حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

وجه إيمان

يسرا طارق

 

أعتقد أن معظم المغاربة رُوعوا لرؤية وجه إيمان، وما تعرض له من تشويه متعمد في فظاعة لا مثيل لها وبحقد لا نظير له. إنها صورة صادمة تضعنا وجها لوجه أمام قدرة الإنسان على إلحاق الأذى بوحشية لا تنهي الضحية مرة واحدة وإلى الأبد، وإنما تتركها تتعذب وتموت ميتات متعددة كل يوم. ولا يمكن لكل واحد منا إلا أن يقلق على وجود، بيننا، من بإمكانهم أن يصلوا بالشر إلى منتهاه وبالجريمة إلى اكتمالها المريع. إنه قتل أشد من القتل وتعذيب أقسى من كل تعذيب. إنني أتفهم جيدا كامرأة الدمار الداخلي الذي ستعيشه إيمان، وأتمنى أن تتسلح بقوة داخلية كبيرة لتتجاوز الصدمة، ولتقبل بأن تواجه الآخرين بوجه لم يعد وجهها، وإنما وجه الشفرة التي عبثت بكل مساحة فيه، وأتمنى أن يتمكن الطب التجميلي من أن يخفف من ندوب ما حل به، كما أتمنى أن تحظى بالرعاية النفسية التي هي في حاجة لها، لتعيش حياتها بأقل ما يمكن من كوابيس وعذاب.

لا شيء يبرر ما وقع، ولا صلة بين إيمان والجاني تشفع له بأن يستبيح وجهها، الخلافات الزوجية، ومهما كبرت تحل في المحاكم، وقد أحل الله أبغض حلاله ليجنب الأسر دورات العنف وسورات الغضب، ولا ينبغي في مثل هذه الحالات أن نبحث للجناة عن أعذار، وحتى عن ما يخفف فظاعة جرائمهم.

حين تقع مثل هذه الأحداث المؤلمة، خصوصا عندما يتعلق الأمر برجل وامرأة، يُخرج البعض عتادا معروفا ومكرورا لتحليل الحدث ووضعه في إطار التجبر الذكوري على المرأة، واستباحة جسدها وخصوصيتها. وتبعا لهذا تُهاجم القوانين الأسرية وفق خطاب يرى في المرأة ضحية أبدية، غير أن ما وقع في تازة ترتكبه نساء في حق نساء، ويرتكبه رجل في حق رجل، وترتكبه نساء في حق رجال، لذلك، وحتى نرى بوضوح ما وقع بعيدا عن غشاوة الانتماء والأيديولوجيا، علينا أن ننظر لما وقع كعنف مجتمعي له حاضنته، وله عوامل تغذيه وتحفزه، وللأسف سنرى ونسمع عن وجوه أخرى سـ«تشرمل» بلا رحمة ولا شفقة. لنعترف بأن منسوب العنف ارتفع بشكل مقلق في المجتمع المغربي، عنف نراه في الشوارع ووسائل المواصلات وحجرات المدرسة والملاعب..، عنف يفرغ من خلاله مرتكبوه شحنات من الغضب والإحباط لم تجد قنوات سليمة لتفريغها.

علينا أن نشتغل بشكل سريع وحثيث على جذور العنف لاجتثاثها، ولن نجد أفضل من المدرسة لنعلم أطفالنا قداسة الجسد الذي كرمه الله، وألحت كل الأديان على حرمته. الجسد ملك لصاحبه وليس ملكا للمجتمع، وعلى المجتمع برمته أن يحترمه ويحترم سلامته، وبقدر ما علينا أن نصالح أطفالنا مع أجسادهم، علينا أن نلقنهم آداب احترام أجساد الآخرين.

لنتذكر دوما 130 غرزة في وجه إيمان، وكأنها ثقوب في نسيج المجتمع ولحمته وتماسكه، ومثلما حاولت يد الجراح وبكثير من الخيط أن تلملم جراحها، علينا، وبدون تباطؤ، أن نسد ثقوب مجتمع لا يجد بعض أفراده من سبيل إلى إرضاء أنفسهم المريضة، إلا بدم مراق وأيد تشوه وتخرب عوض أن تشيد وتبني.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى