حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

الاستغلال السياسي والانتخابي لقطاع التعمير

تعدد المتدخلين وخروقات واختلالات تعيق الاستثمار والتنمية

بعد تفشي مظاهر «الريع»، المرتبط بالتلاعب برخص استغلال أراضي الدولة والأراضي الجماعية بضواحي المدن، من خلال التحايل على القانون، بتحويل المشاريع الاستثمارية إلى مشاريع عقارية، وجه عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، تعليمات صارمة إلى الولاة والعمال، من أجل إلغاء العمل بالرخص الاستثنائية. كما رصدت تقارير أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية، التابعة لوزارة الداخلية، والمجالس الجهوية للحسابات، خروقات واختلالات خطيرة في قطاع التعمير بالعديد من الجماعات الترابية. وتمت إحالة بعض الملفات على القضاء، أسفرت عن متابعة رؤساء جماعات، بخصوص مسؤوليتهم القانونية عن جرائم ومخالفات التعمير، التي ترتكب داخل النفوذ الترابي للجماعات التي يتحملون مسؤولية تسييرها. من جهة أخرى، كشفت فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، في عدة مناسبات، عن وجود فوضى في قطاع التعمير بمختلف المدن، وعراقيل تواجه الاستثمار في القطاع. ودعت إلى إعادة النظر في القانون التنظيمي لوثائق التعمير، واعتماد مقاربة جديدة في هذا المجال.

 

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

ملفات التعمير تحرك مصالح سياسية وانتخابية للأحزاب

 

لا يقتصر الاستغلال الانتخابي لملفات التعمير في المغرب على الفاعلين المحليين وحدهم، بل يمتد إلى شبكات أوسع تربط بين مستويات مختلفة من الإدارة والمؤسسات، حيث يُلاحظ في كثير من الأحيان تواطؤ ضمني بين بعض المصالح التقنية داخل الجماعات، والمصالح الأخرى مما يسمح بتمرير مشاريع أو منح تراخيص بشكل انتقائي، بحسب المصالح السياسية أو الانتخابية الظرفية. هذا التداخل بين السلطة التقنية والقرار السياسي، يجعل من الصعب مساءلة أي جهة بعينها عند ظهور اختلالات أو تجاوزات، فتضيع المسؤولية وتضيع معها حقوق المواطنين.

كما أن بعض الأحزاب السياسية أصبحت تراكم نفوذاً انتخابياً من خلال السيطرة غير المعلنة على مفاصل التعمير داخل المدن الكبرى والصغرى، حيث يُستعمل هذا القطاع الحيوي كأداة لتوسيع القاعدة الانتخابية، سواء عبر تمكين مناضلين أو متعاطفين من بقع أرضية، أو التغاضي عن خروقات في البناء لفائدة أشخاص محسوبين على الحزب، أو حتى عبر تسهيل إجراءات الاستثمار العقاري في مناطق حساسة مقابل تمويل الحملات أو دعم سياسي في الانتخابات الجماعية والبرلمانية.

والخطير في الأمر أن هذه الممارسات لا تُحدث فقط ضرراً على المستوى القانوني أو العمراني، بل تخلق حالة من الإحباط العميق لدى المواطنين الذين يرون كيف تتحول القوانين إلى أدوات انتقائية تُطبق على البعض وتُستثنى منها فئات أخرى. ففي الوقت الذي يُمنع فيه مواطن بسيط من بناء طابق إضافي أو ترميم مسكنه دون رخصة صارمة، تُمنح امتيازات واسعة لآخرين بناءً على علاقات شخصية أو حزبية، وهو ما يُغذي الشعور بالظلم ويُضعف هيبة الدولة.

وتنعكس هذه الفوضى العمرانية كذلك على المشهد الاجتماعي، حيث تُفرز أحياء سكنية تفتقر إلى المرافق الضرورية، من مدارس ومستشفيات وملاعب وخدمات النظافة، نتيجة غياب التخطيط الاستراتيجي والتوزيع العادل للمشاريع، وهو ما يزيد من حدة التهميش والتمييز المجالي. بل إن بعض التجزئات تُنجز في مناطق غير قابلة للتعمير أصلاً، بسبب هشاشة التربة أو قربها من مجاري السيول أو تواجدها في مناطق محمية بيئياً، وكل ذلك يتم في غياب تقييم بيئي حقيقي أو موافقة من السلطات المركزية.

ويجد المواطن نفسه، في نهاية المطاف، محاصراً بين مطرقة ضعف الخدمات وسندان استغلاله الانتخابي، حيث لا يُنظر إليه كفاعل في عملية التنمية، بل كرقم انتخابي قابل للتوجيه والضغط والابتزاز مقابل وعود غير مضمونة تتعلق بالسكن والخدمات الأساسية.

ولا يمكن تجاهل كذلك كيف تُسهم هذه الممارسات في تضخيم أسعار العقار، حيث يتم تسريب معلومات داخلية عن المناطق التي ستعرف توسعاً عمرانياً، ما يسمح لبعض المضاربين العقاريين المحسوبين على أحزاب أو جماعات معينة باقتناء الأراضي بثمن بخس، ثم إعادة بيعها لاحقاً بأسعار مضاعفة بعد التهيئة، مما يضر بالسوق ويُقصي الفئات الهشة من التملك أو السكن اللائق.

كل هذه الانزلاقات تؤكد أن ملف التعمير في حاجة ماسة إلى إصلاح عميق وشامل، ينطلق من تجفيف منابع الزبونية والمحسوبية، ويفصل بشكل صارم بين القرار السياسي والمصلحة العامة، ويعتمد على الحوكمة الجيدة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة. ذلك أن التعمير ليس فقط مجالاً لبناء الإسمنت، بل هو رافعة لإعادة توزيع الثروة، وتكريس العدالة المجالية، وضمان الاستقرار الاجتماعي، والقطع مع الممارسات الريعية التي أعاقت لعقود مسارات التنمية الحقيقية.

ولعل أبرز ما تحتاجه بلادنا في هذا الباب هو إطلاق مراجعة وطنية شاملة لسياسات التعمير، بإشراك كل الفاعلين من مؤسسات الدولة، والجماعات الترابية، والمهندسين المعماريين، والمجتمع المدني، لإعادة هيكلة المنظومة على أسس شفافة وواضحة، تضمن تكافؤ الفرص وتحمي المجال من العبث، وتُحرّر المواطن من منطق الابتزاز، وتُعيد الثقة في المؤسسات باعتبارها الراعي الحقيقي للمصلحة العامة، لا مجرد واجهة لتبرير اختيارات سياسية ظرفية.

ملفات العقار.. تقارير تفضح اختلالات بنيوية وتوصي بالإصلاح العميق

 

 

تُعد ملفات العقار من أكثر القطاعات التي تُثير الجدل وتستقطب اهتمام الرأي العام، نظراً لتداخلها مع مصالح اقتصادية كبرى، وارتباطها الوثيق بتحقيق العدالة الاجتماعية، وضمان الأمن العقاري، وتحفيز الاستثمار. غير أن تقارير رسمية صادرة عن مؤسسات رقابية كالمجلس الأعلى للحسابات، والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية، ووزارة الداخلية، كشفت خلال السنوات الأخيرة عن اختلالات عميقة وهيكلية تطبع تدبير هذا القطاع، وتُهدد نجاعة السياسات العمومية المتعلقة بالتعمير، والسكن، وتحفيز التنمية.

في طليعة هذه الاختلالات، تبرز مسألة تعدد وتضارب الجهات المكلفة بتدبير الشأن العقاري، ما يؤدي إلى تشتت المسؤوليات وغياب التنسيق المؤسساتي. فالملكيات العقارية في المغرب تخضع لتسيير جهات متعددة، من أملاك الدولة الخاصة، إلى الأملاك الجماعية، وأراضي الجموع، والأراضي السلالية، والأراضي الحبسية، بالإضافة إلى الممتلكات الخاصة للأفراد والشركات. هذا التعدد يخلق فراغات قانونية ومجالية تستغلها بعض الجهات لتحقيق مكاسب غير مشروعة، أو لتبرير التماطل في معالجة النزاعات العقارية، أو تسوية الوضعيات القانونية.

وتشير التقارير إلى أن غياب الشفافية في تدبير العقار العمومي، يعد من أبرز بؤر الخلل، حيث تم تسجيل تفويتات مشبوهة لعقارات بأثمنة زهيدة لفائدة أشخاص أو مؤسسات لا تخضع لمعايير دقيقة في الاختيار، مما تسبب في ضياع موارد مهمة على خزينة الدولة، وفتح الباب أمام المضاربة العقارية. كما أن بعض الجماعات الترابية عمدت إلى تفويت أراضٍ جماعية في ظروف غير واضحة، وبدون احترام مقتضيات القوانين المنظمة، ما دفع المجلس الأعلى للحسابات في أكثر من مناسبة إلى التوصية بمراجعة منظومة التفويت واعتماد مساطر صارمة وشفافة.

من جهة أخرى، فضحت تقارير المفتشية العامة للإدارة الترابية بوزارة الداخلية تفشي البناء غير القانوني فوق أراضٍ غير محفظة أو غير مخصصة للبناء أصلاً، حيث يتم تشييد تجزئات أو مشاريع سكنية دون احترام التصاميم والمراسيم المعتمدة، أحياناً بتواطؤ ضمني بين مسؤولين محليين ومنعشين عقاريين، مستغلين غياب الرقابة الفعلية وصعوبة التتبع الإداري في بعض الجماعات الهشة. وقد أدى هذا الوضع إلى تفريخ أحياء ناقصة التجهيز، تعاني من هشاشة في البنيات التحتية، وتُثقل كاهل الدولة في ما بعد، عند محاولات إدماجها في النسيج الحضري.

وتُسلط التقارير الرسمية الضوء أيضاً على بطء عمليات التحفيظ العقاري، الذي لا يزال يُشكل عائقاً كبيراً أمام تثبيت الحقوق العقارية، وتشجيع الاستثمار، وتصفية النزاعات. ففي الوقت الذي يفترض أن تكون الملكية العقارية محفظة ومحمية، لا تزال نسبة مهمة من الأراضي، خصوصاً في العالم القروي، غير خاضعة للتحفيظ، أو تشهد نزاعات بين الورثة أو بين الدولة والخواص، مما يؤدي إلى تجميدها وعرقلة استغلالها. كما أن ضعف رقمنة المساطر، وطول آجال البت في الملفات، يُفاقم من أزمة الثقة في المنظومة العقارية.

وتثير ملفات العقار كذلك تساؤلات كبيرة حول التفاوت المجالي في توزيع الأراضي المخصصة للاستثمار أو السكن الاجتماعي، حيث تُفضل بعض الجهات توزيع الوعاء العقاري في مناطق محددة تخدم مصالح فئات معينة، بينما تظل مناطق أخرى مهمشة من حيث العرض العقاري الموجه للسكن أو المشاريع الاقتصادية، ما يُكرّس الفوارق المجالية، ويُضعف التوازن الترابي.

ولا تغفل التقارير عن التطرق إلى استغلال بعض المنتخبين والمسؤولين المحليين لمواقعهم للترامي على أراضٍ عمومية، أو تسوية وضعيات عقارية لمعارفهم وأقربائهم بطرق تفتقر إلى الشفافية. وقد سبق أن تم عرض ملفات بهذا الخصوص أمام القضاء، لكن ضعف المتابعة والزجر جعل هذه الظاهرة تستفحل في بعض الجهات، وأفرزت مافيات عقارية قادرة على تزوير الوثائق، واستغلال الثغرات القانونية لصالحها.

كل هذه المعطيات تدفع في اتجاه المطالبة بإصلاح شامل وعميق للمنظومة العقارية في المغرب، من خلال توحيد وتبسيط الإطار القانوني المنظم للعقار، واعتماد نظام معلوماتي موحد وشفاف يربط بين مختلف المتدخلين، وتسريع وتيرة التحفيظ العقاري، مع تعزيز الرقابة المالية والقضائية على عمليات التفويت والاقتناء والاستغلال. كما توصي التقارير بضرورة إعمال ربط المسؤولية بالمحاسبة في كل ما يتعلق بتدبير الملكيات العامة، وتكريس مبدأ الشفافية في كل العمليات العقارية.

وفي ظل الرهانات الكبرى التي تضعها الدولة على الاستثمار العقاري، وتطوير المدن المستدامة، وتوفير السكن اللائق، فإن إصلاح هذا القطاع لم يعد خياراً مؤجلاً، بل ضرورة ملحة لاستعادة الثقة، وضمان الإنصاف، ووضع حد للاختلالات التي كلفت المغرب كثيراً على مستوى التنمية، والتماسك المجتمعي، والعدالة الترابية.

تقارير تفضح تورط رؤساء جماعات في خروقات وجرائم التعمير

 

 

رصدت تقارير أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية، والمجالس الجهوية للحسابات، خروقات واختلالات خطيرة في قطاع التعمير بالعديد من الجماعات الترابية. وتمت إحالة بعض الملفات على القضاء أسفرت عن متابعة رؤساء جماعات، بخصوص مسؤليتهم القانونية عن جرائم ومخالفات التعمير، التي ترتكب داخل النفوذ الترابي للجماعات التي يتحملون مسؤولية تسييرها.

وأعطى وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، تعليمات صارمة لولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، من أجل محاصرة كل الخروقات والاختلالات التي تشوب قطاع التعمير، بعدما أكدت تقارير الافتحاص أن تسيير قطاع التعمير يعرف مجموعة من الاختلالات تتعلق خصوصا بعدم احترام الضوابط القانونية، ومنها تسليم رخص بناء فوق بقع ناتجة عن تقسيم وتجزيء غير قانونيين، وتسليم رخص ربط بشبكة الكهرباء في غياب رخص السكن أو التصريح بانتهاء الأشغال وإغلاق الورش، بالاضافة إلى منح شواهد إدارية غير قانونية من أجل بيع قطع أرضية أو تحفيظها، ناتجة عن تجزيء غير قانوني، وقيام بعض نواب الرئيس بمنح رخصة بناء رغم عدم توفرهم علو تفويض في ميدان التعمير، كما لاحظت تقارير المفتشية، تسليم رخص انفرادية دون الأخذ بالرأي الملزم للوكالة الحضرية لبنايات متواجدة في مناطق محرمة البناء وبنايات غير قانونية لا تحترم تصميم التهيئة وتصاميم إعادة الهيكلة وبنايات لا تحترم كناش تحملات التجزئات المعنية بها.

كما رصدت المفتشية العامة للداخلية قيام بعض رؤساء الجماعات بالإشهاد على تصحيح عقود عرفية تهم عقارات ناتجة عن تقسيم غير قانوني، ومنح رخص السكن لبنايات رغم مخالفتها لتصميم التهيئة أو التصاميم الهيكلية أو التصاميم المرخصة، وإدخال تغييرات بطريقة غير قانونية على مشروع مرخص مع الترامي على الملك العام، وتسليم رخص إصلاح لأشغال تستدعي الحصول على رخص بناء.

وبدوره، سجل تقرير صادر عن المجلس الأعلى للحسابات جملة من الاختلالات التي تشوب قطاع التعمير وتدبير المجال، من خلال عدم التوفر على تصاميم التهيئة أو التأخر في إعدادها، حيث لوحظ، في هذا الصدد، عدم توفر معظم الجماعات المراقبة على تصاميم تهيئة مصادق عليها أو التأخر في إخراجها إلى حيز الوجود من طرفها، وذلك، بالرغم من أهمية هذه التصاميم في تأطير النمو العمراني للجماعات الترابية، باعتبارها وثائق تنظيمية تحدد حقوق استعمال الأراضي وكذا المقتضيات القانونية المطبقة، وهو ما يؤدي إلى إحداث فراغ على مستوى تغطية المجال الجماعي بالتجهيزات والمرافق العمومية الضرورية لتلبية حاجيات السكان بالموازاة مع التطور العمراني السريع، كما يتسبب في انتشار البناء العشوائي، وكذا التقسيم غير القانوني للأراضي.

وسجل التقرير مخالفة شروط إحداث التجزئات السكنية، وتبين، من خلال فحص ملفات التجزئات المحدثة بعدة جماعات، أن هذه الأخيرة لا تتأكد من مدى ملاءمة الأشغال المنجزة للمعايير التقنية المعمول بها والوثائق التقنية ذات الصلة، فضلا عن عدم حرصها على إنجاز أصحابها لبعض التجهيزات الواردة في دفاتر التحملات أو عدم مخالفتهم للتصاميم المصادق عليها، كما هو الشأن بالنسبة لعدم استكمال المجزئين لأشغال الطرق والممرات والإنارة العمومية وقنوات الصرف الصحي، وتخصيص المناطق المعنية بإحداث المساحات الخضراء.

كما لوحظ قيام بعض الجماعات بالتسلم المؤقت ألشغال التجزئات دون القيام بتحصيل الرصيد المتبقي عن الرسم المستحق، وكذا الترخيص بإحداث تجزئات سكنية قبل تسوية الوضعية العقارية للأراضي المعنية بها، ووقف قضاة المجلس الأعلى للحسابات على عدم احترام المقتضيات المتعلقة بمنح رخص البناء.

وتبين، من خلال المعاينات الميدانية المنجزة بتراب الجماعات المراقبة، وتواجد مجموعة من البنايات التي تم تشييدها أو شرع في تشييدها دون الحصول على الرخص اللازمة، كما قام رؤساء مجالس بعض الجماعات بمنح رخص للبناء بشكل انفرادي ودون أخذ رأي اللجنة الإقليمية المختصة، كما لوحظ، في نفس السياق، عدم إلزام الإدارات العمومية بالحصول على الرخص قبل مباشرة عمليات البناء، وكذا منح رخص إصلاح المباني عوض رخص للبناء.

وزارة الداخلية تنهي العمل بالرخص الاستثنائية في التعمير

 

بعد تفشي مظاهر «الريع»، المرتبط بالتلاعب برخص استغلال أراضي الدولة والأراضي الجماعية بضواحي المدن، من خلال التحايل على القانون، بتحويل المشاريع الاستثمارية إلى مشاريع عقارية، وجه عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية،  تعليمات صارمة للولاة والعمال من أجل إلغاء العمل بالرخص الاستثنائية.

وأفادت المصادر بأن وزارة الداخلية قررت وضع حد للرخص الاستثنائية، التي كان يستفيد منها بعض المنعشين العقاريين لمراكمة الثروات، من خلال التلاعب بهذه الرخص، وتغيير المشاريع التي منحت من أجلها هذه الرخص، بحيث سيتم تخصيص جميع الأراضي العمومية الواقعة في محيط المدن الكبرى والتي غالبا ما تقترح لتصبح مشاريع عقارية، لتحتضن حصريا استثمارات منتجة، وخصوصا منها المناطق الصناعية، عكس ما كان معمولا به طوال السنوات الماضية، لأن معظم الأراضي التي كانت تفوت في السابق كانت توجه لمشاريع عقارية كان يحصل أصحابها على الرخص بطرق ملتوية.

وفي ما يتعلق بالأراضي الجماعية، تم وضع حد للتفويت المباشر لهذه الأراضي، حيث أصبح تفويتها عن طريق طلبات العروض لإنجاز مشاريع استثمارية. أما المراكز الجهوية فقد أصبح دورها هو منح الرخص الخاصة بالمقاولات، ومعالجة ملفات الاستثمار في أقصر وقت، عوض منح الرخص الاستثنائية للمنعشين العقاريين.

وأوضح وزير الداخلية، في جواب عن سؤال كتابي بمجلس النواب، أن مسطرة الاستثناء في مجال التعمير، التي تم تأطيرها بموجب دوريات وزارية، تعتبر شكلا من أشكال التدبير، ساهمت في معالجة العديد من المشاريع الاستثمارية في محاولة لتجاوز طابع الصرامة التي تتسم بها وثائق التعمير، وبطء مسطرة تعديلها ومراجعتها في سياق دائم الحركة والتطور.

وأبرز لفتيت أن هذه المسطرة جاءت كإجابة مرحلية مؤقتة، خلال بداية سنوات 2000، من أجل تحفيز الاستثمار في قطاع يعد حجر الزاوية في كل المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، نظرا إلى أن جل تصاميم التهيئة كانت آنذاك متجاوزة. غير أنه ومن أجل مأسسة ممارسة الاستثناء في مجال التعمير، يضيف الوزير، فقد تم بموجب القانون رقم 47.18 المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار، الصادر بتاريخ 13 فبراير 2019، التنصيص في مادته 30 على منح استثناءات في مجال التعمير لفائدة مشاريع الاستثمار المنتجة والمحدثة لمناصب الشغل في جميع القطاعات، ما عدا المشاريع العقارية السكنية غير تلك المخصصة للسكن الاجتماعي، ومحاربة السكن غير اللائق أو المباني الآيلة للسقوط.

وأكد الوزير أنه، وبالنظر إلى أهمية إعداد وثائق التعمير، في تأطير حركية التعمير على صعيد تراب الجماعات، فقد مكنت الجهود التي بذلت لحد الآن من تغطية 80 بالمائة من التراب الوطني بهذه الوثائق، بهدف تحقيق مجال عمراني متوازن قادر على الاستجابة للمتطلبات الآنية والمستقبلية، كما تم الانخراط في مجموعة من الإجراءات، من بينها العمل على إنتاج جيل جديد من وثائق التعمير أكثر مرونة لتحفيز الاستثمار، وإخراج وثائق التعمير للمجالات «الميتروبولية».

ومن جهتها، كشفت فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، أمام لجنة الداخلية بمجلس النواب، عن معطيات صادمة بخصوص قطاع العقار، وأكدت أن هذا القطاع تتحكم فيه اللوبيات ويتميز بكثرة المتدخلين، ما يتسبب في عراقيل ومشاكل متعددة.

وأوضحت المنصوري أن قطاع العقار تتحكم فيه لوبيات قوية، وتحدثت عن وجود عراقيل تواجه المستثمرين في القطاع، وقالت إنها ستتخذ قرارات جريئة في المستقبل. وأكدت المنصوري أن مواجهة هذه العراقيل تتطلب إدارة قوية قادرة على اتخاذ القرارات، ومنها الوكالات الحضرية، التي أشادت بأطرها والعمل الذي يقومون بها، لكنها أشارت إلى وجود بعض الاختلالات، تتطلب التدخل لمعالجتها.

وأفادت الوزيرة بأنها شرعت في إصلاح الوكالات الحضرية، من خلال خلق 12 وكالة حضرية جهوية. ومن بين العراقيل التي تواجه القطاع، تحدثت المنصوري عن عدم توفر تصاميم التهيئة، ما جعل الولاة والعمال يلجؤون إلى خلق لجان الاستثناء في قطاع التعمير، وكل لجنة للاستثناء تضع قانونا خاصا بها، حسب الوزيرة، ثم تأتي لجنة أخرى لتلغي القانون السابق وتضع قانونا خاصا بها، في بعض الأحيان يكون متناقضا مع القانون الأول، ما يتسبب في خلق الفوضى والعشوائية في تدبير قطاع التعمير ببعض المدن، بالإضافة إلى كثرة المتدخلين في القطاع، وتعقيد المساطر الإدارية.

مساطر معقدة وعراقيل تواجه الاستثمار في مجال العقار

 

 

كشفت وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، في عدة مناسبات عن وجود عراقيل تواجه الاستثمار في قطاع العقار، ودعت إلى إعادة النظر في القانون التنظيمي لوثائق التعمير واعتماد مقاربة جديدة في هذا المجال.

وأبرزت الوزيرة أن هذه المقاربة تتمثل في “لاتمركز وثائق التعمير مع المصادقة بقرار، وتحديد المدة وتقليصها، وجعل الوثائق أكثر مرونة، وتحديد مهلة المرافق”. واعتبرت المسؤولة الحكومية أن المقاربة الجديدة باتت ضرورية لتجاوز تعقيدات مسطرة إعداد وثائق التعمير، والتي تمر من عدة مراحل (الدراسة، اللجنة المحلية التي تظم ممثلي جميع المصالح الوزارية، البحث العمومي، العرض على المجالس المنتخبة، اللجنة المركزية، وكذلك الإحالة على الأمانة العامة للحكومة للإعلان والنشر).

وأفادت في هذا الصدد بأن هذه المساطر معقدة وتتطلب معدل 6 سنوات، وتقتضي 33 متدخلا و130 إمضاء، مبرزة أن وثيقة التعمير وثيقة استباقية تضع تطورا شموليا يمكن من توازن ترابي ومجالي، استقطاب الاستثمار، توفير حاجيات الساكنة من مرافق عمومية، والسماح بعرض سكني متنوع.

وأعلنت المنصوري عن نهاية الرخص الاستثنائية في قطاع التعمير، وأنه سيتم تطبيق القانون، لمواجهة الفوضى التي يعرفها القطاع، والحد من كثرة المتدخلين. وأكدت الوزيرة أن كثرة المتدخلين في قطاع العقار تقتل الاستثمار وتقتل التنمية، وأوضحت أن الإشكالية الحقيقية التي يعاني منها القطاع، هي كثرة المتدخلين، ما يؤدي إلى صعوبة في توحيد الرؤية. لذلك شددت المنصوري على ضرورة توضيح دور كل متدخل، كما أعلنت عن نهاية العمل بالاستثناء في مجال العقار، وشددت على ضرورة العودة إلى تطبيق القانون.

وقالت المنصوري إن الوزارة أعادت النظر في 3500 ملف استثماري سبق أن تم رفضها لأسباب تقنية أو إدارية، وكشفت في معرض جوابها على سؤال شفوي حول “تسريع دراسة الملفات الاستثمارية في مجال العقار”، تقدم به فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، أنه تمت الموافقة على ما يفوق 1538 ملفا بغلاف مالي يقدر ب 17 مليار، حقق منها لحد الآن 14,65 مليار درهم، والتي ستمكن من خلق 68 ألف منصب شغل.

وأكدت أنه وعيا من الحكومة بالدور الأساسي الذي تقوم به في إطار تشجيع الاستثمار كانت أول دورية أصدرتها في الولاية الحكومية الحالية، هي دورية إعادة النظر في ملفات الاستثمار التي تم رفضهاـ لأسباب تقنية أو إدارية.

وأبرزت في هذا الإطار أنه تم أيضا إصدار دورية الشهادة ذات الصبغة غير الفلاحية لتشجيع الاستثمار الأجنبي خارج المدار الحضري، مؤكدة أن ذلك مكن من حل عدد كبير من الملفات الجامدة منذ سنوات، بالإضافة إلى دراسة 94 ألفا و500 مشروع خلال السنة الجارية، حظيت 65 في المائة منها بالموافقة.

ولنفس الهدف، تضيف المسؤولة الحكومية، وضعت الوزارة جيلا جديدا من وثائق التعمير يعتمد على ميكانيزمات تحفيزية للاستثمار، وقامت بتعميم الدراسة القبلية لملفات الاستثمار، مشيرة إلى أن هذه التدابير تعد حلولا آنية في انتظار وضع نصوص قانونية تعتمد على المرونة وتبسيط المساطر لتشجيع الاستثمار.

وقالت الوزيرة في معرض جوابها على سؤال شفوي بمجلس النواب حول “معيقات تنزيل وثائق التعمير” تقدم به الفريق الاستقلالي، إن أغلبية النصوص القانونية المؤطرة لقطاع التعمير تتجاوز 30 سنة ولم تعد مسايرة للدينامية الاقتصادية والاجتماعية، وأكدت أن الوزارة تعمل على وضع إطار قانوني جديد مبني على مقاربة مختلفة.

وأوضحت أن هذا التوجه يعتمد على ستة مبادئ تتمثل في “الخروج من منطق الجمود إلى منطق الملاءمة مع الدينامية التنموية الترابية” و”اعتماد حكامة جديدة مبنية على الجهوية واللاتمركز” و”تشجيع الابتكار في ما يخص المشهد الحضاري والمعماري” و”تشجيع جاذبية المجالات للاستثمار”، و”تبسيط المساطر وتحديد الاختصاصات مع منح الحق في اللجوء والتحكيم” ثم “تعميم التدبير اللامادي لتدبير أكثر شفافية ونزاهة”.

وأبرزت الوزيرة الدور الهام الذي تضطلع به الوكالات الحضرية في التخطيط والتدبير الحضريين وتغطية المجالات الترابية بوثائق التعمير. وأفادت بأن المغرب يتوفر حاليا على 30 وكالة حضرية تغطي كامل التراب الوطني، مسجلة أن تغطيتها تتسم بعدم التوازن ولا تستجيب لمعطى الجهوية بالإضافة إلى وجود عراقيل “تتمثل في التركيز على التدبير اليومي للملفات على حساب الدور الحقيقي للوكالات الذي هو التخطيط ومصاحبة المشاريع الاستثمار المنتج” فضلا عن “غياب آلية للحكامة فيما يخص العالم القروي”.

لذلك، قررت الوزارة بناء على المشاورات في إطار الحوار الوطني للتعمير والاسكان، إعادة النظر في منظومة التعمير بتصور جهوي وإقليمي، وخلق قطب خاص بملفات التعمير بالعالم القروي وأيضا الاكتفاء بتصريح المهندس المعماري في إطار تجزئة مرخصة ومسلمة، وذلك لتخفيف العبء على الوكالات، ولتحقيق ذلك، تعتبر المسؤولة الحكومية أنه من الضروري مراجعة النظام الأساسي للوكالات الحضرية، وتقوية الموارد البشرية وتكوينها وأحداث وكالات رقمية.

وأفادت المنصوري، في معرض جوابها على سؤال شفوي بمجلس النواب حول “التأخر في إخراج تصاميم التهيئة ووثائق التعمير”، بأنه تم إصدار 100 تصميم تهيئة خلال سنة 2022، وأوضحت أن 12 من هذه التصاميم تهم المدن الكبري، فيما تمت المصادقة على 26 تصميم تهيئة بالعالم القروي.

وأشارت إلى أن قطاع التعمير بالمغرب يعاني من عدة إكراهات، منها طول وتعقيد مسطرة المصادقة، وغياب الملاءمة بين مختلف وثائق التعمير، مشددة على أهمية إعادة النظر في بعض النصوص القانونية وملاءمتها مع خصوصيات العالم القروي وانتظارات ساكنته.

عتيق السعيد *أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض مراكش- محلل سياسي

عتيق السعيد

 

«تحقيق استدامة التنمية العمرانية يتطلب التفعيل السليم لرؤية النموذج التنموي»

 

  1. ما هي تصورات النموذج التنموي الجديد للنهوض بمجال التنمية العمرانية؟

بداية، لا بد من الإشارة إلى أن تجديد النموذج التنموي، الذي قدّم جلالة الملك هندسته برؤية استباقية واستشرافية، يهدف أساسا إلى تعزيز قدرة المجال التنموي على الابتكار والتجديد المتكامل، باعتباره محفزا وصانعا لديمومة التغيير والإصلاح، على أسس إعادة بناء نظام اجتماعي متجدد يواكب تطلعات مغرب الغد، يجعل من ورش النموذج التنموي الجديد المرتكز في جوهره على مؤهلات المملكة وعلى منهجية الإنصات والتشاور مع مختلف القوى الحية ببلادنا، يشكل مرحلة جديدة تساير وتواكب من جهة، التحولات الاقتصادية والمتغيرات الاجتماعية في تفاعلاتها مع حركية المجتمع، ومن جهة أخرى تضمن التأقلم السريع مع سيرورة تحديث وعصرنة الدولة.

حرص جلالة الملك على جعل النموذج التنموي الجديد هدفا استراتيجيا لتحقيق الإقلاع التنموي المستدام في بلادنا، من خلال تعزيز متانة الدولة الاجتماعية بوصفها دعامة أساسية وثابتة تروم تحقيق التنمية الحضرية المستدامة، والارتقاء بجودة الحياة، وتعزيز التماسك الاجتماعي، كما أن هذا المنطلق يمثل النموذج التنموي الجديد وإطارا مرجعيا شاملا للإقلاع التنموي في مجال التعمير، إذ يجسد رؤية مجتمعية متكاملة للتنمية، قائمة على اعتماد مقاربة جديدة تُمكن من إرساء توجه تنظيمي يُؤَسِّس للتفاعل والتكامل بين مختلف أبعاد التدبير السياسي والاستثماري، في سياق يُراعي مبادئ الحكامة الجيدة والتنمية المستدامة. وارتباطا بالسياق ذاته يسعى التصور الجديد للنموذج التنموي إلى إطلاق دينامية متجددة في مجال التعمير، تهدف إلى إحداث تطور عمراني يُسهم في إدماج المجالات الترابية، وتعبئة الإمكانات المتاحة للدولة، واستثمار مختلف الفرص المتوفرة. ويعد هذا التوجه دعامة أساسية لبناء مغرب مزدهر، قائم على رؤية اجتماعية واقتصادية شاملة، متعددة الأبعاد، تُولي أهمية مركزية للتنمية المجالية بوصفها مدخلا لتحقيق الازدهار المجتمعي.

إن قضايا تنمية مجال التعمير تستلزم الرجوع إلى المرتكزات الأساسية للنموذج التنموي الجديد، هذا الورش الملكي الذي يتميز في جوهره التنموي على غرار باقي المشاريع والأوراش التنموية التي شهدتها المملكة، اعتماده مقاربة تشاركية متعددة الأبعاد، حيث استطاع تشخيص وتقييم صريح وشفاف للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، كما تدارس التحديات والتغييرات الجديدة التي نتجت عن الأزمات العالمية في العديد من المجالات الاستراتيجية، وبالتالي نحن أمام نموذج تنموي يعد مرآة عاكسة للمجتمع المغربي، سواء تعلق الأمر باحتياجاته الآنية أو ارتبط بتطلعاته المستقبلية، الأمر الذي يستدعي العمل على تفعيل مضامينه من خلال تدبير سليم، قادر على ضمان تنزيل فعال يوفر آليات النجاعة والفعالية والسرعة في الأداء، بهدف تجاوز التحديات والاختلالات التي تعيق تطوير هذا المجال الحيوي، وتحقيق الإقلاع العمراني المندمج والمستدام.

 

  1. ما أهمية النهوض بقضايا التنمية العمرانية؟

تؤكد آراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في ما يخص قضايا التعمير أن سياسات للتعمير والسكن قد تُفضي إلى خلق فضاءات جديدة للإقصاء الاجتماعي، حيث ذكر العديد من العوامل التي زادت من حدة التدبير غير الأمثل لقطاع التعمير، وفي مقدمتها إطلاق برامج المدن الجديدة، وتوالي اللجوء منذ بداية سنوات  2000إلى منح الاستثناءات في مجال التعمير، إضافة إلى ضعف العرض المخصص للطبقة الوسطى، التي تواجه ارتفاع أسعار العقار وطرق الأداء غير النظامية، كما دعا إلى العمل على مزيد من التقييد للحد من الاستثناءات الممنوحة لفائدة برامج السكن الاجتماعي خارج ضوابط وثائق التعمير، وإعمال المقتضيات القانونية المتعلقة بمراقبة المخالفات في مجال التعمير والبناء وزجرها، وهي كلها اختلالات تعيق بشكل مباشر تبني استراتيجية التنمية العمرانية المستدامة.

وبالرجوع إلى التقرير العام للنموذج التنموي الجديد، نجده قد دعا هو الآخر إلى مراجعة عميقة لمنظومة إعداد التراب الوطني بشكل يتلاءم وتطلعات التنمية المستدامة وأهداف تحقيق رفاه المواطنين. وضرورة اعتماد تصور جديد للتعمير يتمحور حول مقاربات للتخطيط الحضري تتمركز حول جودة إطار العيش والتمازج الاجتماعي والوظيفي، والقطع مع المقاربة الحالية التي تفتح المجال لتدبير وفق الاستثناءات التي تفتقد إلى التخطيط والاندماجية.

إن النهوض بقضايا التنمية العمرانية في ترابطها بتصورات النموذج التنموي الجديد، يتطلب توضيح معنى حكامة التخطيط الحضري، سواء على مستوى المؤسسات والفاعلين المحليين والمركزيين (دور كل منهما، ونطاق تدخله، وكيفيات التعاون واتخاذ القرار( أو على مستوى معايير التعمير وأدوات التخطيط، كما يستلزم أيضا تزويد الفاعلين المحليين بالإمكانيات التقنية والبشرية اللازمة، بما يؤهلهم لتحمل المسؤولية والحرص على النتائج بنجاعة وفعالية، بما يضمن تحقيق التنمية العمرانية .

حينما نتحدث عن التنمية العمرانية فإننا أمام تنمية متعددة الأبعاد الاستراتيجية التي تمس في جوهرها الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بحيث إن استقامة التنمية العمرانية تسهم في تحقيق العدالة المجالية عبر تقليص الفوارق بين مختلف المناطق الحضرية والقروية وتوفير الخدمات، تعزيزا لكل سبل الإدماج المجالي والتماسك الاجتماعي، بالإضافة إلى أن التنمية العمرانية تدعم بشكل كبير النمو الاقتصادي، من خلال تحفيز الاستثمارات المجالية، وإتاحة المزيد من فرص الشغل التي كلها تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية، أيضا تعد التنمية العمرانية مدخلا أساسيا لتفعيل مبادئ الحكامة الترابية، وهي كلها مداخل متعددة للتنمية التي تخدم تجويد نمط عيش الإنسان وتيسير استفادته من الخدمات واستغلال المؤهلات بما يخدم تعزيز التنمية البشرية.

 

  1. ما هي الاختلالات والتحديات التي تعيق تطوير التنمية بقطاع التعمير؟

تحديات كثيرة تواجه التنمية العمرانية، من بينها التدبير السياسي، واختلالات أخرى ترتبط بآليات التنزيل السليم للبرامج الوطنية التي باتت تتطلب إعادة النظر بشكل عميق في طرق تنزيلها الميداني الفعال، سيما مع بروز إشكالية الحكامة وتعدد المتدخلين، التي تتزايد مع تداخل الاختصاصات والصلاحيات بين القطاعات الوزارية والجماعات الترابية، وغياب التنسيق الفعال، وبطء وتعقيد المساطر الإدارية، بالإضافة إلى محدودية القدرات التدبيرية والمالية لدى بعض الجماعات الترابية، ومحاولات استغلال قضايا التعمير لأغراض سياسية، وهي كلها عوامل تؤثر في مسار التنمية العمرانية، ولتجاوز هذه الإكراهات فإن تحقيق استدامة التنمية العمرانية يتطلب التفعيل السليم لرؤية النموذج التنموي.

إن الأحزاب السياسية لها دور أساسي في السياسات العمرانية وتنفيذها، فإن كانت الحكومات تعرف تنوعا وتعددا في مكوناتها الحزبية، فإن هذا التعدد أحيانا يشعل تحديا، حيث تبرز إشكالية المناكفات السياسية بين المؤسسات الحزبية، مما يعيق تحقيق سياسات تنموية فعالة في مجال التعمير، أيضا يغيب التنسيق حول المشاريع، بالإضافة إلى أن ضعف التخطيط العمراني المستدام يشكل تحديا كبيرا للتنمية العمرانية، بحيث يتطلب وضع تخطيط يشمل رؤية دقيقة وشاملة الأبعاد ومندمجة تستحضر الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والتركيز على آليات التدبير التقني، يضمن وضع تصورات قابلة للتنفيذ تخدم التنمية العمرانية، وبالتالي لا بد من استحضار أن التنمية العمرانية تشكل مدخلا أساسيا في تطوير البنية التحتية للدول، حيث من خلال مشاريع التعمير يتم تحسين نمط عيش المواطن. وبالتالي، نحن أمام عملية تنموية تعكس مستوى عاليا من الحس الوطني، مما يتطلب تجاوز كل الخلافات والصراعات وكل أساليب الاستغلال السياسي لمجال التعمير.

 

* أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض مراكش، محلل سياسي

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى