شوف تشوف

شوف تشوف

نوض على سلامتك

السياسيون، خصوصا الذين في السلطة، لا يحبون من يعكر عليهم صفو أكاذيبهم التي يدمنون على حقن الشعب بها يوميا، ولذلك فهم يكرهوننا نحن الصحافيين الذين نعرض عن ذكر محاسنهم ونكتفي فقط بتعداد مساوئهم، لأن هذه هي مهنتنا في نهاية المطاف، إحصاء العثرات ودس الأصبع في الجراح عوض تلميع الأحذية ونفخ وجوه الوزراء والوزيرات بالبوطوكس اللغوي مثلما يصنع بعضهم بإتقان في افتتاحياته.
مع نهاية هذه السنة، ومع اقتراب نهاية ولايته الحكومية، أعلن رئيس الحكومة عن تخصيص 350 مليارا من أجل تطبيق برنامج غامض لمحاربة الفساد. وقد ذكرني هذا بنكتة كانت رائجة أيام إدريس البصري عندما كانت الرشوة قد عمت كل مناحي الحياة بالبلاد وكادت أن تغرق العباد في الفساد، فقال «سيدك دريس»، كما كان يحب أن ينعت نفسه، قولته الشهيرة للوزير الأول بوقرفادة «شحال تعطيني ونحيد ليك الرشوة؟».
وهكذا ظل بنكيران طوال أربع سنوات يتعايش مع الفساد ويتعهده بالرعاية خوفا منه، وعندما قارب على الرحيل قرر أن يحاربه، وفوق كل ذلك يريد أن يحاربه بأموال دافعي الضرائب. «حنا عولنا عليه يجيب لينا فلوسنا اللي داها الفساد الساعة صدق غادي يخسر فلوسنا عليه».
مشكلة رئيس الحكومة ووزراء حزبه أنهم يريدون حصر الفساد في المجال العمومي في نهب الميزانيات والغش في الصفقات والابتزاز والوساطة واستغلال النفوذ. فيما يريدون حصره في المجال السياسي في التحرش بالمناضلات داخل الأحزاب، مما يعيق وصول المرأة إلى مراكز التسيير. وفي المجال القضائي يريد وزير العدل أن يحصره في مضايقة بعض القضاة للقاضيات اللواتي جاءت بعضهن عشاء يبكين إلى ديوان وزير العدل وما تبقى من حريات لتبليغه محنتهن. وعوض أن يفعل الوزير مسطرة العزل في حق هؤلاء القضاة المنحرفين وجد حلا وسطا، هو تنقيلهم إلى محاكم أخرى، لكي ينقلوا معهم انحرافهم إلى حيث سيذهبون ويعرضون قاضيات أخريات لانحرافهم.
وتحضرني في هذا الصدد كلمة قالها النقيب السابق شاطر، حينما كان رئيسا لجمعية هيئة المحامين بالمغرب، في ندوة بأكادير. فقد قال إن القضاة الفاسدين أشبه بنفايات نووية، حينما يتم نقلها إلى أماكن أخرى تنقل عدوى التلوث لمحيطها.
وشخصيا أتفق مع سيادة النقيب السابق، لأن القاضي المنحرف لا مكان له في سلم القضاء، فالقضاء مهنة الأسوياء أما المنحرفون فمصيرهم الطبيعي هو العزل. لكن يبدو أن سيادة وزير العدل كل ما يستطيع فعله بشأن القضاة المنحرفين هو التنقيل، أما القضاة النزهاء الأسوياء الذين ينتقدون معاليه ويعبرون بدون خوف عن مواقفهم من مشروع إصلاح العدالة، فهؤلاء يوقفهم ويعزلهم بدون رحمة، والأمثلة كثيرة في هذا الباب.
لكن الفساد العظيم الذي يهدد أمن وسلامة البلاد، والذي لا يريد أحد التحدث عنه، هو فساد المديونية التي استفحلت في عهد بنكيران خلال الأربع سنوات الماضية بثلاثة عشر بالمائة إلى درجة أنها أصبحت تلتهم الميزانية بأكملها.
وإذا كان التاريخ سيحتفظ بشيء لبنكيران، فإنه سيحتفظ له بلقب «الغراق» الذي أغرق البلاد في الديون حتى العنق. وهي الجريمة التي من الممكن أن يحاكم عليها بنكيران أمام القضاء بتهمة تعريض سيادة المملكة للخطر ورهن مستقبل الأجيال القادمة ووضع مصيرهم بيد البنوك.
عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، وأحد المسؤولين السامين المؤتمنين على مالية المملكة، دق كل نواقيس الخطر في ندوة الأسبوع الماضي عندما أعلن أن نسبة النمو لن تتجاوز 2.5 بالمائة عوض خمسة بالمائة التي تتمسك بها الحكومة.
والرقم مفزع بالفعل إذا ما علمنا أن كل نقطة في هذا الرقم تعادل في الناتج القومي السنوي مليار دولار، أي أن 2.5 مليار تبخرت بجرة قلم.
ثاني قنبلة فجرها الجواهري هي التصريح رسميا بأن الدعم على السكر سيتم حذفه بداية السنة، أي منذ اليوم.
وقد كاد الوفا، وزير الشؤون العامة، أن ينفجر غيظا وهو «يرخي أذنيه» ويسمع الجواهري ينتحل صفة وزير الشؤون العامة مكانه و«يزف» إلى المغاربة هذا القرار.
ويبدو أن جهة ما قررت أن ترد الصرف للوافا بسبب تهكمه غير الموفق من الملك الراحل الحسن الثاني عندما حكى عنه حكاية نومه في مدخل مدينة بنكرير داخل سيارته وعدم قدرة سائقه ومؤنسه بنبين على إيقاظه عند مدخل مراكش، بحجة أن الملك لا يوقظه أحد بل يستيقظ من تلقاء نفسه.
وقد لاحظ المتتبعون لشريط الندوة، التي نظمها المجلس البلدي لمراكش لتشجيع السياحة في هذه المدينة، كيف أن رئيس الجهة خشيشن ظل يتبرم من كلام الوفا الذي أثار ضحك الحضور، وخصوصا «البوجادي» العربي بلقايد، عمدة مراكش الجديد، الذي كان يهتز ضحكا من تنكيت الوفا حول نومة الحسن الثاني، متناسيا أن الملوك ليسوا موضوعا للسخرية والتنذر العلني، خصوصا من طرف وزير في حكومة جلالة الملك.
أما ثالث قنبلة فجرها الجواهري فهي اعتباره السنة الفلاحية فاشلة في حالة ما إذا لم تأت الأمطار قبل رأس السنة، وهو ما تحقق فعلا لسوء الحظ ودخلنا عمليا في مرحلة الجفاف.
بمعنى على بنكيران أن يعتبر السنة الفلاحية الحالية سنة فاشلة وأن يواجه نتائج ذلك بإجراءات مستعجلة.
وقبل تفجير «بابا الجواهري» لهذه القنابل التي تلقاها بنكيران على شكل هدايا غير متوقعة بمناسبة رأس السنة، فقد كان وزير المالية قد كشف عن معلومة خطيرة بخجل ومرت دون أن تأبه لها الصحافة، باستثناء المتخصصة منها، ويتعلق الأمر بإطلاق البنك المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية.
في منطقة المغرب العربي التي تعاني من عدم الاستقرار الشامل، باستثناء المغرب، يصعب علينا فهم كيف يمكن لمثل هذا البنك تنسيق عمله من خلال الدول الخمس الأعضاء فيه، لأنه بالفعل، بحكم الأمر الواقع، فاتحاد المغرب العربي واقعيا ليس له وجود في وقتنا الراهن، ناهيك عن أن تكون هناك مؤسسة مالية لإدارة التجارة بين الدول الأعضاء فيه.
فقط في سنة 2015، بلغت الاحتياجات التمويلية للمغرب حوالي ثلاثة ملايير دولار، أي حوالي 3000 مليار سنتيم. أما الديون الخارجية فقد وصلت الآن إلى أكثر من 280 مليار درهم، أي 28000 مليار سنتيم، وهو رقم قياسي حطمه بنكيران ولم يسبقه إليه أحد من قبل.
وفقط لدينا مع البنك الدولي لائحة ديون وصلت إلى مليار دولار من القروض، أي حوالي 1000 مليار سنتيم، وهذا فقط برسم سنة 2015.
ولا ننسى بالطبع الجهات المانحة الأخرى، كالبنك الإفريقي للتنمية، والبنك الأوربي للاستثمار، والصندوق العربي والبنك الإسلامي للتنمية، وصندوق النقد الدولي، وبنوك أخرى.
ولو أن ذلك توقف عند هذا الحد لهان الأمر، لكن مع هذه الحكومة «ما حدها تقاقي وهيا تزيد فالبيض»، فحسب تقرير لبنك المغرب صدر مؤخرا حول الجوانب الاقتصادية والمالية والنقدية للبلاد تماشيا مع محيطها الدولي، فإن الديون الثقيلة سوف تتفاقم في 2016، وأنها تمثل الآن 81 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الخام.
هذا مع العلم أن أسعار النفط سجلت انخفاضا كبيرا في سنة 2015 كما سجلت السنة الفلاحية فترة حصاد زراعي استثنائية.
ولذلك فإن الاحتفال برأس السنة لدى ألبة طبقتنا السياسية، الذين يفتحون قناني الشامبانيا ويأكلون كبد البط المسمن، لن يمنعنا من إفساد فرحتهم وتخيل الأسوأ، أي احتمال تسجيل سنة 2016 سنة جافة، وعودة أسعار النفط للارتفاع مجددا.
آنذاك نتساءل ماذا يمكن للحكومة أن تفعل؟ ومن أين يمكن أن نأخذ المزيد من الديون؟ هل سيكون من المقبول أن نصل دينا يقارب 100 في 100 من الناتج الداخلي الإجمالي؟
يبدو أننا سنتجه نحو هذا السيناريو، لأنه حتى مع عام فلاحي جيد في 2015 ومنتجات نفطية رخيصة جدا، وصلت الديون إلى رقم قياسي لم يسبق له أن سجل في التاريخ الحديث للمغرب. يجب علينا أيضا أن نعترف بأن الدولة حققت أرباحا ضخمة بفضل السعر المنخفض جدا للنفط. فأسعار البنزين أو الدييزل في محطات البنزين اليوم هي أعلى أربع مرات مما كان ينبغي أن يكون، ولكم أن تتخيلوا هوامش الربح التي تستفيد منها الدولة.
وإذا استمرت الحكومة في انسحابها من المنتجات الاستهلاكية الأساسية من خلال تفكيك صندوق المقاصة، وإذا لم يشهد الفلاحون الصغار قطرة من السماء من الآن لشهر فبراير أو مارس، سيكون المغرب لا قدر الله أمام سخط شعبي يصادف الانتخابات التشريعية.
حاجياتنا للعملة الصعبة سوف ترتفع، ولن يكون للمغرب أي خيار سوى أن يقرر الاقتراض، مما سيعرض سيادتنا الوطنية للخطر.
هذه الأزمة التي تلوح في الأفق يوجد أمل واحد في التخفيف منها هو المطر، وإلا فإن سنة 2016 ستكون كارثة وطنية. فالديون الضخمة تعيق التنمية، لأن تسديد أقساطها يمثل 50 في المائة من الميزانية العامة للدولة، مما يجعل الحكومة عاجزة عن توفير موارد لاحتياجات المواطن للسكن والصحة والتعليم.
هذا ببساطة وتلخيص شديد ما ينتظرنا جميعا مع مطلع هذا العام الجديد.
ولهذا نقول لعمو بنكيران «سنة سعيدة، ونوض على سلامتك راك غرقتيها».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى