حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةملف التاريخ

هذه علاقة المغاربة بالمقاهي.. الوطنيون أفتوا بقتل العاملين فيها 

يونس جنوحي

 

 

 «في أرشيف الإقامة العامة الفرنسية في المغرب، والذي يوجد اليوم محفوظا في مؤسسة الأرشيف الفرنسية وتضعه الحكومة رهن إشارة الباحثين الفرنسيين والأجانب أيضا، توجد تقارير للشرطة الفرنسية في المدن المغربية، وهي تؤرخ لعمليات صنفتها الإقامة العامة «جرائم» كانت المقاهي مسرحا لها، بناء على الفتوى التي أطلقتها الحركة الوطنية خلال بداية الخمسينيات.

تبقى إفادة الدكتور عبد الكريم الفيلالي صحيحة، بحكم توفر أرشيف إداري فرنسي يدعمها. إذ تقول هذه التقارير إن وطنيين مغاربة محسوبين على المنظمات السرية، استطاعوا تنفيذ عمليات إطلاق رصاص وتخريب للمقاهي المملوكة للفرنسيين، حتى أنهم في عملية بالدار البيضاء قتلوا النادل الذي يعمل في المقهى، والذي كان ينتمي إلى أسرة بسيطة تقيم خارج الدار البيضاء، واضطر هو إلى العمل لإعالتها.

في قصر الكلاوي، كانت القهوة طقسا مقدسا، وعبّر أمريكيون من البحرية الأمريكية عن إعجابهم بجودة القهوة التي قدمها لهم الباشا في مكتبه سنة 1944، عندما زاره عدد كبير منهم في الذكرى الأولى للإنزال الأمريكي في الشواطئ المغربية للمشاركة في الحرب العالمية الثانية. تلك القهوة كان مصدرها أفخر الماركات التي تباع في أوربا، إذ كان الباشا يقتنيها بنفسه أو تقدم له كهدايا من أصدقائه الأجانب، الذين كانوا وزراء وسفراء وعسكريين وإداريين فرنسيين.

هناك حكاية ترتبط بميلاد مقهى في مدينة مراكش. والسبب أن الباشا الكلاوي تعرض لإهانة خلال ثلاثينيات القرن الماضي، عندما كان في زيارة إلى الدار البيضاء. إذ أن عامل فندق «إكسيلسيور» في قلب الدار البيضاء، والذي لا يزال موجودا إلى اليوم، لم يتعرف على الباشا ومنعه بالتالي من دخول الفندق حيث كان المقهى يطل على الشارع الرئيسي، فأحس الباشا بإهانة كبيرة. وعندما عاد إلى مراكش، أمر ببناء مقهى على شاكلة «إكسيلسيور» بحيث يكون المقهى في الطابق السفلي وفوقه فندق لاستقبال الزوار الأجانب. وفعلا أتم الباشا انتقامه، وأسس أحد أفخم مقاهي مدينة مراكش، حيث عمّر المقهى لفترة طويلة. وكان في مقدمة المقاهي التي أسستها فرنسا في مراكش منذ فرض الحماية على المغرب».

 

+++++++++++++++++++++++++++++++

ماذا تعرفون عن المقاهي المغربية قبل 120 سنة؟

أرباب المقاهي يفتحون النقاش هذه الأيام على قطاع لا يعرف المغاربة تاريخه. كيف بدأ وكيف سيصبح بعد جائحة فيروس كورونا المستجد؟

لماذا يرفض أرباب المقاهي استئناف العمل إلا بعد أن تجلس معهم الحكومة إلى الطاولة؟ هذا مؤشر على أن القطاع ووضعه يحتاجان إلى وقفة تأمل ومطالبة بحقوق أو لإسماع مطالب الذين يروجون أموالهم في مجال يربط علاقة مباشرة ويومية بالمواطنين جميعا.

«بين مقهى ومقهى تجد مقهى آخر». هذه مقولة مغربية خالصة تعكس واقع الحال المغربي وخصوصية «القهوة» أو المقهى في حياة المغاربة. لا يمكن تصور أحياء شعبية في المغرب بدون مقاه. ولا يمكن أيضا تصور حياة النافذين وصناع القرار بدون مقاهيهم الخاصة التي تدار فيها المشاريع وتعقد فيها الصفقات.

كيف تآلف المغاربة إذن مع المقاهي؟ وكيف بدأ العمر الافتراضي للمقاهي المغربية يُحتسب سواء قبل الحماية وخلالها ثم بعدها؟

ينتظر المغاربة هذه الأيام الإعلان الرسمي من الحكومة عن تاريخ محدد لعودة عمل المقاهي في المغرب بعد أسابيع طويلة من الإغلاق والحجر الصحي الذي «اشتاق» خلاله المغاربة إلى «القهوة» أكثر من غيرها. حتى أن بعض الظرفاء علقوا بالقول إنهم ما إن رأوا بعض عمال المقاهي يفتحونها هذه الأيام لتنظيفها من الأتربة وينفضوا الغبار عن كراسيها، حتى أرادوا مساعدتهم في التنظيف لشدة فرحهم بقرب افتتاح المقاهي. فالتنظيف والاستعداد مؤشران واضحان لقرب عودة المقاهي إلى العمل، رغم تلويح أرباب المقاهي بعدم عودتهم إلى العمل إلا بعد سماع الحكومة لمطالبهم.

«استغلال» لانتظار المغاربة وللظرفية القائمة، لإسماع أرباب المقاهي لكلمتهم، يجعلنا جميعا نتساءل عن ماهية المشاكل التي يغرق فيها قطاع حيوي لا يكاد حي أو تجمع سكاني يخلو منه.

سيكون مثيرا أن تعرفوا مثلا أن المغاربة قبل ستين سنة من اليوم كانوا يعتبرون ولوج المقاهي خيانة لقضية المغاربة الأولى ضد الحماية الفرنسية، والمتحمسون من شباب المقاومة بادروا إلى اغتيال مغاربة مساكين كانوا يعملون في تلك المقاهي، وبعضهم كانوا عيون المقاومة على موظفي الاستعمار والإدارة الفرنسية، لكن جهل المتحمسين جعلهم يغتالون «النادل» أكثر من مرة دون أن يعرفوا أنه مقاوم أقدم منهم ويلعب دورا مخابراتيا كبيرا.

أما في أربعينيات القرن الماضي، خصوصا في محيط القاعدة الجوية الأمريكية في مدينة القنيطرة، فقد كانت المقاهي على الطراز الأمريكي مجالا خصبا للروايات البوليسية حيث يفوق عدد الجواسيس والمخبرين الأجانب عدد الكراسي في تلك المقاهي.

ربما تكون مذكرات القنصل الأمريكي إدموند هولت في المغرب سنة 1909، والذي سوف نعود إليه في هذا الملف، واحدة من أقدم الشهادات التاريخية التي تعرضت لوصف المقاهي المغربية على الإطلاق. فهذا القنصل الأمريكي الذي حل بطنجة ممثلا لواشنطن في المغرب، كتب مذكراته عن العمل الدبلوماسي في أكثر من بلد عربي ومسلم، وخصص حيزا مهما منها للمغرب. وجاء في وصفه للمقاهي مقتطف نترجمه من الإنجليزية يتحدث فيه القنصل الأمريكي مع موظفه المغربي الذي كان مرشدا له في طنجة خلال الأسابيع الأولى لتعيينه في المغرب:

«- آه. أنظر. هل ترى ذلك المغربي الذي جلس الآن بجانب المسيو Q؟ إنه يولح الآن للنادل لكي يحضر له شرابا. إنه سي أحمد بن محمد بن عبد القادر. هل سمعت به يوما؟ لا؟

طيب. إنه الآن محقق للشرطة الدولية في طنجة. إنه أمير جزائري، ويحصل على أجرة سنوية من فرنسا لكي يبقى خارج الجزائر. والده كان ثائرا كبيرا. وقاد المواجهات الجزائرية الأخيرة أمام الفرنسيين سنة 1840.

-كيف أصبح سي أحمد فرنسيا إذن؟

-هذا أمر لا أعرفه. ربما كان… لكن لا. لا أستطيع قول هذا الأمر. كل ما أعرفه فقط أنه أصبح محقق الشرطة الدولية في طنجة لأنه نجح في إشعال ثورة كبيرة في قبيلة ضد الفرنسيين على الحدود.

-غريب؟

-أوه. لا. هذا ليس أمرا غريبا في المغرب. سي أحمد الذي تراه الآن، ذهب إلى قبيلة «الهياينة» حيث النفوذ، وحثهم على الثورة ضد السلطان. لذلك أرسل الفرنسيون في طلبه، وقدموا له منصبا مغريا، لكي يفسد الثورة.

-نعم. هذه هي السياسة.

-لا. ليس كل شخص يقدر على إشعال ثورة. وإلا لما كانت كل المناصب كافية لإبقاء السلام في البلاد. الآن أنظر إلى ذلك الرجل الذي يرتدي البياض ويمر راكبا فوق الحصان، وإلى جانبيه عبد في كل جهة. إنه «الكباص». إنه ممثل السلطان. لكنه ليس بقوة «طورّيس»، أقوى مفتش للشؤون الخارجية حل بالمغرب. لأربعين سنة، لعب «طورّيس» مع الدول الأوروبية التي أرادت الهيمنة على المغرب. إنه هو الذي قال: كذبة واحدة سوف تُبقي أوربا مشغولة لسنة واحدة. ونحن لدينا خزنة كبيرة من الأكاذيب. لقد كان دبلوماسيا حقيقيا».

كانت هذه بعض أجواء المقهى الذي يرتاده المغاربة والأجانب عندما كان المقهى حديثا في المغرب، وبالكاد يتعرف عليه المغاربة يوما بعد يوم.

 

انتعاش المقاهي بعد ما عرف بالحملة التطهيرية سنة 1996

عندما كان الاقتصاد المغربي يواجه الإفلاس في تسعينيات القرن الماضي، كان الملك الراحل الحسن الثاني يجتمع بالحكومة مرات كثيرة خلال السنة، لكي يبحث مع الوزراء مقترحات لإنقاذ البلاد ما عرف وقتها بـ «السكتة القلبية». حكومة الفيلالي، كما يلقبها المغاربة اختصارا، والتي امتدت في ثلاث تجارب متتالية، خلفا لكريم العمراني، ولم يغادرها إلا لترك مكانه لتجربة التناوب الذي قاده عبد الرحمن اليوسفي سنة 1998، كانت في قلب ما عرف بالحملة التطهيرية. ورغم أن الفيلالي كان وزيرا أول وقتها، إلا أن إدريس البصري، وزير الداخلية، استطاع بسهولة أن يخطف منه الأضواء ويقود الحملة التي اتهم لاحقا باستغلالها لكي يتخلص من معارضيه مستعملا ذراع «الداخلية» الطويل للزج بهم في السجن ومصادرة أموالهم.

من بين الملفات الحساسة التي كانت فوق مكتب الملك الراحل الحسن الثاني، ملف غسيل الأموال والملايير التي كانت الدولة عاجزة عن تعقبها، والتي كانت حصيلة التجارة والصفقات خارج القانون بما فيها تجارة المخدرات.

وبما أن البلاد كانت على وشك الإصابة بسكتة اقتصادية حقيقية لم يستجب خلالها المستثمرون لدعوة الملك الحسن الثاني في خطابات ملكية صريحة، كان ضروريا السماح بترويج رؤوس أموال وسن تسهيلات ضريبية لتشجيع المغاربة، خصوصا المقيمين بالخارج، على الاستثمار في المغرب وجلب رؤوس أموال لإنعاش الاقتصاد الوطني.

كانت المقاهي من بين المشاريع التي ازدهرت ما بعد نهاية الحملة التطهيرية التي توعد خلالها إدريس البصري بمعاقبة مختلسي الأموال، خصوصا في مجال الجمارك والضرائب، سنة 1996. إذ بعد طي الملف، كان ازدهار ملحوظ لمشاريع إنشاء المقاهي والفنادق، بعد التسهيلات التي سنتها الدولة بخصوص الأموال التي يراكمها أصحابها خارج الأبناك. وتحولت هذه المقاهي، مع نهاية التسعينيات، إلى قاعدة لتبييض الأموال، وهو ما شكل وقتها تحديا حكوميا كبيرا، إذ كانت تضخ فيها أموال من أنشطة غير مصرح بها، على أساس أنها مداخيل للمقاهي والتي تؤدى عنها ضرائب قانونية للدولة.

ربما يكون واقع أرباب المقاهي اليوم، ومشاكلهم التي يريدون الاجتماع مع الحكومة لحلها قبل عودتهم لاستئناف أنشطتهم، جزء من المشكلة الكبيرة التي بدأت بعد الحملة التطهيرية لسنة 1996، والتي عرفت إقامة مشاريع فندقية، بينها مقاه فاخرة وأخرى متوسطة في المدن الكبرى، خصوصا الشاطئية منها، بأموال كان أغلبها مجهول المصدر.

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى