
دخل المغرب رسميا حقبة الجيل الخامس للاتصالات، في خطوة تشكل منعطفا استراتيجيا في مسار التحول الرقمي الوطني. فقد أعلن المشغلون الثلاثة (إنوي، اتصالات المغرب، وأورنج المغرب) عن إطلاق متزامن لشبكاتهم 5G في كبريات المدن، مع تسجيل صبيب قد يفوق 2 جيغابيت في الثانية، وفق ما أفادت به منصة Concli.com التي أصدرت دراسة تحليلية حول مستوى تبني المستخدمين للخدمة الجديدة. ورغم أن هذا الإطلاق يشكل محطة تقنية فارقة، إلا أن المستهلك المغربي يواجه سؤالا جوهريا: أي عرض للجيل الخامس يستحق الاشتراك، وبأي تكلفة؟
لمياء جباري
كشفت دراسة تحليلية حول مستوى تبني المستخدمين، أصدرتها منصة Concli.com، أن المشغلين الثلاثة (إنوي، اتصالات المغرب، وأورنج المغرب) اعتمدوا استراتيجيات مختلفة بخصوص عروض الجيل الخامس، سواء المتعلقة بالهاتف المحمول، أو بصناديق الإنترنت المنزلي 5G.
وتتراوح أسعار صناديق الإنترنت المنزلي بين 299 و400 درهم شهريا، فيما تُطرح العروض الموجهة للهواتف المحمولة بأسعار تمتد من 49 إلى 699 درهما شهريا، تبعا لحجم البيانات والخدمات المرافقة. وتشير المنصة إلى أن الصبيب المعلن يتراوح بين 50 و100 ميغابيت/ثانية، غير أن الأداء الفعلي ما زال مرتبطا بشكل كبير بدرجة تغطية الشبكة. فبينما تستفيد مدن مثل الدار البيضاء والرباط ومراكش وطنجة وفاس من أولى الاتصالات المستقرة، تظل المناطق الطرفية في انتظار توسعة الشبكة خلال الأشهر المقبلة.
وفي ما يخص الإنترنت المنزلي، يفرض اتصالات المغرب ارتباط خدمة Box El Manzil 5G بعنوان ثابت، ما يقلص من مرونتها، في حين يوفر كل من أورنج وإنوي حلولا أكثر قابلية للتنقل وفق التغطية المتاحة.
أورنج تتصدر اهتمام المستهلكين
بحسب تحليل لاتجاهات بحث المستخدمين عبر غوغل، سجل الاهتمام الوطني بالجيل الخامس ارتفاعا حادا عقب الإطلاق. وتصدرت أورنج المغرب قائمة المشغلين الأكثر بحثا في نونبر 2025، متقدمة على إنوي واتصالات المغرب.
ويرى تقرير Concli أن هذا التوجه يعكس تطورا في سلوك المستهلك المغربي، إذ انتقل من مرحلة الفضول تجاه التكنولوجيا الجديدة إلى مرحلة التقييم الدقيق للعروض ومقارنتها قبل اتخاذ القرار.
بنية شبكة غير مستقلة
على الرغم من الوعود النظرية بسرعات تفوق 4G بعشر مرات، فإن شبكة الجيل الخامس في المغرب تعتمد حاليا على نموذج غير مستقل (NSA) يستند جزئيا إلى بنية 4G القائمة.
وتؤكد دراسة Concli أن هذا النموذج يمنح المستخدمين سرعة أكبر واستقرارا أفضل، لكنه لا يتيح الاستفادة من القدرات الكاملة للجيل الخامس المستقل (SA) الذي يرتقب إطلاقه في مراحل لاحقة. وبذلك، يختبر غالبية المستهلكين ما يمكن وصفه بنسخة محسنة من 4G أكثر من كونه تحولا تقنيا جذريا.
المستهلك وعروض الجيل الخامس
توصي دراسة Concli بعدد من الخطوات التي ينبغي على المستهلك اتباعها، قبل الاشتراك في أي عرض يخص خدمة الجيل الخامس. التحقق من التغطية بدقة، سواء عبر التطبيقات الرسمية للمشغلين، أو في نقاط البيع، لأن توفر الخدمة قد يختلف بين الأحياء داخل المدينة نفسها. احتساب التكلفة الإجمالية بدل التركيز فقط على السرعة، إذ قد تؤثر رسوم التجهيز والتركيب والدقائق المضمّنة على فاتورة الاشتراك. التعامل بحذر مع عروض «اللامحدود»، إذ تخضع أغلبها لتخفيض تلقائي في الصبيب بعد استهلاك حجم معين من البيانات يتراوح غالبا بين 80 و100 جيغابايت. اختبار الخدمة قبل الالتزام، خصوصا في ظل توفر عروض تجريبية أو اشتراكات بدون التزام، ما يتيح للمستخدم تقييم الأداء الفعلي قبل اتخاذ قرار نهائي.
وعي رقمي متزايد بدل ثورة مفاجئة
تشدد دراسة Concli.com على أن إطلاق خدمة الجيل الخامس في المغرب يمثل تطورا تدريجيا أكثر منه ثورة تقنية فورية. فاهتمام المستخدمين بمقارنة العروض وتحليل قيمتها يعكس وعيا اقتصاديا متناميا، ونزعة جديدة لربط جودة الخدمة بسعرها. وتوقعت الدراسة أن يؤدي هذا التحول في سلوك المستهلك إلى تعزيز الشفافية والمنافسة في سوق الاتصالات، بما يدفع المشغلين إلى تحسين عروضهم وتقوية تغطيتهم. فالقيمة الحقيقية للجيل الخامس، وفق الدراسة، لا تكمن فقط في السرعة، بل في قدرة كل مستخدم على اتخاذ قرار مبني على معايير واضحة وجودة خدمة ملموسة.
سباق حول عروض Box 5G
تزامن الإطلاق الرسمي لشبكة الجيل الخامس في المغرب مع دخول عروضBox 5G إلى السوق من طرف المشغلين الثلاثة: اتصالات المغرب، إنوي، وأورنج المغرب. وتستهدف هذه الصيغ أساسا الأسر غير المستفيدة من الألياف البصرية، إلى جانب الفئات الباحثة عن اتصال عالي الصبيب دون الحاجة إلى تركيب تقني داخل المنازل.
اتصالات المغرب: أداء مرتفع مقابل قيود
تسوق اتصالات المغرب خدمة Box El Manzil 5G بسعر 400 درهم شهريا، مع صبيب قد يبلغ 100 ميغابيت/ثانية. ويلاحظ أن المشغل التاريخي لا يقدم صيغة 50 ميغابيت/ثانية، مفضلا التموضع في فئة الصبيب المرتفع.
غير أن أبرز خاصية تميز عرض اتصالات المغرب هي الارتباط الصارم بالموقع الجغرافي. فالاستعمال مقيد بعنوان السكن المسجل عند التفعيل، وأي محاولة لتشغيل الجهاز خارج هذا النطاق تستدعي أداء رسوم إضافية بقيمة 200 درهم، بعد الاتصال بمركز خدمة الزبناء.
إضافة إلى ذلك، ينفرد المشغل باعتماد نموذج تجاري مختلف عن باقي السوق، إذ يتم بيع الجهاز للزبون بسعر 1080 درهما، بدل إعارته أو وضعه رهن الإتاحة.
إنوي: مستويان من العروض المرنة
تقدم إنوي عرضين لبوكس الجيل الخامس: 299 درهما شهريا لصيغة بصبيب أقصى يبلغ 50 ميغابيت/ثانية و399 درهما شهريا لصيغة أسرع تصل إلى100 ميغابيت/ثانية، وهي فئة سعرية تقارب عرض اتصالات المغرب. ويتم توفير الجهاز بصيغة الموضوع رهن الإتاحة، مقابل350 درهما كرسوم أولية. ولا يشير المشغل إلى أي تقييد جغرافي مباشر، ما يجعل شروط الاستخدام غير واضحة بالكامل، رغم أن طبيعة الخدمة السكنية توحي بإمكانية وجود حدود فعلية على التنقل.
أورنج: عرض واحد بسعر تنافسي
تعتمد أورنج المغرب مقاربة مشابهة لفئة إنوي الابتدائية: 299 درهما شهريا مقابل صبيب يصل إلى50 ميغابيت/ثانية.
أما الجهاز، فيتاح للزبون عبر رسوم ولوج قدرها 349 درهما. وكما هو الحال لدى إنوي، لا تقدم أورنج تفاصيل حول أي حظر جغرافي محتمل، ما يترك هامشا للشك بخصوص إمكانية الاستخدام خارج نطاق المنزل. وتظهر الشروط المشتركة بين المشغلين تحديد الموقع، وضع الجهاز رهن الإتاحة، وسقف الصبيب، كما أن عروض Box 5G تتجه نحو نموذج شبه ثابت، على الرغم من اعتمادها على تكنولوجيا محمولة بطبيعتها. وتأتي هذه الصيغ لتشكل بدائل للإنترنت الثابت عالي الصبيب، خصوصا في المناطق التي لا تصلها الألياف البصرية، أكثر من كونها حلولا متنقلة يمكن استعمالها بحرية.
غياب الوضوح حول استقرار الصبيب
تبقى مسألة استقرار الصبيب من أهم نقاط الالتباس. فالمشغلون يعلنون سرعات أقصاها50 أو 100 ميغابيت/ثانية، دون تحديد ما إذا كانت هذه السرعات مستمرة، أو خاضعة لآلية خفض الصبيب، بعد استهلاك حجم معين من البيانات، كما حدث سابقا في بعض عروض 4G.
ويعد هذا الجانب حاسما في تقييم الجودة الفعلية للخدمة، وقد يكون له تأثير مباشر على مستوى رضا المستهلك، وقدرة هذه العروض على فرض نفسها داخل سوق يشهد منافسة متصاعدة.
استهلاك مزيد من البيانات“
مع الإطلاق الرسمي لتقنية الجيل الخامس بالمغرب، بات بإمكان ملايين المستخدمين رؤية شعارG 5 على هواتفهم، لكن السؤال المطروح هو: ماذا يعني ذلك فعلياً للمستخدم؟ وما الذي ستغيره هذه التكنولوجيا في حياتنا اليومية؟ في حوار مع مجلة “تيل كيل” قدم خبير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات خالد الزياني قراءة مبسطة لمكاسب الجيل الخامس وتحدياته.
قفزة في السرعة.. لكن ليس للجميع
يؤكد الخبير خالد الزياني أن الجيل الخامس يمثل تطوراً كبيراً مقارنة بالجيل الرابع، إذ يمكن أن تبلغ سرعته النظرية 500 ميغابيت في الثانية في الرفع والتنزيل، وأكثر من 2 جيغابيت في الثانية في التنزيل فقط. هذا التطور يسمح بخفض كبير في زمن الاستجابة، بما يتيح تشغيل التطبيقات التفاعلية والألعاب الإلكترونية في الزمن الحقيقي دون أي تأخير. ويضيف أن شبكاتG 5 تعتمد على هوائيات “ذكية” قادرة على توجيه قوة الإشارة حسب حاجة المستخدم أو الجهاز، خلافاً للجيل الرابع الذي يبث إشارة ثابتة على محيط واسع.
ويوضح الزياني أن الجيل الخامس صمم بالأساس ليواكب صعود أنترنيت الأشياء، أي التواصل المباشر بين الآلات والمستشعرات، مثل: إشارات المرور الذكية، العدادات الكهربائية والمائية الذاتية القراءة، الأجهزة الطبية المتصلة، والكاميرات وأنظمة المراقبة الفورية. كل هذه التطبيقات تتطلب شبكة تستطيع نقل البيانات بسرعة عالية وبزمن استجابة شبه منعدم، وهو ما توفره 5G.
تغطية واسعة.. غير كافية بعد
حتى الآن، يتركز نشر الجيل الخامس في المدن الكبرى والمناطق المرتبطة بتنظيم كأس أمم إفريقيا 2025، حيث تم تثبيت آلاف الهوائيات الحديثة. لكن الزياني يشير إلى أن نطاق تغطية هوائي الجيل الخامس أصغر بكثير من هوائي الجيل الرابع، ما يعني أن المغرب سيحتاج إلى مضاعفة عدد الهوائيات لتأمين تغطية وطنية فعالة.
ورغم ظهور رمزG 5 في الهاتف، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن المستخدم متصل فعلياً بهذه الشبكة. يوضح الزياني أن بعض الهوائيات حديثة لكنها تعمل حالياً بتردداتG 4 كما أن الهاتف قد يكون متصلاً بنطاق ضعيف لا يقدم السرعة المتوقعة. وللاستفادة الكاملة سنحتاج إلى تخصيص ترددات جديدة أعلى سعة ولهذا ينصح بإجراء اختبار سرعة للتأكد من الاتصال الحقيقي بالجيل الخامس.
استهلاك البيانات يرتفع مع ارتفاع للفواتير
يحذر الزياني من أن الجيل الخامس يزيد تلقائياً من استهلاك البيانات، لأن التطبيقات تصبح أسرع، والفيديوهات تعرض بجودة أعلى، والتحميل يتم خلال ثوانٍ قليلة. ويضرب مثالاً عملياً: “باقة 7,5 جيغابيت قد تستهلك في أقل من خمس دقائق على 5G، وبالتالي تصبح العروض الحالية دون معنى”. ويرى أن المشغلين مطالبون بإعادة هيكلة عروض الأنترنيت لكي تتماشى مع واقع الاستهلاك الجديد، حتى لا يشعر المستهلك بأنه دُفع دون قصد لرفع نفقاته.
وبحسب الزياني، فإن المستفيدين الأوائل هم سكان محيط الهوائيات الجديدة، مستخدمو الهواتف الداعمة لتقنيةG 5 ورواد الأماكن المستهدفة بالتحضير لاحتضان كأس إفريقيا، أما خارج هذه النقاط الساخنة، فستظل السرعة الفعلية أقرب إلى الجيل الرابع رغم ظهور شعارG 5 على الشاشة.





