حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

هدفان للشرعية السياسية

 

 

عبد الإله بلقزيز

 

 

تطلب كل سلطة، في أي مجتمع ودولة، شرعية لنفسها وتسعى في سلوك الدروب التي تقودها إلى حيازة تلك الشرعية.

ما من فرق كبير في تحصيل هدف حيازة الشرعية بين سلطة وسلطة، حتى وإن كان الأمر يتعلق في ذلك بسلطتين تبدوان على طرفي نقيض: سلطة مدنية (أو تكونت بوسائل مدنية)، وسلطة عسكرية (أو ناشئة من انقلاب عسكري).

لعل الفارق بين سلطة وسلطة، أو سلطات أخرى هو في درجة حرص كل واحدة منها على تعظيم رأسمال الشرعية السياسية لديها، من طريق تنميته باستمرار، وتغذيته بالمزيد من اجتراح المنجزات والمكتسبات. وأكثر اللحظات التي يتبدى فيها ذلك الفارق، في درجات الحرص تلك، هي لحظات التأزم السياسي التي تَدهم الدول والمجتمعات فتمتحن قواها ومؤسساتها بما في ذلك السلطة، بل هي تمتحن هذه حتى قبل غيرها. هذا، طبعا، إذا لم تكن شرعية السلطة القائمة – ذات المخزون الهائل من الوقود المعنوي الذي تتغذى منه- قد تكفلت بقطع الطريق على احتمال طروء أي أزمة تعرض للاجتماع السياسي فأعفت، بالتالي، ذلك الاجتماع من امتحان التأزم السياسي، وأعفت نفسها – بالتبعة- من امتحان قدرتها على احتوائه ومغالبته.

في الأحوال جميعها، لا سبيل لدى سلطة ما إلى فرض سلطانها السياسي في مجتمع ما من دون اكتساب القدر الضروري من الشرعية الذي يسمح لها بذلك.

وهي تحتاج إلى اكتسابه لتحقيق هدفين اثنين، داخلي وخارجي: أولهما؛ من أجل أن تتلقى قدرا من القبول والرضا في المجتمع الذي تقوم فيه؛ وثانيهما؛ من أجل أن تحظى بالاعتراف أو بالاحترام في العالم الخارجي أو، على الأقل، من أجل أن تحتمي بشرعيتها الداخلية لكف الضغوط الخارجية عنها إن هي تعرضت لها من الدول الكبرى في النظام العالمي.

لنسجل، إذن، ملاحظتين على هذين الهدفين المتصلين بمطلب الشرعية.

بات مألوفا، منذ مائة عام تقريبا؛ منذ أطروحات ماكس ڤيبر وأنطونيو غرامشي في المسألة، أن السلطة السياسية في أي مجتمع تحتاج من المجتمع/ المواطنين خضوعا يسمح لها بإدارة الشؤون العامة من غير كثيرِ مشكلات وعراقيل؛ إذ من مقتضيات فعل الأمر -الذي هو فعل السلطة الأساس- طاعة ذلك الأمر حتى يصبح نافذا وتتحقق، بنفاذه، إرادة السلطة ووظيفتها. ومع أنه يَسَع أي سلطة أن تستدر خضوع الناس من طريق حملهم عليه بوسائل القوة – خاصة في الأحوال التي تنتَهَك فيها القوانين- التي هي وسائل قانونية، إلا أن الخضوع المتَأَتى من أفعال الإكراه والقَسر يكاد أن يكون خضوعا اضطراريا لا خضوعا اختياريا وبالتالي، ليس يَعزب أن يكون الخضوع ذاك مجرد ثمرة للخوف من بطش القوة الأَمرية، فيما الخضوع المطلوب من كل سلطة – يقول ڤيبر وغرامشي- هو ذاك الذي يأتيه الناس اختياريا؛ أي بإرادتهم الحرة في إطاعة القوانين وعدم العبث بها.

هذا يعني أن السلطة في حاجة إلى قدر من الرضا والقبول الطوعي لسلطانها من قِبَل المحكومين لكي تقوى على أن تَلِيَ الأمورَ العامة الولاية المناسبة من غير اعتراض يضرب الاستقرار. وليس يَخفى أن مثل هذا الخضوع الإرادي من الناس هو في جملة ما لا يمكنهم أن يقدموه إلا إلى سلطة يمحضونها التأييد، لأن لديها عندهم مقدارا من المقبولية الناجمة من حيازتها القدر الضروري من الشرعية السياسية التي بها يتعزز رصيد الثقة الجمعية بها.

على أنه كلما قَوِيت شرعية سلطة ما في الداخل، قَوِيَت معها مكانتها في الخارج واستدرت، بالتالي، الاعترف الدولي بقوة مركزها في محيطها المجتمعي والاحترامَ والتوقير. إن السلطة، في أي بلد، تظل متطلعة إلى إقامة شبكة أمان لنفسها من أي تهديد خارجي. ولا يحصل لها بلوغ ذلك الهدف، دائما، من طريق بناء أجهزة جيش وأمن واستخبار قوية وموالية، بل الغالب عليه أن يكون ميسورا كلما تمتعت بحاضنة شعبية عريضة ومتماسكة تَحدب عليها وتحميها من أي عدوان أجنبي.

ومن نافلة القول إن مثل هذه الحاضنة لا تنشأ إلا في حال قيام سلطة متمتعة بالشرعية والمقبولية، وتحظى بثقة المجتمع.

واضح، إذن، أن الشرعية رأسمال سياسي لدى أي سلطة لا تتردد في السعي إلى حيازته؛ فهي سبيلها الوحيدة لحكم مجتمع برضاه من غير حاجة إلى استخدام أدوات الشدة والقمع في استدرار قبوله لها سلطة عليه؛ وهي سبيلها إلى إحاطة نفسها بجدار سميك من الحماية الشعبية.

نافذة:

في الأحوال جميعها لا سبيل لدى سلطة ما إلى فرض سلطانها السياسي في مجتمع ما من دون اكتساب القدر الضروري من الشرعية الذي يسمح لها بذلك

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى