شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

يوري يصوم رمضان

حسن البصري

في شهر رمضان من سنة 2018، اتصل بي المدرب الأوكراني سيباستيان كو يوري، المدرب السابق للوداد، وطلب مني أن أنتظره في مطار محمد الخامس لأنقله إلى فندق سقطت نجومه بوسط الدار البيضاء.

عندما كنت أمسح بنظراتي شاشة مواعد الوصول، سمعت صوتا ينادي «خسان خسان»، التفت إلى مصدر النداء، فوجدت المدرب يوري وقد أنهكه الزمن، لم يعد سيباستيان كما عهدته وهو يشرف على تدريب أندية مغربية، بل كان يمشي وكأن على رأسه غيمة نكد.

بعد تبادل التحية والسلام والسؤال عن الأهل والأحباب، سألته عن أسباب النزول، في ظهيرة يوم رمضاني، فقال بصوت تسمعه بالكاد: «عرضت مشكلتي مع رئيس الوداد سعيد الناصري على سفارة أوكرانيا في المغرب، فاتصلوا بي ليطلبوا مني الاتصال برئيس الوداد من أجل تسوية المتأخرات المالية العالقة، سأقضي أسبوعا في الدار البيضاء ثم أعود إلى أوكرانيا».                                 على امتداد المسافة الرابطة بين النواصر والدار البيضاء، كان يوري يتحدث عن مزايا رمضان، والأجواء التي تميزه في الدول العربية والإسلامية، قبل أن يستدرك قائلا:

“لولا بعض رؤساء بعض الفرق المغربية الذين يعانون من نقص حاد في الأخلاق لاعتنق جميع المدربين الأجانب الإسلام”.

حاولت أن أقنع سيباستيان بأن الاستثناء يؤكد القاعدة، وأن صيام مسير فاسد مجرد تمرين يومي على الجوع والعطش، لكن الرجل أصر على وجود كائنات في غرف قيادة الفرق المغربية لا يجمعها بالإسلام سوى الصيام في رمضان والصلاة يوم الجمعة وارتداء اللباس التقليدي في الأعياد.

تقاسم معي المدرب يوري إفطار رمضان، لكنه استغرب لإصرار المغاربة على جعل المائدة معرضا للوجبات الغذائية، بل إنه اكتفى بكوب قهوة حدد مسبقا طريقة إعدادها، وقال مازحا: «كلوا أنا هنا مجرد متفرج».

حكى يوري عن فتوحاته مع الوداد، عن الفريق الذي جاب إفريقيا قبل أن يكون لـ«صن داونز» ذكر في قاموس المنافسات القارية، وفي حديثه كان يتوقف ليسأل عن مسير ودادي، وما إذا كان حيا يرزق أم حيا لا يرزق قبل أن يستأنف الحديث.

يسكن عبد الرزاق مكوار، الرئيس السابق للوداد، وجدان سيباستيان، فقد استدرك وهو يحتسي قهوته بعمق: «في أولى مباراتين لي كمدرب للوداد، تعرضنا للهزيمة فقلت لمكوار أستأذنك الرحيل فرد علي: «اشتغل وأنا أحميك» فبدأ شلال الألقاب».

قال يوري إنه تقاسم مع لاعبيه الصيام في كثير من رحلات الفريق، وأنه ظل يرفض تناول وجبات الغذاء في الفندق، احتراما لمشاعر اللاعبين والمشجعين.

مباشرة بعد تناول وجبة الإفطار، رافقت المدرب الأوكراني إلى فندق يعاني من ضعف التصنيف في وسط المدينة، فبرر الاختيار بعلاقته الجيدة بمسير هذه المنشأة «الفندقية» الذي عاش جزءا من حياته في موسكو، قبل أن يتبين أن المدرب يتمتع بإعفاء مزمن من الأداء.

تاه يوري بعد اعتزاله التدريب في دروب الكرة، وحين تحول إلى وكيل أعمال بدون ترخيص رسمي، وشرع في فتح السوق الروسية والأوكرانية في وجه اللاعبين الحالمين بالاحتراف في بلد بلوخين وياشين، قبل أن يتحول إلى منقب عن المواهب الواعدة في ملاعب الدار البيضاء، وحين تذكر صفته الرئيسية كمدرب، وقرر خوض تجربة تدريب في الوقت بدل الضائع من مسيرته الكروية، فطن إلى  أنه بدون شهادة تدريب معتمدة من «الكاف»، لم تنفعه شواهد مسلمة من وزارة الرياضة الأوكرانية ولم يشفع له تاريخه مع الأندية المغربية وتجاربه الخليجية ومرجعيته الأوكرانية للعودة إلى الميادين. فتحول إلى مجرد شاهد على العصر يتأبط ألبوم صور واسما ممنوعا من الصرف.

في زمن الحجر الصحي خرج يوري ولم يعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى