الرئيسيةخاص

هل ستندلع حـرب الأنسولين؟

تفاصيل مواجهة مفتوحة بين شركة مغربية وشركة دنماركية حول صفقة 15 مليارا

إعداد: محمد اليوبي

مقالات ذات صلة

يوجد بالمغرب أكثر من مليوني مصاب بداء السكري، الذي يعتبر سادس سبب للوفاة بالعالم، وتعتبر الأنسولين مادة حيوية لا يمكن لمرضى السكري من الدرجة الثانية التخلي عنها، إذ يحتاج المريض على الأقل إلى جرعة واحدة في اليوم أو أكثر حسب الحالة. ولذلك تخصص وزارة الصحة ميزانية باهظة تفوق مبلغ 15 مليار سنتيم سنويا لشراء الأدوية الخاصة بمرضى السكري، ما يجعل السوق المغربي مفتوحا على حرب منافسة شرسة بين الشركات العالمية وشركة «سوطيما» الوطنية، ما دفع بالدولة إلى التدخل لتطبيق القانون بفرض رسوم جمركية مضادة لإغراق السوق بمادة الأنسولين ذات المنشأ الدنماركي. هذا الرسم سينتهي العمل به يوم 28 أكتوبر المقبل، ما يفتح الباب أمام مواجهة وحرب جديدة عنوانها «الأنسولين».

الأنسولين ومرضى السكري
تعتبر الأنسولين مادة حيوية لا يمكن لمرضى السكري من الدرجة الثانية التخلي عنها.. وتعمل الأنسولين على توازن نسبة السكر في الدم. بالنسبة للمريض، عدم أخذ الجرعات اليومية يشكل خطرا على صحته، وبحكم أن السكري يبقى مرضا مزمنا، فإن التخلف عن أخذ الجرعات اليومية يشكل خطرا كبيرا حيث تتراوح المضاعفات ما بين الفشل الكلوي والإصابة بالعمى، وبتر الأطراف السفلى فضلا عن مضاعفات على مستوى القلب والشرايين، وهو كذلك سادس سبب للوفاة، وتُعتبَر النساء والأطفال والأشخاص المسنون من الفئات الأكثر عرضة للإصابة بهذه المضاعفات.
هناك ثلاثة أنواع من الأنسولين: الأنسولين السريعة، والأنسولين البطيئة والأنسولين الممزوجة ما بين سريعة وبطيئة. بالنسبة للأنسولين السريعة، فهي تعطي مفعولها بعد 6 ساعات من حقنها، أما البطيئة، فتحتاج لحوالي 24 ساعة من أجل إعطاء المفعول. أما بالنسبة للممزوجة، فهي تعطي مفعولها بعد 12 ساعة من الحقن. صممت هذه الأنواع الثلاثة لتتناسب مع حالة كل مريض وطبيعة امتصاص السكر في جسمه.
قبل عقود، كانت الأنسولين تستخرج من الحيوانات، خصوصا البقر بالنسبة للدول الإسلامية والخنزير بالنسبة للدول الغربية. وفي نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، أصبحت الأنسولين تستخرج من الإنسان مما شكل تطورا كبيرا حينها؛ لكن اليوم، تتم صناعة الأنسولين من خلال التكنولوجيا الحيوية بمعنى زراعة الخلايا الحية والجينات في المختبر.

سوق الأنسولين في العالم
في العالم، هناك عدد قليل من الشركات المصنعة للأنسولين، خصوصا ثلاث شركات عالمية تسيطر على أكثر من 90 بالمائة من السوق الذي سيصل إلى 22 مليار دولار في سنة 2019، 47 بالمائة من هذه المبيعات تحققها شركة «نوفونورديسك» الدنماركية العالمية، منذ بضع سنوات، وهناك شركة رابعة أصبحت تنافس شيئا فشيئا وهي شركة «بيوكون» الهندية، التي استفادت من دعم قوي من حكومة بلدها ضد المنافسة الشرسة في سوق الأنسولين، وأصبحت تصدر للعديد من دول العالم.
عدم وجود مصنعين كثر يعزى إلى كون إنتاج الأنسولين يعتبر من الصناعات الدوائية الأشد تعقيدا والتي تحتاج لاستثمارات ضخمة ولكفاءة عالية وتكنولوجيا متقدمة وأيضا لتجربة في هذا المجال، لذلك تجد أن قلة من الشركات هي التي تقوم بصناعة الأنسولين على مستوى العالم، وشركة «سوطيما» المغربية هي واحدة منها.
هناك حوالي 50 مليون مريض بالسكري من الدرجة الثانية يحتاجون «الأنسولين» يوميا، حسب دراسة عالمية أنجزت من طرف علماء من مجموعة من الجامعات الأمريكية همت 221 دولة وتم نشرها في المجلة العلمية «دي لانسيت جورنال». ومن المتوقع أن يصل عدد المرضى بالسكري من الدرجة الثانية إلى حوالي 80 مليون شخص في أفق سنة 2030، فقط 38 مليون منهم سيتمكنون من الحصول على الأنسولين، ومن جملة أسباب الخصاص المنتظر عدم وجود عدد كاف من المصنعين في العالم. وتشير الإحصائيات إلى أن العدد الكبير من المرضى الذين سيتعذر عليهم الحصول على الدواء يوجد بإفريقيا، ولذلك دعت العديد من الفعاليات العلمية والجمعوية العالمية إلى تشجيع التصنيع والزيادة في مستواه لتغطية الخصاص المتوقع.
قبل ثلاث سنوات، عرف سوق الأنسولين الأمريكي ارتفاعا صاروخيا في الأسعار بسبب احتكاره من طرف ثلاث شركات عملاقة، وهي «نوفونورديسك» الدنماركية، والشركة الأمريكية «ليلي» والشركة الفرنسية «سانوفي»، ودفع هذا الوضع بالعديد من المرضى الأمريكيين إلى التوجه إلى كندا وكوبا من أجل الحصول على الأنسولين إما مجانا أو بأثمنة منخفضة، وهو الأمر الذي دفع السيناتور الأمريكي ومرشح الرئاسة السابق بيرني ساندرز إلى الدعوة لفتح تحقيق من طرف الكونغرس الأمريكي واتخاذ تدابير في حق هاته الشركات التي قامت بالإعلان عن تخفيضات مهمة، وهو ما انعكس على أرباحها السنوية بحكم أن السوق الأمريكي هو أكبر سوق عالمي للأنسولين حيث يصل إلى أكثر من 10 مليارات دولار من المبيعات.
وقد تضررت شركة «نوفونورديسك» على وجه الخصوص من الإجراءات الأمريكية، حيث أعلنت في أكتوبر من سنة 2018 عن طرد 1300 عامل بسبب تراجع أرباحها بنسبة 8 بالمائة.

سوق الأنسولين بالمغرب
في المغرب، حسب الإحصائيات الرسمية لوزارة الصحة، فإن أكثر من مليوني شخص يفوق سنهم 18 سنة، مصابون بداء السكري، من بينهم 50 بالمائة يجهلون إصابتهم بهذا الداء، وكذا 15000 طفل مصاب بهذا الداء. وحسب تقرير الوكالة الوطنية للتأمين الصحي لسنة 2016، فإن الأمراض المزمنة تمثل 48 بالمائة من تكاليف العلاج، وداء السكري لوحده يمثل 11 بالمائة من هذه التكاليف.
وتقوم الوزارة بتوفير الرعاية والأدوية بالمجان لحوالي 000 823 مريض مصابين بالسكري 60 بالمائة منهم يتوفرون على نظام المساعدة الطبية (راميد)، وأكثر من 000 350 مصاب يعالجون بواسطة الأنسولين. وتخصص الوزارة، سنويا، غلافا ماليا قدره حوالي 156.700.000 درهم لشراء الأدوية الخاصة بداء السكري (الأنسولين والأقراص)، إلى جانب غلاف مالي قدره حوالي 15 مليون درهم لاقتناء المعدات اللازمة للتشخيص وتتبع الحالة الصحية لمرضى السكري.
وتشير هذه الإحصائيات إلى أن عدد المصابين تضاعف بشكل خطير ما بين سنتي 2005 و2018، إذ كان العدد في 2005 هو 226 ألف مريض، وتتوقع وزارة الصحة أن يرتفع هذا العدد تماشيا مع المعدلات العالمية، لأن داء السكري آخذ في الانتشار بشكل واسع. ووفقا لآخر التقديرات الخاصة بمنظمة الصحة العالمية والفيدرالية الدولية لداء السكري (2017)، فإن ما يقارب 425 مليون شخص في العالم مصابون بداء السكري، وسيصل هذا الرقم إلى حوالي 629 مليون شخص بحلول سنة 2045، أي ما يعادل شخص واحد من كل عشرة أشخاص. وبالإضافة إلى ذلك، فإن نصف هذا العدد غير مشخص، كما أن عدد الأطفال المصابين بداء السكري يفوق المليون.
في سنة 2010، عمدت وزارة الصحة إلى توزيع الأنسولين بالمجان على المرضى وهو ما ضاعف الميزانية المخصصة لشراء الأنسولين، وتقوم وزارة الصحة سنويا بشراء 90 بالمائة من الأنسولين المستعملة في المغرب والمعبأة في قارورات عن طريق صفقات عمومية. وخلال هذه السنة (2019)، أعلنت وزارة الصحة عن صفقة عمومية لشراء 5 ملايين قارورة أنسولين، وهو رقم كبير بالمقارنة مع عدد قارورات الأنسولين التي يتم شراؤها في الصيدليات والتي لا تتعدى مائتي ألف قارورة أنسولين في السنة، وكان هدف الوزارة المعلن هو توفير الأنسولين لأكبر عدد ممكن من المرضى المغاربة.
في المغرب، هناك مختبر «سوطيما» وهو المختبر الوطني الوحيد الذي يصنع محليا أنسولين بجودة عالية وبتكلفة منخفضة منذ ما يقارب أربعين سنة، هذه الصناعة هي مفخرة وطنية حيث مكنت المغرب من تصدير الأنسولين إلى عدد كبير من الدول العربية والإفريقية وبالتالي توفير مداخيل بالعملة الصعبة، كما تميزت باستثمارات ضخمة وتوفير العديد من فرص الشغل، رغم أنها تواجه منافسة قوية من طرف الشركة المنافسة «نوفونورديسك»، وهي شركة عالمية، مقرها الاجتماعي بالدنمارك، وتعد الرائد العالمي في مجال الأنسولين، وهي تقوم منذ عقود بتصدير الأنسولين للمغرب ولم يسبق لها أن استثمرت في الإنتاج المحلي أو قامت بأي استثمار يذكر.
عندما نتحدث عن سوق الأنسولين بالمغرب، يجب التفريق بين سوق الصفقات العمومية لوزارة الصحة والسوق الخاص الممثل بالصيدليات. فبالنسبة للسوق العمومية، فإن مادة الأنسولين توزع مجانا على المرضى، أما بالنسبة للصيدليات، فالأنسولين التي تبيعها «سوطيما» تقل بثلاث مرات عن تلك التي تبيعها «نوفونورديسك»، حيث إن ثمن قارورة الأنسولين المصنعة من طرف «سوطيما» لا يتعدى 85 درهما، في حين يصل ثمن الأنسولين نفسها التي تصدرها «نوفونورديسك» إلى 192 درهما للقارورة. يجب أيضا التفريق بين أنواع الأنسولين. فهناك الأنسولين الكلاسيكية التي نتحدث عنها، وهي المعبأة في قارورات، وهناك أنسولين حديثة جاهزة للحقن معبأة في حقن على شكل أقلام، وهي عادة تكون باهظة حيث يصل ثمن هذا النوع من الأنسولين الذي تصدره «نوفونورديسك» للمغرب إلى 517 درهما، في حين قامت «سوطيما» أخيرا بطرح مثل هذا النوع من الأنسولين الحديثة في الصيدليات بثمن لا يزيد عن 260 درهما (INSULET PEN).

حرب المنافسة بين «نوفونورديسك» و«سوطيما»
لمعرفة قصة حرب المنافسة التي اندلعت بين شركتي «نوفونورديسك» و«سوطيما»، اتصلت «الأخبار» بلمياء التازي، المديرة العامة لهذه الأخيرة، والتي صرحت بأن الشركة بدأت صناعة الأنسولين منذ 1982 بفضل نقل للتكنولوجيا من المختبر الأمريكي «ليلي» الذي ساعدها في إنشاء مصنعها وتكوين الأطر العلمية والتقنية في هذا المجال. ويتكون هذا المصنع من وحدات معقمة 100 بالمائة ومختبر لمراقبة الجودة، فضلا عن مخازن أولية وثانوية تحتوي على أجهزة للتبريد على مدار اليوم والسنة. وأوضحت التازي أنه منذ سنة 1982 إلى غاية سنة 2005، كانت «سوطيما» تصنع الأنسولين بترخيص من الشركة الأمريكية وتقوم بتوزيعها بالمغرب، لكن بعد سنة 2005، بدأت بصناعة أنسولين جنيس (INSULET) بتكلفة أقل بحكم أنها لم تعد تؤدي واجبات الترخيص للشريك الأمريكي، مما انعكس إيجابيا على الأسعار، خصوصا بالنسبة لوزارة الصحة التي كانت تشتري الأنسولين بحوالي 50 درهما للقارورة سنة 2005، فانخفض الثمن إلى حوالي 25 درهما في السنة الموالية، مما مكن الوزارة من الاستفادة من الهامش لمضاعفة الكميات المشتراة، وبعدها تقديم الأنسولين بالمجان والذي جعل سوق الأنسولين بالمغرب يصبح كبيرا وجذابا بالنسبة للمتدخلين. وفي سنة 2010، وتزامنا مع قرار الوزارة تقديم الأنسولين بالمجان، قامت «سوطيما» بافتتاح مصنع جديد بأحدث المواصفات كلفها في المرحلة الأولية حوالي 300 مليون درهم وهو المصنع الذي يشغل العشرات من الأطر المكونة تكوينا عاليا.
وحسب التازي، فإنه بالموازاة مع ارتفاع الكميات المشتراة من وزارة الصحة، بدأت شركة «نوفونورديسك» باعتماد سياسة إغراق السوق حيث أوصلت الثمن إلى 16 درهما للقارورة وهو أقل من تكلفة الإنتاج بالنسبة لـ«سوطيما»، مع العلم أن مادة الأنسولين المستوردة هي نفسها التي كانت تبيعها منذ سنوات بـ50 و60 درهما ولم يطرأ عليها أي تغيير يذكر، وهي أيضا نفس الأنسولين التي تبيعها في الصيدليات بـ192 درهما. وأكدت التازي أن هذه الممارسات تسببت لشركة «سوطيما» في خسارة ملايين الدراهم وفي توقف مصنعها الجديد لعدة شهور بعدما خسرت الصفقات العمومية التي أطلقتها وزارة الصحة، وهو ما دفع بالشركة إلى وضع شكاية لدى وزارة الصناعة والتجارة، خلال سنة 2012، حيث قامت الوزارة بفتح تحقيق شامل وتبين لها أن «نوفونورديسك» اعتمدت فعلا على سياسة إغراق السوق من أجل تدمير الصناعة المحلية، وخلال هذه الفترة، تقول التازي، نوهت «سوطيما» بالتعاون الإيجابي مع الدولة ممثلة بوزارة الصناعة والتجارة ومديريتها المكلفة بالتجارة الخارجية، وأضافت «فقد أبان الفريق المكلف بهذه الملفات عن كفاءة عالية فضلا عن الاستقلالية والنزاهة».
وقالت التازي: «قد قامت الدولة مشكورة بإلزام نوفونورديسك بالتقيد بالمنافسة الشريفة، وأصدرت قرارا بفرض رسم جمركي مؤقت مضاد للإغراق على واردات الأنسولين ذات المنشأ الدنماركي، بنسبة 13,89 بالمائة، لمدة خمس سنوات، بدأت يوم 28 أكتوبر 2014، وستنتهي يوم 28 أكتوبر المقبل». وأشارت التازي إلى أنه مع اقتراب نهاية العمل بهذه الآلية، عادت «نوفونورديسك» لتكرار نفس الممارسات، من خلال إغراق السوق وهو ما يهدد السلامة الصحية والصناعة الوطنية للأنسولين. واعتبرت التازي أن هذه الممارسات «غير شريفة وغير قانونية»، وتتجلى في إغراق السوق بهذه المادة بأسعار منخفضة، قصد تدمير الصناعة المحلية، ومن تم احتكار السوق والتحكم الأحادي في الصفقات العمومية، وهذا ما قامت به مثلا في البرازيل حيث تمكنت من تدمير الشركة المحلية الوحيدة من خلال إغراق سوق الأنسولين البرازيلي استمر لعدة سنوات، وبعدما تمكنت من التحكم الأحادي بالسوق، قامت بمضاعفة أثمنة الأنسولين.
وأعطت التازي مثالا آخر على خطورة التحكم الأحادي في سوق الأنسولين، هو ما قامت به نفس الشركة بدولة اليونان، وأوضحت أنه في سنة 2010 وفي عز أزمتها الاقتصادية الخانقة، طلبت حكومة اليونان من نوفونورديسك (وشركات أخرى) تخفيض ثمن الأنسولين في السوق بـ25 فالمائة، لكن الشركة، التي كانت تحتكر السوق بشكل أحادي، رفضت الطلب بل وقامت بابتزاز الدولة من خلال قطع وارداتها من الأنسولين إلى أن تتراجع الدولة عن قرارها، وهو ما وقع بالفعل بعد الأزمة الصحية التي سببها نفاد مخزون الأنسولين.
وأكدت التازي على أن شركة «سوطيما» تعتبر أن حماية صناعة الأنسولين في المغرب هي واجب وطني نظرا لما توفره منذ سنوات من سلامة صحية وسمعة عربية وقارية، وأيضا توفير عدد كبير من فرص الشغل واستثمارات مهمة، وأشارت إلى أن كل الدول بما فيها الأكثر رأسمالية تعمل على حماية صناعاتها الحيوية، وخير دليل ما قامت به الولايات المتحدة أخيرا حين احتسبت 25 بالمائة كرسوم على واردات الحديد مما مكن من إنعاش صناعة الصلب والحديد في أمريكا وخلق الآلاف من فرص الشغل الجديدة، علما أن هذه الصناعة عانت من ركود لسنوات.

وضعية مخزون الأنسولين
سبق لوزارة الصحة أن أكدت أن الأنسولين متوفرة في المستشفيات وهي توزع بالمجان على المرضى. لكن، كانت هناك انقطاعات متكررة ما بين 2018 وبداية 2019. وأكدت وزارة الصحة أن السبب ناتج عن عدم التزام مختبر «نوفونورديسك»، الذي يصدر الأنسولين للمغرب، بتوريد الكميات التي تحتاجها المستشفيات في إطار صفقة عمومية فاز بها، مما عرض المرضى لأخطار كبيرة. ومن أجل حل هذه الأزمة، سارعت وزارة الصحة للاتصال بالشركة الوطنية «سوطيما» لتغطية الخصاص، لأن الشركة، فضلا عن قدرتها في تصنيع الكميات التي تحتاجها وزارة الصحة بسرعة فائقة، فهي تتوفر على مخزون للسلامة يفوق ثلاثة أشهر وأيضا على المادة الأولية التي يمكن تخزينها لعشرين سنة، ولم تتوان «سوطيما»، حسب مسؤولين بالشركة، في توفير حاجيات الوزارة بسرعة، وتحدث الوزير عن هذا الموضوع في جلسة عمومية بالبرلمان. هنا يتضح الدور الحيوي الذي يلعبه المصنع المحلي، والذي يجب على الدولة أن تحافظ عليه من المنافسة غير الشريفة التي يقوم بها «نوفونورديسك» بممارسته لسياسة الإغراق التي هدفها تدمير الصناعة المحلية.

المغرب يخوض حربا ضد الإغراق
في عالم التجارة تظهر العديد من المؤامرات الخبيثة التي تنهجها دول وشركات كبرى بهدف إلحاق أضرار باقتصاديات دول بأكملها، ويعتبر الإغراق التجاري أحد أبرز تلك الممارسات، ويسمى «الإغراق التجاري»، عندما يتم بيع منتوج ما في أسواق البلد المستورد بأسعار أقل بكثير من سعر بيع نفس المنتج في أسواق البلد المصدِر، وفي بعض الأحيان بثمن أقل من تكلفة صناعة المنتوج، وذلك بهدف إلحاق أضرار باقتصاد البلد المستورد، ودفع الشركات التي تصنع نفس المنتوج إلى الإفلاس، وبعد ذلك تتمكن الشركة المصدرة من احتكار السوق وفرض أسعار باهظة لتعويض الخسائر التي لحقتها أثناء «الإغراق».
ويتم التحقق من وجود مخطط الإغراق عن طريق مقارنة أسعار نفس المنتوج في أسواق البلدين المصدر والمستورد. وهناك ثلاثة شروط يجب أن تتحقق للتأكد من أن هناك إغراقا يحدث لأحد الأسواق من قِبَل دولة ما مصدرة، وإذا سقط أحد تلك الشروط فلا يمكن التأكد من وقوع الإغراق، وتلك الشروط هي أن يتم التأكد من وجود منتجات بكميات هائلة في الأسواق مستوردة من دول أخرى بأسعار أقل من أسواق الدول المصدرة، وأن يتم التأكد من حدوث أضرار مادية بالصناعة المحلية التي تصنع نفس المنتوج الذي أغرق السوق المحلي، وأن تكون ثمة علاقة وثيقة بين حدوث الضرر على المنتج المحلي وعملية إغراق السوق بمنتجات أخرى رخيصة.
وهناك عدة طرق يتم من خلالها كشف استعمال دولة للإغراق التجاري في أسواق دولة أخرى، ويتم التحقق من ذلك إذا كان سعر تصدير المنتج أقل من قيمته العادية، ويكون الفرق بينهما هو هامش الإغراق، وحينها يمكن معرفة القيمة العادية للمنتج بكل بساطة عن طريق اللجوء لمعرفة سعره في الأسواق التجارية العادية الأخرى عندما يخصص للاستهلاك في سوق البلد المصدر للمنتج، وفي حال ثبوت ضلوع إحدى الدول في عملية الإغراق، فإنه في تلك الحالة يجب اتخاذ قرارات صارمة لمنع ذلك، وتتم المواجهة بأن يتم فرض رسوم معينة من أجل مكافحة الإغراق، وهذه الرسوم يتم فرضها على المنتجات المستوردة بحيث تقلل من هامش الإغراق، ورسوم مكافحة الإغراق تلك عادة ما يتم تطبيقها لمدة خمس سنوات.
وتسمح اتفاقية منظمة التجارة العالمية للحكومات باتخاذ الإجراءات المضادة للإغراق، عندما يثبت حدوث ضرر «مادي» لحق بالصناعة المحلية المتنافسة، ولكي يتم ذلك فإنه يجب على الحكومة أن تكون قادرة على إثبات أن هناك إغراقا حدث وحساب مدى هذا الإغراق (كم مقدار الانخفاض الذي حدث في سعر المنتج المستورد بالمقارنة مع سعر السوق المحلي لمصدر المنتوج)، وإثبات أن الإغراق تسبب في حدوث ضرر مادي للمقاولات الوطنية التي تنتج نفس المنتوج، وأن هناك علاقة سببية بين ارتفاع الواردات وتعرض المقاولات المنتجة للأضرار نتيجة ذلك.
وبدوره، وضع المغرب ترسانة قانونية لحماية الاقتصاد الوطني من الإغراق والمنافسة غير الشريفة، من خلال القانون رقم 15.09 المتعلق بتدابير الحماية التجارية وكذا مرسومه التطبيقي رقم 645-12-2 وهو النص القانوني الذي عملت وزارة التجارة والصناعة على إخراجه للوجود ما بين 2012 و2013، يعتبر بمثابة صمام أمان لمواجهة وبكل ثقة تحديات التبادل الحر، بحيث يضع نظاما فعالا للحماية التجارية دون المس بالتزامات المغرب الدولية.
وجاء هذا القانون لإرساء مقتضيات تتوخى تصحيح أو إزالة الاختلالات الناجمة عن بعض ممارسات المنافسة غير المشروعة عند الاستيراد، ولوضع الآليات التي يمكن وفقها اتخاذ تدابير الحماية التجارية، وذلك في إطار احترام التزامات المغرب الدولية. وتتمثل هذه الآليات في اتخاذ تدابير مضادة للإغراق، تطبق بعد إجراء تحقيق على الواردات التي يتم استيرادها بأثمنة منخفضة بكيفية غير عادية، وكذلك تدابير تعويضية، تطبق بعد إجراء تحقيق على الواردات التي تستفيد من دعم سلطات البلد المصدر، وتدابير وقائية وتطبق على الواردات بعد إجراء تحقيق يثبت وجود تزايد مكثف للواردات يلحق أو يهدد بإلحاق ضرر جسيم لقطاع إنتاج وطني، فضلا عن أن جميع اتفاقيات التبادل الحر التي أبرمها المغرب تنص من الناحية القانونية على إمكانية تطبيق هذه الآليات في حال وجود واردات موضوع إغراق أو دعم أو تتم بشكل مكثف.
وتوصلت وزارة التجارة والصناعة، خلال السنوات الأخيرة، بالعديد من الشكايات من قطاعات إنتاجية وطنية مختلفة تطالب من خلالها بتطبيق تدابير الحماية التجارية على بعض الواردات. وتماشيا مع مقتضيات القانون رقم 09-15 سالف الذكر، تمت دراسة هذه الشكايات وفتحت تحقيقات حولها وطبقت عليها التدابير الملائمة.
واتخذت الوزارة تدابير وقائية بخصوص واردات بلاطات أو مربعات الزليج، والأسلاك وحديد الإسمنت، وصفائح الصلب المدرفلة الباردة والصفائح المطلية أو المغطاة «Tôles d’acier laminées à froid، ولفائف الورق وماعون الورق، وألواح الخشب الحبيبي وألواح الخشب الويفر، والنسيج والألبسة ذات المنشأ التركي، (تطبيق تدبير وقائي تفضيلي).
واتخذت الوزارة، أيضا، تدابير مضادة للإغراق، شملت واردات الخشب من نوع «كونتربلاكي» ذات المنشأ الصيني، والبولي كلوريد الفينيل (PVC) ذات المنشأ الأمريكي، والورق من حجم (A4) ذات المنشأ البرتغالي (تم إلغاء الرسم المطبق على واردات هذا المنتج بعد عامين ونصف من التطبيق وذلك في إطار تحقيق مراجعة تبين عدم جدوى الرسم المطبق)، والأنسولين ذات المنشأ الدنماركي، وصفائح الصلب المدرفلة بالحرارة «Tôles d’acier laminées à chaud» ذات منشأ الاتحاد الأوروبي وتركيا، والخشب المتعاكس ذي المنشأ المصري، والبولي كلوريد الفينيل (PVC) ذات منشأ الاتحاد الأوربي والمكسيك، والثلاجات ذات منشأ الصين والتايلاند وتركيا، والدفتر ذات المنشأ التونسي (تطبيق تدبير مؤقت، وإعداد تقرير نهائي بخصوص تطبيق تدبير نهائي على واردات الدفتر التونسي).

شركة «سوطيما» أمام منافسة شركات أدوية عالمية
منذ تأسيسها سنة 1976، اتبعت «سوطيما» هدفا واضحا وهو جعل الأدوية الحيوية المستوردة بأثمنة باهظة من طرف الشركات العالمية مصنعة في المغرب وبأثمنة مناسبة. لذلك، حرصت «سوطيما» على الاستثمار المتواصل ليس فقط في المصانع ذات التكنولوجيا العالية ولكن أيضا في التكوين والبحث العلمي. واستطاعت «سوطيما» أن تصنع محليا أدوية جد صعبة، من قبيل أدوية السرطان المشتقة من التكنولوجيا الحيوية التي بفضلها أصبح المغرب أول دولة إفريقية تدخل هذا التحدي الكبير. واستقبلت «سوطيما»، في هذا السياق، وزراء الصحة والصناعة وعددا كبيرا من الشخصيات الاقتصادية والسياسية والعلمية، بمناسبة افتتاح مصنعها الجديد لأدوية السرطان، والذين عبروا عن إعجابهم بالمستوى الكبير الذي وصلته «سوطيما» من الناحية الصناعية والعلمية. وحصلت «سوطيما» أخيرا على جائزة أفضل مستثمر مغربي من 70 شركة منافسة وذلك عرفانا بالاستثمارات الكبيرة التي أطلقتها الشركة منذ نشأتها في مجالات صيدلية مختلفة وجد متطورة.
اختيار «سوطيما» لنيل الجائزة تم من طرف المنظمة العالمية للتنمية الصناعية التابعة للأمم المتحدة بشراكة مع وزارة الصناعة وINDUSTRIE MAGAZINE.
وفي مجال البحث العلمي، حصل دواء مسجل باسم «سوطيما»، وهو عبارة عن مضاد حيوي مقوى بالزيوت الطبيعية، على جائزة أفضل اختراع من المركز الأوروبي لبراءات الاختراع، وهذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها بحث علمي عربي أو إفريقي على تتويج من هذا النوع.
وتحتل «سوطيما» اليوم المرتبة الأولى في قطاع صناعة الأدوية من ناحية رقم المعاملات ولديها فروع في السنغال وهولندا كما تصنع وتبيع حوالي 200 دواء بين أصلي وجنيس. ولديها أيضا نشاط إنساني كبير بفضل مؤسسة عمر التازي التي تقدم المساعدة في المجالين الطبي والخيري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى