الرئيسيةخاصمجتمع

هكذا فقدت طنجة أزيد من نصف غاباتها

حرائق وزحف عمراني يهددان بإبادتها خلال عقدين ومصادر حكومية تعزو الأسباب للسكان

 

بيانات خاصة تكشف كيف زحف الإسمنت على المساحات الخضراء بشكل مخيف

 

طنجة: محمد أبطاش

أصبحت الحرائق التي تندلع بين الفينة والأخرى بالمجال الغابوي المتبقي لطنجة، بمثابة إنذار حول مستقبل غامض ينتظر سكان المدينة، بسبب فقدان محتمل لهذه الغابات التي تعتبر متنفسا للبشر والحيوان على حد سواء. في هذا «الخاص»، وبناء على بيانات خاصة من الأقمار الاصطناعية المتخصصة ومعلومات خاصة، تكشف «الأخبار» كيف أصبح المجال الغابوي لعاصمة البوغاز يختفي تدريجيا، مقابل زحف إسمنتي لا يتوقف سنة بعد سنة، وازداد استفحالا منذ سنة 2011، ليصل إلى ذروته خلال سنة 2020.

 

الرميلات.. زحف مخيف

تكشف المعطيات المتوفرة، بخصوص تقلص المجال الغابوي لطنجة، أنه انطلاقا من سنة 2000، شهدت المدينة زحفا عمرانيا استهدف غالبية الغابات المحلية، وبات يتجه للقضاء عليها بشكل كلي خلال العقدين المقبلين. وازداد هذا التقلص منذ سنتي 2011 و2012، والذي تزامن وقتها مع ما بات يعرف بـ«الربيع العربي»، حيث انتشر البناء العشوائي، والرخص غير القانونية بكل تراب عاصمة البوغاز، مما أدى إلى الإجهاز الكلي على جميع غابات المدينة، بما فيها «الرميلات» التي تعتبر متنفس طنجة من الجانب الجنوبي الذي يطل على المدينة وكذا البحر الأبيض المتوسط، حيث زحف العمران نحوها، مما قلص من مساحتها. والخطير كما تظهر المعطيات المتوفرة، بناء على الأقمار الاصطناعية المتخصصة، أن هذا الزحف أصبح يخنق هذه الغابة الوحيدة من كل الاتجاهات، ووصل ذروته خلال سنة 2020، ليتوقف بسبب جائحة «كورونا» خلال الأشهر الماضية، غير أنه عاد بقوة منتصف سنة 2021.

وتوضح المعطيات نفسها أنه إلى جانب الزحف العمراني، فإن الحريق الذي اندلع بجانب من هذه الغابة خلال الأسابيع الماضية، ما زالت آثاره وخيمة، حيث ينتظر الجميع تفعيل البرامج المتعلقة بإعادة تشجير المنطقة، وإقامة سياجات حديدية حماية لهذه الغابات من المتربصين بها، سواء اللوبيات العقارية، أو المصطافين الذين يتسببون في اندلاع هذه الحرائق.

 

السانية.. غابة من الماضي

من الغابات التي باتت تقترب أن تكون ضمن خانة الماضي، غابة «السانية» بطنجة الموجودة بتراب مقاطعة مغوغة، حيث تتعرض، حسب معطيات، لتدمير ممنهج، نتيجة تنامي البناء على أطرافها وداخلها وقطع أشجارها، مما يهدد بالقضاء على هذا المجال الغابوي الذي يشكل متنفسا بيئيا بتراب مقاطعة مغوغة، ومن شأن تهيئة هذه الغابة وتحويلها إلى منتزه طبيعي، أن يحميها ويحولها إلى مصدر لتنمية المنطقة في إطار التنمية السياحية، غير أن تقلصها يزداد شيئا فشيئا.

وفي هذا الصدد، يكشف جواب رسمي حكومي حصلت «الأخبار» على نسخة منه خلال إنجاز هذا الروبورتاج، صادر عن وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أن هذا الجزء الغابوي الذي يمتد على مساحة 28 هكتارا، يتكون أساسا من أشجار الصنوبريات، وبالنظر إلى قربه من القطب الحضري لطنجة، يشهد هذا المجال ضغطا متزايدا من طرف السكان، يصعب معه على مصالح المياه والغابات لوحدها مواجهته والحد منه.

وفي الوقت الذي بات هذا الإشكال مطروحا، فإن المصالح المختصة لا تتوفر في الوقت الراهن سوى على مبادرات لفاعلين محليين، كمقترحات غير مفعلة بخصوص هذه الغابة.

 

مبادرات محمودة

من المبادرات المحمودة التي تحسب للسلطات المحلية والمنتخبة حول وضعية الغابات بطنجة، القرار الصادر عن جماعة طنجة خلال السنة الماضية، والقاضي بتغريم شركة عقارية مملوكة لأحد المنعشين العقاريين بالشمال، 90 مليون سنتيم، بسبب قيام صاحبها بقطع أشجار غابة «الرميلات»، بغرض وضع أساسات مشروع سياحي في قلب هذه الغابة، ما أثار أخيرا جدلا واسعا، حيث تلقى صاحب الشركة إنذار بالتغريم، مع متابعته أمام القضاء المحلي، بسبب مخالفته القانون بشكل صريح، حيث تبين أن المكان الذي قام بقطع الأشجار به، وهو في تصميم التهيئة الحالي مرخص فيه البناء، إذا كان الشخص يملك أكثر من 2000 متر، والمعني بالأمر يمتلك بقعة مساحتها 8000 متر، بشرط ألا تقطع أي شجرة إلا برخصة من الجماعة. كما تبين أن المعني بالأمر استلم الرخصة سنة 2016، ولم يشرع في البناء إلا بعد انقضاء المدة القانونية للرخصة، وهو ما جعله في وضعية مخالفة للقانون. في الوقت الذي أظهرت المعطيات المتوفرة، أن المعني ارتكب مخالفتين: الأولى أنه شرع في البناء بدون رخصة، والثانية قطع الأشجار بدون إذن من الجماعة، وعلى إثرها قامت بتغريم المعني بالأمر أكثر من 90 مليون سنتيم، لقطعه للأشجار بدون رخصة. وكان قرار ولائي صدر أخيرا، يقضي بمنع الأشغال في مشروع عقاري في قلب غابة «الرميلات» التي تصنف كرئة البوغاز وكمتنفس طبيعي ووحيد بالمدينة، مباشرة بعد أن شرعت جرافات في قطع الأشجار، مما استنفر السلطات الولائية.

المعلومات المتوفرة بخصوص هذه النقطة، تشير إلى أنه لم يتم تسجيل أي اعتراض على المشروع، حيث كانت الجماعة ترى فيه مشروعا سياحيا، بينما هو في الأصل مدمر للبيئة المحلية، وبداية للزحف الإسمنتي على غابة «الرميلات»، التي توجد بها معلمة تاريخية، فضلا عن كونها متنفسا للسكان.

 

المياه والغابات تؤكد استمرار التشجير

إذا كان الزحف العمراني، أحد الأسباب المتعلقة بتقلص المجال الغابوي، فإن سببا آخر يعتبر أكثر تدميرا وخطرا، ويتعلق الأمر بالحرائق، إذ خلال سنة 2017 اندلع حريق مهول بقلب غابة «الدالية» بالقرب من الميناء المتوسطي بطنجة، حيث أتى الحريق على نحو 22 هكتارا بشكل كامل. وتظهر معطيات الأقمار الاصطناعية، أن مكان الحريق كان لحدود سنة 2016 يشع اخضرارا، قبل أن يتحول إلى رماد ما بعد سنة 2017، وازداد سوادا مع سنة 2020.

ولتفادي الزحف العمراني على هذا الحريق بالأساس، قامت مصالح المياه والغابات وإحدى الشركات بعملية تشجير للمنطقة، وتشير معطيات صادرة عن هذه المصالح توصلت بها الجريدة خلال إنجاز هذا الروبورتاج، إلى أن عملية التشجير تم إنجازها فعلا بمحيط التشجير المسمى «الدالية»، الموجود بالغابة المسماة «أنجرة الشمالية»، قسم «بونتا سيريس» سنة 2018، حيث تم إنجاز الأشغال المذكورة في إطار اتفاقية شراكة مع إحدى الشركات بطنجة، والمديرية الإقليمية للمياه والغابات ومحاربة التصحر بالمدينة.

وحول وجوب وضع خطة لإعادة تشجير وتأهيل غابة «مديونة» والغابات المجاورة لها المتضررة، بفعل الحريق الذي شب بهذه المنطقة سنة 2017، قالت هذه المصالح إنه وجب التأكيد على أن إدارة المياه والغابات استنفرت جميع مصالحها، حيث وضعت برنامجا استعجاليا ومتكاملا لتأهيل المجال الغابوي، وتقوية التجهيزات بالمنطقة، للوقاية والحد من حرائق الغابات.

وتتمحور مكونات هذا البرنامج على الشكل التالي، حسب المعطيات، في تنقية المحيط من الأشجار الميتة بفعل الحريق، وفتح مجموعة من المسالك الغابوية على طول 12.8 كيلومترا،

وتشجير المنطقة المحترقة على مساحة 219 هكتارا، ثم كذلك بناء برج مراقبة الحرائق، مع فتح مصدات النار على طول 3 كيلومترات، والتي تتم صيانتها سنويا. هذا البرنامج تم إنجازه سنة 2018، وتشير المعطيات نفسها إلى أنه يتم تقوية الحراسة خلال فصل الصيف، حيث يتم سنويا توظيف مجموعة من العمال كمراقبين للحرائق بهذه المنطقة، كتدبير احترازي للوقاية من حرائق الغابات. كما يتم سنويا، بتنسيق مع السلطات الولائية والشركاء، وضع فرق متخصصة وقريبة من المناطق الحساسة، للتدخل السريع والحد من انتشار الحرائق.

وتشير مصادر مسؤولة من هذه المصالح في اتصال مع «الأخبار»، إلى أن قطاع المياه والغابات منفتح على جميع المتدخلين الغيورين على الشأن البيئي وفعاليات المجتمع المدني، من أجل تفعيل جميع البرامج، وخطط العمل المشترك لتحسيس السكان بخطورة حرائق الغابات، وجميع البرامج التي من شأنها الحفاظ على الثروة الغابوية بالمنطقة. كما أنه يجب التذكير أن التراخيص للبناء لا تتدخل فيها مصالح المياه والغابات، بل السلطات المختصة، كما يستوجب التوضيح تشير المصادر إلى أن إدارة المياه والغابات قد لا تتدخل في بعض الأحيان، في غابات في نفوذ سلطات بعينها بالقرب من المجال الحضري.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى