن عبد السلام.. أول من أهدى ميدالية للمغرب سنة 1960
لو أن أحدا ما رآه أو انتبه إلى جسده النحيل وهو يساعد والده في أشغال الزراعة اليومية في منطقة تاونات خلال النصف الأول من ثلاثينيات القرن الماضي، لما توقع أن يكون ذلك الطفل مشروع بطل أولمبي.

في حوار إذاعي سجل معه، عقب فوزه بالميدالية الفضية خلال دورة الألعاب الأولمبية بروما، اعترف راضي بن عبد السلام بأنه عاش مثل بقية المغاربة طفولة حالت بينه وبين أحلامه لفترة طويلة، لكنه كان متمسكا بحلم الرياضة والتحديات، حتى أن هذه العزيمة كانت السبب وراء التحاقه بصفوف الجيش الفرنسي سنة 1950.

هناك معلومات تقول إنه التحق بالجيش فقط لتحسين وضعيته المادية، بينما راضي بن عبد السلام من خلال اللقاءات القليلة جدا التي أجراها، أظهر دائما أن الطموح الرياضي كان وراء القرارات المصيرية التي اتخذها طيلة حياته تقريبا.

خلال فترة عمله القصيرة داخل وحدات الجيش الفرنسي، خصوصا خلال فترة التدريب، انتبه الفرنسيون إلى قدراته الكبيرة في العدو، لكن وقتها لم يكن أي حديث في فرنسا الاستعمارية عن ضم موهبة هذا الشاب إلى أي برنامج رياضي. لكنه استطاع أن يفرض نفسه، وفعلا كتبت تقارير بشأن قدراته في المسافات الطويلة، سيما تلك التي كان المدربون يقسون فيها عمدا على الجنود المتدربين من أصل مغربي. لكن راضي بن عبد السلام سوف يغادر صفوف الجيش الفرنسي، دون أن يهتم بأي مسار عسكري معه، رغم أن أقرانه كانوا حققوا مسارات مهنية أخرى في عالم الجيش، واشتغلوا في النواة الأولى لتأسيس الجيش المغربي بعد حصول البلاد على الاستقلال سنة 1956.

كان راضي بن عبد السلام شعلة كبيرة من النشاط. وعندما حل موعد الألعاب الأولمبية في نسخة روما سنة 1960 شارك هذا الرياضي الخجول باسم المغرب، رغم أن البلاد وقتها كانت في طور تأسيس وزارة الرياضة، وفي غمرة البحث عن المواهب التي قد تساعد على وضع قطار الرياضة المغربية فوق السكة.

اعتبرت صحف فرنسية معارضة أن المغرب سرق مجهود الجيش الفرنسي في تكوين شاب مغربي وشارك به في الألعاب الأولمبية، خصوصا عندما أحرز ابن تاونات الميدالية الفضية أمام مرأى من الجميع. وما زاد من حدة هجوم المعارضة الفرنسية في الصحافة، أن المحللين الرياضيين الذين تابعوا السباق أكدوا جميعا أن راضي بن عبد السلام كان في البداية فقط وتوقعوا له مستقبلا مبهرا، ودخل التاريخ من أوسع أبوابه لأنه أول مسلم عربي يهدي بلاده ميدالية أولمبية.

هناك إنجاز آخر لراضي بن عبد السلام سقط سهوا، وربما غطت عليه ألعاب روما، يتعلق بفوزه بالميدالية الذهبية للعدو الريفي في «غلاسكو» الاسكتلندية، تحقيقا لنبوءة مدربيه في الجيش الفرنسي، قبل عشر سنوات بالضبط، حيث لاحظوا مدى قدرته على التحمل خلال عقوبات المسافات الطويلة للمجندين، وفعلا أحرز الذهبية في بطولة العالم التي صارت تعرف لاحقا بالبطولة العالمية للعدو الريفي.

كان صيف سنة 1960 استثنائيا في المغرب، إذ إن فوز ابن تاونات بالميدالية الفضية في أكبر تظاهرة رياضية في العالم، أربع سنوات فقط بعد حصول المغرب على الاستقلال، كان له وقع كبير في الشارع المغربي. لكن راضي بن عبد السلام قاهر «الماراثون» سيتوارى عن الأنظار ولم يهتم به أحد، رغم أنه أبان عن وطنية كبيرة عندما ترك بريق أندية أوروبا وأعلامها، ورفض عروضا قدمت له في الجيش الفرنسي لكي يلعب لصالح فرنسا منذ سنة 1953 في بطولات الشباب، ولو أراد الالتحاق بفرق فرنسية وبلجيكية لكان الأمر سهلا بالنسبة إليه، لكنه قرر أن يحمل قميص بلاده.

توفي راضي بن عبد السلام سنة 2000 عن عمر ناهز 71 سنة، وطغت الصور الملونة المتلاحقة للمشاركات المغربية والعربية في الألعاب الأولمبية، ولكن لا أحد تذكر «قيدوم» الأبطال الذي أهدى المغاربة أول «فرح» أولمبي.

المتوكل.. نجمة «لوس أنجلوس»
منذ سنة 1960 لم يحرز المغرب أي لقب أولمبي، رغم وجود مشاركات في أولمبياد طوكيو سنة 1964، ثم مكسيكو بعدها بأربع سنوات. وأيضا في كل من ميونيخ الألمانية ومونتريال بكندا خلال سنتي 1972 و1976 على التوالي.

وفي دورة سنة 1984 بالولايات المتحدة الأمريكية حصل المغرب على ميداليتين ذهبتين، أحرزهما كل من نوال المتوكل وسعيد عويطة.

لم يكن سهلا أن تشارك شابة من بلد مسلم في الألعاب الأولمبية، فقد كانت الأنظار موجهة إلى نوال المتوكل، حتى أن بعض الصحافيات الدوليات أعجبن بها وأردن نقل قصتها إلى العالم، خصوصا الصحافيات المهتمات بمسار النساء في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

اعتبر حصول نوال المتوكل على الميدالية الذهبية في أولمبياد لوس أنجلوس، في سباق 400 متر حواجز، دخولا نسويا إلى التاريخ. إذ كانت تلك المرة الأولى التي يصل فيها بلد مسلم إلى منصة التتويج في ذلك التخصص.

لم يراهن كبار المحللين على نوال المتوكل واهتموا في المقابل ببطلات أخريات كان لهن صيت كبير في ذلك التخصص، وهو ما جعل انتصارها في الحلبة يصبح انتصارا آخر على الساحة. ومن هناك، بدأت نوال المتوكل، بعد الاحتفال والتتويج في المغرب مسارا آخر في التكوين بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث استفادت من برنامج مكثف في تكوين الرياضيين وأصبحت لاحقا من أطر الإدارة المشرفة على تنظيم الألعاب الأولمبية، حيث أشرفت على تنظيم دورة ريو دي جانيرو بالبرازيل، والتقت رؤساء الدول الذين استضافت بلدانهم نسخ السنوات الأخيرة من هذه الألعاب، لتكون أول امرأة من بلد مسلم تصل إلى منصب إداري رفيع في الأولمبياد.

ما زالت نوال المتوكل إلى اليوم حاضرة في إدارة الإشراف على تنظيم قوانين الألعاب الأولمبية ومنافساتها، ولا تزال طبعا تحتفظ بحذائها الأول الذي حققت به لقب لوس أنجلوس سنة 1984، وعليه الخدوش نفسها التي تبقى علامة على الصعوبات الكبيرة التي واجهتها، أثناء رحلة فرض اسمها بقوة في عالم الألعاب الأولمبية.

كان صعود نوال المتوكل إلى منصة التتويج يتابعه كل سكان العالم تقريبا في تلك السنة. وعندما عادت رفقة سعيد عويطة إلى المغرب، نظم الملك الراحل الحسن الثاني استقبالا كبيرا على شرفهما، حيث وشحهما بوسامين ملكيين مكافأة لهما على إحراز أول ذهبيتين في رصيد المغرب بالألعاب الأولمبية، وهو الإنجاز الذي سلط الضوء على المغرب من جديد، خصوصا وأن بعض المقالات التي تابعت تتويج البطلين المغربيين تنبأت بإمكانية ظهور أبطال آخرين من الطينة نفسها، قد يسيطرون مستقبلا على ذلك النوع من السباقات.

سعيد عويطة.. عداء السرعة
ربما لم يكتب لأي بطل أولمبي مغربي أن يصبح اسمه مرادفا للجري والمسافات الطويلة وطول النفَس، مثل ما قدر لسعيد عويطة أن يحظى بهذا الإجماع بين المغاربة.

لم يكن مجرد شاب عصامي سخر منه بعض من عرفوه، عندما أخبرهم أنه سوف يفوز في الألعاب الأولمبية ويتوفق على منافسين له من دول لها صيت كبير في السيطرة على رياضات العدو، سيما في المسافات الطويلة ونصف الماراثون.

سعيد عويطة الذي تدرب لأشهر طويلة وقاسية وحيدا أحيانا، ومع أصدقائه الطموحين إلى الأولمبياد أحايين أخرى، كان يضع «لوس أنجلوس» أمام عينيه. وفعلا كانت الأرقام التي حققها محليا تؤهله للمشاركة.

كان الملك الراحل الحسن الثاني يراهن عليه كثيرا، خصوصا عندما اطلع على ملفه من المشرفين على الوفد المغربي إلى الأولمبياد.

كان المغرب في تلك السنة يحتاج بشدة إلى طرد لعنة الحرمان من التتويج في المنافسات الدولية. انتصار بهذا الحجم قد تكون وراءه مكاسب سياسية، ورد على خصوم البلاد في القضايا الوطنية، وتذكيرهم بأن المغرب كان أول بلد عربي مسلم يحرز لقبا أولمبيا. خصوصا وأن المصريين كانوا في طريقهم أيضا نحو التتويجات، بالإضافة إلى «بروباغاندا» كبيرة قام بها صدام حسين بالعراق.

لا ينكر أحد من المتخصصين أو الذين وثقوا لمشاركة المغرب في بطولات الألعاب الأولمبية، أن سعيد عويطة كان مثالا للعداء العصامي، فقد كون نفسه بنفسه في ما يتعلق بشق الإعداد البدني وإيقاع السباقات الدولية. وهو أمر حكاه بنفسه في عدد من الحوارات الصحافية، دون أن ينسى دور بعض رفاقه ومدربيه في المساعدة على تحقيق الأهداف، التي وضعها بنفسه خلال التداريب.

كان سعيد عويطة ونوال المتوكل يحسان بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهما، لأن الملك الحسن الثاني كان يتابع المنافسات أولا بأول، وكان ينتظر من المشاركين إحراز الذهب، لإعادة المغرب إلى منصات التتويج بعد طول غياب.

وفعلا بعد إحراز عويطة على الذهبية في أولمبياد لوس أنجلوس، كانت المملكة المغربية في عناوين كل صحف العالم، لأن الإنجاز الذي حققه عويطة اعتبره المتخصصون غير مسبوق في تاريخ الألعاب، إلى درجة أن اسمه أصبح موضوع وثائقي فرنسي، لأنه حطم لتوه رقما قياسيا عالميا مستعصيا، ورفع سقف التحدي أمام عدائين من كل دول العالم استغرق منهم الأمر سنوات للاقتراب من الرقم الذي حققه في لوس أنجلوس، في مسافة 5000 متر. بينما مجلات أخرى سلطت الضوء على مساره المتفرد في الإعداد للمشاركة بإمكانيات متواضعة، مقارنة مع الإمكانيات الكبيرة التي يضعها الأمريكيون والأوروبيون في إعداد أبطالهم.

حتى أن الملك الراحل الحسن الثاني تحدث إلى الصحافة الأجنبية في حوارات صحفية، واعتبر أن أمر اقتران المغرب بنوال وعويطة لا يضايقه نهائيا، بل يشكل مصدر فخر له. لأن الشهرة التي حققها الاثنان معا في الألعاب الأولمبية بلوس أنجلوس والمنافسات الدولية الأخرى التي جرت في فترة تألقهما خلال الأولمبياد، جعلت الصحافة الدولية تعرف تلقائيا بالمغرب لدى فئات عريضة حول العالم لم يسبق لها أن سمعت بالبلاد، إلا من خلال أخبار الألعاب الأولمبية في سنة 1984.

نال عويطة أيضا ميدالية برونزية في سباق 800 متر بأولمبياد «سيول» الكورية، أربع سنوات بعد الإنجاز المبهر الذي حققه في لوس أنجلوس.

بوطيب..صاحب ذهبية «سيول» 1988
يجمع الذين يعرفون إبراهيم بوطيب أنه يتنفس الرياضة. نظراته المتواضعة، حتى في اللحظة التي حصل فيها على الميدالية الذهبية في سباق عشرة آلاف متر بأولمبياد سيول بكوريا الجنوبية سنة 1988، وهي المرة الأولى التي يرفرف فيها العلم المغربي في تلك المسافة بالأولمبياد، باعتباره أول منتخب عربي مسلم يصل إليها، فقد ظل إبراهيم محافظا على هدوئه وتفضيله الابتعاد عن ضجيج الكاميرات وآلات التصوير.

كان فوزه بالميدالية الذهبية، تأكيدا على أن المغرب سوف يبقى في طريق إحراز الذهب خلال دورات الألعاب الأولمبية.

كانت مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق بوطيب، لأنه كان ضمن الأسماء المشاركة إلى جانب سعيد عويطة، وكان معروفا للرياضيين أن التقدم في السن يعني احتمال عدم الحصول على الألقاب المرجوة، لذلك كانت الآمال معلقة على إبراهيم لكي يعوض سعيد عويطة الذي كان قد أحرز لقبا أولمبيا، قبل أربع سنوات.

في تلك التجربة في كوريا الجنوبية، كان إبراهيم أمام عدد من المنافسين الكبار، لكنه استطاع حسم السباق لصالحه. حتى أن الصحافة الدولية التي غطت المنافسات أعجبت بالطريقة التي أدار بها السباق، حيث انتبهوا إلى هدوئه الكبير جدا، إلى درجة أنهم لم يتوقعوا أن يستمر في ذلك الإيقاع المرتفع، للأسماء التي كانت في الخط الأول للعدائين المتحكمين في الإيقاع. لكن إبراهيم كان قد خضع لتدريب نفسي مكثف لكي يسيطر على معنوياته طيلة المسافة.

في بطولة أثينا أيضا توج إبراهيم بوطيب، أو «أبو الطيب» بالمركز الأول سنة 1990. وأحرز ألقابا أخرى في منافسات عربية وأخرى إفريقية ما بين سنتي 1987 و1992، ليتفرغ لاحقا لتكوين المواهب الشابة والإشراف على التدريب والإعداد ووضع خبرته بين يدي أبطال المغرب المستقبليين.

خالد السكاح.. ذهبية من برشلونة جعلته يحصد الذهب في بقية المنافسات
عندما حصل البطل العالمي خالد السكاح على الميدالية الذهبية لمسافة 10 آلاف متر في أولمبياد برشلونة سنة 1992، كان يؤكد بقدميه ما تناقلته الصحافة الدولية عن تحول المغرب إلى مصنع للأبطال في المسافات الطويلة، متفوقا على الدول الإفريقية التي كان رياضيوها يتدربون في مناخ قاس جدا وتضاريس وعرة. والتفوق عليهم في حد ذاته يتطلب تتويجا مستقلا عن التتويج الأولمبي.

والمثير في مسار خالد السكاح أنه أحرز ميدالية ذهبية أخرى في بطولة العالم سنة 1994 بأوسلو، ثم أحرز بعدها مباشرة ذهبية كأس العالم السابعة التي أقيمت بلندن. وهي منافسات يكون الإيقاع فيها مرتفعا جدا، واستطاع حسمها لصالحه وأهدى الذهب إلى المغاربة مرات مضاعفة وبـ«سخاء»، رغم الصعوبات الكبيرة التي تجري فيها تلك المنافسات الدولية.

كان خالد السكاح رفقة إبراهيم أبو الطيب، المغربيين اللذين رفعا العلم المغربي لأول مرة في منافسات الـ10 آلاف متر، لكن ما تفوق فيه السكاح على الآخرين كان هو إحرازه ذهبيات المنافسات الدولية التي جرت في وقت قريب من تاريخ الأولمبياد، وهو أمر يحسب له بحكم أنه حصد الذهب والألقاب خلال فترة وصوله إلى قمة أدائه الرياضي.

وهذه النقطة تجعل من خالد السكاح واحدا من أكثر العدائين المغاربة تتويجا في الألعاب الأولمبية وبطولات العالم.

الفقير وحدقي.. الحظ العثر ودخول التاريخ
كانتا معا أول عربيتين ومسلمتين تدخلان منافسات الألعاب الأولمبية في التاريخ، وتعود مشاركتهما إلى دورة ميونيخ سنة 1972، إذ رغم أن المغرب لم يحرز أي ميدالية في تلك السنة، إلا أن الصحافة الدولية أشارت إلى أن المغرب يشارك لأول مرة في تاريخ الأولمبياد بعداءتين عربيتين، وهذا الحدث وحده أثار فضول الصحافة.

فاطمة الفقير، التي أصبحت لاحقا مدربة وأستاذة رياضية، كانت تشارك في أولمبياد ميونيخ في تخصص 100 متر سيدات، وهو ما كان يشكل تحديا كبيرا أمامها، لأن جل المشاركات التي أحرز فيها المغاربة الألقاب، كانت تتعلق بمسافات طويلة. أما في سباق الـ100 متر، فقد كان السباق يحسم في ثوان فقط. وجل العداءات اللواتي نافسنها كن خبيرات في أجواء الألعاب الأولمبية، بينما كانت فاطمة الفقير تكتشف تلك الأجواء في أول مشاركة لها.

لكن ما يحسب لهذه الرياضية المغربية أنها قررت التخصص في المجال، حيث استفادت من تكوين أكاديمي في الإعداد البدني للرياضات من جامعات رومانيا ثم كندا، واشتغلت أكاديميا على الرياضة المغربية، حيث أعدت أطروحة عن الرياضة المغربية والمشاركات في ألعاب القوى.

رمزية مشاركة هذه السيدة في دورة الألعاب الأولمبية بميونيخ، تبقى قوية الدلالة حتى ولو لم يحرز المغرب أي لقب وقتها.

أما مليكة حدقي فقد نافست في مسافة 800 متر، حيث كانت بدورها تختبر أجواء المشاركة في الأولمبياد خلال نسخة ميونيخ 1972، ورغم أنه لا تتوفر معلومات كافية عن هذه السيدة، إلا أنها تستحق فعلا أن يسلط عليها الضوء، لأنها استطاعت الوصول إلى لائحة الرياضيات المؤهلات للسباق وشاركت باعتبارها أول سيدة مغربية تخوض ذلك التخصص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى