
يشكل قطاع التعمير حلبة صراع قوية، بين اللوبيات المستفيدة من الملايير، ويتحكم في جزء كبير من رسم الخرائط السياسية، ويساهم في توسيع القواعد الانتخابية أو تدميرها، حسب الأجندات ومدى استفادة المتدخلين من كعكة القرارات والوثائق التعميرية، فضلا عن مساهمته في استقرار أغلبيات مجالس جماعية هشة وغير متجانسة، نتيجة توزيع الإكراميات والامتيازات.
إن حروب تصاميم التهيئة، التي تشهدها العديد من الوكالات الحضرية بمناطق ومدن كبرى، تبرز إلى أي حد يتحكم قطاع التعمير في الانتخابات وجمع الأصوات، والترويج لوجوه سياسية معروفة تقوم بالتنسيق بطرق ملتوية مع المركز ولها علاقة باللوبيات، التي تستفيد من تسوية ملفات تتعلق بمخالفات أو تسويات تعميرية، إلى جانب الاستفادة بطرق ملتوية من حالات الاستثناء والعمل بالتصاميم المرجعية.
وتتحكم إدارات الوكالات الحضرية بشكل كبير في وثائق التعمير، وبالتالي تنمية المجالات الترابية والمساهمة في التشغيل أو تجميد المشاريع، بحجة القوانين التقنية، في حين يتعلق الأمر بأجندات خفية، وهو الشيء الذي يستدعي تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، بدل تحويل المنصب الإداري المذكور إلى أداة للريع وأشياء أخرى، في حين تحتاج المرحلة الحالية إلى منح الفرصة لكفاءات وطاقات يمكنها تحقيق قيمة مضافة، بدل تدوير نفس الوجوه التي أصبحت تحتكر هذه المناصب، ويتم تحويلها من وكالة إلى أخرى، أو تركها في نفس الوكالة لسنوات طويلة دون مردودية، حتى بلوغ سن التقاعد، بل والتمديد أحيانا لها، رغم الإجماع على فشلها.
يجب تجاوز العديد من المشاكل التي يتسبب فيها جمود قطاع التعمير، والقطع مع إقحام جمود مشاريع عقارية ضخمة بالملايير في حسابات سياسية وشخصية ضيقة، وعرقلة الحلول المطروحة لتسوية المخالفات التعميرية، رغم أهمية بعض المشاريع المعنية في التنمية والتشغيل، فضلا عن التراخي في إلزام منعشين عقاريين باحترام التصاميم والتخطيط الاستثماري، ما يحول بعض المشاريع إلى أشباح أسمنتية، كما حدث بالفعل بتراب عمالة المضيق، وجمود مشاريع خاصة تطل على البحر الأبيض المتوسط تحولت إلى خراب، وكان الأجدى تحويلها إلى قاطرة لتشجيع الاستثمار السياحي، وطرحها كنموذج لنجاح المشاريع المهيكلة.
وينتظر الكل التحقيقات التي تم فتحها من قبل الجهات المعنية، في ملفات تحديد المساحات الخضراء والطرق بتصاميم التهيئة، والتراجع عنها بعد ذلك، عقب انتهاء صلاحية التصاميم وتغيير التنطيق بواسطة قرارات استثنائية تتم فيها العودة إلى التصاميم المرجعية، والكارثة هي منع ملاك بعض الأراضي من رخص البناء، بحجة التصاميم، وعند شرائها من قبل منتخبين يقومون بالترخيص لأنفسهم، وتصبح تجزئات سكنية قانونية.
إن قطاع التعمير من المحركات الأساسية للتشغيل والتنمية، والتصاميم يجب أن تكون قابلة للتنزيل ومطابقة للواقع، وليست وسيلة للاغتناء السريع بطرق غير مشروعة، واستغلال القرارات الاستثنائية، فضلا عن ضرورة القطع مع الاستغلال الانتخابوي للملفات التعميرية، واعتماد مبدأ الصالح العام في التخطيط الاستراتيجي التقني لمستقبل كافة المدن والقرى.





