حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

تخليق العملية الانتخابية والحياة السياسية….منع المفسدين والمشبوهين من الترشح للانتخابات البرلمانية

بدأت تظهر مؤشرات واضحة أن الدولة عازمة على سد الطريق في وجه المفسدين ومنعهم بكل الطرق من الولوج إلى المؤسسات المنتخبة، وخاصة بمجلسي البرلمان، الآن المؤسسة التشريعية من المفروض أن تستقطب الأُطر والكفاءات النزيهة القادرة على ممارسة التشريع ومراقبة العمل الحكومي.

وتفاعلت وزارة الداخلية بشكل إيجابي مع مطلب مراجعة القوانين الانتخابية، وإعادة النظر في الشروط المطلوبة للترشح للانتخابات التشريعية والجماعية، لسد الطريق على المفسدين، وقامت الوزارة بإدخال تعديلات مهمة على القوانين الانتخابية تتسم بالصرامة، بهدف تحصين وتخليق العملية الانتخابية في كافة أطوارها، والتصدي بكل حزم للمظاهر التي من شأنها المساس بصدقية ونزاهة العملية الانتخابية، وإحداث دينامية في الحقل السياسي، وتشجيع مشاركة الشباب والنساء وتقوية انخراطهم في الحياة السياسية والانتخابية، واستقطاب نخب جديدة وكفاءات مؤهلة. وتأتي هذه التعديلات تفعيلا للتوجيهات الملكية التي ما فتئت تنبه إلى آفة الفساد ومخاطره المتعددة والمتنوعة، كانت آخرها الرسالة الموجهة إلى مجلسي البرلمان بمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين لإحداث أول برلمان بالمغرب، عندما دعا الملك إلى وضع مدونة للأخلاقيات، والرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة.

 

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

عزل ومحاكمة 302 منتخبين في إطار تخليق المشهد السياسي

 

أفاد تقرير صادر عن وزارة الداخلية أن عدد المتابعات القضائية في حق أعضاء مجالس الجماعات الترابية بلغ 302 منتخبا، ضمنهم  رؤساء جماعات ونواب للرئيس ومستشارون جماعيون ورؤساء سابقون، وذلك بسبب ارتكابهم لأفعال مخالفة للقانون.

 

تقارير سوداء

أوضح التقرير أن المديرية العامة للجماعات الترابية تقوم بتتبع المتابعات القضائية في حق منتخبي مجالس الجماعات الترابية الرائجة أمام المحاكم المختصة، وترتيب الآثار القانونية للأحكام القضائية الصادرة بشأنها على وضعية المنتخبين المعنيين بمجالس الجماعات الترابية، سيما التشطيب عليهم من اللوائح الانتخابية، وبالتالي عدم أهليتهم لممارسة المهام الانتدابية، فقد بلغ عدد المتابعات القضائية في حق أعضاء مجالس الجماعات الترابية 302 حالة، ويتعلق الأمر ب 52 رئيس جماعة، و57 نائبا للرئيس، و124 مستشار جماعيا، و69 رئيس جماعة سابق.

وحسب التقرير، فقد توصلت وزارة الداخلية، خلال هذه السنة، بما مجموعه 291 شكاية، من بعض أعضاء مجالس الجماعات الترابية والمواطنين وجمعيات المجتمع المدني، تتعلق بالمخالفات المرتكبة في المجال المالي والإداري ومجال التعمير وربط بعض منتخبي الجماعات مصالح خاصة مع جماعاتهم، وقد تمت إحالة بعض هذه الشكايات على المفتشية العامة للإدارة الترابية، كما تمت إحالتها على ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم المعنية، لإجراء بحث في مضمونها والتأكد من صحتها وموافاة وزارة الداخلية بتقارير في هذا الشأن، وعند الاقتضاء اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

وأحال وزير الداخلية تقارير سوداء أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية، على أنظار رئيس النيابة العامة، هشام البلاوي، والرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، زينب العدوي، من أجل اتخاذ المتعين بشأنها، وتتعلق هذه التقارير باختلالات رصدتها المفتشية في تدبير مجالس الجهات والجماعات الترابية، كما أحالت ملفات أخرى على المحاكم الإدارية لعزل رؤساء ومنتخبين.

وأفاد تقرير الداخلية، بأن حصيلة مهام الافتحاص والتدقيق المنجزة من طرف المفتشية العامة للإدارة الترابية، بلغت إلى حدود متم شهر شتنبر الماضي، ما مجموعه 50 مهمة، تتوزع على 16 مهمة تدقيق تتعلق بالعمليات المالية والمحاسباتية المنجزة من طرف مجالس الجماعات، كما أنجزت مفتشية الداخلية مع المفتشية العامة للمالية، 10 مهام تدقيق تتعلق بالعمليات المالية والمحاسباتية المنجزة من طرف مجالس العمالات والأقاليم، وأربع مهام تدقيق تتعلق بالعمليات المالية والمحاسباتية المنجزة من طرف مجالس الجهات.

وأكد التقرير أنه تم اتخاذ 84 إجراء بخصوص مخالفات قانونية واختلالات وخروقات مالية وإدارية منسوبة لرؤساء مجالس الجهات ومجالس الجماعات الترابية ومجالس العمالات والأقاليم، وذلك بناء على التقارير المنجزة من طرف المفتشية العامة للإدارة الترابية، وتتوزع هذه الإجراءات بين اتخاذ تدابير تقويمية بخصوص 31 ملفا، فيما تمت إحالة 16 تقريرا يتعلق بأطر وأعوان الإدارية الترابية على الجهات الإدارية المختصة من أجل اتخاذ الإجراءات الملائمة، وقيام السلطات الإقليمية المعنية بإحالة 19 تقريرا على القضاء الإداري من أجل تفعيل مسطرة العزل في حق رؤساء وأعضاء مجالس جماعات من طرف السلطات الإقليمية المعنية، وأشار التقرير إلى مباشرة مسطرة إحالة خمسة ملفات على المجالس الجهوية للحسابات، تتضمن أفعالا تشكل قرائن لمخالفات تستوجب المسؤولية في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، وإحالة 13 ملفا تكتسي صبغة جنائية على أنظار رئاسة النيابة العامة، لاتخاذ المتعين بشأنها.

وأوضح التقرير أن الإجراءات والتدابير المتخذة تختلف حسب طبيعة الخروقات المرتكبة، فمنها ما يكتسي طابعا تقويميا أو تأديبيا ومنها ما يتم إحالته على السلطات القضائية المختصة، ولفت التقرير إلى أنه بالنسبة للاختلالات التي لا تكتسي طابع الجسامة، التي ليس لها وقع على مالية الجماعة وعلى الخدمة الموجهة للمواطن، والتي يمكن تداركها باتخاذ بعض الإجراءات التقويمية، حرصت لجان التفتيش على اقتراح مجموعة من التوصيات لتصحيح الاختلالات المسجلة وتسوية الوضعية، وكذا لتفادي تكرارها مستقبلا.

 

إجراءات تقويمية

بخصوص الحالات التي يتم بشأنها تسجيل خروقات أو تجاوزات في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، أكد التقرير أنه تتم الإحالة على وكيل الملك لدى المحاكم المالية المختصة، كما أنه كلما ثبت ارتكاب أفعال جسيمة مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل أو مخالفة لأخلاقيات المرفق العام أو تمس بمصالح الجماعة، فإنه يتم، بمبادرة من السلطات الإقليمية المعنية، تفعيل مقتضيات المادة 64 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات. أما بخصوص الأفعال ذات الصبغة الجنائية، فتتم إحالتها على السلطات القضائية المختصة.

وأبرز التقرير أن الإجراءات التقويمية المتخذة تبعا لمهام التفتيش والبحث المنجزة، شكلت نسبة 37 في المائة من مجموع التدابير المتخذة، متبوعة بتوجيه السلطات الإقليمية المعنية لتقارير التفتيش والتدقيق إلى المحاكم الإدارية المختصة قصد تفعيل مسطرة عزل رؤساء وأعضاء مجالس جماعات بنسبة 23 في المائة، أما الإحالة على النيابة العامة المختصة فتمثل 15 في المائة من مجموع التدابير المتخذة.

وبخصوص نتائج مهام التفتيش والبحث، يضيف التقرير، تتبنى المفتشية العامة للإدارة الترابية مسطرة عمل تتوخى الموضوعية والحياد والسرية وفق الضوابط المهنية والأخلاقية، حيث يتم عرض الأفعال المسجلة على المعنيين بها، ومنحهم أجالا معقولة للرد والتعليق عليها، وإبداء ملاحظاتهم بشأنها قبل إنجاز التقارير النهائية وفقا للمعايير المعمول بها في هذا الميدان.

وكشف التقرير، أنه تبعا لطلبات مهام التفتيش الواردة عليها من مصادر متنوعة ومتعددة (مصالح مركزية، ولاة وعمال، منتخبون، مجتمع مدني مواطنون …)، والتي قد تفيد بعد إجراء أبحاث أولية بوجود تجاوزات على مستوى تدبير الشأن الترابي تستوجب إيفاد لجان تفتيش، قامت المفتشية العامة للإدارة الترابية ببرمجة وإنجاز مجموعة من مهام التفتيش والبحث في ميادين مختلفة.

وفي هذا الإطار، تم تدبير ملفات ما مجموعه 143 مهمة، منها 80 مهمة تتعلق باختلالات في تدبير شؤون بعض الجماعات الترابية ومجالسها، تضم 41 مهمة منجزة خلال سنة 2025 ، و 39 مهمة خلال سنة 2024 تم استكمال تدبيرها خلال السنة الجارية،  و 57 مهمة تتعلق بمجال تدخل الإدارة الترابية، تضم 24 مهمة منجزة خلال السنة الحالية، و 33 مهمة خلال السنة الماضية، بالإضافة إلى ست مهام بحث ذات مواضيع مختلفة بينها مهمتان أنجزتا خلال السنة الماضية، وتم استكمال الإجراءات المتعلقة بها خلال السنة الجارية.

وقامت المفتشية العامة للإدارة الترابية، خلال هذه السنة، بتدبير 57 مهمة بحث على مستوى مجال تدخل الإدارة الترابية، خلصت إلى تسجيل عدة ملاحظات تهم مجال مراقبة وزجر مخالفات التعمير والبناء. ويتم في حالة ثبوت المسؤولية الشخصية، إعمال المسطرة الملائمة وفقا لما تنص عليه القوانين والأنظمة الجاري بها العمل لاتخاذ التدابير القانونية اللازمة.

تعديل القوانين الانتخابية لتخليق الحياة السياسية

 

تلعب القوانين الانتخابية دورًا محوريًا في تشكيل المشهد السياسي لأي دولة ديمقراطية، فهي ليست مجرد أطر تنظيمية تنظم سير الانتخابات، بل تمثل أدوات أساسية لضمان نزاهة العملية الانتخابية، وحماية المال العام وتعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات المنتخبة. وفي المغرب، أصبح الحديث عن تحديث القوانين الانتخابية وإدراج معايير جديدة لتقييد ترشح الأشخاص الملاحقين بشبهات فساد مالي، موضوعًا متقدمًا في النقاش العام، لما له من انعكاسات مباشرة على جودة التمثيل السياسي واستدامة المسار الديمقراطي.

 

المساواة والمنافسة النزيهة

أولى وأهم وظائف القوانين الانتخابية هي تنظيم الحقوق والواجبات الانتخابية، بما في ذلك حق التصويت وحق الترشح، مع الحفاظ على مبدأ المساواة بين جميع المواطنين. هذا التنظيم يشمل تحديد شروط الأهلية، ومعايير استيفاء الأوراق القانونية، وأطر الطعون القانونية وإجراءات الطباعة والتوزيع والفرز. كل هذه الإجراءات تضمن أن تكون الانتخابات شفافة وعادلة، وتحد من إمكانية التلاعب أو استغلال النفوذ لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة.

من جهة أخرى أصبحت القوانين الانتخابية أداة لتخليق الحياة السياسية، من خلال وضع قيود موضوعية على ترشح الأفراد المتورطين في اختلالات مالية أو فساد إداري. فالمجتمع لا يمكنه أن يثق في مؤسساته إذا تواصل انتخاب أشخاص ثبت تورطهم في تبديد المال العام أو استغلال النفوذ لمصالحهم الشخصية. ومن هنا يبرز الدور المحوري للقوانين الانتخابية، إذ تمنح المجتمع المدني والناخبين ضمانات بأن العملية السياسية قائمة على النزاهة والكفاءة، وليس على الريع أو العلاقات الشخصية.

تجربة المغرب في هذا الصدد، تؤكد أهمية الضوابط القانونية المرتبطة بالمساءلة والمحاسبة. فقد أظهر الواقع أن السماح للمرشحين الملاحقين قضائيًا أو الذين صدرت ضدهم أحكام ابتدائية بالتنافس على المقاعد الانتخابية كان يؤدي إلى انتكاسات في ثقة المواطنين، وإضعاف شرعية المؤسسات المنتخبة. وبالتالي فإن تضمين معايير قانونية واضحة تحدد حالات المنع، مثل التورط في جرائم تبديد المال العام أو الفساد الإداري، يعد خطوة نحو بناء حياة سياسية أكثر شفافية ونزاهة.

إلى جانب ذلك تعمل القوانين الانتخابية على تحفيز المنافسة النزيهة بين الأحزاب والنخب السياسية. فعندما يعلم كل طرف أن المنافسة تخضع لقواعد واضحة وأن التزوير أو الفساد لن يمر دون مساءلة، يصبح التركيز على البرامج السياسية والكفاءات الفردية أمرًا محوريًا. هذه المعادلة تعزز فرص صعود نخب جديدة، تشجع الشباب والكفاءات على الانخراط في العمل السياسي، وتحد من سيطرة شبكات المصالح القديمة على المشهد الانتخابي.

مع ذلك فإن تخليق الحياة السياسية عبر القوانين الانتخابية لا يمكن أن يتحقق بمجرد وضع النصوص القانونية، بل يشترط تطبيقها العادل والمتوازن. هنا يظهر دور المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها المحكمة الدستورية، في مراقبة دستورية هذه النصوص وضمان عدم تجاوزها لحقوق المواطنين الأساسية. إذ يظل مبدأ قرينة البراءة من المبادئ الأساسية التي تجب مراعاتها، ولا يمكن أن تتحول القوانين الانتخابية إلى أداة انتقامية أو لتصفية الحسابات السياسية. الضمانة القانونية، هنا، تكمُن في وضوح الشروط، وموضوعية معايير المنع وإتاحة آليات الطعن، حتى يشعر كل مرشح بأنه يحظى بإنصاف كامل.

 

بين تشديد الشروط وتعزيز المشاركة

 

جانب آخر يجب الانتباه إليه، هو توازن القوانين الانتخابية بين تشديد الشروط وتعزيز المشاركة السياسية. فالإجراءات التي تحدد حالات المنع يجب أن لا تتحول إلى حاجز يحول دون مشاركة المواطنين النزيهين، خاصة الشباب والكفاءات الجديدة، في الحياة السياسية. فالتحدي الكبير يكمن في إيجاد معادلة دقيقة بين منع الفاسدين من الوصول إلى القرار السياسي، وتشجيع المواطنين على الترشح والمشاركة بحرية ونزاهة، بما يضمن تنوعا في التمثيل السياسي ومنافسة حقيقية على البرامج والأفكار.

علاوة على ذلك تعتبر القوانين الانتخابية ركيزة أساسية في تعزيز ثقة المواطنين في المؤسسات. فالناخبون بحاجة إلى أن يروا نتائج واضحة لتطبيق هذه القوانين، عبر تقارير شفافة حول المخالفات والإجراءات المتخذة ضد المخالفين، بحيث يشعرون بأن العملية السياسية ليست مجرد شعار، بل أداة حقيقية لحماية المال العام والنزاهة. هذا الرصد والمساءلة المتواصلة هو ما يرسخ مفهوم المساءلة السياسية ويدفع الحياة الديمقراطية إلى الأمام.

لا يمكن إغفال أن تخليق الحياة السياسية لا يقتصر على القوانين وحدها، بل يرتبط أيضًا بالإصلاح المؤسساتي للأحزاب، وتعزيز الديمقراطية الداخلية فيها وربط الترشيحات بمعايير النزاهة والكفاءة. هذه التكاملية بين القوانين الانتخابية وممارسة الأحزاب تعزز مناخًا انتخابيًا نزيهًا، وتتيح لمختلف الفاعلين السياسيين التعبير عن برامجهم بحرية ومسؤولية.

في المحصلة تلعب القوانين الانتخابية دورًا محوريًا في تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: أولًا حماية المال العام وضمان نزاهة الانتخابات؛ ثانيًا تخليق الحياة السياسية من خلال منع الفاسدين والمرشحين غير الأكفاء من الوصول إلى المؤسسات المنتخبة؛ وثالثًا تعزيز ثقة المواطنين في العملية الديمقراطية وتحفيز المشاركة السياسية الحقيقية. وعندما تتلاقى هذه الأهداف مع تطبيق عادل وشفاف، فإن القوانين الانتخابية تصبح أداة فعالة لبناء ديمقراطية مستقرة ونظام سياسي مستدام يرتكز على الكفاءة والنزاهة والمساءلة.

إن تجربة المغرب الأخيرة في تعديل القوانين الانتخابية واشتراط المعايير الأخلاقية للترشح تعكس وعيًا متزايدًا بضرورة حماية الديمقراطية من الانحرافات المالية والسياسية، وتؤكد أن الطريق نحو تخليق الحياة السياسية طويل ومتصاعد، لكنه ممكن، شرط التوازن بين الحزم القانوني والتشجيع على المشاركة النزيهة، بما يضمن استدامة المؤسسات وثقة المواطن.

 

منع الفاسدين والمتابعين والمحكومين قضائيا من الترشح لمجلس النواب

 

أصدرت المحكمة الدستورية قرارها بخصوص القانون التنظيمي لمجلس النواب، أقرت من خلاله بدستورية المقتضيات الواردة في المادة السادسة من المشروع، والتي سيتم بموجبها منع المتابعين والمحكومين في ملفات الفساد، من الترشح في الانتخابات التشريعية المقبلة، واعتبرت المحكمة أن هذه المادة غير مخالفة للدستور.

وحسب مشروع القانون، يمنع من الترشح لمجلس النواب الأشخاص الذين صدر في حقهم حكم نهائي بالعزل من مسؤولية انتدابية، والأشخاص المحكوم عليهم بمقتضى حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به بعقوبة حبس نافذة أو عقوبة حبس مع إيقاف التنفيذ، كيفما كانت مدتهما، من أجل أحد الأفعال المنصوص عليها في المواد من 62 إلى 65 من القانون التنظيمي لمجلس النواب، التي تنص على أنه يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.000 إلى 100.000 درهم كل من حصل أو حاول الحصول على صوت ناخب أو أصوات عدة ناخبين بفضل هدايا أو تبرعات نقدية أو عينية أو وعد بها أو بوظائف عامة أو خاصة أو منافع أخرى قصد بها التأثير على تصويتهم، سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو بواسطة الغير، أو استعمل نفس الوسائل لحمل أو محاولة حمل ناخب أو عدة ناخبين على الإمساك عن التصويت.

ويحكم بالعقوبات نفسها على الأشخاص الذين قبلوا أو التمسوا الهدايا أو التبرعات أو الوعود المنصوص عليها في الفقرة السابقة وكذا الأشخاص الذين توسطوا في تقديمها أو شاركوا في ذلك، ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.000 إلى 100.000 درهم كل من حمل أو حاول أن يحمل ناخبا على الإمساك عن التصويت أو أثر أو حاول التأثير في تصويته بالاعتداء أو استعمال العنف أو التهديد أو بتخويفه من فقد وظيفته أو تعرض شخصه أو أسرته أو ممتلكاته إلى ضرر.

ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.000 إلى 100.000 درهم كل شخص قام، خلال الحملة الانتخابية، بتقديم هدايا أو تبرعات أو وعود بها أو بهبات إدارية إما لجماعة ترابية وإما لمجموعة من المواطنين، أيا كانت، بقصد التأثير في تصويت الناخبين أو بعض منهم.

كما ينص المشروع على فقدان أهلية الترشح للعضوية في مجلس النواب، الأشخاص الذين صدرت في حقهم أحكام ابتدائية بالإدانة من أجل جناية، والأشخاص الذين صدرت في حقهم أحكام استئنافية بالإدانة يترتب عليها فقدان الأهلية الانتخابية، وكذلك الأشخاص المتابعون على إثر ضبطهم في حالة تلبس بارتكاب السرقة، أو النصب، أو خيانة الأمانة، أو التفالس، أو شهادة الزور، أو تزوير الأوراق العرفية المتعلقة بالتجارة أو البنوك أو الوثائق الإدارية أو الشهادات، أو صنع الأختام أو الطوابع أو طوابع الدولة، أو إصدار شيك بدون رصيد، أو الرشوة، أو استغلال النفوذ، أو الإخلال بواجب التحفظ وكتمان السر في إطار مسطرة إبرام الصفقات العمومية أو الحصول أثناء مزاولة مهنة أو القيام بمهمة على معلومات متميزة واستخدامها لإنجاز أو المساعدة عمدا على إنجاز عملية أو أكثر في السوق، أو تبديد أموال القاصرين، أو اختلاس الأموال العمومية، أو إلحاق أضرار مالية بمصالح الدولة أو الجماعات الترابية أو مجموعاتها أو هيئاتها أو بمؤسسات عمومية أو أي مرفق عمومي آخر، أو التهديد بالتشهير، أو الغدر، أو انتهاك الأعراض أو القوادة أو البغاء أو اختطاف القاصرين أو التغرير بهم أو إفساد أخلاق الشباب أو المتاجرة بالمخدرات.

كما يمنع من الترشح كل من ضبط في حالة تلبس من أجل الحصول أو محاولة الحصول على صوت ناخب أو أصوات عدة ناخبين بفضل هدايا أو تبرعات نقدية أو عينية أو وعد بها أو بوظائف عامة أو خاصة أو منافع أخرى قصد التأثير على تصويتهم، أو القيام، خلال الحملة الانتخابية بتقديم هدايا أو تبرعات «أو وعود بها أو بهبات إدارية إما لجماعة ترابية وإما لمجموعة من المواطنين»، أيا كانت، بقصد التأثير في تصويت الناخبين أو بعض منهم.

ولا يؤهل للترشح للبرلمان الأشخاص المحكومون بعقوبة حبس لمدة تتجاوز ثلاثة أشهر دون إيقاف التنفيذ، أو عقوبة حبس لمدة تتجاوز ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ، من أجل أي جريمة غير الجرائم المشار إليها سابقا، باستثناء الجنح المرتكبة عن غير عمد، بشرط ألا تقترن بجنحة الفرار.

واعتبرت المحكمة الدستورية أن تحديد شروط القابلية للانتخاب أمر أسنده الدستور لقانون تنظيمي، وأن رقابة هذه المحكمة، في ما يخص ذلك، تنصب على التحقق من تقيد المشرع بالنطاق الموضوعي للقانون التنظيمي المعروض، واستيفاء شروط القابلية للترشح المقررة قانونا لمتطلبات الضرورة والتناسب، بوصفهما قيدا تشريعيا يرد على ممارسة الحق السياسي، المكفول دستوريا، للترشح للعضوية في مجلس النواب، مع إتاحة سبل الانتصاف القضائي في كل منازعة تتصل بمباشرة هذا الحق، وأن ما يقرره المشرع، وفق سلطته التقديرية، من تحديد لشروط بغاية تحقيق نزاهة الاقتراع وصدق العملية الانتخابية في كافة مراحلها.

وأوضح قرار المحكمة  أن أعضاء البرلمان يستمدون نيابتهم من الأمة، مما يوجب على المشرع تحديد شروط لا يؤهل وفقها للترشح للعضوية في مجلس النواب، من أدين بارتكاب جرائم معينة، أو ضبط في حالة تلبس بارتكابها خلال الحملة الانتخابية، أو من تم عزله من مسؤولية انتدابية وهو ما يستقل المشرع بتقديره، ويعود للمحكمة الدستورية أمر مراقبته، صيانة لمشروعية التمثيل الديمقراطي، واعتبارا للصلاحيات المسندة دستوريا لمجلس النواب، بصفة خاصة.

واعتبرت المحكمة في قرارها بخصوص القانون التنظيمي لمجلس النواب، أن قرينة البراءة، المكفولة دستوريا، يتمتع بها كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة، أمام القضاء الزجري، أما شروط القابلية للانتخاب، أي أهلية الترشح، فتندرج موضوعا في نطاق التنظيم التشريعي للحقوق السياسية، مما يكون معه المشرع، مخولا، متى تقيد بالأحكام الدستورية، لتحديد موانع الترشح للعضوية في مجلس النواب، في مواجهة من صدرت في حقهم أحكام قضائية، في جرائم يعود إليه أمر تحديدها، دون اشتراط إدانة هؤلاء بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به، أو من توبع إثر ضبطه في حالة التلبس، إذ يعد ذلك من بواعث عدم الاطمئنان إلى صدق ونزاهة العملية الانتخابية، في كافة مراحلها.

وأكدت المحكمة الدستورية أن المشرع بتحديده طبيعة الأفعال الجُرمية المنصوص عليها في البنود 4 و5 و6 و7 من المادة السادسة، المانعة من أهلية الترشح للعضوية في مجلس النواب، يكون قد راعى جسامة الأفعال المرتكبة، مما يكون معه هذا التحديد مبررا ومشروعا ومتناسبا لأجل تحقيق غايات نزاهة العملية الانتخابية، وضمان الثقة في المؤسسة التشريعية.

وأضاف قرار المحكمة أن ما نصت عليه المادة المعروضة من منع مؤقت للترشح للعضوية في مجلس النواب، بالنسبة إلى الأشخاص المتابعين في حالة تلبس بارتكاب جناية أو إحدى الجنح المشار إليها في البند 5 خلال الحملة الانتخابية، وهي جرائم تتعلق بالمروءة والأخلاق والاستقامة وسلامة الذمة، أو بالمس بصدقية وسلامة العملية الانتخابية، والأشخاص الصادرة في حقهم أحكام استئنافية بالإدانة يترتب عليها فقدان الأهلية الانتخابية، والأشخاص الذين صدرت في حقهم أحكام ابتدائية بالإدانة من أجل جناية، وكذا الأشخاص الذين تم عزلهم من مهمة انتدابية، جاء ترتيبا من جهة أولى، لما أقره الدستور من عقوبات، بمقتضى القانون، على كل شخص خالف القواعد والمقتضيات المتعلقة بنزاهة وصدق وشفافية الاقتراع، وعملا من جهة ثانية بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة المقرر في الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور، بالنسبة لمن تم عزلهم من مسؤولية انتدابية، ولم يمس من جهة ثالثة بقرينة البراءة وضمانات المحاكمة العادلة التي تظل محفوظة للأشخاص المعنيين في مسار الدعوى القائمة في مواجهتهم أمام القضاء الزجري، ولم يتجاوز من جهة رابعة حدود ما أناطه الدستور بالمشرع من حماية صدق ونزاهة العملية الانتخابية، بالوقاية من بواعث عدم الاطمئنان إليها، بصفة خاصة، ومن جهة خامسة فإنه لا يترتب على هذه التدابير في هذه الحدود الانتقاص من حقوق الترشح والانتخاب المخولة لسائر المواطنين.

وأبرزت المحكمة أنه يعود للمشرع، تحقيقا لغايات نزاهة وصدق العمليات الانتخابية، وصيانة مشروعية التمثيل الديمقراطي، تحديد موانع أهلية الترشح، على نحو ما تقدم، أو مراجعة اختياراته المتعلقة برفع الموانع المذكورة، وليس للمحكمة الدستورية صلاحية التعقيب على السلطة التقديرية للمشرع في اختيار نوعية التدابير التشريعية التي يرتضيها سبيلا لبلوغ أهداف أو تطبيق قواعد مقررة في الدستور، طالما أن ذلك لا يخالف أحكامه ولا يشوبه أي غلو في التقدير، وأشارت المحكمة في قرارها إلى أن الجزاء المقرر لرفع مانع الأهلية بالنسبة إلى الأشخاص الذين صدر في حقهم حكم نهائي بالعزل من مسؤولية انتدابية، إلى ما بعد انصرام مدتين انتدابيتين كاملتين من التاريخ الذي يصير فيه الحكم المذكور نهائيا، جاء متناسبا مع الغايات الدستورية.

محاربة القضاء للفساد المالي الانتخابي.. تحديات في طريق التخليق

 

يعد الفساد المالي الانتخابي أحد أبرز التحديات التي تهدد نزاهة العملية الديمقراطية واستقرار المؤسسات السياسية، ليس في المغرب فحسب، بل في مختلف الدول النامية والمتقدمة على حد سواء. فاستغلال المال العام أو الخاص لتوجيه نتائج الانتخابات، أو تقديم رشاوى للمسؤولين أو الناخبين، يشكل انحرافًا عن المسار الديمقراطي، ويضعف ثقة المواطنين في مؤسساتهم المنتخبة. في هذا السياق، يبرز دور القضاء كأداة أساسية لمكافحة هذه الانحرافات، وتحقيق تخليق الحياة السياسية عبر ضمان نزاهة المنافسة الانتخابية، ومساءلة المتورطين، وتعزيز الثقة في المؤسسات.

أول ما يقوم به القضاء في هذا المجال هو رصد المخالفات وملاحقة مرتكبيها، سواء كانت عمليات تمويل غير قانونية للحملات الانتخابية، أو تبديد الأموال العامة من قبل المنتخبين، أو التلاعب باللوائح الانتخابية. وتُعد المحكمة الدستورية، بمثابة الضامن الأول لسلامة العملية الانتخابية، حيث تصادق على قوانين الانتخاب وتضمن توافقها مع المعايير الدستورية، بما يشمل وضع ضوابط صارمة لمنع ترشح الأشخاص الملاحقين بشبهات فساد مالي أو إداري. هذه الإجراءات تمنع استغلال النفوذ المالي في الانتخابات وتخلق بيئة عادلة لجميع المنافسين.

وتعتبر مساءلة الفاسدين قضائيًا خطوة حاسمة نحو تخليق الحياة السياسية، إذ أن استمرار وصول أشخاص متورطين في جرائم مالية إلى مراكز القرار يؤدي إلى ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب، ويضعف مصداقية المؤسسات. في المقابل، يبعث اتخاذ الإجراءات القضائية الصارمة رسائل واضحة بأن الانحراف المالي أو استغلال السلطة لن يمر دون مساءلة، ويشجع المرشحين النزيهين على المشاركة في الحياة السياسية بثقة واستقلالية.

ومن أهم الآليات التي يعتمدها القضاء لتحقيق هذا الهدف، إمكانية منع الأشخاص المتورطين في قضايا فساد مالي من الترشح للانتخابات، سواء كانت محلية أو وطنية. هذه الخطوة لا تهدف إلى العقاب الشخصي، بل إلى حماية المال العام وضمان نزاهة العملية الانتخابية. ففي المغرب، شهدت السنوات الأخيرة جدلاً واسعًا حول تعديل القوانين الانتخابية لإدراج معايير تمنع ترشح المسؤولين الذين صدرت ضدهم أحكام ابتدائية تتعلق بتبديد المال العام، أو من هم موضوع شكايات جدية. وأكد خبراء القانون أن هذا الإجراء يمكن أن يسهم بشكل مباشر في تخليق الحياة السياسية، من خلال تقليص نفوذ شبكات المصالح القديمة والحد من استغلال الموارد العامة لتحقيق مكاسب انتخابية شخصية.

لكن القضاء وحده لا يكفي؛ إذ يجب أن يتكامل دوره مع إصلاحات مؤسساتية أخرى، تشمل الأحزاب السياسية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام. فالأحزاب مسؤولة عن اختيار مرشحيها وفق معايير النزاهة والكفاءة، والمجتمع المدني عن المراقبة المستمرة، والإعلام عن فضح المخالفات وتقديم المعلومات الصحيحة للمواطنين. بهذا التكامل، يتحول القضاء من مجرد أداة ردعية إلى شريك فعال في بناء بيئة سياسية شفافة، وتأسيس ثقافة المحاسبة والمساءلة.

كما أن مكافحة الفساد المالي الانتخابي تدعم الثقة بين المواطن والمؤسسة السياسية، وهو عامل أساسي لاستقرار الدولة وتعزيز الديمقراطية. عندما يرى الناخبون أن القوانين تطبق بصرامة، وأن المتورطين في الفساد المالي يُحاسبون، فإن ذلك يزيد من مشاركتهم السياسية، ويعزز شعورهم بالمسؤولية تجاه العملية الانتخابية، ويحفزهم على التصويت لأشخاص نزيهين وملتزمين بمبادئ الشفافية.

ومع ذلك، يظل تحدي تحقيق توازن بين منع الفاسدين من الترشح وحماية حقوق الأفراد الأساسية قائمًا. فالمرشحون الموقوفون أو الملاحقون يجب أن يتمتعوا بحق الدفاع والمحاكمة العادلة، ويجب أن تكون أي إجراءات قضائية متناسبة وموضوعية، بحيث لا تتحول إلى أداة للانتقام السياسي أو تصفية الحسابات. هنا يبرز دور المحكمة الدستورية والهيئات القضائية المستقلة في ضمان تطبيق القوانين بشكل عادل ومتوازن، بما يضمن حقوق الجميع ويحافظ على مصداقية القضاء.

أخيرًا، يمكن القول إن دور القضاء في محاربة الفساد المالي الانتخابي لا يقتصر على العقاب فقط، بل يمتد ليشمل حماية الديمقراطية وبناء ثقافة سياسية جديدة، قائمة على الشفافية والمساءلة والنزاهة. فالسلطة القضائية، عبر مراقبة التمويل الانتخابي، ومنع المتورطين في تبديد المال العام من الوصول إلى مراكز القرار، ومتابعة المخالفين قضائيًا، تؤسس لبيئة سياسية أكثر احترامًا للقانون، وتشجع المرشحين على المنافسة النزيهة، وتكسب المواطنين الثقة في المؤسسات.

وبهذه الطريقة، يصبح القضاء أداة فعالة لتخليق الحياة السياسية، وضمان أن تكون الانتخابات ليست مجرد منافسة على المقاعد، بل مساحة لتجسيد قيم النزاهة، والكفاءة، والمساءلة، وهي القيم التي تشكل العمود الفقري لأي نظام ديمقراطي مستدام.

 

«تخليق الحياة السياسية يتحقق بإجراءات ملموسة تضع حدا لظواهر أضرت بصورة العمل السياسي»

 

 

– ما أهمية تصديق المحكمة الدستورية على القوانين الانتخابية التي تتضمن إجراءات تمنع الملاحقين بشبهات الفساد، خاصة المرتبطة بتبديد المال العام، من الترشح؟

 

أعتبر تصديق المحكمة الدستورية على القوانين الانتخابية، سيما تلك التي تتضمن مقتضيات تقيد أو تمنع الترشح، مسألة جوهرية وحاسمة من زاوية دولة القانون. نحن نتحدث هنا عن قوانين تمس أحد الحقوق الدستورية الأساسية، وهو الحق في الترشح والانتخاب، المنصوص عليه صراحة في الدستور. لذلك فإخضاع هذه القوانين لرقابة المحكمة الدستورية يشكل ضمانة أساسية لتفادي أي مساس غير مشروع بهذا الحق، أو أي انزلاق نحو التضييق غير المبرر على الفاعلين السياسيين.

المحكمة الدستورية لا تشتغل بمنطق سياسي أو ظرفي، بل تعتمد مقاربة قانونية دقيقة، توازن بين عدة مبادئ دستورية، من بينها قرينة البراءة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وحماية المال العام وضمان نزاهة وشفافية العمليات الانتخابية. عندما تصادق المحكمة الدستورية على مقتضيات تمنع فئات معينة من الترشح، فذلك يعني أنها رأت في هذه المقتضيات انسجاما مع روح الدستور ومع الهدف الأسمى المتمثل في حماية المصلحة العامة.

التصديق يقطع الطريق، أيضا، أمام أي تأويلات يمكنها أن تعتبر هذه القوانين انتقائية أو موجهة لتصفية حسابات سياسية. فالمحكمة الدستورية، باعتبارها مؤسسة مستقلة، تمنح النصوص القانونية شرعية دستورية قوية وتجعلها محصنة نسبيا ضد الطعن في مشروعيتها. وهذا أمر أساسي في سياق يتسم أحيانًا بعدم الثقة في العملية السياسية، حيث يصبح دور المؤسسات الدستورية حاسما في إعادة الاعتبار للقانون.

 

  • هل يمكن اعتبار هذه الإجراءات مدخلا حقيقيا لتخليق الحياة الانتخابية والسياسية، أم أنها تبقى مجرد إجراءات شكلية؟

 

أعتقد أن هذه الإجراءات، إذا ما أُحسن تنزيلها، يمكن أن تشكل بالفعل مدخلا أساسيا لتخليق الحياة الانتخابية والسياسية، لكن بشرطين أساسيين: أولا وضوح القاعدة القانونية وثانيا عدالة تطبيقها. تخليق الحياة السياسية لا يتحقق بالشعارات، وإنما بإجراءات ملموسة تضع حدا لظواهر أضرت كثيرا بصورة العمل السياسي، وعلى رأسها توظيف المال العام، واستغلال النفوذ والإفلات من المحاسبة.

لا يمكن الحديث عن ديمقراطية حقيقية في ظل استمرار أشخاص تلاحقهم شبهات قوية مرتبطة بتبديد المال العام في تقلد مناصب تمثيلية، وكأن شيئا لم يكن. هذا الوضع يساهم في تعميق عزوف المواطنين عن المشاركة السياسية، ويغذي الإحساس بأن السياسة مجال مغلق يحكمه منطق الريع والامتيازات، وليس الكفاءة والنزاهة. من هنا فإن وضع قيود قانونية على الترشح، مرتبطة بحماية المال العام، يبعث برسالة قوية مفادها أن المسؤولية السياسية ليست امتيازا دائمًا، بل هي أمانة تخضع للمحاسبة.

غير أنني أؤكد، في الوقت نفسه، أن التخليق لا يعني الإقصاء العشوائي. لا بد من احترام مبدأ التناسب، أي أن تكون القيود مفروضة في حالات محددة، ومرتبطة بمعايير موضوعية، مثل صدور أحكام قضائية أو وجود قرائن قوية ومؤطرة قانونا. إذا تحقق ذلك فإن هذه الإجراءات ستساهم في رفع منسوب الثقة في المؤسسات المنتخبة، وستشجع نخبًا جديدة ونزيهة على الانخراط في العمل السياسي، بدل ترك الساحة لأشخاص ارتبطت أسماؤهم بسوء التدبير.

 

– هناك من يعتبر أن تضييق شروط الترشح يمكن أن يتعارض مع قرينة البراءة، خاصة في حالات المتابعة دون حكم نهائي.. كيف تردون على هذا الطرح؟

 

هذا نقاش قانوني مشروع ومهم ولا يمكن التعامل معه باستخفاف، فقرينة البراءة مبدأ دستوري ثابت ولا يجوز المساس به تحت أي ذريعة. غير أن الإشكال يكمن في الخلط بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية السياسية. فالمتابعة القضائية، حتى وإن لم تنته بحكم نهائي، تطرح سؤالا أخلاقيا وسياسيا حول أهلية الشخص لتولي مسؤولية تمثيلية، خاصة إذا تعلق الأمر بتدبير المال العام.

من منظور القانون الدستوري، يمكن للمشرع أن يضع قيودا على ممارسة بعض الحقوق، شريطة أن تكون هذه القيود مبررة ومتناسبة وهادفة إلى حماية مصلحة عامة. منع الترشح في حالات معينة لا يعني إدانة الشخص جنائيا، بل هو إجراء احترازي يروم حماية الثقة في المؤسسات. وهنا يبرز دور المحكمة الدستورية في ضبط هذا التوازن الدقيق، حتى لا يتحول المنع إلى عقوبة مقنعة.

الأهم أن تكون القاعدة واضحة، وأن تُربط حالات المنع بمعايير دقيقة، مثل صدور تقارير رسمية، أو قرارات قضائية ابتدائية أو استئنافية، أو ثبوت اختلالات جسيمة في التدبير. ويجب، كذلك، توفير آليات الطعن والإنصاف، حتى لا يشعر أي طرف بأنه مستهدف ظلما. بهذا المعنى يمكن التوفيق بين قرينة البراءة ومتطلبات تخليق الحياة العامة.

 

  • كيف يمكن للمغرب الموازنة بين تشديد شروط الترشح وتعزيز مشاركة المواطنين والنخب؟

 

التحدي الكبير، هنا، يكمن في إيجاد التوازن بين منع المفسدين من تولي المسؤوليات العامة، وفي الوقت نفسه، تشجيع مشاركة المواطنين، خصوصا الشباب والنخب الجديدة، في الحياة السياسية. أي تشديد غير محسوب يمكن أن يؤدي إلى إحجام المواطنين عن الترشح، ويضعف التنافسية، ما من شأنه أن ينعكس سلبًا على جودة الديمقراطية. من الضروري، إذن، أن ترافق الإجراءات القانونية برامج توعية وتواصل، توضح للمواطنين سبب هذه القيود وأهدافها، حتى لا يتحول الترشيد إلى تضييق شعبي أو استبعاد غير مبرر.

 

الإصلاح لا يقتصر على وضع القوانين فحسب، بل يجب أن يمتد إلى إصلاح الأحزاب وممارسة الحياة الداخلية بها، عبر اعتماد معايير شفافة في الترشيحات، وربط التزكيات بالأهلية والكفاءة والنزاهة. هذه الممارسة ستشكل جسرًا بين القانون والممارسة السياسية الحقيقية، وستعزز الثقة في المؤسسات والانتخابات.

 

  • ما الضمانات القانونية والمؤسساتية التي يجب توفيرها حتى لا تتحول هذه الإجراءات إلى أداة للإقصاء السياسي أو تصفية الحسابات؟

 

الضمانة الأولى والأساسية هي استقلال القضاء. بدون قضاء مستقل وفعال، تصبح كل القوانين، مهما كانت نواياها حسنة، عرضة لسوء التطبيق. القضاء هو الجهة المخولة لتحديد وجود شبهات جدية من عدمها، وللفصل في النزاعات المرتبطة بالأهلية الانتخابية. فضلا عن أن تمكين المعنيين من حق الطعن أمام المحاكم، بما فيها المحكمة الدستورية عند الاقتضاء، يشكل صمام أمان ضد أي تعسف.

الضمانة الثانية تتمثل في الشفافية، يجب أن تكون معايير المنع معروفة للرأي العام ومطبقة على الجميع دون استثناء. الانتقائية في التطبيق أخطر ما يمكن أن يهدد هذه الإصلاحات، لأنها تعيد إنتاج منطق «الكيل بمكيالين» وتفقد القوانين مصداقيتها.

أما الضمانة الثالثة فهي الربط بين الإصلاح القانوني والإصلاح السياسي الشامل. فلا يمكن تحميل القوانين الانتخابية وحدها مسؤولية تخليق الحياة السياسية. الأمر يتطلب، أيضا، إصلاح الأحزاب، وتعزيز الديمقراطية الداخلية وربط التزكيات بمعايير النزاهة والكفاءة. عندما تلتقي إرادة المشرع مع إرادة الأحزاب والمجتمع، يمكن، حينها، الحديث عن مسار حقيقي نحو تخليق الحياة الانتخابية والسياسية.

في النهاية أرى أن المغرب أمام فرصة حقيقية لتعزيز ثقة المواطنين في مؤسساته المنتخبة، شريطة التعامل مع هذه القوانين بروح الدستور لا بمنطق الحسابات الضيقة، وأن يكون الهدف الأسمى خدمة الصالح العام وترسيخ دولة القانون والمؤسسات. هذه الإصلاحات، إذا أُحسن تنزيلها، ستخلق مناخًا انتخابيًا أكثر نزاهة، وستساهم في إخراج الحياة السياسية من منطق الريع والامتيازات إلى منطق الكفاءة والمساءلة والشفافية، بما يحقق تطلعات المجتمع المغربي في ديمقراطية راشدة ومستدامة.

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى