
عجزت وزارة التربية الوطنية، حتى الآن، عن ضمان سنة تكوينية عادية كما كان معمولا به قبل عشر سنوات. فرغم مرور شهر ونصف على انطلاق السنة الدراسية، ماتزال الوزارة تتدارس عدد المناصب وكذا شروط الترشح لمباراة هيئة التدريس. يأتي هذا في وقت تشتد فيه الحرب الداخلية بين مجموعة من المديريات المركزية التي تسعى منذ سنوات لبسط هيمنتها الكاملة في مراكز التكوين، الأمر الذي أثر بشكل واضح على السير العادي للتكوينات وكذا على جودتها.
هوية إدارية وتدبيرية غامضة
ينص مرسوم إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين على أنها مؤسسات لتكوين الأطر العليا، لكن واقع الحال، الممتد على الأقل من تاريخ إحداثها سنة 2011، يخبر بحقيقة مختلفة تماما عن هذا الوصف. فالمسؤولون المتعاقبون على تسيير الوزارة لا يريدونها بتاتا أن تكون عليا، بل أن يبقى وضعها لا يتجاوز فضاءات تشبه ورشات تجرب فيها اللجان المركزية، التي تصنع على المقاس، تصريف نزواتها في مجال التكوين بأساليب للتدبير لا تشبه في شيء ما نعرفه داخل مؤسسات التكوين وطنيا ودوليا. والدليل على ذلك، حسب أساتذة ونقابيين، الصيغة التي اقترحتها الوزارة سنة 2024 من أجل ملاءمة مواد مرسوم إحداث هذه المراكز مع المستجدات التي شهدتها الوضعية النظامية لبعض الهيئات التعليمية. فبدلا من التركيز على المواد التي تتصل مباشرة بهذا الأمر، تم استهداف مواد أخرى لا تتصل بتاتا بأسباب نزول التغيير.
وحسب أساتذة باحثين في هذه المراكز، فإنه تم المساس بداية باختصاصات المراكز بدءا من التكوين المستمر «البقرة الحلوب» بنقله إلى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، رغم ما سجلته تقارير افتحاص البرنامج الاستعجالي في هذا الباب من اختلالات لا تعد ولا تحصى، وما وقفت عليه تقارير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي من انعدام الأثر على التحصيل الدراسي، وما يتم تداوله من فضائح مادية وأدبية تتعلق بدورات للتكوين التي تتحول إلى حلقات للاحتجاج على رداءة الدجاج المقدم في الوجبات. كما تم أيضا، حسب هؤلاء، المساس بطريقة تعيين مديري المراكز التي تستند على القانون 01.00 المتعلق بالتعليم العالي، لأن وزارة التربية الوطنية ترفض بشكل قطعي أن يكون بقاموسها شيء اسمه العالي. وللعلم، فإن تطبيق المادة 33 من القانون 01.00 في هذه الوزارة، بخصوص اختيار مدير مؤسسة للتعليم العالي، لا يشبه في شيء طريقة تطبيقه في الجامعات ولا في المؤسسات غير التابعة للجامعات.. حيث يستحيل أن تجد رئيس مؤسسة جامعية ليس من الباحثين المتخصصين في مجال اختصاص المؤسسة، والأمر ينطبق كذلك على المؤسسات التابعة للقطاعات الوزارية المختلفة، فهل يمكن أن نتصور أن ترأس مدرسة للتكوين الفلاحي أو الطبي شخصية غريبة عن المجال.
المديرون المساعدون، هم كذلك، لم يسلموا من الاستهداف بسحب صلاحية اقتراحهم من طرف مدير المركز، كما كان واردا في الصيغة الأصلية للمرسوم. وهذه التعديلات التي اقترحت تنتظم تحت مبدأ واحد هو تحويل المراكز إلى «مؤسسات للريع»، حيث تصبح فضاء لتعيين من تم إعفاؤهم من المسؤولية الإدارية أو تحقيق إرضاءات نقابية بمنح تعيينات بها. وما يؤكد جليا هذا الأمر أنه تمت، في المادة المتعلقة بالأطر المزاولة بالمراكز، إضافة جسم غريب سمي بموظفين يعهد إليهم بالتدبير التربوي، دون تحديد صفتهم واختصاصاتهم.
كثرة المتدخلين في الإدارة المركزية
تتغذى هذه النظرة الدونية لمؤسسات التكوين، حسب باحثين ونقابيين، من عقليات متجاوزة، تتحمل تدبير الشأن التربوي ببلادنا. ففي سنة 2016، حينما اعتمدت الوزارة ما سمي بالتوظيف الجهوي، عملت على إحداث ما يسمى بفرق القيادة الجهوية تضم في عضويتها مديري الأكاديميات ومديري المراكز ومسؤولين آخرين إداريين وتربويين. ثمة سؤالان أساسيان يطرحان هنا على مدبجي المذكرات من النوع نفسه، الأول: لماذا يتم في كل مرة إسناد رئاسة هذه اللجان أو الفرق إلى مديري الأكاديميات بدلا من مديري المراكز، علما أن كلاهما معين بمرسوم من طرف مجلس الحكومة؟ وكم من مرة تفضل مديرو الأكاديميات ونزلوا من عليائهم، تواضعا وليس واجبا، ليحضروا اجتماعات هذه اللجان؟ بل لهم أن يفسروا كيف تم الانقلاب على مذكرة تنظيم التكوين المستمر التي وقعها الوزير السابق أمزازي والتي أسندت مسؤولية مشاريع التكوين المستمر لمديري المراكز بقوة القانون. ولذر الرماد على العيون وحجب هذه النوايا، تم، كذلك، اقتراح سحب اختصاص إنتاج الوثائق التربوية، واقتراح مشاريع إصلاح وتجديد مناهج وبرامج التكوين. أما في ما يخص الشأن البيداغوجي، فتلك طامة كبرى. ولا نبالغ تماما بالقول إن برنامج التكوين منذ 2011 خضع للتغيير سنويا من طرف فريق مركزي استطاب المقام بالرباط لإعادة تدوير الكلام نفسه باستعمال مرادفات، تحت طائلة التجريب وبمباركة من وحدة مركزية بقيت من مخلفات البرنامج الاستعجالي، وحاليا باحتضان من مركز سمته الهيكلة الإدارية الجديدة، الغريبة كل الغرابة، للوزارة مركزا للأستاذية دون أن يكون على رأسه أستاذ.
هذا الفريق المركزي لم يجب طوال هذه المدة، التي تصل إلى 14 سنة، عن الإشكالات الحقيقية للتكوين والمتجلية أساسا في الانطلاق المتأخر للتكوين في كل موسم، الذي يؤثر سلبا على جودة التكوين وعلى سير التداريب الميدانية بالمؤسسات التعليمية، وعلى غياب إطار تنظيمي يجعل هذه التداريب تؤدي وظيفتها الحقيقية في الانغماس المهني الكفيل بصقل مختلف الممارسات التربوية. ولا نقصد هنا دليل التداريب الذي صدر متأخرا، الموسم الماضي، عن هذا الفريق، والذي يعتبر نسخة ممسوخة عن وثيقة سابقة. فضلا عن أن هذا الفريق لم يجب عن سؤال مركزي آخر حول ظاهرة ابتلي بها نظام التكوين، ويتعلق الأمر بكثرة محطات الامتحان، وكأن الأساتذة المتدربين يلجون هذه المراكز بغاية امتحانهم أساسا. أما ما وقع الموسم الماضي من تحويل امتحان التخرج من المراكز إلى نسخة من امتحانات الباكالوريا، فسيبقى «عارا» على جبين كاتبي هذا السيناريو المهين لمؤسسات يقول المشرع عنها إنها لتكوين الأطر العليا، حسب أساتذة عاملين بالمراكز ذاتها.





