حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

هل تعبث وزارة الفلاحة بمربي الماشية؟

 

 

نعيمة لحروري

 

 

مرة أخرى، تخرج وزارة الفلاحة بقرار يبعث على الحيرة، بل على السخرية السوداء. قرار كان بالأمس القريب «مقدسا» لحماية القطيع ومنع ذبح إناث الأغنام والماعز، صار اليوم مجرد ورقة تمزيقها لا يتطلب سوى توقيع الوزير. ما عدا الحوامل طبعا، وكأن رحم النعجة أصبحت هي خط الدفاع الأخير عن «السياسة الفلاحية» في بلادنا!

هذا القرار كان له وقع الصدمة على مربي الماشية، الذين حافظوا على إناث الأغنام لأشهر طويلة، وعاملوها كالعروس في انتظار يوم العرس. أطعموا وسقوا وحرسوا، استدانوا من أجل العلف، واستبشروا خيرا بالدعم الموعود. ثم فجأة، ينزل القرار كالصاعقة: الذبح مسموح، إلا إذا كان الحمل «ظاهرا». وهنا يطرح السؤال المر: كيف يمكن لـ«كساب» بسيط أن يعرف أن النعجة حامل في بداياتها؟ ألسنا نفتح الباب على مصراعيه لذبح عشوائي وجائر باسم «الحمل غير المرئي»؟

الأثر المباشر كان كارثيا: أسعار إناث الأغنام انهارت بشكل حاد، وهو ما يعني أن «الكساب» البسيط خسر مرتين، مرة حين تحمل تكاليف الرعاية لشهور، ومرة حين اضطر إلى بيع إناث أغنامه بأبخس الأثمان. فهل تساءلت الوزارة للحظة: من سيعوض هذا الفلاح عن خسائره؟

ثم لنسأل أنفسنا: هل تظن الوزارة أن حاجة المربين الماسة إلى الأعلاف، التي لم تصلهم بعد والتي ارتفع ثمنها بشكل جنوني في السوق، ستمنعهم من البيع؟ أبدا. سيُجبرون على التخلص من إناثهم بأبخس الأثمان، لا لأنهم يريدون ذلك، بل لأن جيوبهم فارغة وموائدهم خاوية. وفي المقابل، سيجد الجزارون ضالتهم في ذبح بلا رقيب ولا حسيب، فالمراقبة غائبة، و«الحمل غير الظاهر» ذريعة سهلة للذبح الجائر.

في ماي الماضي، أعلن وزير الفلاحة أمام الإعلام، وبنبرة الواثق، أن إناث الأغنام لن تمس، وأن الهدف بلوغ 8 ملايين رأس مصونة بعناية إلى غاية ماي 2026. رافقت الإعلان وعود سخية بدعم مباشر: 400 درهم لكل رأس يتم ترقيمها وتحافظ عليها الأسر. عشرات الآلاف من المربين صدقوا الحلم، رقموا، انتظروا، استدانوا، ثم فوجئوا بأن الوزارة نفسها رفعت اليوم المنع، وكأنها لم تقل بالأمس ما قالت.

ما معنى أن يتأرجح القرار بين المنع الكلي والإباحة الجزئية في أقل من ستة أشهر؟ هل نلعب لعبة «شد الحبل» مع «الكساب» البسيط، أم أن القرارات الكبرى تصاغ على عجل، ثم تسحب بتوقيع سريع عندما تتغير الأهواء أو تشتد الضغوط؟

إنها ليست مسألة تقنية تخص القطيع، بل مسألة احترام لكرامة آلاف مربي الماشية الذين لا يملكون من الأمر شيئا. الوزارة استشارت «المهنيين»، هكذا يقول القرار. لكن من هم هؤلاء «المهنيون»؟ هل هم ممثلو «الكسابة» البسطاء في القرى والبوادي، أم مجرد لوبيات الجمعيات التي تجيد التوقيع على الاتفاقيات وتلتقط الصور أمام عدسات الكاميرات؟

حين يُتخذ القرار دون شرح ولا تبرير ولا حتى كلمة اعتذار لـ«الكسابة»، فذلك يعني أن الوزارة لا ترى فيهم سوى أرقام في إحصاء وطني. أما معاناتهم اليومية، وديونهم التي أثقلتهم، وصراخهم الذي بلغ الحلقوم، فلا مكان له في تقارير الوزراء.

لقد طفح الكيل، لم يعد الفلاح البسيط قادرا على تحمل مزيد من التجارب الفاشلة والقرارات المرتجلة. كل شيء يُبنى على عاتقه: وفرة الحليب واللحوم، استقرار السوق، التوازن الغذائي… ثم يترك يواجه وحده تقلبات الأسعار، كلفة الأعلاف، ومزاج القرارات الحكومية.

الارتجالية صارت قاعدة، والتناقض صار سياسة. بالأمس منع الذبح لحماية القطيع، واليوم سمح به بحجة «الإحصاء الوطني». غدا قد نسمع عن منع جديد، وبعد غد عن رفع المنع. وبين اليوم والغد، من يسدد الفاتورة؟ «الكساب» الصغير، طبعا، لأنه الحلقة الأضعف، ولأن وزراءنا اختاروا أن تكون مسؤوليتهم الوحيدة هي تأجيج الغضب في القرى والبوادي.

إنها لعمري لكارثة حلت بـ«الكسابة». الاستهانة بمربي الماشية ليست خطأً عابرا، بل جريمة في حق الفلاحة الوطنية. فمن يظن أن بإمكانه إعادة هيكلة القطيع بمراسيم متناقضة، فهو يعبث بمصير آلاف الأسر، ويزرع بذور اليأس في أرض عطشى أصلا.

رسالة واحدة يجب أن تصل اليوم: كفى ارتجالا.. كفى عبثا.. مربو الماشية ليسوا مجرد أرقام في دفتر الوزير، بل هم العمود الفقري لمنظومة غذائية بأكملها. والتاريخ لن يرحم من استهان بهم، بل سيذكر أن قراراتهم لم تكن سوى شرارات لإشعال مزيد من الغضب الشعبي.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى