الرأي

200 عام مع «الميريكان»

يونس جنوحي
لولا أننا نعيش فترة إجراءات احترازية لكان موضوع الاحتفاء بمرور 200 سنة الأولى على فتح مفوضية أمريكية في مدينة طنجة، حدثا بكل المقاييس.
لكن القائمين على مقر المفوضية الأمريكية اليوم اختاروا تنظيم لقاء عن بُعد يوم سابع أبريل للحديث عن تاريخ الوجود الأمريكي في المغرب، وسرد المسار الطويل للعلاقات بين المغرب وأقوى دولة في العالم وأفق الممكن مستقبلا من شراكات واتفاقيات.
تتوفر المفوضية الأمريكية على أرشيف مهم عن المغرب، بحكم أنه قبل مائتي سنة، كانت هذه المفوضية توثق بالصور والوثائق والمراسلات لمختلف الأحداث الكبرى التي عاشها المغرب.
رغم مرور قرنين على تأسيسها، إلا أن الأمريكيين لا يزالون يحتفظون بالبناية القديمة في قلب طنجة العتيقة. بناية قديمة من طابقين، تحتفظ بكل تفاصيلها القديمة. ولو أن تدبيرها تُرك للمغاربة لهدمت من زمان أو حُول مقرها إلى عمارة وربما تقرر أن ينقل مديرها إلى فيلا كئيبة من تلك البنايات الرمادية للسكن الوظيفي حيث تعلوها الأسلاك الشائكة وكاميرات المراقبة.
لكن اهتمام المشرفين على المفوضية الأمريكية بكل أرشيفها جعلهم يحتفظون بأول آلة راقنة لكتابة التقارير وأول مكتب جلس عليه قنصل أمريكي في المغرب. أما الصور فحدّث ولا حرج. والمثير أن هذا الأرشيف كله متاح للعموم وبإمكان أي شخص الاطلاع عليه والاستعانة به في البحث الأكاديمي أو لإشباع الفضول فقط.
مقر المفوضية الأمريكية يحتفظ بمجسم فني يجسد معركة وادي المخازن، ويعرض النسخ الأصلية لعشرات المؤلفات الأمريكية الأولى عن المغرب.
مقر المفوضية الأمريكية تحيط به اليوم منازل إما أنها آيلة للسقوط أو من تلك التي رحل عنها أصحابها ولا يُعرف لها مالك محدد، بالمقابل ظلت المفوضية على حالها ولا تزال تحمل شعارها الأصلي الأول، رغم أن الولايات المتحدة صارت لها سفارة كبيرة في الرباط منذ أكثر من نصف القرن، وقنصلية في الدار البيضاء وأخرى في الصحراء هذا العام.
جيران البناية اليوم من الطبقات الشعبية للمدينة القديمة، يسكنون بجوار واحدة من أقدم التمثيليات الدبلوماسية في العالم، يرفرف فوقها العلم الأمريكي، ومنهم من لا يعرف قصة «الدار» ولكنهم يعرفون جيدا الزقاق الضيق المفضي إليها.
المفوضية ظلت تحتفظ برمزيتها التاريخية، وكل معالمها الأصلية، عكس دول أخرى فرطت في مقرات مفوضياتها الأولى في المغرب. خصوصا في مدن مثل فاس والصويرة. حيث تحول مثلا مقر مفوضية هولندا إلى مطعم في قلب المدينة القديمة، بينما تهدمت مقرات دبلوماسية أخرى كانت تعتبر الأولى من نوعها في شمال إفريقيا ولم يتم ترميمها عندما كانت قابلة للإنقاذ.
قصة المفوضية الأمريكية تستحق فعلا أن تُروى، إذ إن السلطان المولى سليمان أدار أزمة دبلوماسية كبيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1821 بسبب مساعدة المغرب لسفن ليبية تورطت في اعتداء على سفينة أمريكية. وعندما استقبل المولى سليمان وفدا من الأمريكيين لحل مشكل السفينة منحهم البناية التي افتتحوا فيها مقر المفوضية وتم تعيين مدير لها قبل إرسال قنصل لإدارتها. وهكذا افتتح المغرب أولى العلاقات الدبلوماسية الودية من هذا النوع، بصورة تختلف عن العلاقات «الحذرة» مع فرنسا وبريطانيا وإسبانيا.
في بقية مناطق المغرب، خصوصا القنيطرة والدار البيضاء، تعرف المغاربة على الأمريكيين خلال إنزال 1943 حيث ألف الحسين السلاوي أغنيته الشهيرة «الماريكان» التي تحدث فيها عن تأثير الجنود الأمريكيين على الحياة العامة للمغاربة الذين سكنوا بجوار القواعد الأمريكية، حيث ابتُليت النساء بـ«العلكة» وأصبح الناس يقولون «أوكي» لإبداء الموافقة وغيرها من التفاصيل الساخرة من واقع الحياة الجديدة بجوار الأمريكيين.
أما في الشمال، فقد مضى قرنان إذن على وجود بناية نزعت القبعة السياسية عن سقفها، وتحولت إلى ما يشبه متحفا للذاكرة، صار له دور توثيقي يجعل الصورة والوثيقة، والجدران، أفضل شاهد على العصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى