
في الوقت الذي تتعالى مطالب تخليق الحياة السياسية وإبعاد المفسدين عن المؤسسة البرلمانية والمجالس المنتخبة بمنعهم من الترشح للانتخابات، خرج حزب العدالة والتنمية كما العادة عن السياق، بتقديم مذكرة تعديلات على القوانين الانتخابية عن طريق مجموعته النيابية بمجلس النواب، يدافع من خلالها عن ترشح المشبوهين والمتابعين والمحكومين من أجل ارتكاب أفعال إجرامية، ومنها تبديد واختلاس الأموال العموميـة.
وقدم الحزب تبريرات غريبة لحذف التعديلات التي أدخلتها وزارة الداخلية، والتي تروم محاصرة ولوج المشبوهين إلى البرلمان، من خلال منع المتابعين في حالة تلبس في بعض الجرائم أو المحكومين ابتدائيا من أجل جناية أو استئنافيا بحكم يترتب عنه فقدان الأهلية الانتخابية، واعتبر الحزب أن هذه التعديلات تمس بقرينة البراءة المضمونة دستوريا، وهو خلط غريب بين المساطر القضائية وما يترتب عنها من آثار قانونية.
هذه التعديلات على علاقة بالمس بقرينة البراءة، لأنها لا تتدخل في السلطة القضائية المخول لها إدانة أو تبرئة المتهمين من المنسوب إليهم، وإنما تهدف إلى الحفاظ على سمعة وصورة المؤسسة التشريعية، والعكس هو الذي يحصل، لأن بعض البرلمانيين يستغلون صفاتهم للهروب من العدالة، وعدم الحضور إلى جلسات محاكماتهم، ولاحظنا كيف ظلت بعض الملفات القضائية تراوح مكانها لسنوات، بينما البرلمانيون المعنيون بها يزاولون مهامهم بشكل اعتيادي، ومنهم من كانوا محكومين بالسجن في جرائم تمس المال العام.
لا نستغرب من هذه التعديلات التي تتناقض مع شعار “محاربة الفساد” الذي ظل يرفعه الحزب منذ سنوات، فقد تعود المغاربة أنه كلما اقترب موعد الاستحقاقات الانتخابية، يتقمص الحزب دور الضحية لنيل التعاطف الشعبي، من خلال اللعب على الحبلين، فقد تابعنا عندما كان الحزب يقود الحكومتين السابقتين، كيف كان يشهر كل أسلحته الهجومية على وزارة الداخلية، مطالبا بإبعادها عن تنظيم الانتخابات، وتعويضها بالسلطة القضائية، والآن يحتفل بتكليف هذه الوزارة بالإشراف على الانتخابات.
وسبق للحزب أن وجه مذكرة في الولاية الحكومية السابقة، بشأن القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية والقانون المحدد لشروط وكيفيات الملاحظة المستقلة، اعتبر فيها استمرار وزارة الداخلية في تدبير الملف الانتخابي لا ينسجم مع التوجه الجديد الدستوري العام القاضي بإقرار فصل حقيقي للسلطات، لكنه صوت ضد مقترح إحداث هيئة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، وضد تجديد اللوائح الانتخابية اعتمادا على قاعدة بيانات بطاقة التعريف الوطنية، واعتماد هذه البطاقة في التصويت، أليست هذه قمة التناقض والانفصام في الشخصية؟
كما أن الحزب يذهب الآن عكس التيار، وعكس التوجيهات الملكية إلى الداخلية لتخليق المؤسسات المنتخبة، وإفراز نخب برلمانية تتسم بالكفاءة والنزاهة، ولهذا جاءت التعديلات على القوانين الانتخابية، لمنع كل شخص تحوم حوله شبهات فساد أو تضارب مصالح أو تم تحريك المتابعة القضائية ضده من أجل جرائم الفساد ونهب المال العام من الترشح للانتخابات.
كما أن الأحزاب السياسية مطالبة بدورها بتحمل مسؤوليتها في تخليق الحياة السياسية، وتوقيع ميثاق أخلاقي تلتزم فيه بعدم تزكية من تحوم حولهم شبهات فساد أو متورطين في جرائم المال العام والفساد المالي.
فهل يراهن حزب “البيجيدي” على استقطاب المفسدين المطرودين من أحزاب أخرى، لضمان تشكيل فريق برلماني في الولاية المقبلة؟





