
حسن البصري
مهما اختلف الناس، حول سر اختيار «جحا» تميمة رسمية لكأس العرب، التي تدور أطوارها في الدوحة، إلا أنه بعد دوران الكرة حول نفسها، يتبين أن اختيار شخصية جحا الساخرة كان صائبا، وأن الوضع الكروي عربيا أحوج إلى جرعات الحكمة العميقة لهذا الرجل الساكن في أذهاننا منذ أن صادفناه بين دفتي مقررات فصولنا الابتدائية.
في دورة كأس العرب، يصر مشجعو المنتخب الجزائري على التحالف مع نظرائهم التونسيين، فيبرمون معاهدة التشجيع المشترك، بالحماس نفسه الذي ميز مساندة مغاربة قطر للسودانيين في مباراتهم أمام الجزائر.
حين سجل لاعب تونسي هدفا في مرمى المنتخب الفلسطيني، صادر فرحته احتراما لشعب يضمد جراحه، وحين سجل لاعب فلسطيني هدف التعادل انتابته فرحة هيستيرية كأنه أسقط طائرة تجسس إسرائيلية.
في ملاعب الدوحة، عجز جحا عن فهم سر الصراع الخفي بين عرب آسيا وعرب إفريقيا، الصراع امتد ليشمل المعلقين الرياضيين في الفضائيات والأرضيات، فجاء تعليقهم منسجما مع جنسياتهم.
في شوارع وأسواق وساحات الدوحة تصنع التحالفات الجماهيرية، وتنسج الاتفاقيات غير المكتوبة: «تشجعني أشجعك»، «تعاديني أبهدلك» والبادي أظلم.
الوضع لا يبعث على الاطمئنان وشعارات القومية العربية مجرد كلمات انتهت صلاحيتها مع نهاية عهد عبد الناصر والقذافي.
في أول زيارته لمصر بعد أن أصبح رئيسا للجماهيرية العربية الشعبية الاشتراكية الليبية، فاجأ معمر القذافي ملهمه جمال عبد الناصر بطلب توحيد القوات المسلحة المصرية والليبية في جيش واحد.
أمام صعوبة المقترح، سيطلب عبد الناصر مهلة للتفكير. بعد تسعة أشهر مات الرئيس المصري، فأجرى معمر تعديلا على الملتمس السابق، وطالب بشراء قبر الراحل.. لكن سيموت القذافي دون أن يجد قبرا، يا لمكر الصدف.
جمال ومعمر لم يكن لهما شغف بالرياضة، فقد سجل الرئيس المصري حضوره في مباراة جمعت الأهلي والزمالك، فقط لأن ريعها خصص لتسليح الجيش المصري.
أما معمر فكان رافضا لفكرة «كأس العرب» واعتبر التنافس بين الدول العربية ضربا للقومية التي أعلن نفسه أمينها الدائم.
في سنة 1976، قامت جماهيرية القذافي بمنع رياضتي الملاكمة والمصارعة، بناء على ما جاء في الفصل الثالث من الكتاب الأخضر.
منع القذافي إجراء مباراة رسمية بين منتخبي ليبيا والجزائر، سنة 1989، وتسبب القرار في تجميد مباريات كرة القدم الليبية، وتوقيف نشاطها الدولي لسنوات، بعد أن اندلعت مظاهرات أريق فيها دم جمهور الكرة.
أما الحكم التونسي ناجي الجويني، الذي جاء يحمل تعيينا لقيادة المباراة، فمنع من ولوج ملعب المدينة الرياضية بطرابلس، فعاد إلى بلاده بعد أن بارك القرار مكرها.
في فترة حكم القذافي، أصدرت الأمانة الشعبية العامة للإعلام قرارا يمنع ذكر أسماء لاعبي فرق كرة القدم أثناء التعليق على المباريات، واقتصر الموضوع على ذكر المعلقين لأرقام قمصان اللاعبين فقط بدل أسمائهم.
وفي تصريحات صحفية قال القائم بأعمال رئيس اتحاد كرة القدم الليبي سابقا، عصام الكاديكي، إن قرار منع أسماء اللاعبين جاء من القذافي نفسه «خوفا من شهرتهم التي قد تفوق شهرته».
وحين ضغط نجل الزعيم الليبي على والده ودعاه لدعم مقترح تنظيم الجماهيرية لبطولة عربية، انسحبت مصر بعد خلافات بين الرئيسين المصري محمد أنور السادات والليبي معمر القذافي، فضاعت القومية في الساحة الخضراء.
ضدا على توجهات والده معمر، سيعلن الساعدي القذافي، نفسه زعيم الكرة في ليبيا، سيعيد إعمار ملاعب حولها والده إلى فضاءات للخطب الثورية، سيصبح عميدا للمنتخب الليبي ورئيسا لاتحاد كرة القدم واللجنة الأولمبية الليبية وسيخصص لنفسه جائزة أفضل لاعب، وسيوصي باعتماده تميمة لدورة عربية آتية لا ريب فيها.





